سياسة واقتصاد

الديوان الملكي خلال مئة عام

Print Friendly, PDF & Email

الديوان الملكي خلال مئة عام

درج الزعماء على تقريب المستشارين والأعوان إلى مجالسهم التي يمارسون من خلالها شؤون الحكم والإدارة، ويشرفون فيها على أعمال القيادة والتواصل. وهكذا فعل الملك عبدالعزيز-رحمه الله- منذ انطلاقته نحو الرياض عام (1319=1902م)، ثمّ تطورت على يديه التطبيقات الإدارية خاصة بعد أن جمع الله له شرق الجزيرة وغربها في كيان واحد.

والحقيقة أن حركة المستشارين حول الملك عبدالعزيز، وأسماءهم، ومهماتهم، وأساليبهم في إبداء الرأي وتداوله، ونقل الأخبار الدولية، والترجمة، والكتابة، إضافة إلى طريقة التعامل بينهم وبين الملك المؤسس لجديرة بالدراسة من خلال الوثائق والكتب المنشورة والمرويات المشهورة، خاصة ما سطره الأوائل منهم، مثل محمد المانع، وحافظ وهبه، ويوسف ياسين، وفؤاد حمزة، وعبدالله فلبي، وغيرهم، أو ما كتبه الآخرون مثل الريحاني ومحمد أسد وغيرهما.

ويبدو لي أن أول إشارة رسمية إلى الديوان الملكي كانت في عام (1344) بعد اكتمال ضم الحجاز إلى المملكة، وذلك بتكليف الأستاذ محمد الطيب الهزازي بالعمل رئيساً للديوان الملكي استثمارًا لخبرته في الإدارة السابقة، ثمّ سمى الملك عبدالعزيز الشيخ إبراهيم بن معمر خلفًا له، وهو من قدماء رجال الدولة المخلصين والمؤهلين، إضافة إلى أنه صاحب أدب وقلم ومروءة ظاهرة. وعقب ابن معمر خلفه مساعده الشيخ عبد الله بن عثمان الذي استمر رئيسًا للديوان إلى عام (1373)، وامتاز ابن عثمان بالهدوء الشديد، والحكمة البالغة، والكتمان المضاعف.

ثمّ تولى رئاسة الديوان الملكي -حسب اطلاعي- منذ عام (1373) وحتى وقتنا الحاضر أحد عشر رئيسًا خلال مدد متفاوتة طولًا وقصرًا، منهم خمسة أمراء، وأطول الرؤساء مدّة هو معالي الشيخ محمد النويصر (1395-1426)، وأقصرهم أصبح رئيسًا لمدة شهرين فقط، وبعض رؤساء الديوان جمعوا بين رئاسته ورئاسة ديوان مجلس الوزراء، وواحد منهم -من غير الأمراء- أصبح مع الرئاسة وزير دولة وعضوًا في مجلس الوزراء، وهو معالي الأستاذ خالد العيسى الرئيس السابق للديوان.

كما كان من ضمن الأجهزة القريبة من الديوان الملكي ديوان تابع لولي العهد، وقد دمج مع الديوان الملكي في شهر رجب من عام (1436)، ليصبح الديوانان ديوانًا واحدًا، وهو إجراء يُفهم في سياق الضبط الإداري، ووحدة العمل، وتقليل التكاليف، إضافة إلى أنّ غالب أولياء العهود في تاريخ المملكة لهم مكاتب خاصة في الوزارات التي يتولونها مثل الخارجية، والداخلية، والحرس، والدفاع.

كذلك ارتبط ديوان رئاسة مجلس الوزراء بعلاقة وثيقة مع الديوان الملكي، فإضافة لكونهما تحت رئاسة واحدة لعدة عقود، فقد ضمّ ديوان رئاسة المجلس إلى الديوان الملكي عام (1432)، ثمّ فصل عنه عام (1440)، ليعودا كما كانا في أصل نشأتهما. وربما يكون للفصل آثار إدارية وتنفيذية تحول دون تأخير أيّ عمل، أو تداخله، وتتيح الفرصة لأيّ تطوير تنظيمي مستقبلي.

ويتبع للديوان الملكي حاليًا أجهزة مهمّة مثل المراسم الملكية التي كانت مستقلة ثمّ ألحقت بالديوان عام (1440)، والمركز الوطني للوثائق والمحفوظات، ومركز دعم اتخاذ القرار، ومركز التواصل والاستشراف المعرفي، ومركز التدريب والتطوير، ومكتب سياسات وأبحاث تنمية الموارد البشرية، وربما تتبع للديوان أجهزة أخرى لم أستطع معرفتها حتى مع البحث والسؤال.

أما المراسم الملكية فهي إدارة قديمة بدأت عام (1366) بمسمى “تشريفاتي قصر جلالة الملك”، وأول مسؤول عنها هو فؤاد شاكر، وفي أوائل عهد الملك سعود تأسست إدارة التشريفات الملكية عام (1375)، وتعاقب عليها خمسة رؤساء خلال ثمانية أعوام. ثمّ أصبح معالي السيد أحمد عبدالوهاب رئيسًا للمراسم الملكية في 27 من شهر جمادى الآخرة عام (1384) -وهو اليوم الذي تولى فيه الملك فيصل الحكم-، واستمر في أطول رئاسة للمراسم حتى 21 من شهر ذي الحجة عام (1405).

ويرى د.عبدالرحمن الحمودي في كتابه الضخم عن المراسم السعودية، أن السيد أحمد عبدالوهاب هو المؤسس الحقيقي للمراسم التي تحول اسمها من التشريفات الملكية إلى إدارة المراسم الملكية في عام (1389)، وأدارها منذ تلك السنة إلى الآن خمسة رؤساء حسبما توصلت إليه. وتعتني المراسم بكلّ شيء يخصّ الرحلات الملكية، مع تنظيم شؤون الزيارات والضيوف والمؤتمرات التي تعقد في المملكة، لدرجة معرفة فصيلة الدم، والسير المختصرة للزوار، وتحديد أماكن جلوسهم. ولأن المملكة كثيرة الزوار، وكثيرة المؤتمرات واللقاءات، فقد اكتسبت المراسم خبرة عميقة للغاية، وهي خبرة جديرة بالتوثيق والتوريث والتطوير.

أيضًا من الأجهزة القريبة للديوان الملكي دون أن يكون لها علاقة مرجعية بها حاليًا رئاسة الحرس الملكي، وللحرس الملكي تاريخ طويل كتب عنه اللواء عبدالله آل الشيخ في بحث نشر على الإنترنت. وقد تتابع على رئاسة الحرس الملكي أو قيادته منذ تكوينه الأول حتى اليوم، وباختلاف مسمياتهم الوظيفية : قائد، آمر، رئيس، أحد عشر قائدًا وآمرًا ورئيسًا منهم خمسة أمراء. وربما يكون معالي الفريق عبدالله البصيلي (1386-1407) الأكثر تأثيرًا في تطوير هذا الجهاز والانتقال به نحو النموذج الأمثل إضافة إلى طول مدة قيادته له، دون إغفال ما جرى للحرس الملكي من تطويرات مذهلة فيما بعد.

ومن المناسب الإشارة إلى أن معنى كلمة “الديوان” في أصل لغتها يتعانق مع الكتابة بإحكام، ولذلك عمل في الديوان الملكي رجال حكماء كبار، في وظائف استشارية، أو تنفيذية، أو كتابية. ونتيجة لهذه الخصيصة نجد أن لغة جميع ما يصدر عنه من بيانات وتعليقات وأوامر لغة راقية فخمة، لكثرة ما في أروقة هذا الجهاز الكبير من رجال دولة، وعلماء، وأدباء، وقانونيين، وخبراء في الصياغة من النواحي الشرعية، والنظامية، والتاريخية، واللغوية، والنفسية، والاجتماعية، والله يزيدهم فضلًا وفهمًا، ويطرح البركة في أقوالهم وأفعالهم وآرائهم.

وبعد؛ فهذا بيان مختصر جدًا، حول أهم جهاز في بلادنا المملكة العربية السعودية، وهو الديوان المرتبط مباشرة بمقام الملك المبجل، ويعدّ المكتب التنفيذي له، وإليه ترد جلّ أعمال الدولة الرئيسة، ومنه تخرج أكثر القرارات والأوامر والتنظيمات أهمية وتاريخية؛ ولذا فأيّ خبر يُعلن منه أو عنه، تتعلّق به القلوب والأبصار، سائلة الله القدير التوفيق، والسداد، وعظيم المثوبة والأجر، للآمر الكريم، وللمأمور القوي الأمين المعونة والإتقان، مع الابتهال الملح لربنا بالبركة والإحسان والتيسير في الموضوع محلّ الأمر، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

ليلة الجمعة 11 من شهرِ رمضان المبارك عام 1442

23 من شهر أبريل عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)