سياسة واقتصاد

تحيّة لوزير الصحة!

Print Friendly, PDF & Email

تحيّة لوزير الصحة!

وزارة الصحة وزارة صعبة وثقيلة للغاية؛ لأنها تتعلق بقضية خطيرة هي الحياة التي لا مجال لتكرارها، ولا تحتمل شؤونها التأخير أو النقص أو أيّ خطأ، وبالتالي نجد أن السخط يلحق بهذه الوزارة حتى في دول كبرى وأنظمة صحية راقية. لذلك تحال في بعض البلدان مسؤوليتها لممثلي أحزاب مغضوب عليها أو يراد تشويه سمعتها؛ لأن النجاح فيها عسير، وما دام هذا مصيرها فليذهب لوم الناس نحو فصيل مستهدف أو مستضعف.

ومع كثرة المحن الصحية التي أصابت العالم، إلّا أن جائحة كورونا نفعت وزارة الصحة وأضرت بها، فمن النفع أن جعلتها الجائحة في الواجهة، وغدت كأنها وزارة سيادية تنافس وزارات الأمن والحرب والحرس والخارجية والمال والعدل، وصارت تأمر وتنهى فتطاع بعد أن كانت تلهث خلف غيرها. ومن ضرر الجائحة أن زادت التركيز على متابعة أدائها، ورؤية تقصيرها الحقيقي أو المتوهم، الناجم عن خلل منها أو لسبب خارج عن إرادتها، ومنه الوزراء الذين أطاحت بهم لعلّة أو أخرى.

ولا أدري عن صحة المعلومة التي قرأتها من عدمها، وخلاصتها أن وزارة الصحة من الوزارات متأخرة النشأة لدى دول مثل أمريكا وكندا، وأما في السعودية مثلًا فهي وزارة قديمة قياسًا لغيرها، ومع أنها ولدت مع وزارة المعارف أو التعليم حاليًا، إلّا أن عدد وزرائها بالأصالة أو التكليف يصل إلى واحد وعشرين وزيرًا مقابل نصف هذا العدد للتعليم. ومن وزرائها عدد من الأطباء دون سواهم من التخصصات الصحية وبعضهم من قدماء المبتعثين مثل د.نصيف ود.الهرساني ود.الهاجري، ويغلب على أكثرهم العناية بالكتابة والأدب، ولذا فهي من الوزارات التي أصدر وزراؤها سيرًا ذاتية أزيد من غيرها فيما أعلم، وهم على الترتيب مع التوقير: أ.الحجيلان، ود.الخويطر، ود.الجزائري، ود.القصيبي، وأ.د.شبكشي، ود.المانع، والقائمة لاتزال مفتوحة.

وهي وزارة مدنية صرفة، ومع ذلك فلم تسلم من الحوادث المؤلمة، فوزير الصحة الأردني د.محمد البشير العواملة لقي حتفه في المروحية التي سقطت بالملكة عالية طوقان ثالث زوجات الملك الحسين، ووزير الصحة العراقي د.رياض إبراهيم العاني مات دون أن يقف الناس على حقيقة وفاته، وتشير كثير من أصابع الاتهام نحو الرئيس صدام حسين لأكثر من سبب، وتحت أكثر من رواية مرعبة، وحكايته من غوامض الأسرار التي لم يصل فيها الناس إلى قول فصل.

كما يقوم جزء من عمل الوزارة على الطب الوقائي والرعاية الأولية، وعلى وعي الناس وهنا مربط الفرس، إذ طالب وزير الصحة الأردني د.سعد جابر مواطنيه بالتوقف عن التقبيل لمنع انتشار فيروس إنفلونزا الخنازير، فتلقى قُبُلًا من خمسمئة شخص مباشرة! وليس هذا فحسب بناء على رواية الوزير الأردني الذي قال بأن أحد الوزراء دخل إلى قاعة مجلس الوزراء عقب عودته من السفر، فبادر لتقبيل جميع الوزراء، وحين “قلنا له: ممنوع البوس…رد مش قادر!”.

أما في زمن كورونا فقد أحرجت الكمامة وزيرة الصحة المصرية التي لبستها بطريقة رأى البعض أنها غير صحيحة، وشاكست الكمامة وزير الصحة الأسترالي فسقطت عن أنفه وفمه غير مرة أمام الصحفيين، وألح وزير الصحة اللبناني على مواطنيه بلبس الكمامة لتقليل انتشار الفيروس، والمفارقة أنّه في مؤتمره الصحفي لم يلبس الكمامة، وتكررت كثيراً إطلالاته التلفزيونية في الهواء الطلق أو في المكاتب والصالات دون أن يضع كمامة!

بينما استخف وزير الصحة الإسرائيلي الحاخام المتدين “يعقوب ليتسمان” بالإجراءات الاحترازية للحدّ من كورونا معربًا عن اعتقاده بأن “المسيح المنتظر” سيشفي الناس قبل عيد الفصح العبري، ولأن الرجل خرق تعليمات وزارته، وخالط الناس دون ارتداء الكمامة أو الالتزام بالتباعد، فقد أصيب هو وزوجته بالفيروس مما جعل رئيس وزرائه يفزع لحجر نفسه خشية انتقال العدوى إليه من وزيره.

كذلك أجبرت كورونا وزير الصحة الإكوادوري “خوان كارلوس زيفالوس” على تقديم استقالته لأنه مكن والدته وأثرياء ونافذين من التطعيم قبل غيرهم، وأطاحت الجائحة بوزير الصحة الأرجنتيني بتهمة تطعيم سبعين شخصية مهمة قبل غيرهم، وقبل الأرجنتيني بأسبوع أقيلت وزيرة الصحة في بيرو الدكتورة “بيلار مازيتي”؛ بعدما استبان أن الواسطة قادت إلى تطعيم خمسمئة إنسان بتجاوز مقتضيات التنظيم الرسمي، وتُعدُّ هذه الوزيرة خامس وزير للصحة في بيرو خلال أقل من سنة من بداية أزمة وباء كورونا التي تجتاح البلاد.

كما أسهمت الجائحة بسقوط قبيح لوزير الصحة الألماني “ينس شبان” بسبب أنباء إعلامية مسربة عن دور كبير لشريك حياة الوزير الألماني في صفقة بيع نصف مليون كمامة لوزارة الصحة، وجمعت هذه الحادثة فساد المال والإدارة، وفساد الفطرة بالشذوذ، ومن غوائل الشذوذ التي ربما تتنامى في قابل الأيام أن الرئيس الأمريكي “بايدن” اختار متحولة جنسيًا أو عابرة كما يسمونها تحسينًا للشذوذ كي تكون مساعدة لوزير الصحة، وهي أول شاذ يشغل وظيفة فيدرالية عليا، وبما أننا وصلنا إلى أمريكا فلا بأس من الإشارة إلى أن وزير الصحة الأمريكي من أصول لبنانية “أليكس عازار” قدّم استقالته احتجاجًا على اقتحام مؤيدي “ترمب” لمبنى الكونغرس.

ولا تخلو الصحة ووزارتها من طرائف كثيرة تُروى؛ فمنها أن وزير صحة في بلد عربي ظهر في برنامج تلفزيوني مباشر لمناقشة سبب تأخير تسجيل أحد أدوية علاج الضعف الجنسي للرجال، فكان من مداخلات مواطن عامي للوزير بلهجة شعبية أن طرح عليه السؤال قائلًا: “هو حضرتك مش عاوز الشعب يبقوا رجالة ليه؟!”. ونُقل لي بأن أحد وزراء الصحة في دول الخليج ألمح في اجتماع وزاري مشترك إلى أن جميع الوزراء الخليجيين ذوي اختصاص صحي باستثناء د.القصيبي، فأجاب أبو يارا من فوره مسكتًا السامعين بقوله: المهم الإخلاص وليس الاختصاص! وحين علمت امرأة سعودية ان الذي سيجري لها العملية هو وزير الصحة د.حسين الجزائري أدركها الهلع ظنًا منها أن وضعها الصحي حرج؛ حتى أخبروها أن د.الجزائري هو طبيبها المعالج بغضّ النظر عن صفته الرسمية، فاطمأنت بعد ارتباك. وأخيرًا ذهب وزير الصحة اللبناني د.حمد حسن لزيارة بعلبك؛ فاستقبله الناس بالأهازيج والرقصات الشعبية والعباءة البعلبكية تقديرًا لجهوده إبان وباء كورونا، 

يبقى أن تُبعث في الختام التحيات الزاكيات لوزارات الصحة وطواقمها الطبية والفنية والإدارية أيًا كانت مواقعهم وأعمالهم، ومعها تحية لكل وزير صحة مخلص متفان، فهم جنود يحافظون بعد توفيق الله على حياة الناس وصحتهم، فالجسد مطية كلّ أحد لتحقيق أهدافه الدنيوية والأخروية، وقوة الأجساد وسلامتها، مع صفاء العقول ونقاوة الفطر وارتقاء الهمم، مطلب تسعى إليه الأمم الرشيدة في أمرها، المستبصرة لخير حاضرها ومستقبلها، التي تنشد الظفر والفوز دومًا؛ فاللهم وفقهم، واعنهم، واكتب أجرهم.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

السبت 19 من شهرِ رمضان عام 1442

01 من شهر مايو عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)