سير وأعلام عرض كتاب قراءة وكتابة

قطاف من مودة الغرباء

Print Friendly, PDF & Email

قطاف من مودة الغرباء

سبق أن كتبت مقالة تعريفية بكتاب عنوانه: مودة الغرباء: حكايات من السير الذاتية والمذكرات، تأليف: محمد عبدالعزيز الهجين، صدرت طبعته الأولى في (336) صفحة من القطع المتوسط عن جسور للترجمة والنشر عام (2020م)، ويتكون من مقدمة وخمسة فصول، وهذه الفصول عن حكايات من بداية القرن العشرين، وسير ومذكرات، وتنويعات من المذكرات والسير، وسير المترجمين، وقصص الأدباء، والختام قصير عن الطفولة في السير الذاتية.

بدأت جولات الكتاب الرائقة مع “ستيفان تسفايج” اليهودي النمساوي الذي لا يرى العالم إلّا غربًا لا شرق له يستحق أدنى درجة من الاهتمام؛ فهو غارق في المركزية الأوروبية لدرجة أن أحزانه على مواطنيه فقط دون سواهم ممن تضرروا في أنحاء العالم بسبب بلاده أو شركائها، ومن اقتصاره على حضارته أن سمى ما قبل الحروب العالمية عصر الأمن الذهبي، وأنا لا أسنغرب ذلك فحميّة البشر لقومهم وأمتهم طبيعية، ونفسية الغرب الاستعلائية معروفة، وعداء اليهود ثابت وإن تسربلوا بألف غطاء.

ثمّ عرج الكاتب الجميل على نصوص يوميات جندي مسلم اسمه إحسان حسن الترجمان، وهو ممن شارك في الحرب العالمية الأولى، وكان في القدس آنذاك؛ فتأثر بخليل السكاكيني الذي كتب مذكراته في ثماني مجلدات نادرة ورقيًا متاحة إلكترونيًا، وعمر هذا الجندي حينما بدأ بالتدوين أربعة وعشرون عامًا، وقد ظهرت النسخة المخطوطة الوحيدة من هذه المذكرات في أرشيفات الجامعة العبرية بعد أن استولى اليهود المحتلون على اثني عشر ألف مخطوط من البيوت العربية المنهوبة بما فيها، والله أسأل أن يعيد لنا جميع ما نهب من حقوقنا.

وتحدث الكتاب عن الأمير شكيب أرسلان وعلاقاته السياسية والثقافية، وتصدره على عرش الكتابة العربية في عصره، وتجوله في العالم دفاعًا عن قضايا المظلومين حتى أضحى شخصية دولية بارزة ومؤثرة ووجهًا من وجوه الزمان والمنطقة، وأصبح الناطق الرسمي باسم سورية، وهذا المجد الذي حصله يندر وقوعه لكاتب أو مثقف، بيد أن الأمير ناله مستحقًا له، ومن شدة تعلقه بالكتابة به أن رفض تركها حتى وهو على سدة مناصب رسمية، أو عرضة لمقابلة من يكتب ما لا يروق لهم.

ثم كان من المناسب بعد شكيب إيراد شيء عن رفيقه الشيخ محمد رشيد رضا؛ فحياته حافلة بالأعمال العظيمة مع أن عصره مخيب للآمال. وعندما كتب رضا مقالة بعنوان: القول الفصل في سعادة الأمة غضب الساسة عليه، وعُرض عليه منصب رفيع شريطة الامتناع عن الكتابة فأبى! وحين زار لبنان والهند استقبل بحفاوة من الشعوب التي تميز المخلصين الصادقين؛ إذ أن الشيخ رجل إصلاح قدر مستطاعه، ولا يفوت الفرصة على نفسه في هذا المجال بكبير أو صغير. ويمتاز برصد الظواهر الاجتماعية، ومنها أن المرأة البيروتية أشد محافظة من غيرها في بلاد الشام لبعد نساء بيروت عن التغريب. وصار رشيد رضا بسبب مقامه في دمشق الشاهد والمؤرخ اليومي لوقائع دخول المحتل الباغي “غورو” إلى دمشق، وإقصاء الشريف فيصل عن عرشها؛ ولهذا العرش المؤقت حكايات ذات عظة في مودة الغرباء.

كما تحدث الكاتب عن الشيخ الرئيس محمد كرد علي، ونقل مقولته بأن أنور باشا يحب الأمير شكيب أرسلان ويحميه، وجمال باشا يحبني ويحميني، وهما -أنور وجمال من أشرس رجال حكومة تركيا بعد الانقلاب على الخلافة- ثمّ يعقّب كرد علي بأن قلوب الرجلين لا مكان فيها للحب وما حبهما لنا -أي لكرد علي ولشكيب أرسلان- إلّا لاستخدامنا! وتلك بصيرة من الكاتب مع ظهورها وتكرارها تغيب عن البعض حتى يصبح حالهم مثل التي يبغضها محمد كرد علي، إذ يكره أن يجعل الانسان نفسه مثل فوطة حمام تنتقل من جسد إلى آخر! ومن آرائه أن العاقل يلزم السكون عند تبدل الدول، ولذا تجنب السياسة، وفقد الثقة في الأحزاب والساسة.

وطاف بنا أ.محمد بن عبدالعزيز مع جورجي زيدان في إسطنبول وقصر السلطان عبدالحميد حتى في غرفه التي وصل للسلطان في أحدها خبر عزله عن منصبه وهو عند بيانو أهداه له إمبراطور ألمانيا “غلوم”! وبجوار هذه الغرفة الموسيقية مشغل للنجارة وهي هواية السلطان. وتحدث “جورجي” عن انتشار اللغات الأجنبية، ووضع بنات الطبقة التركية الراقية منديلًا أسودًا على وجوههن إذا برزن للشارع، إضافة إلى ندرة وجود المسكرات علانية، وعناية الحكومة بالآداب العمومية، ومقاومة التحرش وهو ما تمنى زيدان أن تفعله مصر آنذاك، ويثني أخيرًا على أخلاق سائقي المركبات والعربات في إسطنبول وهو الأمر الذي يراه المؤلف مفقودًا هذه الأيام.

وغير بعيد عمّا سبق ذهبت بنا مودة الغرباء إلى مدينة لا شبيه لها مع “أنّا ماري شيمل” المستشرقة الألمانية التي عاشت في تركيا سبع سنوات منذ عام (1952م)، وفتنت بالخط واللغات الشرقية ودواخل المجتمع التركي وعقيدة الصوفية. وعدنا بعدها إلى مصر وأدبائها مع عايدة الشريف الشاهدة على ربع قرن، ومنها شهادتها على أحداث زيارة “سارتر” لمصر عام (1967م)، وأحاديثها عن بعض أدباء مصر. وحول مصر المحروسة جاء الحديث عن أ.صلاح نيازي ود.جلال أمين وهما من راصدي التحولات في المجتمع المصري، ولهم يد في التعريف بشخصياته، ويشاركهما في عرض تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي أ.صلاح عيسى ففي كتبه نصوص تاريخية مبثوث بين جوانبها الحياة والأدب.

عقب ذلك أخذنا الأستاذ الهجين معه إلى سيرة الإعلامي الفلسطيني واللغوي المتمكن عارف حجاوي الذي تعلّم من الكتب كثيرًا، وشيئًا قليلًا من المعلمين، ويقرأ التاريخ بنهم ولا يتابع الأخبار الحاضرة. وذكر المؤلف أن أحد أسباب جمال سيرة حجاوي يرجع لأنها قصص وحكايات ذات مغزى وليست حياة متوالية فقط. ووصفه بأنه متوحش بالقراءة حتى كرر قراءة كتاب الأغاني الضخم ثلاث مرات، وهو مفتون بجرس الكلمات وموسيقاها، وكسول حتى حلق شعره يوم زواجه في السيارة الذاهبة به إلى حفلة العرس! وبعد زواج دام ثلاثين سنة أصبح العارف ألين عريكة وأكثر خروفية، وهي وصفة تعجب كثيرًا من الناس ويبقى أن حسن العشرة دين وخلق. أما مشروع عمره فموسوعته عن ستين شاعرًا، وقد أغاظه أن كلّ ديوان شعر عربي اكتشفه أول مرة ثم طبعه مستشرق، والله يرفع عن أمتنا ضعفها العلمي وقلة احتفائها برموزها ونتاجهم، وتزين الحديث عن حجاوي بحكم لطيف مهم للكتّاب حين وصفت طريقته بأنه يكتب لقارئه كأنه أمامه يخاطبه برفق ووداد، ولا عجب أن يفعل وهو المتذوق للشعر، الغواص الماهر في بحور اللغة.

وفي الكتاب لطيفة خلاصتها أن الشاعر القروي الذي يكهربه الجمال ويضحك للنكتة البكر لم يستطع أن يفهم بأن لبنان بلد وسورية بلد آخر!  وفيه جولة مع د.عبدالرحمن بدوي الذي كان في سيرته سليط اللسان ولم يذكر فيها أيّ امرأة حتى أمه! ونال من أكثر الذين عرفهم ولم يسلم منه إلا أستاذه الشيخ مصطفى عبدالرازق الذي جعله معه في موسوعة الفلسفة ولا يوجد عربي غيرهما في هذه الموسوعة، وهي من كتب بدوي الكثيرة إذ حباه الله بفضيلة الجلد في الكتابة والترجمة والبحث. ومن اللطيف أن أوصى بدوي بأن تنقش على قبره مقولة “نيتشه”: لكي تجني من الوجود أسمى ما فيه عِش في خطر!

ومن أخبار الساسة حديث عن شخصية الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بما فيها من معان وأبعاد حسبما كتب عنه نبيل عمرو القريب منه، وأشهر مقولة لعرفات هي: الضربة التي لا تقتل تقوي ولاشك بأنها مقولة ناجمة عن ضربات وهزائم كثيرة! ومع القيمة التي تحملها شهادة نبيل عمرو إلّا أنها تظلّ شهادة واحدة عن قرب لشخصية معقدة حملت أخطر قضايا العالم، ولا غنى عن شهادات أخرى من زوايا مختلفة وأطراف محايدة أو حتى معادية.

وتسحبنا السياسة معها إلى حرائق برقاش التي أودت بوثائق مكتبة الكاتب والصحفي المصر الشهير محمد حسنين هيكل، وهي الوثائق التي طلبت جامعة أكسفورد شراءها بثلاثة ملايين جنيه إسترليني فرفض هيكل بيعها. ومن طريف خبر الأستاذ هيكل غيرة الرئيس الأسبق حسني مبارك من كثرة زيارة الزعماء والقادة لبيت هيكل، وامتعاضه من ظهوره على شاشة التلفزيون حتى قال: لم ينقص إلّا وضع الأعلام خلف هيكل وهو يتحدث! وهذا سلوك شاركه فيه سلفه السادات الذي صرخ بمقولتين هما: علاقة هيكل بالمراسلين الأجانب لن تحميه من المحاسبة! وأردف قائلًا: هيكل عاش كفاية! ولم ينس المؤلف الإشارة إلى علاقة هيكل بالدكتور المسيري، وهي من حسنات حياة هذا الكاتب والسياسي الذي كمن سره فيما يمتلكه من أرشيف الحكومة زمن عبدالناصر.

أما إذا وصلنا عند عصارة أيام “سومرست موم” الذي ندم على إهماله تسجيل يومياته فسوف نتوقف كثيرًا كثيرًا مع تلك الخلاصات البديعة. وقد صاحب الرجل الحكام والساسة والبارزين في المجتمع ليكتشف أن حديثهم أبعد ما يكون عن العذوبة، وذكاءهم قلما يكون متوقدًا، وثقافتهم العامة دون الوسط، وطبعًا في الغالب لا أحد ممن حولهم يخبرهم بذلك ولو بالتلميح. ويكمن سر انجذاب الناس إليهم بالديمقراطية في الغرب التي سلبت عقول الجماهير، وأما في الشرق فتفسيره لا يغيب عن فطنة القارئ.

ويرى “موم” نفسه ذات شأن مع اعترافه بأنه غير ذي خطر أبدًا، ويربط بين متع الحياة والبداهة؛ ولذا فلا تحرموا أنفسكم لذة الاندهاش. ويرجع “سومرست” الفضل لأخطائه التي علمته التسامح مع الآخرين. ومن عصارة حياته أنه ترك الطب ليتفرغ للكتابة، والكتابة لديه فن لطيف يكتسب بعرق الجبين، ويوصي الكتّاب بالتخلص من الزخارف اللفظية وحذف كل كلمة حذفها لا يؤثر في وضوح المعنى؛ لأن الوضوح هو أول صفة للكتابة في رأيه. ويفسر الكتابة الغامضة بأنها إهمال أو عجز! ويحذر من جناية الألفاظ وأجراسها على المعنى، وينهى عن الكتابة بأسلوب فخم حول شيء تافه، ويجزم أن الكتابة تحتاج إلى جهد ونظام قاسٍ، ويجب أن تغدو مثل لباس أنيق غير متكلف. وأما الثقافة عنده فقيمتها تُقاس حسب تأثيرها في الشخصية والمجتمع بإيجاد لخير والقوة وما عدا ذلك فسخف لا طائل من ورائه.

كذلك يوجد في هذا الكتاب الدسم شيء عن الروسي “كراتشكوفسكي” المفتون بالمخطوطات العربية وآداب العرب حتى وضع على قبره شطر بيت أبي العتاهية: “الموت باب وكل الناس داخله”، وتذكير بالأديب والكاتب الإنجليزي المنسي “ماركدوك بكثال” مترجم معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية. وفيه نقل عن “أناتول فرانس” الذي يرى أن للمدنية والرقي أثرًا في ضعف قو الصبر والجلد على النوائب وتحمل المصائب، ومع أنه رجل ملحد مارق إلّا أنه شديد المغالاة في الحفاظ على لغته الفرنسية وليت المنهزمين أن يقتدوا به في هذه فقط! ولم يترك الكتاب الروائي الروسي “تولستوي” العجوز المغرم بالحديث عن النساء، وأفادنا بأن الجلسة مع “تشيكوف” تخبر عن فكرة مختصرها أن العظماء بعيدون عن التعقيد وفهمهم للأمور عميق.

وليس بغريب تخصيص الأديب الفرنسي “فولتير” بمقالتين، وهو الرجل الأكثر تهذيبًا عند محبيه والأكثر وقاحة لدى أعدائه وهكذا هي آراء البشر! ومن لطيف خبره تناقضه مع أخيه التقي “أرمان” حتى قال أبوهما: “لدي ولدان أحمقان: واحد من قلة التقوى، والآخر من شدة التقوى”، ولذلك يخشى هذا الأخ التقي الموت بلا عقب حتى لا تؤول أمواله إلى أخيه “فولتير” الكافر! وكان ترياق “فولتير” في سجنه الكتابة وبعض ما كتبه قرأته أوروبا قاطبة إذ أنه متحدث جذاب، وكاتب ساحر في الخير والشر، وخلب ألباب الرجال ومعشوقاته الكثر من النساء. ثمّ تحولنا مع مؤلفنا إلى مذكرات “لويس بونويل” المخرج الإسباني الذي يجزم بأن حياة بلا ذاكرة ليست بحياة، وتعرف على شخصيات مهمة بعصره سواء في مدريد أو باريس التي تعجب من تبادل القبلات في شوارعها علانية، ومن عيش الرجل مع المرأة دون زواج، وكره من باريس وأهلها الحذلقة والتكلف في الكلام.

ومن أعظم الوفاء حجز فصل لسير المترجمين فهم بإتقانهم وحسن انتقائهم لهم فضل على العربية وأهلها، والبداية مع شيخهم المترجم النابلسي الفلسطيني عادل زعيتر الذي كان بجهوده مثل جامعة أو مجمع مع جودة عمل وشدة انتماء لأمته وحضارته. والثاني هو الدبلوماسي السوري سامي الدروبي الذي كتبت زوجته إحسان بيات سيرته عقب رحيله بوفاء وحب، وهو الذي ترجم أعمال الروسي “دستويفسكي” جميعها حتى أصبح هذا الروائي ضرة لإحسان، وجزءًا من حياتهم. وفي يوغسلافيا كرموا الدروبي بعد نهاية عمله بوسام ليس لأنه سفير وإنما لأنه كاتب وأديب كما قال “تيتو” وهو يقلده. وألقى سامي كلمة مفعمة بالمشاعر العروبية أبكت عبدالناصر بعد انفصال سورية ومصر، وإن كتاب زوجته لمليء بالحب والتوثيق الشيق عن الكتابة والترجمة والعمل الدبلوماسي، والله يكتب أجرها.

وثالث المترجمين هو المثقف المصري طلعت الشايب الذي توفي خلال حديثه في صالون أدبي عن تجربته في الترجمة، وله فلسفة يسميها “مكتبة المترجم” وما أحوج المترجمين لها حتى يكون عملهم دقيقًا متينًا خالدًا. ومن طرفه أنه ترجم للعسكري المصري سعد الشاذلي مقولة نظيره الروسي على أنها مثل بيع الماء في حارة السقايين! وبعد نهاية اللقاء أبدى الشاذلي تعجبه أن لدى الروس حارة سقايين! فأخبره الشايب بأن الروسي قال مثلًا متداولًا في ثقافتهم الروسية، ومقابله في الثقافة المصرية هذا المثل.

ومن المترجمين المصريين الأساتذة محمد عناني مترجم شكسبير، وماهر البطيطي صاحب اللغات والكتب النفيسة والتوقيعات النادرة لرموز ثقافية عالمية على كتبهم التي سعى في شرائها وامتلاكها. ومنهم د.ماهر شفيق فريد العاكف على الدوريات الأجنبية ومترجم إليوت، وهو من “المنقطعين” كما ابتكر المصطلح الأديب اللبناني مارون عبود، وأحياه الكاتب والأديب السعودي عبدالله الهدلق، واستخدمه المؤلف هنا لرجل عمر وقته بالقراءة الطويلة ومعرفة المصادر التي لا يفطن لها الباحث العجل، ومما أضافه المؤلف الثناء على لغة مترجمي السير الأجنبية التي عرضها.

أخيرًا حجز المؤلف لقرائه المقاعد أمام قصص الأدباء، وأولهم المتنبي مع الوزير الأديب الأردني خالد الكركي، ثمّ مع بعض أباطرة الكتابة العربية في مصر مثل المنفلوطي والرافعي والزيات والعلامة الكبير محمود شاكر كما بدا في ظلّ النعيم وهو كتاب بديع عن هذا الرجل العملاق. ومنهم د.عبدالفتاح كيليطو القلم المغربي الباهر الذي جعل القاموس عكازًا والكتابة مشيًا ففتن المشرق بفكره وبيانه وأسلوبه المكتوب، تمامًا مثلما صنع بلديه الشيخ د.سعيد الكملي في دروسه العلمية المسجلة بالصوت والصورة، والذائعة عبر تطبيقات التراسل الفوري مثل الواتساب وغيره.

ووقف المؤلف مع جهاد فاضل حين درس جانبًا من حياة الشاعر السوري نزار قباني وركز على الوجه الآخر الذي لا يخلو من طعن بنكهة علمية عبر نبش ملفات الضعف البشري، وفي صنيعه تحقيق لقول الوزير والأديب السعودي د.غازي القصيبي: إذا تعرفت على شاعر خارج ديوانه، فلا تلومن إلّا نفسك! ولا يمنع هذا من الثناء على شاعرية قباني إذ أن اللغة أضحت صلصالًا بين يديه يعجنها ويشكلها كما شاء حتى لو أخبرنا الشاعر الفلسطيني محمود درويش بأنه دخل إلى بيته فلم يعثر فيه على كتاب! وأشار المؤلف الموفق إلى سيرة د.عبدالوهاب المسيري الثرية التي تغني عن كثير من كتبه، وإلى المفكر د.إدوارد سعيد في طفولته لأنه كتب عن طفولته بإسهاب خلافًا لمراحل حياته الأخرى، ولذا ختم كاتبنا حكاياته الآسرة عن الطفولة في السير الذاتية.

ما أجمل هذا الكتاب، فهو جميل إذا قرأته مرة واحدة أو قراءة متقطعة، وسواء كانت على مهل، أو إذا قفلت إليه على عجل، وجميل حين تكتب عنه بإجمال، وجميل إذا كتبت حوله بتفصيل. وما أحوجنا إلى إشاعة الجمال المعنوي والمادي الحقيقي في كلّ شيء حولنا، وفي حياتنا، عسى أن يطمس هذا الجمال القبح المتراكم بالكيد والكَبَد والنكد، وعسى أن يوجد داخل النفوس جذوة من سعادة، وجذوة من أمل، وجذوة من همة، وهكذا حتى يدفع الجمال الحقيقي بمجتمعاتنا الجميلة في معدنها إلى كلّ خير، وكلّ قوة، وكلّ عزة، وكلّ سعادة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الأحد 15 من شهرِ ذي الحجة عام 1442

25 من شهر يوليو عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)