وزراء حياة في الإدارة
قيل وقلت فيما مضى بما يشبه اليقين إن سيرة الكاتب الأديب والوزير د.غازي القصيبي هي أجمل سيرة رسمية كتبها سعودي فيما بلغته قراءتي، وهي من أجمل سير الرسميين العرب، إضافة إلى تصدرها في قوائم السير المحلية والعربية حتى مع ما سطره غير الرسميين على كثرتهم وعلو كعب بعضهم في العلم والكتابة. ويعود السبب في ذلك إلى أسلوب كاتبها الجاذب بلا ملل، وصراحته التي لم تُنتظر-في العادة- ممن بلغوا مكانته، إضافة إلى بيانه بصدق لانكسارات النفس، وغصص الحياة والعمل في بعض المواضع، وتهكمه بطريقة مرحة رفيعة.
ومع تكرار قراءة هذا الكتاب أضفت إلى رأيي في تلكم السيرة آراء أخرى منها أن في السيرة القصيبية دروسًا عملية كثيرة للإداري والدبلوماسي والوزير ورجل الدولة، وأتمنى ألّا يقتصر انبهار أمثال هؤلاء بالقصيبي على إعجاب دون اقتداء بصواب أقواله وأعماله فيما كتبه. كما أن فيها فوائد جمة لأساتذة الجامعات إن في التعامل مع المنهج، أو الطلاب، أو الزملاء، أو الحياة الأكاديمية بعامة. ولا تخلو حياة في الإدارة من ملامح أسرية وتربوية، وأخرى تفيد الكاتب الفطن.
كما حوت سيرة القصيبي أخبار عدد من الوزراء أكثرهم من السعودية، ولو تفرغ باحث لجمعها فلربما يمكنه كتابة مقال عن بعضهم لكثرة الإشارة إليهم في السيرة. وهذه الإشارات تنفي عن القصيبي الأنانية وإن كان معتدًا بنفسه فخورًا بمواهبها على ما حمله قلبه من الآم الطفولة والشباب والكهولة فما بعدها. ولهذه الأخبار أهمية أخرى كونها تصدر عن زميل معايش، ولأن بعضهم لم يكتب عن نفسه- فيما أعلم- حرفًا واحدًا، وإن كان القصيبي إبان حياته قد أصر على بعضهم-فيما أعلم- وحثّهم على الكتابة؛ فمنهم من تأبى، وفيهم آخرون كادوا أن يمضوا في هذا الطريق لولا التسويف والحسابات التي تقطع المسير وتحول دون المضاء الحثيث.
أول الوزراء المذكورين في كتابنا هو الشيخ عبدالله الطريقي الذي عرض على القصيبي تولي الإدارة القانونية في وزارة البترول، وهي وزارة حديثة النشأة، وكان الطريقي يقتنص فرصة وجود شاب متخصص على ندرتهم تلك الأيام. وسوف نرى أن محاولة الاستقطاب الوظيفي تكررت من قبل آخرين مثل وزير الداخلية الأمير نايف الذي رشحه لإدارة الجوازات والجنسية، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل الذي رغب في ضم القصيبي لفريقه في الخارجية، وطبعًا اعتذر منهما.
ومن الوزراء الذين سعوا لاصطفاء أبي يارا وزير المواصلات الأستاذ الأديب محمد عمر توفيق؛ فظفر بالقصيبي مديرًا لسكة الحديد، بينما اعتذر عن قبول عرض قدمه الأستاذ عمر فقيه الذي كان حينها وكيل وزارة التجارة والصناعة، ولم يقبل عرضًا آخر أتاه من الشيخ أحمد زكي يماني لينضم للعمل في جامعة البترول مع تأسيسها. وإن هذه الروايات ليس فيها ثناء على صاحب السيرة فقط وإن كان يستحق، وإنما تثني على أولئك الرجال، وعلى مسلك إداري يبحث عن ذوي الكفاءة حتى لو لم تربطهم معه مصلحة أو قرابة أو انتماء، وبمثل هذا الاصطفاء الخالص تدار الأمور بحكمة تؤول غالبًا إلى نجح أو إعذار.
ثمّ ورد ذكر د.عبدالرحمن السدحان الذي شغل منصب أمين عام مجلس الوزراء مدة من الزمن، ومن المصادفات أنه كان أمين صندوق جمعية الطلاب العرب في جامعة جنوب كاليفورنيا التي رأسها القصيبي آنذاك. ولا يمكن أن تخلو سيرة وزير عريق من حكايات عن شيخ الوزراء د.عبدالعزيز الخويطر الذي بدأت العلاقة معه وهو وكيل لجامعة الملك سعود، علمًا أن مهامه هي مهام المدير لخلو المنصب من شاغل؛ ولذا عدّه البعض ثالث مديري الجامعة.
فأخبرنا أبو يارا أن فلسفة الخويطر الإدارية تقوم على التحفظ وتقليل المصروفات، وروى أن لديه روح نكتة تخفيها صرامته وجديته. ومن منهجه الإداري الفتور في التعامل مع الجميع لضمان تساوي الناس بين يديه كي لا يحظى أحد بمزية زائدة عن غيره. ومنها قبوله للنقاش وتداول الآراء، وأنه بعد قناعته بالأمر يدافع عنه بلا هوادة. ونقل عنه القصة المشهورة عندما تولى وزارة المالية بالإنابة ورفض طلبًا لوزير المعارف الذي لم يكن سوى الخويطر نفسه، وفسّر د.غازي القصة تفسيرًا إداريًا، وللقصة مع توجيهها رأي آخر على لسان الخويطر كتبته فيما دونته عنه. ومن الموافقات أن الخويطر كان الرئيس الأعلى للقصيبي ثم تزاملا في مجلس الوزراء واللجنة العامة؛ والدرس هنا أن مرؤوسك قد يصبح زميلك يومًا ما أو حتى رئيسك!
كذلك تحدث القصيبي عن نجل أخته وقريبه الوزير خالد القصيبي، وهو صديقه وزميله في البعثة، وقرأت في مكان آخر أنهما تعرضا معًا لحادث سيارة في أمريكا، وهما ممن زار الملحق الشيخ عبدالعزيز المنقور في أمريكا خلال عمله هناك ولفتا نظره. والسياق الذي ورد فيه هذا الوزير لطيف إذ أن تولى إدارة السكة الحديد الوزراء عبدالعزيز القريشي، وخالد القصيبي، وعمر فقيه، قبل تعيينهم وزراء، والأولان سبقا د.غازي في إدارة السكة الحديد، وجميعهم أصبحوا أعضاء في مجلس الوزراء فيما بعد مثل سابقهم في إدارة السكة الوزير المذكور عرضًا الأستاذ عبدالرحمن بن سليمان آل الشيخ؛ حتى غدت سكة الحديد ممرًا للوزارة كما قال الأمير سلطان للقصيبي.
وقد شاور المؤلف القريشي والقصيبي فحضاه حضًا على القبول لأنها تجربة لن تنسى، وزاد خالد لخاله بأن العمل مع أبي فاروق متعة لا تعادلها متعة، وأثبتت الأيام صدق نصحهما، وأبو فاروق هو وزير المواصلات الأديب محمد توفيق الذي أحب القصيبي، وقدّر له حرصه على موظفيه حتى كتب للملك خالد مقترحًا تعيينه وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية. وبالمناسبة فإن الوزيرين من آل القصيبي غازي وخالد اجتمعا في عضوية مجلس الوزراء وأحدهما خال للآخر؛ وهي صورة فريدة في تاريخ المجلس حسب علمي.
ومن طريف ما صرح به القصيبي أن وزير الزراعة الشيخ حسن المشاري اتصل بوكيل الجامعة د.الخويطر وضغط عليه حتى يرفع مرتبة القصيبي الوظيفية في الجامعة لأخرى أعلى منها بناء على نظام الموظفين الذي سيصدر، وساق الكاتب هذه القصة لتفنيد إشاعة تنسج رواية خلاصتها أن الخويطر احتضن القصيبي، ومع هذا التفنيد فلربما أنها تخبرنا عن قوة ترابط أهل الإحساء وسكانه؛ ولذا بادر المشاري لنفع القصيبي. ومن صريح الروايات تذمر الوزير توفيق من إهمال الوزراء في الوفود الرسمية، وتركيز المستضيفين على الشخصية الأساسية في الزيارة فقط.
أيضًا روى المؤلف أن د.مطلب النفيسة فتح مكتب استشارات قانونية، وطلب من القصيبي إدارته خلال تفرغ مطلب لدراسة الدكتوراه في أمريكا ولم يوافق الرجل الذي يعترف بفقدان البراعة التجارية، وعاد مرة أخرى لذكر النفيسة عندما تشاركا في كتابة نظام شركة سابك. ومن أخبار الاستشارات القانونية أن القصيبي وبلديه وزميله في الكلية والوزارة د.محمد الملحم عملا مستشارين قانونيين في وزارة الدفاع، وشاركهما د.أحمد المالك فيما بعد، وعمل القصيبي في لجنة بوزارة المالية تحت رئاسة الشيخ الحصين، ووضع د.غازي منهج الأنظمة في معهد الإدارة بناء على طلب مدير المعهد الثاني الأستاذ فهد الدغيثر.
أما الوزير د.سليمان السليم فهو من أكثر الوزراء عبورًا ضمن حياة في الإدارة، ولو استخلصت المادة المكتوبة عنه لأمكن صنع مقالة مناسبة عن هذا الوزير المحتجب شعبيًا مع نصحه وأمانته. فقد شاركه السليم مؤقتًا في تقديم برنامج تلفزيوني عنوانه أضواء على الأنباء فحقق للقصيبي من الشهرة أكثر مما فعلت ثلاثة دواوين شعر. وشهد القصيبي للسليم بأنه أشد وزراء المجموعة الاقتصادية إيمانًا بالقطاع الخاص ودعمًا له، مع إصراره على بقاء الدولة بعيدة عن السوق، على أن تكتفي وزارة التجارة بعملها الأهم وهو إزالة العوائق أمام القطاع الخاص.
وكان أبو باسل خلافًا لصاحبه لا يحب الإعلام، ويتبع نهجًا إداريًا أقرب للمحافظة، وكثيرًا ما طالب القصيبي بأن يتحلى بالمرونة إبان عمادته للكلية ويقول له على سبيل الافتراض الذي أضحى حقيقة: كيف ستنجح يا غازي في وزارة إذا فشلت في كلية؟! وعندما كانا زميلين في الجامعة أسس د.سليمان جمعية العلاقات الدولية. وحين قابل وزير التجارة الشيخ محمد العوضي أبا يارا ليجذبه إلى وظيفة وكيل الوزارة اعتذر منه واقترح عليه اسم صاحبه السليم وهو ماكان. وبعدما اختير الرجلان في وقت واحد ليصبح القصيبي وزيرًا للصناعة والكهرباء، والسليم وزيرًا للتجارة، اقتضى وجود وزارة القصيبي الجديدة سلخ إدارات من التجارة ونقلها للصناعة، وتمت عملية السلخ والنقل في جلسة واحدة فقط بين الصديقين دون تعقيد أو مماطلة.
وللشيخ محمد أبا الخيل حضور جميل في حياة القصيبي الإدارية؛ إذ نصّ القصيبي على أن أبا الخيل قدّم له قبل الوزارة وبعدها من أشكال العون ما لا يحرج المؤلف ذكره، ومنها فكرة إنشاء سابك التي صارت شركة عملاقة. ومما أورده عن الوزير المحافظ إداريًا أن آراء وزير المالية لم تكن تروق لأحد من الوزراء! وعندما يقرر الملك فهد ألّا يستجيب لطلب من وزير أو مسؤول يحيله إلى مناقشة الموضوع مع وزير المالية! ويجزم القصيبي أنه لولا مواهب أبي علي الإدارية، وقوة الذاكرة، والجَلَد، والمهارة في الكر والفر، مع الصبر على العمل الطويل، لما استطاع الصمود في منصبه المرهق طويلًا.
في سيرة وزيرنا أيضًا أنه بلغته تحذيرات من الموافقة على آراء الوزير الأديب هشام ناظر، وتبين له فيما تلا ذلك أنها تحذيرات خاطئة أو مغرضة؛ فهشام ناظر وزير من المجموعة الجريئة في التفكير والتنفيذ والطلب، وهو مؤيد لإعطاء الأولوية للمنتج السعودي، ومن حسن حظ الصناعة أن هشام ناظر خدمها بمشاريع الجبيل وينبع التي أشرف على إنشائها وتسيير العمل فيها. وعندما تقلّص عدد الوزراء الذين ينيبون القصيبي عنهم لتدبير شؤون وزاراتهم إذا غابوا؛ ظلّ هشام ناظر متمسكًا بنيابة القصيبي، وناصفه هذا الإصرار الشيخ أحمد زكي يماني مع أنهما تخالفا بسبب تقاطع الاختصاصات بين وزارتي الصناعة والبترول، ومن المستطرف أنه نقل عن الشيخ يماني قوله: إن الشاه يعلم عن البترول ما لا يعلمه أيّ وزير بترول في العالم! وأضاف القصيبي عن آخرين أن الشاه بصير بشؤون الصناعة جدًا، ومتعمق بخفايا الأسلحة ما دقّ منها وما جلّ، بيد أن الشاه -كما أوضح القصيبي- غفل عن دراسة شعبه وجسّ نبضه فلقي مصيره.
وممن وردت مواقفهم وزير الحج المثقف الشيخ حسن كتبي الذي أنصف ديوان شعر للقصيبي ورأى أهمية تكريم الشاعر، وهو الديوان الذي استدعى التعريج على الشيخ إبراهيم العنقري وزير الإعلام في قضية ديوان الشعر والمستشار القانوني الذي مطط مسألة تكوين لجنة حتى بهتت. وجاءت سيرة الوزير الشيخ حسن آل الشيخ وهو وزير المعارف والرئيس الأعلى للجامعة يوم أن طلب تعيين عميد سعودي لكلية التجارة فوقع الاختيار الفجائي على القصيبي وهو ما أصابه بصداع ومشكلات جعلته يصف هذا العمل بالأصعب حتى من الوزارة والسفارة!
لكن مما هوّن عليه مصاعب العمادة قبول د.منصور التركي -عين مديرًا تاريخيًا للجامعة عقب ذلك بسنوات- أن ينوء بأعباء وكالة الكلية، وكانت كلمة “مشي” مستخدمة بين الرجلين لمنح أيّ طالب درجة أو درجتين تنقذه من الرسوب. وفيما يرتبط بالجامعة رأيت إشارة لمديرها الثالث/ الرابع د.عبدالعزيز الفدا صاحب الأسلوب الإداري المتأني جدًا وهو ما لا يتوافق مع طبيعة القصيبي الاندفاعية. كما ذكر الوزير الشيخ د.محمد عبده يماني في حكاية العمل ضمن لجنة التعديلات على نظام تعيين العمداء حتى أصبحت العمادة بناء على ترشيح مجلس الكلية وليست بالتعيين. وخلال سنوات الجامعة مر الحديث عن الوزير د.رشاد فرعون مستشار الملك فيصل الذي كان قناة لنقل رأي من القصيبي للملك الذي لم يوافق عليه.
وفي حواشي الكتاب خطر اسم وزير الدولة ورئيس الموانئ د.فائز بدر صاحب الأسلوب الهجومي في الإدارة، مع قدرات كتابية تمنى معها القصيبي لو أنه كتب عن الموانئ وقصتها. ومما سمعته من آخرين أن الوزير بدر كان مهابًا بسبب جرأته وطلاقته الكلامية، ومن جرأته أن نافذًا طلب منه الموافقة على موضوع ممنوع فرفض، وحين قال له النافذ: سآتي لك بأمر! أجابه من فوره: فلتجعلهما أمرين والثاني بفصلي لأني لن أفعل الأول، والذي يبدو أن هذا المتنفذ خرج بخفي حنين ولم يعد لا بهما ولا بغيرهما! ومما يرويه آخرون أن د.فائز قال للملك فهد حين عرض عليه منصب رئاسة الموانئ: موافق على أن يصبح رئيسي المباشر هو الملك وليس الوزير وهو ماكان فانتفعت الموانئ من هذه المرجعية العليا.
ومن أجمل المواقف الحازمة في سيرة القصيبي، أن الشيخ جميل الحجيلان، السفير السعودي في فرنسا، رفض بإصرار مقترح الحكومة الفرنسية بأن يستقبل وزير الصناعة السعودي د.غازي القصيبي مسؤول فرنسي أقل من مرتبة الوزير لأسباب لم يقبلها السفير المحنك مهما كانت وجاهتها؛ حتى رضخت الحكومة الفرنسية لطلبه، واستقبل الوزير الفرنسي نظيره السعودي، بجهد من السفير الذي أبى تخفيض مكانة بلده وممثليها.
أيضًا من الموافقات أن يذكر القصيبي في كتابه رجلين عَلَمين فاضلين هما د.عبدالله نصيف الذي شاركه في وفد لشرح سياسة المملكة النفطية، والمهندس محمود طيبة الذي كان ذراعًا أمينًا للقصيبي، ومكمن الموافقة أن هذين الرمزين الكريمين أصبحا نائبين لرئيس مجلس الشورى. وفي الكتاب أن الشيخ محمد النويصر-رئيس الديوان الملكي– طلب من القصيبي بأن يشرح للملك فيصل معالم الطريق من الرياض إلى الدمام.
وفي السيرة ثناء على د.فؤاد الفارسي وجديته وإخلاصه، وبدايات مشروع الكادر الصحي مع الأستاذ تركي السديري، ومعلومة عن حكومة الدكاترة وهي الحكومة الوحيدة في عهد الملك خالد، وكانت مكونة في أكثرها من أساتذة وعمداء منهم د.عبدالرحمن آل الشيخ، ود.حسين الجزائري، ود.الملحم ود.السليم ود.علوي كيال ود.عبدالله العمران ود.يماني، وبوجودهم أصبح مجلس الوزراء من أكثر مجالس الوزراء في العالم ثقافة وأصغرها سنًّا. وفي متن الكتاب وحواشيه أشاد القصيبي بالدكتور عبدالرحمن السويلم، وهمته الإدارية، وفكره الخيري والمجتمعي.
ولأن سيرة القصيبي لن تخلو من سابك فمن الطبيعي أن يرد اسم الوزير المهندس عبدالعزيز الزامل، وله مع صديقه واقعة طريفة عن قنبلة متوهمة في أحد مقاهي ستوكهولم! كما أن السفارة في لندن استوجبت الحديث العاجل عن سلفه الوزير الشيخ ناصر المنقور. وعندما أثنى المؤلف على وزارة الملك فهد عام (1415=1995م) نبه إلى أن فيها عددًا من طلابه وإن لم يسم أحدًا من أولئك الوزراء. ومن الوزراء غير السعوديين المذكورين بالاسم الوزير البحريني المثقف الأديب يوسف الشيراوي وهو من أكثر الناس معرفة بالقصيبي ودواخله، وكذلك هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الذي اختار د.غازي ليكون واحدًا من أربعين فردًا يحضرون ندوة هارفرد الدولية عام (1387=1967م) في أمريكا.
ومع أن المحامي الشيخ صلاح الحجيلان لم يصبح وزيرًا إلّا أني سأذكره هاهنا لأن شخصيته مثل شخصية الوزراء وربما أعظم، هذا غير أنه زميل وصديق أو وكيل عن خصم لعدد ممن ذكر اسمه أعلاه من الوزراء. ولقد كان المحامي الكبير الحجيلان وفيًا مع زميله في الدراسة بمصر عندما عرض عليه المشاركة المفتوحة بأيّ صفة في مكتبه الاستشاري القوي جدًا والسابق على غيره في المملكة، وهذا العرض الكريم أتى في لحظة صعبة حرجة تبعت إقالة الوزير من وزارة الصحة. ويماثله الإداري والكاتب الشيخ عمران العمران الذي خدم صاحب الكتاب بترشيحه للعمل في لجنة إنهاء حرب اليمن فعرفه المسؤولون عن قرب، كما نفعه بشراء أرض وبيعها ثمّ شراء أخرى وبنائها للقصيبي حتى دفع الثمن مقسطًا، وما أحسن أن يعاون الخبير استثماريًا صاحبه الذي لا يفقه في الاستثمار والتجارة.
ألا ليت القصيبي وجد من الوقت ما يعينه على كتابة ما بقي من سيرته في السفارة والوزارات الثلاث الأخرى، وليته دون الطرائف التي صادفته في حياته حسبما ألمح، وليته تفرغ ليكتب بتوسع عن رجال عاصرهم وتعامل معهم مثل الملك خالد كما وعد، وليته تمكن من كتابة وصف لأوضاعه التعيسة خلال سنة ونصف قضاها في وزارة الصحة حتى كادت أن تهلكه. ولأن ليت لن تفيد، ولست أدري هل للرجل الراحل قبل أزيد من عقد تراث لما يظهر بعدُ أم لا يوجد شيء من هذا القبيل؛ فليس لنا إلّا النظر الجديد في الموجود؛ ففيه من الخبر والعبر والمُلح والملامح ما فيه.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
السبت 09 من شهرِ شعبان عام 1443
12 من شهر مارس عام 2022م