شريعة وقانون عرض كتاب

دليل سعودي لإعداد التشريعات وصياغتها

Print Friendly, PDF & Email

دليل سعودي لإعداد التشريعات وصياغتها

تنفرد المملكة العربية السعودية بأنها منبع الإسلام، وموئل العروبة، وأنها دولة مستقلة منذ نشأتها، وهذا يقتضي أن يكون لديها تميز في التشريع والتطبيقات القضائية مضمونًا، وصياغة، ومرجعية، بل يكون لها فيها موضع القيادة والمعلّى من القدح الأسمى، ولذلك سررت كثيرًا بقراءة هذا الدليل المحكم بعنوان: ‏إعداد التشريعات وصياغتها، وهو الإصدار الأول (دليل إرشادي)، صدر في محرم (1444) الذي يوافقه أغسطس (2022م)، ويقع في (188) صفحة، من إعداد اللجنة التحضيرية لإعداد التشريعات القضائية، والمركز الوطني للتنافسية، علمًا أن التأكيد على كونه دليلًا إرشاديًا غير ملزم واضح للعيان.

فهذا الدليل كما ورد في بدايته بوضوح قاطع دليل إرشادي، ولا يُعدُّ مستندًا رسميًا أو نظاميًا أو مبينًا لآراء السلطة التنظيمية في المملكة، ومضامينه استرشادية ومساندة للمختصين، وهو من إعداد اللجنة التحضيرية لإعداد التشريعات القضائية، ثمّ روجع من قبل اللجنة القانونية بوحدة دعم الأنظمة واللوائح وما في حكمها في المركز الوطني للتنافسية، ويُفهم من هذا السياق أن هذا الدليل الإرشادي أصبح نبراسًا لأيّ عمل تشريعي يلحق إصداره؛ لضمان التجويد والإحكام والعمل التشريعي المنتج الخالي من الإشكالات. وفكرة الدليل مع إنجازه وإعماله فرع جلي عن الحكمة والحنكة.

ابتدأ الدليل بكلمة لسمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء، ولا غرو فهو الواقف خلف هذا العمل المؤثر في الحاضر والمستقبل، وبما فيه من دليل سبق إصدار تلك التشريعات القضائية التاريخية التي سوف تضبط المنظومة العدلية في البلاد، ونص كلمته البارزة في مستهل الدليل: “إن المملكة تسير وفق خطوات جادة نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقق التنمية الشاملة، وتعزز تنافسية المملكة عالميًا.”

يتكون دليلنا السعودي من افتتاحية فيها الهدف والأهمية والنطاق والمستهدفون منه ومصادره، ثمّ الباب الأول بعنوان: التشريع أهدافه وأسسه ومصادره ومراتبه وأدواته، فالباب الثاني الطويل عن مراحل إعداد التشريعات وصياغتها، وإصدارها، وتفسيرها، ثم الملاحق والنماذج، ومنها الضوابط المطلوب مراعاتها عند إعداد ودراسة مشروعات الأنظمة واللوائح وتعديلاتها، ومع أن الدليل ليس رسميًا؛ إلّا أن الضبط والاتقان باديان عليه من أوله لآخره، ولعمركم إن القارئ المنصف ليغتبط بمثله.

يهدف دليلنا التشريعي والصياغي إلى توضيح الأسس التي تمكن العاملين في هذا المضمار من إعداد مواد تنظيمية تعبر عن مقصود المنظم، وتحقق أهداف التشريع. ومن أهدافه توحيد إجراءات العملية التشريعية في المملكة، والإسهام في رفع جودة إعداد التنظيمات في المملكة صياغة ومضمونًا بما يليق بمكانتها، ويحقق أهدافها التنموية، وأخيرًا يبتغي الدليل الإسهام في تأهيل العاملين في إعداد التشريعات وصياغتها، ورفع كفاءتهم بالمهارات والمعارف؛ فمنهج الدليل علمي تعليمي بمثله نفخر ونفاخر، وليت ان دارسي الشريعة والقانون يضعونه نصب أعينهم، ومحور اهتمامهم في إعداد التشريعات وصياغتها.

يستمد الدليل أهميته من أهمية التشريعات؛ لكونها وسيلة لتنظيم سلوك أفراد المجتمع ومؤسساته، وتحقيق أهداف التنمية، وحتى تؤدي التشريعات هذه الوظيفة، فلا بد من وجود قواعد ومعايير لإعداد هذه التشريعات؛ ولذا استدعى العمل على إعداد دليل يُعدّ لبنة في تطوير منظومة التشريعات السعودية، ويمثل مسار العمليات التشريعية من البداية للختام. ويستهدف الدليل العاملين في إعداد التشريعات أو مراجعتها أو تفسيرها، ويصف بوضوح دورة العملية التشريعية في مرحلتي الإعداد والصياغة وما بعدهما من إقرار وإعلان ونفاذ ومراجعة.

أما مصادر هذا الدليل الفخمة مادته المشرقة صياغته فهي: الانطلاق من الضوابط المطلوب مراعاتها عند إعداد مشروعات الأنظمة ودراساتها، وهذه الضوابط صادرة بقرار من مجلس الوزراء الموقر عام (1438)، ثمّ عدلت بقرار من المجلس صدر في عام (1441)، والاعتماد على قواعد اللغة العربية، والمقارنة المرجعية لأدلة التشريعات العربية والدولية، والاعتماد على قواعد الصياغة القانونية وأصولها.

وقد اشتمل الباب الأول على أهداف عملية التشريع، وأسسها، ومصادر بناء التشريع، ومراتب التشريع، وأدوات التشريع. وفيه تعريف للصياغة التشريعية بأنها عملية وضع التشريع في القالب القانوني وفق المعايير المعدة في هذا الدليل التي يتم فيها تحويل السياسات والأحكام إلى قواعد منضبطة ومحددة وعملية صالحة للتطبيق، ولا تقتصر الصياغة التشريعية على الأنظمة الرئيسية فقط، بل تشمل التشريعات الفرعية.

فمن أهداف عملية التشريع: التصريح بإرادة المنظم بوضوح، وضبط سلوك أفراد المجتمع ومؤسساته، ومعرفة الإجراءات والاختصاصات لكل جهة، واستقرار العمل القضائي، وزيادة الثقة في التعاقدات والالتزامات، ورفع نسبة التوقع للأحكام في التشريعات والتنبؤ المسبق بما تؤول غليه المنازعات. وتنبني أسس التشريع على أحكام الشريعة الإسلامية، وقواعد الشريعة العامة ومقاصدها، والتزامات المملكة الدولية، والأنظمة الأساسية الخمسة التي لها أولوية لصدورها بأوامر ملكية، ولاشتمالها على أحكام ذات صفة دستورية، وهذه الأنظمة هي: النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، ونظام مجلس الوزراء، ونظام هيئة البيعة.

ولبناء التشريعات مصادر نظامية، وقضائية، وعلمية، وأنواعها تأتي في سلسلة على رأسها الأنظمة الأساسية الخمسة المذكورة آنفًا، ثم الأنظمة العادية، فالتشريعات الفرعية وهي اللوائح وما في حكمها. وتنبع الأنظمة من مجلس الوزراء، ومن مجلس الشورى، ولكل وزير الحق في اقتراح أيّ نظام يخصّ أعمال وزارته، ولكل وزير حق الاقتراح بعد موافقة رئيس المجلس، وبعد دراسة مشروع النظام من مجلس الشورى والتصويت عليه، يدرسه مجلس الوزراء ويصوت عليه مادة مادة، ثمّ يصوت عليه بالجملة، ولمجلس الشورى صلاحية تفسير الأنظمة.

عقب ذلك يصدر التشريع بواحدة من سبع أدوات هي حسب تدرجها: الأمر الملكي، المرسوم الملكي، الأمر السامي، التوجيه الملكي، قرار مجلس الوزراء، قرار مجلس الشورى، القرار الوزاري، ولا يوجد نص نظامي يضبط حدود كل أداة، ويبين اختصاصها، وعسى أن يتم هذا الأمر لإضفاء مزيد من المتانة والوضوح على هذه الأدوات التي تكون كتابية في بعض الأحيان، وشفهية في أحيان أخرى، ولبعضها صفة فردية أو جماعية حسبما يتضح من مسمى الأداة.

ثمّ يأتي الباب الثاني بمحتوى حافل عن مراحل إعداد التشريعات وصياغتها وإصدارها وتفسيرها، وهي تسع مراحل، فالمرحلة الأولى دراسة الوضع الراهن وإعداد التصور، والمرحلة الثانية حول إعداد السياسات والدراسات الفنية للتشريع المقترح، وفي ثالثتها يتم تحديد نطاق التشريع وإعداد الهيكل العام له، أما المرحلة الرابعة فهي إعداد مواد التشريع المقترح وصياغتها صياغة تشريعية، وتضمنت هذه المرحلة شرحًا بينًا لأنواع الصياغة التشريعية وعناصرها وقواعد وضوحها، وهي مادة نافعة للغاية.

ويراجع التشريع خلال المرحلة الخامسة، ثمّ يرفع في المرحلة السادسة للاعتماد، ويكون النشر من نصيب المرحلة السابعة، وللمرحلة الثامنة اختصاص بعملية التفسير والإيضاح اللاحق للإصدار، وأخيرًا يحين وقت قياس جودة التشريعات في المرحلة التاسعة. وسوف أسرد أدناه أهم الفوائد من هذه المراحل، علمًا أنها لا تغني عن قراءة الدليل، ولا تنسب إليه لما جرى عليها من اختصار، ونزع عما سبقها أو لحقها، ولذا جرى التنبيه:

  1. الهدف من دراسة الوضع الراهن إما أن يكون الاحتياج لسد فراغ تشريعي، أو لتعديل تشريعات قائمة، أو اقتراح تشريعات جديدة. ولدراسة الوضع الراهن يمكن الاستماع إلى آراء أصحاب المصلحة، والأجهزة الحكومية، وذوي الخبرة، واستطلاع الرأي العام على المستوى الوطني، والرجوع إلى الدراسات والتقارير المحلية والدولية، وحصر جميع التشريعات النافذة التي سبق أن عالجت المشكلة، ودراسة المعاهدات الدولية والنزاعات القضائية ذات العلاقة.
  2. من المهم تحديد النطاق الزمني والمكاني والموضوعي للتشريع، وتحديد أصحاب العلاقة والمتأثرين، وحصر التشريعات القائمة المتعلقة بالموضوع، ودراسة التجارب الدولية المقارنة.
  3. تشمل المقارنة المعيارية بين الحلول المقترحة: المقارنة في التكلفة المالية، ومقدرة كل حل على معالجة المشكلة، واستطلاع رأي أصحاب المصلحة، وقياس تأثير كل حل على المراكز القانونية، ودراسة آثار كل حال على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقانونية.
  4. يُقصد بالسياسة التشريعية: مجموعة القواعد والمبادئ العامة التي ينتهجها التشريع في أحكامه، ومصدرها الأوضاع القانونية والاقتصادية والاجتماعية الجليّة في النظام الأساسي للدولة. ولها ضوابط منها أن تكتب بلغة واضحة ومحددة، مع مراعاة اتساق السياسات العامة مع أحكام الشريعة الإسلامية والتزامات المملكة.
  5. لا مناص من دراسة الأنظمة المحلية، ودراسة التجارب الإقليمية والدولية، والنظر في الاتفاقات الإقليمية والدولية ذات العلاقة المصادق عليها والمتعلقة بمشكلة عالجها التشريع المقترح، وأن يكون للاتفاقية تأثير على تحسين المؤشرات الدولية مع تقديم الاتفاقيات ذات الطابع الدولي على الاتفاقات الإقليمية.
  6. من المهم عند دراسة القوانين الإقليمية مراعاة التشابه مع البيئة المحلية، ومن الضرورة ألّا يقتصر في القوانين المستفاد منها على مدرسة تشريعية واحدة، أو على بقعة جغرافية واحدة، مع الحذر من النقل المجرد.
  7. اختيار العلامة المرجعية وهي ما يستصحب من قانون طيلة مرحلة إعداد التشريع، وهو نتيجة لدراسة التجارب الدولية بناء على معايير منها: الشمولية، والتميز الصياغي، وتوافر التطبيقات القضائية الكاشفة لمواطن القوة والضعف في القانون المرشح، وتوافر الدراسات والبحوث القانونية حوله، وتوافر أعمال تحضيرية ومذكرات إيضاحية له، ومستوى تنافسية الدولة محل المقارنة، وليس بالضرورة توافر المعايير كلها.
  8. تؤخذ بالاعتبار آثار سياسات التشريع المقترح، وهي الآثار الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والدولية المحتملة التي يمكن قياسها؛ لمساعدة صانع القرار في التركيز على التأثير التشريعي، وتعزيز مبدأ الشفافية، وضمان الاتساق مع التشريعات المحلية والدولية، وتحسين نوعية التدخل التشريعي، والاكتشاف المبكر للآثار المباشرة وغير المباشرة له، وتحسين جودة التشريعات.
  9. يبدأ قياس الأثر في مرحلة إعداد السياسات والتشريعات، وقد يكون تقييمًا سابقًا لتشريع نافذ، أو عند تعديل السياسات، أو تقييمًا لاحقًا للتشريعات الجديدة، وتتركز الآثار المتتبعة على الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والتنافسية، وعلى التشريعات القائمة، ويكون ذلك من خلال الاستماع لأصحاب المصلحة، واستخدام الإحصاءات.
  10. مراعاة المؤشرات الدولية، وهذه المؤشرات تنبع من الأفراد، أو من المنظمات الدولية، أو من المؤسسات المدنية، أو من الاتفاقيات الدولية. وينبني اختيار المؤشرات على معايير منها: أن يكون صادرًا من جهة غير ربحية وغير حكومية، وألّا يتضمن مؤشرات فرعية فيها مخالفة دينية أو اجتماعية أو سياسية، وأن تكون مجالات تركيزه مرتبطة برؤية المملكة (2030)، مع أهمية التقرير لسمعة المملكة عالميًا وللبيئة التنافسية. ومن المعايير وجود منهجية واضحة للتقرير، وشهرته العالمية.
  11. للتعامل مع المؤشر منهجية تقوم على تحديد نطاق التشريع، وتعيين أقرب المؤشرات الدولية المرتبطة به، وتحديد نطاق المؤشر، والمقارنة بين النطاقين، وملاحظة فروعهما والسياسات المنبثقة عنهما.
  12. من أبرز المؤشرات الدولية: مؤشر رأس المال البشري ويتألف من ثلاثة مكونات: البقاء على قيد الحياة، والتعليم المتوقع، والصحة والنمو الصحي، ومؤشر السعادة العالمي بناء على نصيب الفرد من الناتج المحلي، والرعاية الاجتماعية، ومتوسط الأعمار، وغياب الفساد، وجودة الصحة والتعليم وسوق العمل. ومنها مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال من خلال سهولة استخراج التراخيص، ومؤشر الحرية الاقتصادية بسيادة القانون، ومؤشر التنافسية العالمي بالابتكار وتطوير سوق المال، ومؤشر الأداء اللوجيستي، ومؤشر تنويع الصادرات، ومؤشر العولمة، ومؤشر مدركات الفساد، ومؤشر الحكومة الإلكترونية، ومؤشر الأمن السيبراني.
  13. يشترط في أعضاء فريق العمل التشريعي: الاطلاع على أحدث التطورات في موضوع التشريع، وأسبقية النشر العلمي في مجال التشريع، والدراية الكاملة بمهارات الصياغة اللغوية والتشريعية، والتنوع في الخلفية الثقافية والعلمية، مع وجود خبرة عملية في مشروعات تشريعية سابقة.
  14. يجب ألّا تستخدم تعريفات تتناقض مع تعريفات واردة في أنظمة أخرى، ويجوز الإحالة على تعريفات مذكورة في تشريعات أخرى.
  15. يفضل تصدير التشريع بمادة مخصصة للأهداف عقب التعريفات، ووضع اسم دال عليه دون لبس.
  16. يجب تحديد مجال نفاذ التشريع من حيث المكان والزمان والموضوع والأشخاص الخاضعون لأحكامه.
  17. يحتوي متن التشريع على الأحكام الموضوعية، والأحكام الإجرائية والأحكام الضامنة.
  18. من قواعد الصياغة المهم اتباعها: التدرج في عرض الأحكام بتقديم الأصلي على المستثنى، وتقديم الأهم والعام على الأقل أهميةً والخاص، وتقديم المواد الموضوعية على مواد الأحكام الإجرائية، وتوزيع المواد إلى أقسام في مجموعات متجانسة.
  19. تحتوي خاتمة التشريع على الأحكام الانتقالية المتعلقة بالإلغاء، وتفويض الصلاحيات، وتنفيذ التشريع وموعد نفاذه.
  20. الأحكام الحافظة تتضمن المحافظة على المراكز القانونية التي نشأت بتشريع سابق.
  21. يحدد في نهاية التشريع المكلّف بإصدار التشريعات المتفرعة عنه.
  22. يكون النفاذ الزماني فوريًا، أو بعد مدة محددة ابتداءً من يوم واحد إلى مدة تحدد بالأيام وليس بالشهور مع توضيح متى تحتسب.
  23. عناصر الصياغة التشريعية هي: الفاعل القانوني وهو المعني بالحكم أمرًا ونهيًا وحقًا وسلطة واختصاصًا، والفعل القانوني ويقصد به الجزاء الذي يمثل التزامًا أو مسؤولية أو حقًا أو امتيازًا أو سلطة أو جزاء يناط بالفاعل القانوني، ووصف الحالة وهي الأحوال التي ينطبق عليها حكم الفعل القانوني، والغالب سريانه على أحوال محصورة أو قابلة للحصر.
  24. من قواعد وضوح الصياغة التشريعية: تخصيص مادة لكل فكرة، تكون صياغة نظامية فيها عمومية وتجريد، وإلزام وجزاء، وتنظيم السلوك. ومنها استعمال الأصل في معناه؛ فالجملة الإسمية للثبوت، والفعلية للتجدد والحدوث في زمن معين على أن تكون الجملة الفعلية بصيغة المبني للمعلوم، ويعبر عنها بصيغة الإثبات الدالة على المستقبل المجردة من الأدوات مثل سوف، وصيغة المفرد أولى من الجمع، مع الاحتراز عند استعمال الإحالة.
  25. من قواعد وضوح الصيغ في الكلمات: استعمال كلمات محددة ظاهرة المعنى بلا محسنات ولا مترادفات ولا كلمات معقدة، وتجنب استعمال كلمات يدخل معناها في كلمات أخرى، أو لا تكون منتجة لأيّ أثر نظامي، أو تثير اللبس بسبب لفظ أو ترتيب أو سياق. ومنها استعمال كلمات معهودة مألوفة، وتجنب أيّ كلمة غير عربية، ومراعاة توحيد المصطلحات.
  26. من قواعد وضوح الصياغة: الانتباه لمسائل لغوية متفرقة مثل: الاحتراز في استعمال كلمات أو حروف متداخلة المعنى مثل حروف العطف وكل وأيّ والباء وغيرها، والتنبه عند استعمال الضمائر وعائدها، واستعمال صيغة التذكير في الأحكام العامة، وصيغة التأنيث فيما يخص المرأة، مع الالتزام بقواعد النحو والإملاء، والاحتراز من الأخطاء اللغوية، ثمّ أورد الدليل أمثلة لبعضها، وهي منتخبات جليلة تنفع جمهرة الكتّاب والمشتغلين باللغة.
  27. لا بد من مراجعة التشريع، وتهدف المراجعة للتأكد من أنه لا يعارض أحكام تشريعات أعلى رتبة منه، ومن اتساقه مع التشريعات القائمة ومع التشريعات الدولية، ثمّ مراجعة الصياغة اللغوية، والتسلسل المنطقي للمواد والتقسيم، وتجنب الحشو والاستطراد.
  28. يرفع التشريع للاعتماد ومعه مذكرة توضيحية فيها السند النظامي له، والهدف من المقترح، وبيان عناصره الرئيسة، والأسباب التي دعت إليه، وشرح مواده بوضوح.
  29. نصَّ الدليل على اختصاص هيئة الخبراء بصياغة التشريع صياغة نهائية وفقًا للأصول المتعارف عليها، وهذا النصّ له فائدة عملية لتوحيد منهجية البناء والصياغة، وضمان الجودة، والخلو من أيّ غموض أو تناقض.
  30. مرحلة النشر مرحلة مهمة؛ لأنها تحدد موعد بدء العمل، ودخول التشريع حيز النفاذ والتطبيق. والوسيلة المعتد بها للنشر هي الجريدة الرسمية أي جريدة أم القرى، ولا يغني عنها أيّ وسيلة إعلان أخرى.
  31. يلي النشر مرحلة التفسير والإيضاح اللاحق للإصدار، والأصل في التشريعات أنها تعنى بالمواد الجوهرية، وهذا أدعى لثباتها وقلة تعديلها، وأما التفاصيل فيمكن صدورها من خلال اللوائح التنفيذية والأدلة الإجرائية التي يصدرها الوزير المختص، وتؤخذ كذلك من المبادئ القضائية التي تقررها المحكمة العليا، ومن المذكرات التفسيرية، والتفسير القضائي، والتفسير الإداري.
  32. يعكس قياس جودة التشريع كفاءة الإعداد والتحضير، وتقاس الجودة من خلال عدة عوامل أبرزها: التأكد من دراسة الآثار المحتملة أو المصاحبة للتطبيق، علمًا أن مؤشر جودة التشريع هو أحد مؤشرات البنك الدولي التي تقيس قدرة فريق التشريع على صياغة سياسات وأنظمة ذات جودة عالية.
  33. تقاس جودة التشريع أيضًا بمعايير أهمها: الشفافية والحياد، تعزيز الرقابة التشريعية، مراجعة السياسات التنافسية والتأكد من تنفيذها، آليات إعداد الأنظمة الجديدة وإصلاح القديمة.
  34. لجودة التشريع جانبان: الأول يتعلق بالسياسة التشريعية وتقييم الأثر لها، ويرتبط الثاني بجودة الصياغة التشريعية، ولكل واحد منهما معايير مثل: المراجعة الدورية، والفاعلية بأن يكون منتجًا لآثاره، ودراسة التجارب الدولية، والكفاءة، والشمول، والوضوح، والدقة، وسهولة اللغة، والتوافق، والاتساق، والاقتصاد التشريعي للحد من ظاهرة الإسراف التشريعي، وأهلية القائمين بعملية الصياغة.
  35. مما يمكن تطبيقه بعد صدور التشريع للتحقق من جودته: قياس فهم المجتمع للتشريع وأهدافه، الاطلاع على المؤشرات الدولية ومدى التقدم فيها بعد صدور التشريع، قياس أثر التشريع في الاقتصاد والاستثمار، وقياس أثره على تقليص النفقات، والنظر في الأحكام القضائية المستندة إليه ومدى انسجامها، وقياس شموليته للوقائع، ومدى حمايته لحق المستفيدين، وقياس اتساق التشريع بعد تطبيقه مع التشريعات الأخرى ذات العلاقة.
  36. يمكن استجلاء ما سبق من خلال الاستماع لآراء ذوي العلاقة وأصحاب المصلحة، وإقامة الندوات المتعلقة بالتشريع، والاطلاع على نتائج المؤشرات الدولية والمحلية، ووضع الاستبانات والنماذج لاستكشاف المعلومات وتحليلها، وتكون النتيجة وراء ذلك إما التوصية بتعديل التشريع، أو الإبقاء عليه.

أود في الختام الإشارة إلى أمور مهمة، حتى وإن سبق ذكرها إبان العرض السابق، وتكرارها له أهميته، وهي أن هذا الدليل يُعد إرشاديًا تعليميًا فقط، وهو غير ملزم مع قوة مادته، وأن الدليل قد أكد على الإفادة من التشريعات والتجارب دون نقل مجرد، وعلى الحوار مع أصحاب المصلحة والمتأثرين بالتشريع، وعلى مراعاة الجوانب الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وفي تلكم الإشارات ملامح من الاعتزاز والاستقلال لا تخفى.

ومما أشير إليه أن العرض السابق لا ينسب للدليل أبدًا، ولا يغني عن الرجوع إليه البتة، ولا يكفي عن قراءته مرارًا من ذوي الاختصاص والعناية، وآخر الأمر ومنتهاه أن السعادة بصدور مثل هذا الدليل الباهر لا يمكن وصفها أو بيانها، وليت أن كليات الشريعة والقانون تجعله ضمن مواد إعداد التشريعات، والصياغة التشريعية في مناهجها، فهو محكم متقن منتج لآثاره النفسية والعلمية واللغوية والعملية في باب التشريع والتقنين، وفيه ملاذ آمن ومرجع موثوق لرجال الدولة، هذا غير ما يفيضه الدليل من دلائل العراقة وإرادة الإصلاح.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الثلاثاء 11 من شهرِ رجب عام 1445

23 من شهر يناير عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)