سياسة واقتصاد سير وأعلام

تخصصات وزارية لم تتكرر!

Print Friendly, PDF & Email

تخصصات وزارية لم تتكرر!

 كنت مع هدأة الليل وغفلة الخلائق معتزلًا في المكتبة، ومنهمكًا بأعمال خاصة، فدخل عليّ ابني عبدالمحسن -حفظه الله ورعاه- بعد الاستئذان مبديًا إعجابه بمقال كتبته قبل أيام عن أرباب تخصص القانون في مجلس الوزراء الموقر. ومن أسباب إعجابه غير بنوته -وكل فتى وفتاة بأبيهما معجب- أنه من طلبة هذا التخصص، وعلى وشك التخرج فيه بإذن الله. وقد سألني: عمَّ ستكتب من تخصصات؟ فأجبته: ربما أكتب عن الهندسة، والمحاسبة، والاقتصاد، والسياسة، والإدارة، واللغة العربية. ثمّ انصرفنا عن الحديث في هذا الموضوع، وحين همَّ بالخروج التفت إليّ قائلًا: لم لا تكتب عن التخصصات اليتيمة في المجلس؟! فراقت لي الفكرة وإن لم يعجبني وصف اليتم، وهو إنما ساقه لتوضيح المراد دون قصد جعله ضمن العنوان.

لذلك رجعت من فوري لجدولي المؤكسل -أي على برنامج إكسل- فوجدت أن عدد التخصصات التي لم تتكرر حتى الآن عند أكثر من وزير هي أربعة وعشرون تخصصًا درسها واحد عشرون وزيرًا، منها أربعة عشر تخصصًا في مرحلة البكالوريوس، وستة تخصصات في مرحلة الماجستير، واكتفت مرحلة الدكتوراة بأربعة تخصصات فقط. ولا بأس من الإشارة إلى أن هذا الحصر مبني على المعلومات المتوافرة على شحٍّ في الدقيق الأكيد منها، وقد سألت بعض من توصلت إليهم من الوزراء أو من ذويهم وتجاوبوا معي مشكورين، ورجعت لما كتبوه أو كتب عنهم، مما منحني الاطمئنان لقدر كبير مما ورد هنا. ويضاف للملحظ السابق أن أسماء التخصصات قد تختلف لكن محتواها يكون في النهاية واحدًا أو متشابهًا، وهذا باب من العلم يحتاج لأهل الشأن حتى يفصلوا فيه.

ثمّ وجدت بعد الرجوع للمعلومات المحفوظة لدي أن أقدم تخصص فريد في المجلس هو الهندسة الزراعية التي نال شهادتها م.عبدالله الدباغ الوزير الرابع لوزارة الزراعة والمياه (1380-1382=1960-1962م)؛ علمًا أنه من أوائل السعوديين الحاصلين على شهادة جامعية في هذا التخصص من مصر، وله منجزات عديدة على قصر سنواته الوزارية. ولا بأس من الإشارة إلى أن أول سعودي وخليجي أسس وأدار منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة هو السفير عبدالمحسن السديري، المتخصص أيضًا بالهندسة الزراعية لكنه يتلو الوزير الدباغ، ومن أسفٍ بالغ أن بعض الأساتذة الذين يدرسون القانون الدولي في الجامعات المحلية لا يعرفون عن السديري وعلاقته بمنظمة “إيفاد” أو الصندوق الدولي للتنمية الزراعية شيئًا، والحمدلله أن وفقني المولى لتوثيق سيرته بكتاب مطبوع.

وبعد عضوية المهندس الدباغ في المجلس غابت التخصصات الفريدة عن بقية الأعضاء قريبًا من ثلاثة عقود، حتى سمي د.خالد العنقري وزيرًا للشؤون البلدية والقروية عام (1410=1989م) خلفًا لقريبه الشيخ إبراهيم العنقري، وبعد عامين أصبح العنقري ثاني وزير للتعليم العالي حتى عام (1436=2014م)، وأنهى بعدها خدمته الحكومية سفيرًا في باريس. وهو أستاذ جامعي في قسم الجغرافيا، وهذا تخصص غير مسبوق ولا متبوع في السيرة التعليمية لأعضاء المجلس الموقر، وعلى الهامش أقول: إن علم البلدان والجغرافيا لم ينل حظه من الاهتمام المثمر لدى أجيالنا المتأخرة؛ ولذلك صار منهجها التعليمي ثقيلًا على كثير من التلاميذ.

وفي عام (1416=1995م) اختير د.هاشم يماني وزيرًا للصناعة والكهرباء، وبعد ثمان سنوات (1424=2003م) تعدل اسم الوزارة إلى التجارة والصناعة، واستمر د.يماني وزيرًا لها حتى عام (1429=2008م)، والوزير اليماني هو الوحيد الذي درس الفيزياء، وكان هو تخصصه في مراحله العليا الثلاث، علمًا أنه درس تخصص الرياضيات في مرحلة البكالوريوس أيضًا، ونال بها شهادة أخرى، ولولا أن وزير الدولة لشؤون مجلس الشورى د.سعود المتحمي أصبح عضوًا في المجلس فيما بعد، وهو يحمل شهادة في الرياضيات؛ لكان الدكتور هاشم صاحب تخصصين فريدين.

عقب ذلك عين الشيخ صالح آل الشيخ وزيرًا للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عام (1420=1999م)، وهو الوحيد الحاصل على شهادة جامعية في أصول الدين، وفي السنة ذاتها أصبح الأستاذ إياد مدني وزيرًا للحج، وهو يحمل شهادة من أمريكا في إدارة الإنتاج، وللعلم فالأستاذ إياد يتشارك مع زميله د.عبدالسلام الفارسي بكونهما أصحاب الحالة الوحيدة للمبادلة بين حقيبتين داخل المجلس؛ إذ صار المدني وزيرًا للثقافة والإعلام، وختم الفارسي تاريخه الرسمي في وزارة الحج، وفيما بعد اختير أ.إياد أمينًا عامًا لمنظمة المؤتمر الإسلامي لمدة قصيرة ما شاء الله لها أن تطول بسبب كلمة عابرة شهيرة في حفل بتونس.

كما صدر أمر ملكي بتعيين د.يوسف العثيمين وزيرًا للشؤون الاجتماعية عام (1429=2008م)، وهو ممن درس علم الاجتماع في المرحلة الجامعية والمراحل العليا، وهو تخصص مهم للغاية، وله تأثير كبير وتأثيرات متداخلة مع علوم كثيرة، ولأمتنا ارتباط علمي وعاطفي به من خلال مركزية العلامة ابن خلدون في تاريخ هذا العلم الضروري لأي حكومة ومجتمع. ويمتاز د.العثيمين بأنه صاحب طريقة تفكير وكتابة منظمة، ويعبر عن أفكاره بسلاسة ووضوح. وبعد الوزارة أصبح أمينًا عامًا لمنظمة التعاون الإسلامي خلفًا لزميله إياد مدني، وهو ثاني وزير سعودي يتولى هذا المنصب.

وفي عام (1433=2011م) أسندت حقيبة وزارة التجارة والصناعة للدكتور توفيق الربيعة الذي تخرج في قسم الإدارة المالية والرياضيات في كلية العلوم الإدارية، وهو القسم الذي أصبح اسمه الأساليب الكمية فيما بعد. وفي عام (1436=2014م) أنيطت وزارة الثقافة والإعلام بالدكتور عبدالعزيز الخضيري الحاصل على شهادة جامعية في الهندسة المعمارية، ومع كثرة المهندسين في تاريخ العضوية المجلسية؛ إلّا أن د.الخضيري هو المعماري الوحيد بينهم، وللخضيري تخصص فريد في مرحلة الدكتوراة هو التخطيط الإستراتيجي، ومن اللافت هنا أن د.الربيعة هو الوزير الوحيد من الوزراء المعاصرين الذي دخل للمجلس في عهد الملك عبدالله وعضويته مستمرة -طبعًا من غير الأسرة الملكية-، وأن د.الخضيري هو أقصر وزراء هذه القائمة في مدة العضوية المجلسية.

أما حين جرى على المجلس أكبر تحديث في تاريخه شكلًا ومضمونًا في مستهل عهد الملك سلمان، فقد أصبح م.عبدالرحمن الفضلي وزيرًا للزراعة عام (1436=2015م)، وهو الوحيد المتخصص بالهندسة الكيمائية، وفي الوقت ذاته صار أ.خالد العرج وزيرًا للخدمة المدنية، وله تخصصان فريدان؛ إذ أن تخصصه في البكالوريوس هندسة التصنيع، وتخصصه في الماجستير تقنيات الإدارة، وهما تخصصان لم يتكررا في تاريخ المجلس الموقر حسب علمي. ومن وزراء هذا المجلس الموقر وزير الثقافة والإعلام د.عادل الطريفي المتخصص في هندسة الأجهزة الطبية قبل أن يواصل دراساته العليا في السياسة والعلاقات الدولية.

ثمّ بعد ذلك بشهور قليلة سمي م.خالد الفالح وزيرًا للصحة عام (1436=2015م) عقب إعفاء الأستاذ أحمد الخطيب من منصبه الذي لم يمكث به طويلًا، والفالح يحمل شهادة غير متكررة في الهندسة الميكانيكية، ومن اللافت أنه أصبح وزيرًا لعدة وزارات، ويشاركه بهذه الخصيصة من وزراء هذه القائمة د.الربيعة؛ إلّا أن المهندس الفالح كان الأسرع تنقلًا بين الوزارات بالأصالة في تاريخ المجلس الذي تولى فيه خمسون وزيرًا تقريبًا أكثر من حقيبة، وبعد إعفائه لمدة قصيرة عاد لعضوية المجلس في يوم واحد مع الوزير الخطيب الذي حلّ الفالح مكانه أول الأمر، ليكونا من السبعة الذين غادروا المجلس ثمّ أعيدوا إليه.

وفي عام (1441=2019م) اصطفي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزيرًا للطاقة، وهو الوحيد من الوزراء الذين يحملون شهادة بكالوريوس في الإدارة الصناعية من جامعة الملك فهد، علمًا أنه يوجد بعض الوزراء الذين حصلوا على شهادة الماجستير في الإدارة الصناعية، وهذا التخصص قريب من الهندسة الصناعية التي يحمل شهاداتها المختلفة أكثر من وزير. وآخر التخصصات الفريدة للوزراء في مرحلة البكالوريوس من نصيب وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري الذي نال من جامعة قطرية شهادة في الإدارة والاقتصاد، وهذا المسمى المزدوج غير متكرر بهذا التركيب، وإن تكررت مفرداته داخل المجلس الموقر كثيرًا.

أما في الدراسات العليا، فنجد أن وزير المعارف ثمّ التربية والتعليم د.محمد الرشيد (1416-1425=1995-2005م) يحمل شهادة الماجستير في إدارة الأفراد، وشهادة الدكتوراة في إدارة التعليم بعد أن نال الرشيد شهادته الأولى في اللغة العربية، وهو التخصص نفسه في مرحلة البكالوريوس لوزير العمل والشؤون الاجتماعية ثمّ وزير الشؤون الاجتماعية د.علي النملة (1420-1425=1999-2005م)؛ لكن النملة اختار في المراحل العليا تخصصًا جديدًا هو المكتبات والمعلومات الذي حصل به على شهادتي الماجستير والدكتوراة.

وفي عام (1424=2003م) أصبح المهندس محمد جميل ملا وزيرًا للاتصالات وتقنية المعلومات، ومع أن تخصصه الجامعي الأول في الهندسة الكهربائية متكرر كثيرًا؛ إلّا أن دراسته في الماجستير للاتصالات السلكية واللاسلكية فريدة من هذا الباب، وبعده بسنة أصبح د.عبدالله العبيد وزيرًا للتربية والتعليم عام (1425=2005م)، ومع أن تخصصه الأول في اللغة العربية يظهر عدة مرات في سير الوزراء؛ إلّا أن العبيد انفرد بدراسة المناهج وتقييم التعليم في مرحلتي الماجستير والدكتوراة.

كذلك نرى أن وزير التعليم د.أحمد العيسى (1436=2015م) يحمل شهادتي الماجستير والدكتوراة في التربية بعد أن كانت دراسته الأولى في تخصص التاريخ الذي يشارك العيسى فيه وزير الإعلام الأسبق أ.علي الشاعر. ويحمل وزير العمل والتنمية البشرية د.علي الغفيص (1438=2017م) شهادة الدكتوراة في تخصص اسمه السياسة العامة بحوث وتحليل: سياسة العلوم والتقنية بعد أن كانت دراسته السابقة على ذلك في قسم الإدارة العامة، وهو قسم غير غائب عن التخصصات الوزارية.

أسأل الله أن يغفر لمن رحل، ويبارك على من بقي، ولا يفوتني هنا الإشارة إلى أن هذا التوثيق يؤكد عراقة مجلسنا الموقر، وتميزه، والحرص فيه على الانتقاء. كما أشير إلى أن بعض التخصصات الدقيقة للوزراء خاصة في الدراسة العليا قد تكون فريدة؛ لكن الوصول إليها صعب ما لم ترد في مصدر موثوق مثل المواقع الرسمية، والحوارات، وكتب السير الذاتية والغيرية، ومن باب ضرب المثال؛ فإن تخصص الوزير د.محمد السويل في الدكتوراة هو علوم الحاسب، لكن بحثه فيها تعمق في دراسة الخوارزميات، والوصول لهذا المستوى من التحديد شاق ومجهد دون تعاون أصحاب الشأن الطبيعيين والاعتباريين، وإلى ذلكم الحين فهذا ما لدي، وشكرًا يا عبدالمحسن!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 11 من شهرِ شعبان عام 1445

21 من شهر فبراير عام 2024م

Please follow and like us:

4 Comments

  1. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، الكاتب الفاضل والاديب ، احمد حفظه الله ورعاه ، قرات مقال تخصصات وزارية ، سرني المقال. فقط أضيف إلى المقولة (كل فتى وفتاة بابيها معجب ) وان كل قاريء نزيه ومنصف يقرأ لك معجب بما يخطه قلمك من مقالات هادفة ومفيدة وقيمة ، ادام الله العلي القدير هذه النعمة عليك ، تصل الي عبر القارات وانا اقراءها واستمتع بها

  2. ماشاء الله تبارك الله ابا عبدالمحسن .، دائماً تجعل قُراء المدوَّنة يترقبون منك ومن رفيق المدوَّنة “*المؤكسل”*😁
    كل ماهو جديد …
    دمت بخير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)