سياسة واقتصاد سير وأعلام

مشايخ ووزراء

Print Friendly, PDF & Email

مشايخ ووزراء

بلغ عدد الوزراء المشايخ الذين أصبحوا أعضاء في مجلس الوزراء السعودي أربعة عشر وزيرًا، علمًا أن الوصف الجامع لهم يتحقق بوجود واحد أو أكثر من هذه الشروط، وهي الدراسة الشرعية، وتولي مناصب ذات صبغة دينية، مع وجود أنشطة دينية في حقول متنوعة، وربما يضاف معها المظهر، علمًا أن هذه الخاصية من مزايا مجلسنا العريق. والمقال مقتصر على المشايخ من أعضاء مجلسنا الموقر فقط، مع التقدير للكافة، والغاية منه الإفادة بمعلوماته للتاريخ الإداري السعودي، دون دخول فيما لا يعني؛ فهذا ليس من شأني، ورحم الله امرءًا وقف حيث يجب له أن يقف.

بدأت العضوية المشيخية في مجلس الوزراء السعودي عقب سبع سنواته من تكوينه، أي عام (1380=1961م) على إثر صدور تجديد وزاري أصبح بموجبه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ وزيرًا للمعارف خلفًا لوزيرها الأول الملك فهد، علمًا أن الشيخ عبدالعزيز كان قبل ذلك إمامًا للحرم المكي الأشرف، وإمامًا وخطيبًا للحجاج في جامع نمرة ربع قرن من الزمان قبل الوزارة وخلالها وبعدها، وبالتالي فهو الوحيد الذي جمع في عام واحد هذه المسؤوليات الثلاث.

وهو الوحيد من الوزراء المشايخ -ومن غيرهم دون احتساب الأمراء- الذي نال العضوية المجلسية بعده نجلاه د.عبدالرحمن وزير الزراعة والمياه لعقدين من السنوات، ود.محمد وزير الشؤون البلدية والقروية لأربع سنوات، ثمّ واصل العمل وزير دولة وعضوًا في مجلس الوزراء ضعف سنواته الوزارية في حقيبة معينة. ولم يستمر الشيخ عبدالعزيز في وزارته طويلًا؛ فعقب مدة قصيرة ترجل عن كرسي الوزارة التي أسندت لأخيه.

فغدا الشيخ حسن ثاني الوزراء المشايخ بعد أخيه مباشرة، واستمر الشيخ حسن وزيرًا للمعارف بين عامي (1381-1395)، وتولى بالتكليف وزارات أخرى إبان هذه المدة منها وزارة الصحة، وفي عام (1395=1975م) اصطفي ليكون أول وزير للتعليم العالي إلى أن توفي فجأة في النصف الأول من عام (1407)، وخلال عمله الوزاري أنيطت به مسؤوليات أخرى مثل رئاسة مجالس دارة الملك عبدالعزيز، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والمجلة العربية. ومن المناسب الإشارة إلى أنه أطول وزراء هذه القائمة المشيخية في مدة العضوية المستمرة حتى الآن (1381-1407=1962-1987م)، وأيضًا هو أصغر الوزراء قاطبة بالنظر إلى العمر حين التوزير -من غير الأمراء-.

وفي عام (1391=1971م) دخل إلى المحلس عضوان من المشايخ، ولست أعلم أيهما أسبق؛ فالأول هو الشيخ القاضي محمد بن علي الحركان أول وزير للعدل، وهي الوزارة التي أنشئت عام (1382=1963م) وبقيت دون وجود فعلي عشر سنوات تقريبًا، وعقب مغادرته للوزارة اختير أمينًا لرابطة العالم الإسلامي، وكان إبان وزارته عضوًا في هيئة كبار العلماء. ومما يذكر عنه أنه من وزراء قلة تقدموا للصلاة بالمسجد النبوي، ومن لطيف المناسبات أنه زوّج إحدى كريماته للدكتور عبدالوهاب عطار الذي صار وزيرًا للتخطيط فيما بعد، وله شبيهان آخران في هذه المسألة من بقية الوزراء فيما أعلم.

أما الثاني فهو الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين، الذي لم يطل به المكث في منصبه وزير دولة وعضوًا في مجلس الوزراء بسبب استعفائه المبكر من المنصب. وقد عمل الشيخ الحصين قبل الوزارة في وزارة المالية، وديوان التأديب، وهيئة الخبراء حينما كانت شعبة، وله جهود في التأسيس، ومنهج في الإدارة، وهي أبواب من البحث خصبة لما تطرق بعد كما تستحق. وبعد سنوات طويلة من مغادرته العمل الحكومي وخلوته بنفسه مجاورًا، أنيطت به رئاسة شؤون الحرمين، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار، وصار عضوًا في هيئة كبار العلماء، وللشيخ العميق حضور عريض مؤثر في الأعمال الخيرية والوقفية بالعلم والعمل والمؤازرة، وهو صاحب قلم مميز جدًا.

وفي عام (1395=1975م) سمي الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزيرًا للعدل، إضافة لعضويته في هيئة كبار العلماء، وعمله في رئاسة الإفتاء عقب انتهاء عضويته في المجلس عام (1407=1987م)، وهي السنة التي صار الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير فيها وزير دولة ورئيسًا لديوان المظالم، ثم وزيرًا للعدل سنوات عددًا حتى وقع عليه الاختيار الملكي ليكون الشيخ الجبير أول رئيس لمجلس الشورى عام (1413=1992م)، إضافة لعضوية هيئة كبار العلماء مع مناصب سابقة في المجلس الأعلى للقضاء.

لذا تولى الشيخ د.عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ عقب الشيخ ابن جبير منصب وزير العدل عام (1413=1992م)، واستمر في منصبه الوزاري مع عضوية هيئة كبار العلماء، إلى أن أسندت إليه رئاسة مجلس الشورى عام (1430=2009م). وفي مستهل عام (1414=1993م) انتقل الشيخ أ.د.عبدالله بن عبدالمحسن التركي من إدارة جامعة الإمام ليغدو أول وزير للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وهي الوزارة التي غادرها بعد ست سنوات ليصبح الشيخ التركي مستشارًا في الديوان الملكي (1420=1999م)، وأمينًا لرابطة العالم الإسلامي، وربما أنه الوحيد من وزراء هذه القائمة العلمية الذي كتب سيرته الذاتية.

ثمّ شهد عام (1420=1999م) انضمام الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ لمجلس الوزراء على رأس وزارة الشؤون الإسلامية التي عمل في سنواته الأربع السالفة نائبًا لوزيرها. وبعد انقطاع يسير عن عضوية المجلس عام (1436=2015م) رجع الشيخ العالم إلى المجلس وزيرًا لوزارته السابقة، وبعد بضع سنوات أصبح وزير دولة وعضوًا في مجلس الشؤون السياسية والأمنية أحد جناحي المجلس الموقر. وخلال الأسابيع التي غادر فيها الشيخ صالح الوزارة خلفه عليها لمدة محدودة الشيخ أ.د.سليمان بن عبدالله أبا الخيل (1436=2014م) الذي جاء من إدارة جامعة الإمام، وبعد الوزارة قفل إليها، وهو الوحيد من الوزراء المشايخ الذي رجع لمنصبه السابق بعد انتهاء عضويته المجلسية، وهو ممن شاركوا في عضوية هيئة كبار العلماء.

وفي عام (1425=2005م) أصبح الشيخ أ.د.عبدالله بن صالح العبيد وزيرًا للتربية والتعليم، بعد سنوات قضاها مديرًا للجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، وأمينًا لرابطة العالم الإسلامي، وهو العسكري الوحيد من المشايخ. وقد تلاه في العضوية المجلسية الشيخ د.محمد بن عبدالكريم العيسى وزير العدل بين عامي (1430-1436=2009-2015م)، وكان قبل الوزارة في ديوان المظالم، وبعدها تولى أمانة رابطة العالم الإسلامي، وهو من الوزراء الأعضاء قي هيئة كبار العلماء، وثاني وزير يخطب في جموع الحجيج بعرفة.

أما آخر وزيرين في هذه القائمة فهما وزير العدل الحالي الشيخ د.وليد بن محمد الصمعاني (1436=2015م)، الذي سبق له العمل في ديوان المظالم، وديوان ولي العهد، وله رسالة علمية مطبوعة يُثنى عليها، وجهوده في تطوير العمل الإلكتروني العدلي بادية للمنصف وغير المنصف. ويليه وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الحالي الشيخ د.عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ (1439=2018م) الذي كان قبل الوزارة رئيسًا لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ثاني الوزراء المشايخ الذين عبروا بهذا الجهاز بعد الوزير الأول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ الذي تولى رئاسة الهيئات عام (1396=1976م)، وربما أنه مقامه بها لم يطل، وللعلم المجرد فإن الشيخ د.عبداللطيف هو أكبر أعضاء المجلس من ناحية السنّ حينما صدر الأمر بتعيينه وزيرًا، ولا يشمل هذا الحكم سادات الأسرة الملكية العريقة.

بعد هذا الاستعراض نلاحظ أن الوزارات التي تولاها هؤلاء الوزراء المشايخ هي: وزارات المعارف، والعدل، والتعليم العالي، والشؤون الإسلامية، والتربية والتعليم، إضافة إلى منصب وزارة الدولة، ولهم جميعًا خبرة سابقة بالمناصب العالية، وعضويات شرعية ومؤسسية كثيرة. كما أن مجموع سنوات عضويتهم حتى الآن بلغت بالتكرار مئة وثمانية وعشرين عامًا، منها نصف قرن لوزيرين فقط، وهذه الأرقام قابلة للتغير مثل غيرها من الإحصاءات، ومتوسط العمر حال التوزير يناهز الخمسين عامًا، ومتوسط مدة العضوية تقصر عن عقد واحد من الزمان شيئًا يسيرًا، ونسبتهم من مجموع الوزراء 07%، ولبعض المشايخ علاقة وثيقة بالأدب، ولبعضهم صلة متينة بالقانون.

وحين أكتب هذا المقال، فقد انتقل ستة من الوزراء المشايخ إلى الله والدار الآخرة، والله يجعلهم من أهل الهناء والأمن في برزخهم ويوم البعث، ومنهم خمسة غادروا العمل المجلسي، لكن لهم أعمال حكومية حالية في مناصب عالية بالديوان الملكي أو مجلس الشورى، أو قد تفرغوا لخاصة أنفسهم. ولا يزال ثلاثة وزراء مشايخ أعضاء في المجلس الموقر، والله ينفع بالجميع، ويكتب لهم التوفيق والسداد والأجور المضاعفة.

أشير في الختام إلى أن جميع هؤلاء الوزراء المشايخ لهم آثار علمية مكتوبة أو مسجلة، ولبعضهم حضور لافت في الجامعات، والتأليف، والأعمال الخيرية والدعوية. كذلك امتاز كل واحد منهم بجانب أو أكثر، فمنهم من برع في الخطابة، أو الأدب، أو التربية، أو الإدارة، أو التقنية، أو القانون، أو التأليف، أو التدريس، أو القضاء، أو الفكر، أو الفقه، أو العلم. ومما أجدني مضطرًا إليه إخبار القارئ أن وظيفتي الكتابية هنا هي الحصر التاريخي فقط، وأن تركيب صورة المقال التي جمعت صور أصحاب الفضيلة والمعالي من المشايخ الوزراء من اجتهاد التطبيق في الحجم والترتيب؛ إذ رفض أن يمنحني خاصية التحكم بترتيب الصور زمنيًا، أو بأحجامها مالم أدفع له بعض المال وله الحق؛ ولن أدفع ولي الحق!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الجمعة 28 من شهرِ رجب عام 1445

09 من شهر فبراير عام 2024م

Please follow and like us:

3 Comments

  1. هاؤلاء من أبناء الوطن البررة المخلصين *** الذين تركوا بصمات عمل تشهد لهم بها أعمالهم ألتي دوما تذكر فتشكر *** وقد سمعت شخصيا الكثير من المواطنين عند ذكرهم يدعون لهم ويمجدون أعمالهم *** وأنا شخصيا من أحد أولئك القوم الذين عاصروا الوزراء الواردة أسماءهم في هذا المقال المبدع حول سيرة أعمالهم المجيده *** بارك الله في كاتب المقال وناشره وجزاه خيرا ووفقه

  2. ماشاء الله تبارك الله ابا عبدالمحسن دائماً حاضراً بمدونتك .، ابرزت جانباً من جوانب مجلس الوزراء “مشايخ ووزراء ” دمت بخير🙏🏻

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)