سياسة واقتصاد سير وأعلام

نافذة إلى مجلس الوزراء الموقّر

Print Friendly, PDF & Email

نافذة إلى مجلس الوزراء الموقّر

صدر أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء مجلس الوزراء في شهر صفر عام (1373) برئاسة نجله ولي العهد الأمير سعود، ولم يجتمع المجلس إلّا في شهر رجب من تلك السّنة بعد رحيل المؤسّس واعتلاء الملك سعود عرش المملكة. ومن الّلائق بنا معرفة تاريخ هذا المجلس، وفتح نافذة إليه؛ فهو الدّائرة الأهم في بلادنا.

ترأس المجلس ستّة رؤساء، منهم وليّا عهد هما سعود وَفيصل، ولم يحمل ثلاثة منهم قبل الرّئاسة أيّ حقيبة وزاريّة وهم الملوك سعود وَخالد وَعبدالله، مع أنّ الأخير استمر مدة طويلة نائبًا ثانيًا فأوّل لرئيس المجلس، وظلّ محتفظًا برئاسة الحرس الوطني مع النّيابتين، وفي مستهلّ حكمه. وكان لكلّ ملك رأس المجلس ابنٌ وزير أو أكثر باستثناء الملك خالد، ولم يعمل الوزراء من أبناء الملك فيصل (عبدالله وسعود وخالد) تحت رئاسته إبّان حكمه.

وليس ببعيد عن الصّواب لو قلنا بأنّ الملك فهد هو أكثر من أدار المجلس بصفته النّائب الثّاني في عهد فيصل، وولي العهد في عهد خالد، والرّئيس خلال عهده، وفي ذات السّياق نجد أنّ الأمير سلطان قاد الجلسات في عهد الملكين فيصل وخالد أكثر من مرّة مع أنّه لم يحمل صفة نائب حينذاك، وهو شرط نصّ عليه نظام المجلس فيما بعد. وفي وقت مبكر ترأس الأمير مساعد بن عبدالرحمن جلسات المجلس لمدة شهرين بعد غياب رئيس المجلس الأمير فيصل في رحلة علاجية، ولم يكن في المجلس عضو من الأمراء غيره إلّا الأمير فيصل بن تركي الأول، والأمير محمد بن سعود.

كما يبدو أنّ موعد اجتماع المجلس أسبوعيًا لم يثبت إلّا متأخرًا، فمن البحث تبيّن انعقاده في أكثر أيّام الأسبوع خاصّة في يومي الأحد والأربعاء، وربّما أنّ تخصيصه بيوم الإثنين كان في عهد الملك فهد، ثمّ انتقل إلى الثّلاثاء في عهد الملك سلمان نتيجة لتغيير موعد الإجازة الأسبوعيّة في عهد الملك عبدالله. واستضافت مدن الرّياض، ومكّة، والمدينة، والطّائف، والخبر، وجازان، وعرعر، وروضة خريم، ونيوم، وتبوك، الجلسات فمقلّ ومستكثر.

ولم تكن قرارات المجلس تُذاع للملأ إلّا بعد خطأ حميد من وزير الإعلام الشّيخ د.محمّد عبده يماني؛ إذ أعلنها باجتهاد شخصي بعد أوّل جلسة حضرها، ثمّ صارت نظامًا متبعًا عظيم النّفع. ويجلس الأعضاء في اجتماع المجلس بترتيب ثابت؛ فالأمراء أوّلًا ثمّ المشايخ فالوزراء حسب الأقدميّة، ولا ينعقد المجلس عادة في الأسبوع التّالي لإعلان الميزانيّة، وفي الأسبوع الأوّل عقب استئناف العمل بعد إجازتي عيد الفطر والأضحى.

وأنجبت وزارتا الماليّة والدّاخلية أكثر الوزارات، علمًا أنّ أوّل وزارة أنشئت هي الخارجيّة، ثمّ الدّاخليّة، فالماليّة، ويعقبها الدّفاع، وبعد ذلك تتابعت الوزارات، ففي عهد كلّ ملك ولدت وزارات، أو ألغيت، أو دمجت، أو فصلت، وأحدث وزارة هي الثّقافة. ومن الّلافت أنّ وزارة العدل أنشئت عام (1382) ولم تعمل إلّا بعد عشر سنوات تقريبًا. وكثيرًا ما اقترنت وزارتا العمل والشّؤون الاجتماعيّة ثمّ انفصلتا، ويعدّ الشّيخ عبدالله السّليمان أوّل من أُطلق عليه لقب الوزير، واستأثر به زمنًا طويلًا.

بينما بلغ عدد أعضاء المجلس حسب إحصائي واجتهادي مئة وتسعة وسبعين وزيرًا، منهم ستّة وثلاثون فردًا من الأسرة الحاكمة، نصفهم من أبناء الملك عبدالعزيز، مع أخ واحد، واثني عشر حفيدًا، وابني حفيدين، وثلاثة أمراء من فروع الأسرة الأخرى، بمعنى أنّ خُمس مناصب المجلس كانت من نصيب الأمراء.

ولم يرتبط من هذا الخُمس ستّة أفراد بوزارة، منهم ثلاثة ملوك (سعود وَخالد وَعبدالله)، ونائب (مقرن)، ووزيرا دولة (عبدالعزيز بن فهد وتركي بن محمد)، بينما شُغل منصبا النّائب الأوّل والثّاني سبع عشرة مرّة من قبل عشرة أمراء نصفهم أصبحوا ملوكًا، وتولّى أبناء بيت الحكم مسؤوليّة اثنتين وأربعين وزارة، إضافة لتسع مناصب وزير دولة مع عضوية المجلس، ومن وزراء الدولة هؤلاء من حمل حقيبة بعد وزارة الدولة أو قبلها، وفيهم وزير دولة للشؤون الداخلية، ووزير دولة للشؤون الخارجية، وثلاثة وزراء دولة مع رئاسة أجهزة أخرى مدنية وعسكرية.

ولأسرة آل الشّيخ حضور بارز في المجلس، إذ أصبح اثنا عشر رجلًا منهم أعضاء في مجلس الوزراء، تعاقبوا على أربع عشرة وزارة، وثلاث حقائب وزراء دولة. ومن الموافقات أنّ وزير الزّراعة والمياه الأسبق د.عبدالرّحمن آل الشّيخ زامل عمّه وشقيقه، وجمع المجلس بين وزير العدل ونجل أخيه وزير الشّؤون الإسلاميّة، وفي عام (1381) تولّى الشّيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشّيخ الخطابة في الحرم مع خطبة عرفة ومع منصب وزير المعارف وهي سابقة فريدة.

ومما يتعلّق بأسرة آل الشّيخ أنّ أصغر من سمي وزيرًا حسب العمر هو الشّيخ حسن آل الشّيخ؛ إذ أصبح وزيرًا للمعارف وعمره دون الثّلاثين، وإن كان أصغر الوزراء سنًا على الإطلاق هو الأمير طلال الذي دخل المجلس وزيرًا للمواصلات وعمره فوق العشرين بقليل. والشّيء بالشّيء يذكر، فقد باغتت المنيّة الشّيخ حسن وهو على مكتبه في وزارة التّعليم العالي عام (1407).

ونال أطول عضويّة في مجلس الوزراء الأمير سلطان الذي كان وزيرًا للدّفاع مدّة نصف قرن متواصلة (1382-1432)، ويليه الوزير د.عبدالعزيز الخويطر الذي أدار وزارات كثيرة بين عامي (1394-1435)، والأمير سعود الفيصل (1395-1436) وجلّ خدمته المجلسيّة في وزارة الخارجيّة، ويأتي بعدهم الشّيخ أحمد زكي يماني الذي صرم أزيد من ربع قرن في وزارة البترول، ومثله الشّيخ حسن آل الشّيخ في عدّة وزارات، والسّنوات القادمة كفيلة بتطويل مدّة ثلاثة وزراء هم الأقدم حاليًا اثنان منهم وزيرا دولة، والثّالث أصبح مرّتين وزير دولة، ووزيرًا لوزارتين مهمّتين، وهم الوزراء د.مطلب النفيسة، ود.مساعد العيبان، ود.إبراهيم العسّاف.

وابتعد عن المجلس خمسة وزراء من غير الأمراء ثمّ عادوا إليه، ولا أعرف هذه الخصيصة لغيرهم، وهم الشّيخ أحمد جمجوم إذ غادر وزارة التّجارة والصناعة ثمّ رجع إليها بعد سنة تقريبًا، وتولى الشيخ إبراهيم السويل وزارة الخارجية، وبعد خروجه من عضوية المجلس عاد بعد تسعة أشهر وزيرًا للزراعة. وترك أ.محمّد الفايز منصب وزير العمل والشّؤون الاجتماعيّة لرئاسة ديوان الخدمة المدنية، لكنّه عاد إلى المجلس بعد أربع سنوات على إثر تحويل الدّيوان إلى وزارة.

أيضًا أقيل د.غازي القصيبي من وزارة الصّحة ثمّ قفل إلى المجلس عبر حقيبة وزارة المياه بعد عقدين تقريبًا قضاهما سفيرًا في البحرين وبريطانيا، وأقصر الإعفاءات مدّة كانت من نصيب الشّيخ صالح آل الشّيخ الذي صُرف عن وزارة الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف والدعوة والإرشاد مدة شهرين متتابعين، وما لبث أن أعيد إليها.

ويعدّ سؤال التّسمية ومسألة الإعفاء من أكثر ما يتناقل النّاس أخبارها وتكهناتها، وهما من علم الغيب الذي لم يطّلع عليه إلّا قلّة، وكلّ ما يُشاع رجم معيب ما لم يستند إلى خبر ثابت، أو مباحث علميّة رزينة. وقبل سنوات عرضتُ دراسة أجراها د.محمّد بن صنيتان للحصول على درجة الدّكتوراه، وكانت عن النّخبة السّعوديّة وانتقائها.

أمّا الإعفاء فسرٌّ أصعب، ولا طائل من تفسيراته المعتسفة، حتى لو رافق إقالة بعض الوزراء ضجّة بسبب مناصبهم أو شخصيّاتهم، ومن أبرزهم الشّيخ الطّريقي، وخلفه الشّيخ يماني وهما وزيران للبترول، ثمّ د.القصيبي بعد إقصائه عن حقيبة الصّحة وهو كاتب وشاعر معروف ملأ اسمه الصّحف إذ ذاك.

ولم تشتهر استقالة ذاتيّة من الوزارة أو ما في معناها إلّا موقف السّفير محمّد الحمد الشّبيلي الذي اعتذر عن وزارة العمل والشّؤون الاجتماعيّة بعد يومين من تسميته لها، واستقالة وزير الحج الشّيخ حسين بن علي عرب، وإلحاح الشّيخ صالح بن عبدالرّحمن الحصيّن طالبًا التّقاعد وكان وزير دولة وعضوًا في المجلس، وإصرار وزير الماليّة د.سليمان بن عبدالعزيز السّليم على الاستقالة لأسباب صحيّة، واستقالة د.محمّد بن عبدالعزيز آل الشّيخ وزير الدّولة والبلديات قبلها، وقرأت عن استقالة الشيخ جميل الحجيلان من وزارة الصحة، والدكتور عبدالله العمران وزير الدولة، والأستاذ محمد عمر توفيق وزير المواصلات، وهم جميعًا مَنْ هم في التّفنّن بالخدمة العامّة، والحرص على خدمة بلادنا وقادتها وأهلها كغالب وزرائنا.

كما لا تخطئ العين أنّ وزارة الصّحة هي أكثر وزارة تعاقب عليها الوزراء، وأنّ العلاقة بين مجلسي الشّورى والوزراء وثيقة، فكم من عضو شوري غدا وزيرًا وهو الأكثر وأوّل مثال الوزراء د.محمّد الرّشيد وَ د.علي الجهني وَ د.محمّد الجارالله، وكم من وزير أضحى عضوًا في الشّورى؛ والوزير الشّيخ عبدالرّحمن أبا الخيل أوّلهم، والأمر نفسه يقال فيما بين المجلس والسّلك الدّبلوماسي.

أمّا أوّل رئيس لمجلس الشّورى فهو وزير العدل الأسبق الشّيخ محمّد بن جبير، وأوّل وزير من غير الأمراء يغدو سفيرًا هو د.رشاد فرعون بعد أن كان أوّل سفير سمي وزيرًا، وجاء بعده السفراء الشيخ إبراهيم السويل، والشّيخ محمد الشّبيلي، والشّيخ محمد الزّغيبي. ومن اللّطائف أنّ ستّة وزراء أصبحوا أعضاء بهيئة كبار العلماء إبّان عضويتهم بالمجلس، وهم المشايخ محمّد الحركان وإبراهيم آل الشّيخ ومحمّد بن جبير ود.عبدالله آل الشّيخ و د.محمّد العيسى وجميعهم حمل أمانة وزارة العدل، ود.عبدالله الترّكي وزير الشّؤون الإسلاميّة الأسبق. وتولى عدّة وزراء مناصب في منظمّات إقليميّة ودوليّة مثل الوزراء الشّيخ محمّد الحركان، ود.حسين الجزائري، وأ.جميل الحجيلان، ود.محمّد الرّشيد ود.عبدالله التّركي، ود.عبدالله العبيد، وأ.إياد مدني، ود.يوسف العثيمين، ود.محمّد العيسى.

كذلك يمتاز المجلس بكثرة وزراء الدّولة فيه، إذ شغل عشرات الوزراء هذا المنصب على اختلاف المسميات وتواريخهم في عضوية المجلس، ومع التّقدير لجميع الوزراء؛ فإنّ قائمة وزراء الدّولة تضمّ أسماء كبيرة، ومخازن للخبرة والبصيرة، ورجال دولة من طراز فخم، وسوف أخصص لهم في المستقبل مقالة خاصة بإذن الله.

وحين نستعرض دراسة الوزراء وأعمالهم سنجدها في الشّريعة، والقانون، والإدارة، والاقتصاد، وتقنية المعلومات، والهندسة، والطّب، والكيمياء، والعلوم العسكريّة، ويجيد كثير منهم لغة أو أكثر، وامتاز وزير التجارة الشيخ محمد العوضي بإجادة اللغة التركية والفارسية، وفيهم قضاة، ومثقفون، وأكاديميون، ومهنيون، ومديرو شركات، ورجال أعمال، وقادة في الأمن أو الجيش.

أشير أخيرًا إلى أنّ عددًا ليس بالقليل من الوزراء أصدر سيرته الذّاتيّة، ومنهم من فعل أو يهيئ قلمه، وهذا مسلك نبيل فيه بوح وخبرة ومواقف وفوائد، وأصرحها فيما يخصّ المجلس حسب اطّلاعي سيرة القصيبي الإداريّة. وأود التّأكيد بأنّ هذه المعلومات اجتهادية جمعتها بالقراءة والبحث والسّؤال؛ لصعوبة تعاون بعض الأجهزة الحكوميّة المحتفظة بالوثائق، ومع وجود عدّة كتب حول هذا الموضوع، إلّا أنّ بعضها قديم أو أجريت بعد نشرها تغييرات جوهريّة، وبعضها ينقصه الدّقة لغياب المعلومة الرّسميّة. وأضرع لمولاي بأن يوفّق المجلس ومن فيه لخير بلادنا في حاضرها ومستقبلها، وأن يرحم جميع من خدم وأخلص ونصح.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الخميس 04 من شهرِ رمضان المبارك عام 1440

09 من شهر مايو عام 2019م 

Please follow and like us:

35 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)