مهندسون ووزراء

مهندسون ووزراء

أصبح ثلاثون مهندسًا أعضاء في مجلس الوزراء السعودي الموقر خلال تاريخه، على اختلاف تخصصاتهم الهندسية في مرحلة البكالوريوس، علمًا أني لم أجمع إليهم من كان تخصصه خالصًا في الحاسب الآلي؛ لأني لا أعرف المسمى الدقيق لدراستهم، وهم عدد من الوزراء. ويضاف لهذا الرقم أن الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد -وزير التربية والتعليم الأسبق- قد حصل على شهادة هندسية في مرحلة الماجستير بأمريكا بعد أن نال شهادته الأولى في الإدارة. ومن الضرورة الإشارة هنا إلى أني لم التفت للخلافات الدائرة بين المهندسين عما ينتمي لأسرتهم المهنية من أقسام أو لا ينتمي؛ فذاك سجال لا شأن لي به، ويبدو أنه لا طائل من ورائه!

وقد حصل ثلاثة عشر وزيرًا من المهندسين على درجة الماجستير، وأكمل تسعة منهم الدراسة للظفر بشهادة الدكتوراة، وأكثر تخصص يتكرر في سير الوزراء هو الهندسة المدنية، ثم الكهربائية فالصناعية، وهذا مفهوم في بلد ينمو، وتكثر فيه مشروعات البنية التحتية، هذا غير ما حبى الله به المهندسين من الحدة في الفهم، والدقة في التنفيذ، والبصيرة المستقبلية، والقدرة اللافتة على اكتساب المعارف والمهارات الإدارية والمالية، ويكفي للدلالة على ذلك أن وصف “المهندس” يطلق على كل من يحسن شيئًا ما سواء في عالم السياسة، أو في ملاعب الرياضة.

أما إذا أردنا التفصيل؛ فسوف نرى أن هؤلاء الوزراء تولوا مسؤولية اثنين وأربعين منصبًا وزاريًا داخل مجلسنا العريق بناء على تجديد أسماء الوزارات، أو التنقل بين الحقائب. وتتربع وزارتا الزراعة والنقل -باختلاف مسمياتهما- على القمة؛ إذ أسندتا إلى أربعة وزراء مهندسين، وتليهما وزارتا البلديات والاتصالات. ولا يغيب منصب وزير الدولة عن المهندسين لتكرره أكثر أربع مرات، ووزارة الدولة منصب حيوي ذو مهمات جسام. ومن الوزارات التي تعاقب عليها المهندسون: الإعلام، والتعليم، والحج، والوزارات المتداخلة مع العمل على اختلاف أسمائها ما بين عمل وخدمة مدنية وموارد بشرية.

كما يُعدُّ الوزير المهندس عبدالله الدباغ أول مهندس عضو في المجلس، وذلك حينما أصبح وزيرًا للزراعة في عهد الملك سعود عام (1380-1382=1960-1962م)، واختفى بعده حضور المهندسين من الوزراء حتى سمي المهندس عبدالعزيز الزامل وزيرًا للصناعة والكهرباء عام (1404-1416=1984-1995م)، ومن الطريف أن الوزير الزامل روى في سيرته عدَّة مواقف مع الملك فهد الذي يناديه مستخدمًا لقب “دكتور”، فقال وزير آخر للملك: عبدالعزيز مهندس وليس دكتورًا! فأجابه الملك: هو دكتور عندي! ولم يذكر الزَّامل من هذا الوزير الجريء، ولا ما هو باعثه على هذا التَّعقيب البعيد عن الكياسة؟!

ثمّ توالت العضوية المجلسية للمهندسين موالاة بطيئة، إلى أن انضم عام (1436=2014-2015م) أحد عشر مهندسًا لعضوية المجلس، منهم سبعة مهندسين في المجلس الذي ألّفه الملك سلمان -حفظه الله- عام (1436=2015م) عقب توليه مقاليد الحكم مباشرة، علمًا أن مجموع الوزراء المهندسين في عهد الملك سلمان فقط هو خمسة عشر وزيرًا مهندسًا، منهم سبعة أعضاء حاليين، وهذا أكبر حضور للمهندسين في تاريخ المجلس، والله يزيدهم بركة وتوفيقًا.

ومما يلاحظ في سير المهندسين الوزراء، أن ثلاثة منهم سبق لهم العمل على رأس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض اتلي صارت هيئة ملكية، وهم الوزراء د.محمد آل الشيخ، وم.عبداللطيف آل الشيخ، وم.إبراهيم السلطان وهو آخر الوزراء المهندسين في تاريخ التعيين حتى الآن. كما يلاحظ أن منهم من شغل أكثر من حقيبة وزارية، وأظهر ما يكون هذا في الحقائب التي تولاها المهندس خالد الفالح وعددها أربع وزارات، وهو الوزير الأسرع تنقلًا بين حقائبه، ثمّ د.ماجد القصبي الذي تولى ثلاث وزارات بالأصالة، ووزارتين بالتكليف، علمًا أني أحسب المسمى الجديد للوزارة على أنه حقيبة جديدة.

كذلك نجد أن د.نبيل العامودي درس القانون بعد الهندسة، وفضل د.عادل الطريفي السياسة على هندسة الأجهزة الطبية في دراساته العليا، وعاد د.فهد المبارك لمنصبه السابق محافظًا للبنك المركزي بعد الوزارة، وخرج م.الفالح من المجلس ثمّ عاد إليه، ولبعض المهندسين أعمال سابقة في أمانات وهيئات ومؤسسات حكومية، أو في شركات كبرى مثل الفالح والعامودي من أرامكو وم.أحمد الراجحي نجل رجل الأعمال البارز الشيخ سليمان الراجحي. ولبعض الوزراء المهندسين مشاركات أساسية في القطاع غير الربحي، مثل د.عزام الدخيل في مؤسسة مسك، ود.ماجد القصبي في مؤسسة الأمير سلطان الإنسانية، ومن المؤكد أن التتبع سيظهر لنا نتائج أخرى يضيق عنها وقتي الحالي.

ومما يلفت النظر أن خمسة عشر مهندسًا درسوا في جامعتي الملك سعود وفهد بالتساوي تقريبًا، بينما نال عشرة مهندسين شهادتهم الأولى من أمريكا، وحصل ثلاثة من قدماء المهندسين على البكالوريوس من مصر. أما الماجستير فدرسها جلّهم في أمريكا إلّا اثنان حصلا عليها من داخل المملكة، واقتصرت شهادات الدكتوراة على الجامعات الأمريكية إلّا واحدة من بريطانيا، ويوجد بين التخصصات الهندسية للوزراء تخصصات فريدة لم ترتبط بأكثر من وزير هي: التصنيع، والكيمياء، والميكانيكا، والزراعة، وهندسة الأجهزة الطبية.

أسأل المولى القدير أن يتغمد بواسع رحمته من غادرنا ممن سبقت الإشارة إليهم، وأن يطيل أعمار الباقين ويرزقهم السداد والعون لما فيه صالح الدنيا والآخرة. وأشير إلى أن حسن استصناع الرجال، واستقطاب الأكفاء، وإبراز رجالات الدولة الكبار، هو شأن نفيس امتازت به الأسرة الملكية السعودية العريقة التي تحكم هذه الأرض الطيبة المقدسة من زمن التأسيس في عهد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-، حتى أيامنا الحالية في عهد الملك سلمان، وعصر رؤية الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، والله يديمها من نعمة، ويزيد في خيراتها وإحسانها المتقن.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الاثنين 16 من شهرِ شعبان عام 1445

26 من شهر فبراير عام 2024م