سياسة واقتصاد سير وأعلام شريعة وقانون

قانونيون في مجلس الوزراء

Print Friendly, PDF & Email

قانونيون في مجلس الوزراء

استقطب مجلس الوزراء السعودي الموقر لعضويته سبعة عشر وزيرًا قانونيًا بناء على دراستهم الجامعية الأولى، إضافة إلى أربعة وزراء درس اثنان منهم القانون لنيل شهادة الماجستير بعد أن تحصلوا على شهادة البكالوريوس في الشريعة، وواحد حصل على الدكتوراة في القانون بعد سنوات قضاها في رحاب الهندسة، والرابع حصل على دبلوم عالي في القانون من معهد الإدارة العامة بعد شهادة في الاقتصاد الإسلامي من كلية شرعية.

وهذه الأرقام طبعًا حسب إحصائي، وليت أن كل وزارة تضع على موقعها معلومات تاريخية عن الوزارة، ومختصرًا لسير وزرائها، كي تكون المعلومات دقيقة متوافرة للباحثين، علمًا أني كثيرًا ما أواجه بسؤال عن كيفية الحصول على هذه المعلومات وجمعها، وأسئلة أخرى تحوم حول هذا الشأن؛ ولعلي أن أفرد الجواب بمقال خاص مفصل لتتضح الطريقة؛ فربما تفيد من يرى فيها سبيلاً نافعًا.

مما تبين لي خلال العودة لجداولي الإحصائية، أن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان هو أول رئيس في تاريخ المجلس يحمل شهادة جامعية، وكانت شهادته في القانون. كما أن الأمير محمد هو أول قانوني أصبح عضوًا في مجلس الوزراء بعد عقدين انقطع فيهما تسمية أيّ قانوني في عضوية المجلس؛ ذلك أن تعيينه وزير دولة وعضوًا في المجلس كان في عام (1435=2014م)، وآخر من تعين قبله من القانونيين كان في التكوين الجديد لمجلس الوزراء عام (1416=1995م)، وبالتالي فهو حاليًا الثالث في أقدمية القانونيين من أعضاء المجلس القائم.

كذلك وجدت أن عهد الملك سلمان تميز بكثرة عضوية أرباب القانون في المجلس؛ إذ أصبح أحد عشر من المتخصصين بالقانون أعضاء في المجلس، منهم ثمانية لم يصبحوا أعضاء إلّا في المجالس التي كونها الملك سلمان خلال الأعوام (1436 و1440 و1444). وقد تزامنت عضوية هؤلاء الوزراء الأحد عشر خلال عام (1440)، ويجتمع حاليًا في المجلس ثمانية من دارسي القانون، وهذه الأرقام غير مسبوقة في أي مجلس مضى، وربما يفسر هذا الحضور اللافت التطور التشريعي، والتحديث النظامي اللاحق، وصدور أنظمة قضائية تتبع في الأهمية الأنظمة الخمسة الصادرة سابقًا، إضافة إلى تحديثات متوالية، وكتابة دليل فائق للتشريع والصياغة، وهذا كله بعد الركون إلى الشريعة الإسلامية، والنهل من معينها.

أما أول قانوني نال العضوية في تاريخ المجلس فهو الشيخ أحمد زكي يماني الذي أصبح وزير دولة عام (1380=1960م)، ثمّ أنيطت به مسؤولية وزارة البترول والثروة المعدنية (1382-1407=1962-1986م)، وهو أطول وزير استمر وزيرًا لحقيبة وزارية واحدة من غير الأمراء، ومن غير وزراء الدولة، وأول أمين عام لمنظمة أوبك، وأحد الداعمين لفكرة إنشاء كلية خاصة بعلوم النفط التي تطورت لجامعة فيما بعد. وللشيخ يماني عناية ظاهرة بالتراث الإسلامي، وشهرة عالمية حتى أن مواعيد لقاءات شبكة التلفزة الأمريكية معه تعلن قبل عرضها بأيام، ويستعد ذووا الشأن لمتابعتها؛ لأنه يمثل السعودية بثقلها، وعندما اختطفه كارلوس، وحين أعفي من منصبه، تفاعل الإعلام العالمي مع هذين الخبرين؛ ولا غرو فالنفط السعودي يقيم العالم ويقعده.

عقب ذلك أصبح القانوني الكاتب والمثقف الشيخ جميل الحجيلان ثاني قانوني في تاريخ العضوية المجلسية عندما سمي أول وزير للإعلام عام (1382=1963م)، والحجيلان من قدماء السعوديين دراسي القانون بعد أن قضى الجزء الأول من عمره مع أسرته العقيلية في الشام ومصر، وقد بهر خلال الامتحانات الشفهية أكابر رجالات القانون في مصر وعلى رأسهم العلامة السنهوري، وشارك الحجيلان في مزية الظفر “بالانبهار السنهوري” الشيخ صالح الحصين ثالث وزير قانوني؛ إذ درس الشيخ الحصين بعد الشريعة القانون في فرنسا، ولاقى السنهوري في مصر الذي لم يخف إعجابه بالشاب السعودي المتشرع العميق في فكره وتحليله، علمًا أن الشيخ الحصين دخل للمجلس وزير دولة عام (1391=1971م)، وهو أول قادم للمجلس من رئاسة شعبة الخبراء، لكنه استعفى مبكرًا بعد ثلاث سنوات من التوزير.

وفي حكومة الملك خالد (1395=1975م) سمي ثلاثة من أصحاب التخصص أعضاء في المجلس وكلهم من الأحساء، منهم وزيرا دولة هم د.محمد الملحم، ود.عبدالله العمران، والثالث هو د.غازي القصيبي وزير الصناعة والكهرباء، وهو الذي خالف صاحبيه وبلدييه بكونه وزير حقيبة، وبأنه درس القانون في البكالوريوس فقط، وواصل دراساته العليا في السياسة. ومما يشار له هنا بأن د.الملحم كان أحد الأعضاء النشيطين جدًا في اللجان العليا المسؤولة عن كتابة النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق، وأن د.العمران فضل العودة للتدريس الجامعي والمحاماة، فاستعفى من عضوية المجلس عقب أربع سنوات من تعيينه، علمًا أنه الوحيد الذي حصل على شهادة الدكتوراة من فرنسا، وكان له مشاركة في بعض ما يخصّ كتابة أنظمة تقاعد الوزراء فيما سمعت، ومن حصافته أنه درس الماجستير في الشريعة؛ فما أكمل القانوني المسلم حين يفهم الشريعة، ويتطامن لها.

ثمّ تتابع دخول رجال القانون إلى المجلس دخولًا فرديًا، إذ سمي الشيخ محمد الفايز وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية عام (1403=1983م)، وفيما بعد خرج من المجلس لرئاسة ديوان الخدمة المدنية، ثمّ عاد للمجلس وزيرًا للخدمة المدنية. وتلاه الشيخ فيصل الحجيلان وزيرًا للصحة عام (1404=1984م)، وهو أطول وزراء الصحة مدة في تاريخها. وأخيرًا الشيخ محمد بن زرعة الذي سمي وزير دولة وعضوًا في المجلس مع رئاسته لهيئة الرقابة والتحقيق، ومما يحفظ له أنه كان أحد المنافحين عن فكرة افتتاح قسم للقانون في جامعة الملك سعود، ومن لطيف المرويات أن زوج كريمته د.فهد المبارك قد خلفه على عضوية المجلس فيما بعد.

وفي المجلس الذي ألّفه الملك فهد عام (1416=1995م) بعد عامين من صدور نظام مجلس الوزراء الجديد، أصبح ثلاثة من القانونيين أعضاء في المجلس هم د.فؤاد الفارسي الذي أصبح وزير الإعلام، ثمّ وزيرًا للثقافة والإعلام، وبعدها اختير وزيرًا للحج في مبادلة بين الحقائب مع أ.إياد مدني هي الوحيدة في تاريخ المجلس، علمًا أن د.الفارسي يماثل د.القصيبي بكونه أكمل دراساته العليا في تخصص السياسة، ويمتاز د.الفارسي بأنه صاحب قلم فكري معروف.

كذلك نال العضوية المجلسية في تلك الحكومة الوزيران الضليعان بالقانون دراسة وتدريسًا ومشاركة في بناء التشريعات ومراجعتها وإثراء اللجان التي يشاركان بها، وعضويتهما مستمرة إلى الآن والحمدلله، وهما د.مطلب النفيسة الذي كان قبل الوزارة رئيسًا لهيئة الخبراء التي تخرج فيها أكثر من وزير، ود.مساعد العيبان الذي تناط به مسؤوليات جسام، ومن أهمية الوزيرين د.النفيسة ود.العيبان أنهما جعلا “الوزير المرافق” مع أهم الزائرين من الزعماء للمملكة.

عقب ذلك تراخى الحضور القانوني في المجلس اكتفاء بمن فيه، إلى أن جاء عام (1435=2014م) كما أسلفت، واصطفي الأمير محمد بن سلمان ليكون وزير دولة وعضوًا في المجلس؛ ويفتح بدخوله الباب للعضوية القانونية الواسعة في المجلس، ولأعمال تشريعية ضخمة عبرت من خلال لجان خاصة، وهيئة الخبراء، ومجلس الشورى، إلى أن صدرت بها مراسيم مجلسية، وهي تشريعات في شؤون قضائية، ومدنية، وتجارية، وأحوال شخصية، وغيرها مما ينتظر، حتى أن السمة القانونية ظاهرة للعيان في التنظير والتطبيق خلال عقد من السنوات، والله يكتب فيها السداد ولها التوفيق، ويجعل من آثارها البركات الحالية والمستقبلية.

لأجل هذا دخل إلى المجلس بعد الأمير محمد ثمانية وزراء من أصحاب التخصصات القانونية، هم حسب الترتيب الزمني: وزيرا الدولة د.عصام بن سعيد الذي كان رئيسًا لهيئة الخبراء، ود.محمد آل الشيخ رئيس هيئة السوق المالية، ودخولهما كان عام (1436=2015م)، وقد كلّفا بعدة وزارات. وتلاهما الأستاذ محمد الجدعان وزير المالية منذ عام (1438=2016م) القادم من رئاسة هيئة سوق المال أيضًا، والحاصل على شهادة سابقة في الاقتصاد الإسلامي من كلية الشريعة، وبعده الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية عام (1438=2017م)، وهو أول أبناء أحفاد الملك المؤسس في العضوية المجلسية، ثم أصبح الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان أول وزير للثقافة (1439=2018م)، وهو الواقف خلف هيئات ثقافية متنوعة واسعة المدى.

وقبل الأمير بدر اختير د.نبيل العامودي وزيرًا للنقل عام (1439=2017م) وهو المهندس القادم من أرامكو والدارس للقانون بجامعة هارفرد، وبعدهما صار أ.تركي الشبانة وزيرًا للإعلام عام (1440=2018م) وهو صاحب خبرات عملية إعلامية متنوعة، ومن اللطيف أن هذا المنصب قد سبقه عليه ابن أخته د.عبدالعزيز الخضيري، ولم تستمر عضوية الوزيرين العامودي والشبانة لمدة طويلة. وآخر وزراء القانون حتى الآن هو وزير الدولة الأمير تركي بن محمد بن فهد الذي دخل للمجلس عام (1440=2019م)، وقد مثل المملكة في محافل دولية وإقليمية كثيرة.

قبيل الختام أشير إلى أن عشرة من الوزراء السابق ذكرهم درسوا مرحلة البكالوريوس ونالوا شهادة القانون من جامعات مصرية أغلبها جامعة القاهرة على اختلاف أسمائها، وخمسة منهم درسوا في جامعة الملك سعود، هم الوزراء الأمراء ود.عصام بن سعيد الذي يُعدّ من أول دفعة درست وتخرجت من قسم القانون في جامعة الملك سعود، وأ.الشبانة، وينفرد الأمير تركي بن محمد بأنه تخرج في جامعة الملك فيصل. بينما درس سبعة وزراء مرحلة الماجستير في أمريكا، وواحد في مصر، وواحد في فرنسا، وواحد درس الدبلوم العالي في معهد الإدارة، وهو الأستاذ الجدعان. أما الدكتوراة فدرسها أربعة وزراء في أمريكا، وواحد في مصر، وواحد في فرنسا، وينفرد د.العيبان بأنه أتم مراحله الدراسية الجامعية كلها في جامعة هارفرد بأمريكا، ومن الملاحظ تكرار بعض أسماء هذه القائمة القانونية مع المشايخ الوزراء، ومع الوزراء الأدباء.

أسأل المولى القدير الرحيم، العزيز العليم، أن يغفر لمن رحل، ويبارك على من بقي، ويفيض على الجميع مددًا من عونه، وفيوضًا من إلهامه، وأن يجعل الجهود كلها خالصة تصبّ في تحقيق المصالح العليا والعامة، كي تزداد البلاد قوة في نسيجها التشريعي، وبنائها التنظيمي، وقدراتها المالية، ومناهجها التعليمية، وطرائقها الإدارية، لتغدو إحدى أكبر البيئات الجاذبة للمشروعات، المستقبلة لخيرات الاقتصاد والإنتاج بأصنافه، المحببة للزوار والمستثمرين، الحبيبة إلى قلوب الطاهرين الصادقين النافعين؛ لأنها واحة رغد وأمن وعدل ونظام، كما هو الواقع والحمدلله، وهو المأمول وزيادة والله المعين.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

السبت 07 من شهرِ شعبان عام 1445

17 من شهر فبراير عام 2024م

Please follow and like us:

8 Comments

  1. اللهم امين سعادة الاخ ا احمد
    فعلا مدونه رائعه
    ما شاء الله كعادتك
    وكل من ذكرتهم لهم في نفسي
    تقدير واجلال
    بوركت وموفق دوم

  2. ياسلااااااام.
    مقال متعوب عليه كالعادة بمعلومات دقيقة وتحليل موضوعي.
    ادام الله عليك انوار التوفيق والعطاء المتدفق.

  3. هكذا هو الكاتب / أحمد العساف..
    بمسباره العميق الحاد والحاذق يغوص في لبّ مجلس الوزراء، ليكتب لنا مقالة ترصد تفاصيل مهمة ومُلفتة تستدعي الفخر والاعتزاز و تسليط الضؤ على مسيرة رموز وأعلام سعوديون لهم أثر في سير عجلة التنمية الوطنية،
    موضوع مميز ومثير للإعجاب والتقاطة تفصيلية لا يلتفت لها الا من يبحر بعمق البحث الدقيق، منبر مدونتك وسيلة إعلامية فاخرة، تستعيد فيها مالا يعرفه الأغلب بكل وفاء وتقدير منك لكل من ينتمي لهذا المجلس العريق، لتكون هذه المقالة نقطة وصل لمعرفة اسماء رجالات دولة بارزين لولا كتاباتك لما عرفنا توقهم الإبداعي..
    مدونتك وكتاباتك بين انطلاقة العين وبين إجبارها للوقوف وقراءة المكتوب إجبار إعجاب لا إكراه،لقد علقت أرواحنا في مصيدة كتاباتك الفريدة، لم نعد نقوى على الانفكاك منها.:
    نتطلع في قادم المقالات لو كان لعضوات المجلس حضورًا ولو خُصصت لهن مقالة عن أول دخول للمراءة في مجلس الوزراء حتى يكون للموضوع أفق أغنى وأبعد..
    وشكراً لكل كتاباتك الغنية بالثراء المعرفي، والرصد التفصيلي في الشأن السعودي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)