خمسة وأربعون وزير دولة في مجلسنا! - مدوَّنة أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف

خمسة وأربعون وزير دولة في مجلسنا!

بلغ عدد أعضاء مجلس الوزراء السعودي الموقر منذ تكوينه عام (1373) حتى الآن (187) عضوًا ما بين رئيس ونائب وأعضاء، منهم (39) أميرًا أضحى ستة منهم ملوكًا، وفيهم (148) وزيرًا من غير الأمراء حسبما استقصيت وهذا مبلغ جهدي. وقد شغل هؤلاء الوزراء وزارة أو أكثر، وفيهم عدد ممن دخل إلى المجلس بمسمى وزير دولة ثمّ يختلفون بعد ذلك، فمنهم وزير دولة وعضو فقط، وفيهم من تضاف معه صفة أخرى، ومن الفروق أن بعضهم يظلّ وزير دولة خلال عضويته ولا يبرح مسماه، بينما ينتقل آخرون من حقيبة إلى وزارة دولة أو العكس.

ووزير الدولة منصب مهم وذو أثر وله مهام عديدة؛ فمن وظائفهم التي أبانها أ.د.مدني علاقي في سيرته مشكورًا بعد أن أصبح وزير دولة ثمانية أعوام متوالية ما يتعلق بعضوية أو رئاسة لجان دائمة أو مؤقتة، مع المشاركة في الزيارات والاستقبالات، والنيابة عن الوزراء في إجازاتهم أو بعد إعفائهم. ومنها الفصل في أيّ نزاع طبيعي يقع بين الوزارات أو الوزراء في الاختصاص والمسؤولية والأولوية، وتقديم المشورة الحيادية أو الرأي الترجيحي لرئيس المجلس. ومما أخبرني به وزير دولة سابق وكان قبلها وزيرًا لوزارة معينة أنه وجد في وزارة الدولة من المعرفة والسلطة والتأثير وسعة الاطلاع أزيد مما وجده في حقيبته الوزارية المؤطرة.

وقد بلغ عدد وزراء الدولة حسب إحصائي منذ تكوين المجلس إلى يومنا (46) وزيرًا، وأول من سمي وزير دولة هو الشيخ محمد الصبان الذي أصبح فيما بعد أول وزير للمالية والاقتصاد الوطني وثاني وزير للمالية، وهو أول وزير لحقيبة سبقها بوزارة دولة. أما أول وزير دولة من الأمراء فهما الأميران مشعل بن عبدالعزيز ومساعد بن عبدالرحمن، وربما أنهما كلفا في نفس السنة بهذا المنصب، ويُعدّ الأمير مشعل أول وزير دولة شغل قبلها حقيبة وزارية إذ كان وزيرًا للدفاع خلفًا لشقيقه منصور أول وزير دفاع سعودي، بينما أصبح عمه مساعد أول وزير دولة يضم مع منصبه رئاسة جهاز آخر، إذ كان رئيس ديوان المظالم، ورئيس ديوان مراقبة حسابات الدولة، مع عضويته في المجلس مستشارًا لرئيسه ولي العهد الأمير فيصل –الملك فيما بعد-.

من ضمن وزراء الدولة في تاريخ المجلس تسعة أمراء، منهم من أصبح وزيرًا بعد وزارة الدولة مثل الأمير محمد بن سلمان، وفيهم من كان وزيرًا ثمّ أصبح وزير دولة مثل الأمير مشعل وزير الدفاع، ونجل شقيقه الأمير منصور بن متعب وزير الشؤون البلدية. بينما دخل إلى المجلس الأمير نايف بمنصب وزير دولة للشؤون الداخلية وبعد شهور أضحى للداخلية وزيرًا، ومعه صار الأمير سعود الفيصل وزير دولة للشؤون الخارجية بضعة شهور ثمّ أصبح وزيرًا للخارجية أربعين عامًا إلى أن ختم مسيرته الوزارية بعضوية المجلس تحت مسمى وزير الدولة عضو مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين والمشرف على الشؤون الخارجية، وهو وصف يصعب خلعه على غيره.

كذلك من الأمراء من أصبح وزير دولة مع رئاسة جهاز آخر مثل الأمير مساعد بن عبدالرحمن، والأمير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني آنذاك قبل تحويل الرئاسة لوزارة. وفيهم من صار وزير دولة فقط ثمّ أضيفت له رئاسة جهاز آخر مثل الأمير عبدالعزيز بن فهد الذي تولى رئاسة ديوان رئاسة مجلس الوزراء. واستفرد الأمير تركي بن محمد بن فهد بكونه الوحيد من الأمراء الذي شغل منصب وزارة الدولة دون ايّ منصب وزاري سابق أو لاحق حتى الآن، مع ظهور المسؤوليات الكبيرة التي يضطلع بها بين آونة وأخرى.

أما وزراء الدولة من غير الأمراء فمنهم عشرة وزراء دخلوا إلى المجلس بمسمى وزير دولة مع مسؤولية أخرى مثل رئاسة مؤسسة أو هيئة، فالشيخ صالح الحصين وزير دولة ورئيس هيئة التأديب، والشيخ محمد بن جبير وزير دولة ورئيس ديوان المظالم، والوزيران د.فايز بدر و د.عبدالعزيز المانع توليا إدارة مؤسسة الموانئ، والوزير أ.تركي السديري دخل إلى المجلس حاملًا مسؤولية ديوان الخدمة المدنية وهو المنصب الذي سبقه فيه الأستاذ عبدالعزيز القريشي، بينما رأس الوزراء الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع، و أ.عمر فقيه، و أ.محمد بن زرعة، ديوان الرقابة والتحقيق –على اختلاف مسمياته– وهم وزراء دولة.

وأسندت للوزير أ.هشام ناظر مسؤولية هيئة التخطيط ثمّ أصبح وزير دولة مع رئاستها عدة سنوات قبل تحويلها إلى وزارة وتعيينه وزيرًا لها. وانفرد الوزير أ.خالد العيسى بكونه وزير دولة ورئيس الديوان الملكي عدة سنوات قبل أن يعين للديوان رئيس خاص به ليس من أعضاء المجلس، علمًا أن رئاسة الديوان من قبل وزير عضو في المجلس لها أمثلة سابقة بإسناد هذا المنصب إلى وزيري الدفاع الأمير محمد بن سعود في أواخر السبعينات الهجرية، والأمير محمد بن سلمان في مستهل عهد الملك سلمان.

كما أضيفت لتسعة من وزراء الدولة كلمة تخصيص بشؤون معينة، فالأمير نايف للشؤون الداخلية، والأمير سعود الفيصل للشؤون الخارجية، والشيخ ناصر المنقور لشؤون مجلس الوزراء وهي تسمية لم تتكرر. وقبل أن يعين الشيخ محمد أبا الخيل وزيرًا للمالية مدة عقدين متواليين قضى سنوات في منصب وزير دولة للشؤون المالية. وأصبح ثلاثة وزراء في منصب وزير دولة لشؤون مجلس الشورى هم د.سعود المتحمي، وأ.محمد أبو ساق، وأخيرًا د.عصام بن سعيد الذي ظلّ عدة سنوات وزير دولة فقط. وحمل الوزيران أ.عمر السقاف وأ.عادل الجبير لقب وزير الدولة للشؤون الخارجية، والسقاف هو أول من تسمى بذلك، واختص الجبير بكونه أخيرًا مبعوثًا لشؤون المناخ مع احتفاظه بمنصبه.

وانتقل ستة عشر وزيرًا من منصب وزير دولة أو وزير دولة مع مسؤولية أخرى إلى وزير يحمل حقيبة محددة، ومن اللافت أن وزارة المالية هي أكثر من استقبل وزراء الدولة، وعلى العكس ارتحل تسعة وزراء من مناصبهم المرتبطة بوزارة إلى منصب وزير دولة، وأكثر وزارة مرتحل عنها هي وزارة الخارجية. وشهد منصب وزير دولة عدة مفارقات لطيفة منها أن الوزيرين د.مطلب النفيسة و د.مساعد العيبان احتفظا بلقب العضوية تحت اسم وزير دولة منذ تعيينهما عام (1416) إلى يومنا هذا، وبدأت عضوية د.إبراهيم العساف في المجلس عام (1416) بوزارة الدولة، ثمّ أصبح وزيرًا للمالية والاقتصاد الوطني فوزيرًا للمالية ثمّ وزير دولة وبعدها أصبح وزيرًا للخارجية لمدة عامين قفل منها إلى وزارة الدولة، وهذا التنقل بين وزارة الدولة أوليّة فريدة في تاريخ المجلس.

بينما نجد في قائمة وزراء الدولة –حسب ما أحصيته– أن أحد عشر وزيرًا منهم لم يحمل مسؤولية جهاز آخر أو وزارة سابقة أو لاحقة، مع عظم الأعباء التي ينوء بها كل واحد منهم؛ بل فيهم مجموعة من أهم رجال الدولة والوزراء ووزراء الدولة في تاريخ مجلس الوزراء وحاضره وربما مستقبله. وأيًا يكن فإني أسأل المولى القدير أن يطرح فيهم جميعًا البركة والخيرية، وأن يوفق الكافة لكل مكرمة وإخلاص وصلاح للبلاد وأهلها وزائريها في جميع أمورهم وشؤونهم الآنية والقادمة.