نافذة ثانية إلى مجلس الوزراء الموقر

نافذة ثانية إلى مجلس الوزراء الموقر

كتبت قبل عامين مقالًا عن مجلس الوزراء، حشدت فيه عددًا من المعلومات والإحصاءات نتيجة لقراءات وتتبع وسؤال واستنتاج، وأرجأت بعضها حتى لا يطول ذلك المقال رجاء أن تتاح الفرصة لكتابة آخر. ويبدو أن هذا الوقت مناسب لكتابة الثاني بعد اجتماع عدد من الفوائد التي تنفع القارئ، فمجلس الوزراء الموقر مهم لنا باجتماعه الأسبوعي، وقراراته، ومن الحسن أن نعرف شيئًا من تاريخه وأرقامه وأعضائه وأنظمته.

فعندما صدر الأمر بتكوين مجلس الوزراء عام (1373) انتفت الحاجة لمجلس الوكلاء بعد ثلاثين عامًا من تكوينه، وتلاشى اسم مجلس الشورى القديم من الظهور حتى أعيد عبر الأنظمة الأساسية الجديدة التي صدرت في آخر شهر شعبان عام (1412). ويرتبط بمجلس الوزراء مجالس وهيئات ألغي أكثرها في مستهلّ عهد الملك سلمان، وأحيلت مهامها إلى مجلسين أحدهما للشؤون السياسية والأمنية، والآخر للشؤون الاقتصادية والتنمية، مع بقاء المؤسسات القديمة مثل ديوان رئاسة المجلس، وأمانته، واللجنة العامة، وهيئة الخبراء التي كثيرًا ما أصبح رئيسها وزير دولة وعضوًا فاعلًا من أعضاء المجلس. ومن الطبيعي وجود أنظمة للمجلس وعمله، وأخرى خاصة بالوزراء إدارية ومالية.

واستبان لي من إحصاءاتي عن المجلس أن ثمانية عشر عضوًا فيه كانوا أمراء لمناطق أو مدن قبل أن يصبحوا وزراء أو بعد تركهم الوزارة، منهم شقيقان من أسرة السديري. ويُعد الأمير خالد الفيصل الوحيد الذي كان أميرًا لمنطقة قبل الوزارة وبعدها، بينما تولى الأمير مقرن إمارة منطقتين قبل عضويته في المجلس. ونلاحظ أن مكة والرياض هما أكثر منطقتين اجتمع لأمرائهما العضوية في المجلس والإمارة في زمنين مختلفين، وبعد ذلك تتوزع المناطق والمدن بين شمال المملكة وجنوبها وشرقها وغربها. وأكثر وزارة شغلها أمراء المدن هي وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وأما نواب أمراء المناطق فنال الوزارة منهم الأميران أحمد، وعبدالله بن بندر، وكلاهما كان نائبًا لأمير مكة.

كما شهد المجلس عضوية عدد من الأقارب قرابة بعيدة أو لصيقة، وفي المجلس وزراء يقتربون من الأربعين يرجعون للأسرة الحاكمة، واثنا عشر وزيرًا من أسرة آل الشيخ، ثم من أسرتي السديري وأبا الخيل بواقع ثلاثة وزراء من كل واحدة منهما، إضافة إلى عدة أسر أخرى كان منها وزيران فقط. ومن هذا الباب وجود أحوال تعاقب في العضوية أو على الوزارة ذاتها بين الأقارب، علمًا ان بعض العلائق واضحة بحكم الاسم والنسب، وبعضها لا تظهر بسبب خفاء التداخلات التي تكون من طريق الأمهات والزوجات، ومن المؤكد أن هذا الأمر غير مقصود بعينه، ولربما أعرض له بالبسط المستفيض مستقبلًا.

ومما يخصُّ فرائد جلسات مجلس الوزراء، أن الجلسة رفعت في عهد الملك سعود بسبب كسوف الشمس، وفي عهد الملك سلمان علّقت اجتماعات مجلس الوزراء لمدة جلستين متتاليتين في الثاني والعشرين من شهر رجب عام (1441) والتي تليها بسبب وباء كورونا، ثمّ انعقدت باقي الجلسات عن بُعد ابتداء من جلسة السابع من شهر شعبان عام (1441) حتى ساعة تحرير هذا المقال. وفي عهد الملك سلمان أيضًا أدار الملك جلسة واحدة من مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض يوم الثلاثاء الثلاثين من شهر ذي القعدة عام (1441) على إثر إجراء فحوصات طبية.

من أوليات العضوية في المجلس أن د.غازي القصيبي أقسم أمام الملك فهد في إسبانيا حينما سمي وزيرًا للمياه، وأدى د.إبراهيم العساف القسم يوم جمعة وهو وزير دولة أمام الملك فهد، ثمّ أقسم بعد تسميته وزيرًا للمالية أمام ولي العهد الأمير عبدالله -الملك فيما بعد- بصفته وليًا للعهد، وهو أسرع قسم إذ كان عقب التعيين بساعات فقط. كما أقسم الأمير خالد الفيصل أمام الملك عبدالله في مخيّم روضة خريم عقب تعيين الفيصل وزيرًا للتربية والتعليم خلافًا للمعتاد، وبسبب جائحة كورونا أدى الأستاذ فيصل الإبراهيم القسم عبر الاتصال المرئي عقب تعيينه وزيرًا للاقتصاد والتخطيط، وهو أول وزير من المجلس يفعل ذلك. ولاحظ أ.د.مدني علاقي حسبما كتب في سيرته اختلافًا يسيرًا في صيغ القسم بين الوزراء، وأذكر أني سمعت شيئًا من هذا الاختلاف مباشرة عبر النقل التلفزيوني لأداء القسم.

بينما عاد الأمير خالد الفيصل من مقعده في المجلس وزيرًا للتربية والتعليم إلى منصبه السابق أميرًا لمكة، ولم تمض مدة طويلة بين انتقال الشيخ د.سليمان أبا الخيل إلى وزارة الشؤون الإسلامية قادمًا من جامعة الإمام حتى أعيد لإدارتها من جديد، كما رجع الأستاذ فهد المبارك إلى منصبه محافظًا للبنك المركزي بعد عامين قضاهما وزير دولة وعضوًا بالمجلس، وبعد إعفاء د.عبدالعزيز خوجه من وزارة الثقافة والإعلام أمضى سنوات سفيرًا في الرباط التي تولى سفارتها فيما قبل، وأول واقعة من هذا القبيل كانت مع د.رشاد فرعون الذي عمل سفيرًا في فرنسا مرتين وفي المدة الفاصلة بين سفارتيه كان وزيرًا للصحة، ولا أعرف غيرهم أحدًا رجع بعد الوزارة لمنصبه السابق على عضويته.

وأشير إلى تكرار تعيين وزير كان سفيرًا في بلد ثمّ اختياره بعد الوزارة سفيرًا في بلد آخر، فالشيخ جميل الحجيلان كان سفيرًا في الكويت ثمّ أصبح وزير الإعلام وبعدها الصحة وعقبهما قضى وقتًا طويلًا في سفارتي ألمانيا وفرنسا، والشيخ فيصل الحجيلان صرم اثني عشر عامًا وزيرًا للصحة وقبلها كان سفيرًا في واشنطن وبعدها أصبح سفيرًا في باريس.

ومن الوزراء -غير الأمراء- الذين فارقوا الحياة وهم أعضاء في المجلس وعلى رأس العمل حسب التتابع الزمني للوفاة: وزير الزراعة الأمير عبدالعزيز السديري (1375)، ووزير التجارة الشيخ عابد شيخ (1391)، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ عمر السقاف (1394)، ووزير التعليم العالي الشيخ حسن آل الشيخ (1407)، ووزير العمل د.غازي القصيبي (1430)، ووزير الدولة د.عبدالعزيز الخويطر (1435). ويُحفظ عن الوزيرين الأمير عبدالعزيز السديري، والشيخ حسن آل الشيخ، أنهما توفيا على مكاتبهما في الوزارة فجأة، ومن الموافقات أن الأول خلفه شقيقه على كرسي الوزارة، بينما كان الثاني بديلًا عن أخيه كما ذكرت سلفًا.

أما أكثر الكتب التي يرد فيها طرف من أخبار المجلس والوزراء فهي سيرة د.الخويطر عديدة الأجزاء بعنوان: وسم على أديم الزمن، وحياة في الإدارة والوزير المرافق وكلاهما للدكتور القصيبي، والثاني طبعًا أصرح فيما ألّف، وأكثر أهمية فيما يسوقه من وقائع في كتابيه حتى أنه فتح لغيره بابًا من القول كان موصدًا، ومثلهما محاضرات الشيخ د.محمد عبده يماني وليته أتمّ سيرته الصريحة ومحاضراته الماتعة قبل رحيله المفاجئ.

وعليه أتمنى ألّا يغفِل من يكتب سيرته من الوزراء هذه العضوية بما يناسب بيانه دون إخلال بمقتضيات القسم والأمانة؛ فالمناسب المتاح للنشر والتوضيح كثير عند من لم يكن شديد التحفظ، وكثيف الحيطة، مع توجس زائد عن قدر الاعتدال، وحذر مفرط لا يفُسر. ويزداد إلحاح هذا الطلب لأنها من الخبرة المتوارثة أو الخبر المستطرف، ولو لم يذكر أ.هشام ناظر في سيرته أن الملك فهد نقله بتصريح تلفزيوني من وزير أصيل للتخطيط، ومكلف للبترول، إلى وزير أصيل للبترول ومكلف للتخطيط، لما علمنا عن هذه الواقعة الفريدة شيئًا.

ولا يفوتني الإشارة إلى استقصاء يصنّف على أنه من المُلح، فالمجلس الذي انتسب لعضويته حسب إحصائي تسعة وثلاثون وزيرًا من الأمراء (39)، ومئة وثمانية وأربعون وزيرًا من غيرهم (148)، يحملون ثلاثة وستين اسمًا (63)، اكثرها تكرارًا اسم محمد (30) مرة، ثمّ اسم عبدالله (17) مرة، بينما كان منها (28) اسمًا لم يحملها إلّا وزير واحد، وبعضها أسماء نادرة حتى في المجتمع. ومع أنّ جلّ الوزراء جاءوا من مناصب عليا سابقة، أو عضوية في شركات قريبة من القرار، إلّا أن تاريخ العضوية يحفظ أن د.الجزائري اختير وزيرًا للصحة وهو عميد كلية الطب، ود.حمد المانع أصبح وزيرًا للصحة بعد أن كان مديرًا عامًا للشؤون الصحية بالرياض، وهذه المعلومة تحفز أهل المناصب المتوسطة، وتبقي على جذوة الأمل عند من لديه أمل.

وخلال تاريخه الذي يقترب من عامه السبعين، لم تصبح أيّ امرأة عضوًا في مجلس الوزراء، مع وجود امرأة أو أكثر في مرتبة وزير أو في المرتبة الممتازة، وبعضهن تحتل منصب نائب وزير أو مساعد له. وربما يكون الوضع في الأيام القادمة مختلفًا بواحدة أو مثنى وثلاث ورباع، والله يكتب الخير فيما هو كائن أو سيكون، ويوفق الجميع لما نتيجته النجاح في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة.

أخيرًا فهذه نافذة جديدة، لعلها مع سابقتها وما كتب بينهما أو قبلهما أو بعدهما من كتب ومقالات من كتّاب وباحثين آخرين على قلة عددها، أن تصنع مادة مناسبة لمن شاء الاستزادة عن تاريخ مجلس الوزراء بما له من أهمية ومكانة. ومن يدري فلعلّ الفرصة أن تسنح لثالثة تكتمل فيها معلومات تضاف إلى ما تجاوزته في هذه المقالة لدواعي الاختصار، فالموضوع يستأهل مواصلة البحث، والكتابة، والتوثيق، حفظًا لسيرة المجلس ومسيرته.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الاثنين 28 من شهرِ رمضان عام 1442

10 من شهر مايو عام 2021م