سير وأعلام شريعة وقانون

سير وملامح قانونية

هذا حديث أعددته لجلسة رمضانية مسائية، عن ملامح وسير قانونية. هذا اللقاء بتنظيم من مقهى تشكيل، ضمن مبادرة الشريك الأدبي المنبثقة عن وزارة الثقافة، بالتعاون مع أمانة الرياض، ويقام اللقاء في ليلة قمراء بممشى الأمير سلطان بجوار معرض حي الملك سلمان. وقد أردت قصر الحديث فيها على بعض السير والملامح القضائية والقانونية التي ربما تغيب أو بعضها، أو تخفى معلوماتها لوجودها في غير مظانها. مادة هذه الأمسية باب من ملح العلم التي تنشط الذهن، وتمتع السامع والقارئ، فيما أحسب وأتمنى. 

قبل أيّ شيء: يحسن التنبيه إلى أن المسيرة القضائية والقانونية بدأت تتطور في الدولة السعودية الحديثة شيئًا فشيئًا، مع تمسكها بأصولها الشرعية التي إثاقل عنها غيرنا زمنًا، لكنهم اكتشفوا بعد مدة غير طويلة ألّا مناص لهم منها، ولأجل ذلك خفتت كثير من دعوات الغلو التي تنادي بإقصاء الشريعة الإسلامية؛ لأن العقلاء أيقنوا أنها قدر البلاد الإسلامية، ولأن البصراء شهدوا على تفوقها في الفقه، والأصول، والمقاصد، والسياسة الشرعية، التي أثرت القانون وأثّرت فيه، دون إنكار إفادة الفقه وأربابه من صياغات القانون وتقسيماته ومجالاته.

عندما دخل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى الحجاز بداية من عام (1343=1924م)، وجد أن البيئة القضائية والقانونية والتنظيمية فيه أكثر تطورًا وفعالية من الموجود في نجد والأحساء، هذا الواقع يمكن فهمه بحكم ارتباط إداري سابق، وتقدم تعليمي لافت، فاستفاد الملك المؤسس من الوضع القائم غاية الإفادة، ولم يتوان عن تطويره وتعميمه، ولذا قرّب إليه مجموعة من القضاة وفقهاء الدستور، ودارسي القانون كما سيأتي، وانتفعت منهم الدولة وأنظمتها وتنظيماتها، والله يغفر للجميع، ويرحمهم، ويتولاهم بعفوه ورضوانه. 

من هؤلاء الأكارم مثلًا: الشريف محمد شرف عدنان الذي جعله الملك عبدالعزيز أول رئيس لأول مجلس شورى تكوّن عقب ضم الديار المقدسة واسترجاع حكم الأسرة السعودية عليها. شارك الشريف في عدة مجالس أهلية وتمثيلية، وترأس جلسات المؤتمر الإسلامي، وهو يجيد عدة لغات. منهم السيد محمد عبدالوهاب نائب الحرم الذي درس القانون في تركيا، وتولت أسرته النيابة في الحرم بأداء بعض الأعمال فيه بضعة قرون، وترأس أول مجلس بلدي في مكة، وهو والد السيد أحمد عبدالوهاب نائب الحرم آخر رئيس للتشريفات الملكية، وأول رئيس للمراسم الملكية، وهو رجل دولة بامتياز، ومشهور بالكتمان لدرجة لافتة.

كذلك منهم الشيخ محمد عبدالقادر مغيربي فتيح، دارس القانون في لوزان، والمتقن لعدة لغات، والمرتبط بعلاقات وثيقة مع دول وزعامات في الجزيرة العربية وخارجها. لم يرق مغيربي للشريف حسين بسبب ميوله المعلنة للملك عبدالعزيز والدولة السعودية ودعوتها، فغادر الحجاز لتركيا، وهناك ألّف كتابًا في الدفاع عن الدولة السعودية والدعوة السلفية باللغة التركية، ثم استدعاه الملك عبدالعزيز ليلتحق به بعيد دخوله للحجاز. وحين برزت فكرة المؤتمر الإسلامي طلب الملك عبدالعزيز من كبار مدن الحجاز ترشيح من يرونه نيابة عنهم، على أن يرشح الملك ثلاثة أشخاص من عنده، فاتفق أن الملك عبدالعزيز والمدن الحجازية الكبرى رشحت الشيخ محمد مغيربي ضمن وفودها حتى قال الملك عبدالعزيز: “نحمد الله الذي جعل شوفتي وشوفة قومي واحدة”.

هؤلاء الأماجد الثلاثة: الشريف شرف عدنان، والسيد عبدالوهاب نائب الحرم، والشيخ محمد مغيربي، كانوا من ضمن سبعة عشر خبيرًا كتبوا رسالة للملك عبدالعزيز تتضمن مقترحات وجيهة منها تسمية الدولة بالمملكة العربية السعودية، وإصدار عدة أنظمة دستورية للبلاد تنظم شؤون الحكم، وتوارث العرش، وما يتصل بها بغية تحقيق الصالح العام، وكان أول الموقعين على هذه المقترحات الأستاذ فؤاد حمزة، وهو لبناني قانوني من أنصار القضايا العربية، وأصحاب العاطفة الإسلامية، وقد وفد على الملك عبدالعزيز بناء على ترشيح عارفي فؤاد الذين استجابوا لطلب من الملك بترشيح كاتب مؤهل يجيد اللغات، وذي مقدرة علمية وعملية. هؤلاء النبلاء السبعة عشر ذكرهم الكاتب د.بندر بن معمر في مقال جميل له بصحيفة الشرق الأوسط قبل ثلاثة أعوام، وذكرهم الكاتب عمر بن عبدالله آل سليم في مقال بصحيفة المدينة قبل أحد عشر عامًا.

ثمّ تولى فؤاد بعد وصوله إلى المملكة عام (1345=1926م) رئاسة لجنة وضع الأنظمة وصياغتها، وشارك معه الشيخ محمد مغيربي وآخرون؛ لأنه فاز بثقة الملك وكبار رجال الدولة. وللأستاذ فؤاد سيرة من جزأين من مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز، وهو أول وكيل لوزارة الخارجية، وأول سفير للسعودية بمسمى سفير، وسفارته كانت في فرنسا. بعد وفاته آلت مكتبته لدارة الملك عبدالعزيز، وهي من أنفس محفوظات الدارة. ولما بلغ الملك عبدالعزيز نعيه وخبر وفاته المبكرة حزن كثيرًا، ولم يستقبل أحدًا في مكتبه ذلكم اليوم، وأبرق لأسرته عزاءه قائلًا: ” فقده علينا كفقده عليكم. إنا لله وإنا إليه راجعون”.

أما إذا ذهبنا خارج الحدود لتتبع سير السعوديين المقيمين في الجوار العربي، فسوف نجد أسماء سبقت غيرها في دراسة القانون، منهم الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم البسام الذي تخرج في جامعة بغداد عام (1356=1937م)، وحصل منها على شهادة الحقوق. ولأنه من أوائل دفعته أعجب به أستاذه الفقيه القانوني د.عبدالرزاق السنهوري، وأخذه معه إلى القاهرة فنال درجة الماجستير في القانون من جامعة فؤاد الأول عام (1358=1939م)، وسمت به الهمة فنوى إكمال دراسة القانون في فرنسا لولا العدوان الثلاثي، وشهد له معاصروه بالبراعة القانونية والتدريسية في جامعة بغداد، وفيما بعد نال أخوه أحمد شهادة الدكتوراه في القانون التجاري من جامعة باريس الأولى سنة (1373=1954م)، وبالمناسبة فعبدالرحمن البسام واحد من عدة سعوديين تلقوا علم القانون على العلامة السنهوري، ومثله الحصين، وقبله الحجيلان الذي أدى امتحانًا شفهيًا عند السنهوري فقال له: لو كنت مكان زعماء بلادك لقطعت رأسك!

ويلي البسام الشيخ إبراهيم السليمان العقيل (1330-1420= 1911-1999م) الذي تخرج في كلية الحقوق بجامعة بغداد عام (1358=1939م)، وله تطبيقات عدلية صارمة مع الشرطة العراقية في البصرة، وأصدر عام (1367=1948م) حكمًا بالقتل على تاجر في البصرة من أصول سورية بناء على إدانته بجرائم تخريبية ثبتت عليه باليقين مع اعترافه بتوريد الأسلحة للمساعدة في اغتصاب أرض فلسطين، ولم تجد الحكومة العراقية بدًا من تنفيذ الحكم وصمّ الآذان عن المطالبات البريطانية والأمريكية لتخفيف الحكم. وقد عاد العقيل للسعودية فيما بعد وتوفي فيها، وأخبرني نجله الأكبر نزار أن د.مطلب النفيسة أثنى على تبكير والده في دراسة القانون، ومن جيله القانوني عبدالرزاق بن أحمد بن حمد الحمود الذي تخرج في الجامعة المصرية عام (1939م)، ثمّ رجع للمملكة وعمل مستشارًا في مجلس الوزراء في عهد الملكين سعود وفيصل، وبعدهما المحامي سعود بن عبدالعزيز العقيل (1340-1425=1922-2004م) الذي تخرج في حقوق بغداد عام (1945م)، وربما فاتت عليّ أسماء أخرى.

كذلك ممن سكن خارج البلاد من السعوديين، ودرس القانون سواء في العراق أو غيره، ولهم مكانة ثقافية أو قانونية كبيرة، الروائي السعودي عبدالرحمن منيف (1352-1424=1933-2004م) الذي لم يكمل دراسته في بغداد بسبب إبعاده منها لمشاركته في مظاهرة احتجاجًا على حلف بغداد؛ ولذلك سافر إلى مصر، وحصل على شهادة الحقوق في جامعتها. منهم أيضًا الشاعر السعودي محمود البريكان (1350-1422=1931-2002م) حيث نال الشهادة من جامعة بغداد، ويضاف إليهما وهو أقدم منهما القانوني السعودي د.عبدالحسين الفارس القطيفي (1337-1425=1919-2006م) الذي حصل على شهادته الجامعية الأولى في جامعة بغداد، ثمّ أكمل مشواره العلمي في فرنسا، وبعد عودته درّس في جامعة بغداد، وأصبح عميدًا لكلية الحقوق فيها، ومن كبار أساتذة القانون الدولي، وارتقى لعدة مناصب في وزارة الخارجية، قبل أن يتعرض لإيذاء مادي ومعنوي من حكومة البعث، وهؤلاء الثلاثة من جملة شخصيات متنازع عليها بين أكثر من بلد مثلما كتب الأستاذ محمد رضا نصر الله، ويضاف لهم الأديب والمترجم السعودي نجيب المانع (1926-1991م) الذي نال شهادة الحقوق من جامعة بغداد عام (1951م). وممن تخرح بعده في حقوق بغداد عام (1952م) أول سفير سعودي في عمان الشيخ صالح الصقير.

وممن نال شهادة متميزة في القانون في وقت مبكر جدًا، الأستاذ عبدالرزاق الريس (1339-1404=1920-1983م)، الذي درس في جامعة جنوب كاليفورينا، وحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص “شؤون عمالية” أواسط الستينات الهجرية والأربعينات الميلادية، وعاد للمملكة، وراجع نظام مجلس الوزراء الصادر حينذاك بطلب من الملك فيصل بعد أن نشر عدة مقالات انتقد فيها النظام في صياغته ومضمونه. عمل الريس في عدة مناصب منها رئاسة مكتب العمل والعمال المرتبط بمجلس الوزراء مباشرة، ثمّ بعد إشكالات عمالية انتقل لشركة الكهرباء وغيرها إلى أن استقل بعمله الحر، وهو شاعر غيور على بلاد العرب، وله ديوان شعر مخطوط قد يطبع قريبًا، وبالمناسبة فمن الملاحظ كثرة الأدباء والشعراء والمؤرخين من القانونيين، ولا غرابة في ذلك لارتباط القانون باللغة والتاريخ.

كما وجدت أن من أوائل السعوديين الذين درسوا في كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول بمصر: السفير عبدالرحمن البسام وهو غير سميه السابق، وقد عمل سفيرًا في عدة بلاد، وهو أول سفير للسعودية بتونس، علمًا أنه والد د.ابتسام البسام أول موظفة خليجية في اليونسكو. ويليه السفير عبدالرحمن الحليسي والد هدى الحليسي أول سعودية تحصل على منصب في هيئات الاتحاد البرلماني الدولي. ثم الشيخ جميل الحجيلان السفير الأول في الكويت، والوزير الأول للإعلام، وأول سعودي يصبح أمينًا عامًا لمجلس التعاون الخليجي، ثمّ الشاعر مقبل بن عبدالعزيز العيسى الذي يجيد لغتين وأصدر عدة دواويين شعرية، ومثّل المملكة في هيئة الأمم المتحدة واليونسكو وجامعة الدول العربية، وكذلك الشيخ أحمد زكي يماني وزير البترول الشهير جدًا، والأستاذ عبدالرحمن البيز السفير السعودي في سويسرا.

عقب ذلك توافدت جموع الطلبة على كلية الحقوق بالقاهرة والإسكندرية، ومنهم مع حفظ الألقاب ودون ترتيب زمني: محمد الملحم، وغازي القصيبي، وعبدالله العمران، وصلاح الحجيلان، ومحمد بن زرعة، ومحمد الفايز، وفيصل الحجيلان، ومطلب النفيسة، وفؤاد الفارسي، وغيرهم. يلاحظ القارئ أنهم من الأسماء المعروفة في الوزارة أو المحاماة أو التدريس الجامعي. ممن درس بمصر وتخرج في زمن بعدهم د.محمد بن حمد الهوشان الذي حصل على البكالوريوس من جامعة القاهرة عام (1955م)، والدكتوراه من جامعة باريس الأولى عام (1965م)، ومنهم السفير عبدالرحمن بن إبراهيم القاضي، حفيد شاعر نجد الكبير محمد العبدالله القاضي. عمل القاضي في الخارجية متنقلًا بين عدة سفارات، وهو شاعر له خمسة عشر ديوانًا، ومن طرائفه أنه عندما انتقل من العمل سفيرًا في البحرين إلى العمل سفيرًا في السويد عبّر عن هذا التحول بقوله: من الفرن إلى الثلاجة!

ومن قدماء السعوديين في الحصول على الدكتوراة في القانون المحامي د.محمد سعيد العوضي، خريج مدرسة الفلاح، ثم الدارس في تخصصي الإجتماع والقانون بجامعة مصر، وبعدها التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج فيها عام (1948م) تقريبًا. عقب ذلك درس في جامعة “تولاين” بأمريكا ثم حصل على الدكتوراة في القانون من جامعة “قولدن ستيت يونيفيرسيتي” قريبًا من عام (1952م)، وهو من أقدم السعوديين الحاصلين على شهادة الدكتوراة -إن لم يكن الأقدم على الإطلاق- ومن أوائل المحامين المجازين للعمل في المملكة -إن لم يكن أولهم- لتضلعه في علوم الشريعة والقانون، وله مقالات أسبوعية تنشر في أكثر من صحيفة بعنوان أحاديث.

منهم كذلك القانوني عبدالكريم السنان، وقبل الجميع المحامي محمد السواحة محامي التجار النجديين في الزبير، ولا أدري إن كانت معه شهادة جامعية أم لا؛ بيد أنه كان المنافح عن تجارنا في العراق والزبير بخاصة، ومثله في المدينة النبوية الشيخ يوسف نصيف والد د.حسن وزير الصحة الأسبق، وكان الشيخ يوسف متمكنًا في الفقه والحجاج ورفع الدعوى. مما يظهر بجلاء أنه مع نشأة الدولة تركز دارسو القانون في الحجاز، وأبناء العقيلات في الشام ومصر، وأهل الزبير، ثمّ في الأحساء والقطيف.

من الملامح المهم التنويه إليها في مثل هذه المناسبة، أن إتاحة دراسة القانون للطلاب بدأت في معهد الإدارة أولًا قبل ستة عقود تقريبًا في برنامج ماجستير، ثمّ تلاه برنامج البكالوريوس في جامعة الملك سعود قبل نصف قرن تقريبًا، بينما افتتحت أقسام القانون للطالبات قبل عشرين سنة تقريبًا، وكانت البداية من جامعات الملك عبدالعزيز بجدة، فالملك سعود والأمير سلطان بالرياض، والآن يوجد أكثر من ثلاثين كلية أو قسم تدّرس القانون في المملكة للجنسين، إضافة إلى الأثر الكبير في هذا الباب للمعهد العالي للقضاء، ومعهد الإدارة العامة، وجمعيات ومراكز لا تُنكر جهودها. والشيء بالشيء يذكر فأول من حصل على ترخيص محامية في السعودية هما المحاميتان: بيان زهران وجيهان قربان، وصارت المحامية جيهان فيما بعد أول محكِّمة قضائية في المملكة.

وبعدهما بأيام حصلت المحاميتان أميرة القوقاني وسارة العمري على ترخيص محاماة مماثل. من المناسب الإشارة إلى أن عدد تراخيص ممارسة مهنة المحاماة الممنوحة من قبل وزارة العدل وصل إلى قريب من خمسة عشر ألف ترخيص، خمسها للنساء. من لطيف الموافقات أن ترخيص أول محاميتين -بيان وجيهان- قد صدر من قبل وزارة العدل في يوم السابع عشر من رمضان الذي يوافق ليلتنا المباركة هذه!

أيضًا نجد من هذا الباب أن الأستاذة الشيهانة العزاز هي صاحبة أرفع منصب حكومي حالي من خريجات القانون بعد تسميتها نائبًا للأمين العام لمجلس الوزراء بالمرتبة الممتازة، وهي ممن درس القانون خارج المملكة، ونالت شهادات مهنية أمريكية غير مسبوقة محليًا، إضافة لجوائز وتصنيفات عالمية. وتُعدّ الدكتورة ثنوى بنت عبدالله آل مترك العمري أول سعودية تحصل على درجة الدكتوراه في القانون التجاري الدولي من كلية القانون بجامعة باريس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، علمًا أن باب الأوليات القانونية واسع جدًا للجنسين سواء في نوع التخصص، أو الجامعة، أو مسمى الرسالة، أو زمن الدراسة. ومن الأوليات كذلك ما يخصُّ بعض الإجراءات والأحداث ذات المساس القانوني.

فمنها تأسيس جهاز جديد على المنظومة الحكومية تحت اسم هيئة التحقيق والادعاء عام (1409=1989م) -النيابة العامة حاليًا- وتسمية الشيخ محمد بن سليمان المهوّس أول رئيس للهيئة عام (1414=1993م). ومن ضمنها أن الهيئة السعودية للمحامين أصدرت في شهر جمادى الآخرة 1443= يناير 2022م ترخيصًا لافتتاح أول عيادة قانونية تابعة لها، في كلية القانون بجامعة الأميرة نورة، وتقدم العيادة خدمات العون الحقوقي، والاستشارات القانونية المجانية للمستحقين، والعيادات والمعامل من الأفكار العملية المفيدة. وفي عداد الأوليات أن وزير العدل السعودي د.وليد الصمعاني سلّم أول ترخيص لمكاتب قانونية دولية للعمل داخل السعودية في شعبان 1444= مارس 2023م.

كذلك من الملامح القانونية المهمة أن المكتبة السعودية تحتوي على عدد كبير من المؤلفات الفقهية والقضائية والقانونية المهمة لأصحاب التخصص، ومن أغزر السعوديين تأليفًا في هذا الحقل العلمي المهم: الشيخ عبدالله بن خنين وهو قاض وعضو سابق في هيئة كبار العلماء، ود.محمد المرزوقي المستشار السابق في هيئة الخبراء ومجلس الشورى، ود.فهد بن عبدالعزيز الدغيثر من خبراء القانون الإداري، ومن قدامى دارسي الحقوق بجامعة بيروت، وعمل أستاذًا في جامعة الملك سعود.

ومنهم أ.د.محمد أحمد مفتي وهو أكاديمي ومؤلف، ود.عمر الخولي وهو أكاديمي بجامعة الملك عبدالعزيز ومحامي، ود.عبدالعزيز الدغيثر المحامي والخبير بالمصرفية الشرعية. ويضاف لهذه القائمة عدة أسماء مثل الشيخ د.عبدالرحمن اللحيدان، وأ.د.محمد الأحمدي، والشيخ د.سعد العتيبي، والشيخ عبدالرحمن التويجري، وسواهم، ولا يمكن إغفال أن بعض المؤلفات لها إمامة في بابها مثل كتاب القانون التجاري للدكتور محمد الجبر. ومن باب النفع العام للمتخصص وغيره يبرز في منصات التدوين القصير أسماء موفقة ونافعة منهم د.فهد السيسي، وأ.محمد السلمي، ود.أحمد الصقيه، وأ.خالد اليوسف، وأ.عبدالله الحسين، وغيرهم. مما يناسب الإشارة إليه في هذا الموضع أن للشيخ صالح الحصين مؤلفات في الفكر القانوني، وإيقاظ الوعي به، وتوسيع الذهنية الحقوقية، وحضور الشيخ في أي شأن له تاثيره الحسن، وبركاته الكامنة والظاهرة.

كما نرى أن تخصص القانون متوافر بكثرة في الديوان الملكي، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة الخبراء، ومجلس الشورى، والنيابة العامة، ووزارة الخارجية، وديوان المظالم، ووزارة العدل، ووزارة المالية خاصة مع نشأتها. ويتبين أن مجلس الوزراء السعودي ضمّ لعضويته خلال تاريخه واحدًا وعشرين وزيرًا ممن درسوا القانون، والعدد قابل للزيادة. يرأس الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- المجلس حاليًا وهو حاصل على شهادة القانون من جامعة الملك سعود، ومن أقدم القانونيين عضوية في المجلس الحالي. ومن اللافت للنظر أن تخصص القانون شائع جدًا في العقود الأخيرة بين عدد من أمراء الأسرة الملكية العريقة، بعد أن سادت تخصصات السياسة والاقتصاد والإدارة لعقود مضت.

لذلك فليس بغريب تميز عهد الملك سلمان -حفظه الله- بعضوية أرباب القانون في مجلس الوزراء؛ إذ صار أحد عشر من المتخصصين بالقانون أعضاء في المجلس، منهم ثمانية لم يصبحوا أعضاء إلّا في المجالس التي كونها الملك سلمان خلال الأعوام (1436 و1440 و1444)، وتزامنت عضوية هؤلاء الوزراء الأحد عشر جميعهم خلال عام (1440)، ويجتمع حاليًا في المجلس ثمانية من دارسي القانون، وهذه الأرقام غير مسبوقة في أي مجلس مضى. وقد آلت رئاسة المجلس حاليًا إلى متخصص بالقانون، وربما تفسر هذه الملامح التطور التشريعي، والتحديث النظامي، وصدور أنظمة قضائية تتبع في الأهمية الأنظمة الخمسة الصادرة سابقًا، إضافة لكتابة دليل فائق للتشريع والصياغة بعنوان: إعداد التشريعات وصياغتها.

وعودًا لموضوع الأوليات الشخصية؛ فمنها أن د.نبيل المنصور هو أول سعودي يعمل في منصب المستشار القانوني العام لشركة أرامكو، علمًا أنه درس الهندسة أولًا ثمّ القانون ثانيًا، وهذه نقطة قوة له وللشركة، خاصة أنه أمضى أزيد من عشرين عامًا في العمل بالشركة، وقد سمعت من د.عبداللطيف الحسن، وهو من قدماء القانونين والأكاديميين الذين درسوا في جامعة بغداد عام (1959م) ودرّسوا في جامعة البصرة، أنه حين عمل مستشارًا قانونيًا لشركة سابك، لاحظ التمكن الكبير للفريق القانوني الأمريكي المفاوض، ثمّ اكتشف أن سرّ براعتهم يعود لدراستهم الهندسة أو الكيمياء في البداية ثم القانون بعد ذلك.

ومن طريف ما يروى في سيرة الشيخ محمد بن ناصر الصقر وهو شرعي وقانوني، عمل مستشارًا قانونيًا بالمرتبة الممتازة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، ومشرفًا عامًا على أعمال اللجنة العامة لمجلس الوزراء واللجنة الفرعية المنبثقة عنها، ثمّ رقي إلى مستشار بالأمانة العامة لمجلس الوزراء بمرتبة وزير، فكان خير حلقة وصل بين هذه اللجان وهيئة الخبراء كما شهد له بذلك الوزير د.الخويطر، وعندما صدر الأمر بترقيته إلى مرتبة وزير هنأه الوزير د.القصيبي مداعبًا بأبيات من الشعر يقول فيها:

إنه صقر جسور

في الذرى الشم يطير

وهو في اللجنة صقر

حوله نحن طيور

نحن في اللجنة قوم

حيثما سار.. نسير

وإذا سُر ابتسمنا

وتولانا السرور

وإذا قطّب يومًا

فبربي نستجير

وإذا نغم قلنا

إنه أمر عسير

وإذا بالغ في التنغيم

فالأمر خطير

أيها الصقر! التهاني

لك تهدي.. والحبور

مستشارًا كنت

واليوم معاليك وزير

إنما من قبل هذا

أنت في القلب أمير

ومن جليل الروايات ما امتاز به الشيخ محمد جبير -الذي تبوأ مناصب عدة مثل رئاسة ديوان المظالم، ووزارة العدل، ورئاسة مجلس الشورى- من قدرة على الصياغة جعلت منه عضوًا في كثير من اللجان التشريعية والتنظيمية القديمة باختيار من الملوك والمشايخ والوزراء، وهذه اللجان مع مشروعات الأنظمة المبكرة جديرة بالدراسة التاريخية. وللشيخ اطلاع واسع على القانون الفرنسي؛ لذلك نقل د.فهد العرابي الحارثي في كتابه “هؤلاء وأنا” عن البروفيسور سليم جاهل أستاذ القانون الدولي في جامعة باريس الثانية، قوله بعد أن التقى بالشيخ ابن جبير لأول مرة في منزل الحارثي: بهرني يا فهد هذا الشيخ وأريد تكرار اللقاء معه! ومثله إعجاب وفد قانوني وقضائي سوري بمجالس القضاء والتقاضي بين يدي الشيخ عبدالعزيز بن صالح بالمدينة النبوية. وبلغ من عناية ابن جبير بالقانون أنه لايغلق باب مكتبه في مجلس الشورى إلّا إذا زاره أربعة أشخاص، أحدهم معروف الدواليبي، الخبير القانوني العريق والقديم في الديوان الملكي، ومن الأهمية بمكان تجلية مآثر مشايخ وقضاة كثر على الرواق العدلي السعودي بأفرعه المختلفة.

أخيرًا يقودني هذا السرد لأختم بقصة عظيمة أرويها عن معالي الشيخ جميل الحجيلان، إذ أرسل الملك فيصل معاملة طلب فيها الرأي النظامي من قبل المستشارين العاملين في ديوان رئاسة مجلس الوزراء، فكتب اثنان من المستشارين رأيًا فيه حماسة الشباب واستعجالهم، وعرضوه على الشيخ جميل وزير الإعلام حينها بحكم علاقتهما به وخبرته القانونية، فنصحهما بألّا يقدِما على كتابة هذا الرأي الخاطئ الذي لا يناسب بلادنا، لكنهما لم يسمعا نصحه وكتبا الرأي وأرسلاه لمكتب الملك. وحين دخل الشيخ جميل من صباح الغد على الملك فيصل -رحمه الله- في مكتبه قال له: صبحك الله بالخير يا طويل العمر! فما رد الملك المغضب، وإنما سحب الورقة من مكتبه، وأعطاها لوزيره، وقال له: شف وش هم كاتبين! لازم يرجع هؤلاء لدراسة الشريعة الإسلامية وفهمها! ويا لها من قصة فيها العبرة والمختصر.

ahmalassaf@

الرياض- ليلة الأربعاء 17  من شهرِ رمضان عام 1445

27 من شهر مارس  عام 2024م

Please follow and like us:

11 Comments

  1. سعدنا بحضور هذه الأمسية البديعة أيما سعادة، جلسةٌ في الهواء الطلق، وحضور مفعم بحيوية الشباب وتنوع أعمار الحاضرين، كبارًا وشبابًا،رجالًا ونساء..
    البدر كان حاضرًا يشق حضن السماء، والأرصفة تتراقص بأصوات المارّة، ونسمات من الرحمات تطوقنا في ليلة كلها سكينة وحب وطمأنينة، أخذنا فيها استاذنا نحو سردية متميزة في السير والملامح القضائية والقانونية، التي لم نعرفها الا من خلال استعراضك المنظم لها، كان لافتًا أن كتاباتك بذات جودة طرحك وحضورك،كنت متحدثًا بارعًا وكثيفًا بالمعلومات الرائعة، ولا يفوتنا المقدم الاستاذ إبراهيم الذي تميز في إدارته للحوار،واسئلته اللطيفة واسلوبه الجميل وذكائه ..
    كل الشكر لمقهى تشكيل على هذا الضيف المتميز الاستاذ أحمد العساف، والشكر كذلك لأمانة الرياض لاهتمامها بنشر الوعي الثقافي لكافة أطياف المجتمع.

  2. قرأنا ماكتبته عن القانون فكانت مقالة رائعة و شاملة تدل على قدرة فائقة على التقصي و النقل بأمانة
    وفقك الله لكل خير

  3. كالعادة مقال بحثي رائع يبحث في المسكوت عنه من تاريخنا الاجتماعي والثقافي والاداري
    ادام الله عليك انوار التوفيق والعطاء المتجدد

  4. سعدنا بحضور هذه الأمسية البديعة أيما سعادة، جلسةٌ في الهواء الطلق، وحضور مفعم بحيوية الشباب وتنوع أعمار الحاضرين، كبارًا وشبابًا،رجالًا ونساء..
    البدر كان حاضرًا يشق حضن السماء، والأرصفة تتراقص بأصوات المارّة، ونسمات من الرحمات تطوقنا في ليلة كلها سكينة وحب وطمأنينة، أخذتنا فيها استاذنا معك نحو سردية متميزة في السير والملامح القضائية والقانونية، التي لم نعرفها الا من خلال استعراضك المنظم لها، كان لافتًا أن كتاباتك بذات جودة طرحك وحضورك،كنت متحدثًا بارعًا وكثيفًا بالمعلومات الرائعة، ولا يفوتنا المقدم الاستاذ إبراهيم الذي تميز في إدارته للحوار،واسئلته اللطيفة واسلوبه الجميل..
    كل الشكر لمقهى تشكيل على هذا الضيف المتميز الاستاذ أحمد العساف، والشكر كذلك لأمانة الرياض لاهتمامها بنشر الوعي الثقافي لكافة أطياف المجتمع.

  5. ماشاء الله .. تبارك الله.

    أمسية رمضانية خالدة، وليلة وطنية رائدة، وسهرة قانونية تالدة، تناولت أعلام وقامات سعودية، وسير وشخصيات نظامية، وملامح وأوليات قضائية قانونية، فيها سرد وبيان، وتقصي للحقيقة وإيضاح …

    وما شاء الله، لا قوة إلا بالله، فمن مقال رائع إلى آخر أروع، ومن محفل ثقافي متميز إلى آخر أكثر تميز، مابين سياحة فكرية وثقافية، وإبداع وتميز، وظهور دائماً متألق، هكذا عادة المبدعون، والمتفوقون، والمؤثرون.

    زادك الله توفيقاً وسداداً، وعوناً ورشاداً، وعزةً ورفعة في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)