قراءة وكتابة

سهرة حول منصة الكتابة!

Print Friendly, PDF & Email

سهرة حول منصة الكتابة!

كنت على وشك الانصراف من مجلسنا الأسبوعي ليلة السبت، فوصلتني رسالة على الواتساب من الصديق طارق السلمان وضع فيها صورة غلاف لكتاب عنوانه “لعبة الأدب” وكتب تحتها: “هل هناك كتاب لطيف بمثل فكرة هذا الجميل… دلني”؛ فأجبته من فوري قائلًا: كُثر! والإجابة الفورية على الرسائل واجبة إلّا من عذر للإرجاء أو الإهمال، وتقدير الحال الموجب للإمهال أو الامتناع حقٌّ للمجيب وليس للمرسل الذي قد لا يعذر!

أجابني: ولذلك سألت الخبير ليدلني على واحد أو اثنين مثله، فطلبت منه نسخة من الكتاب، وبعد فحص سريع لمحتواه كتبت له ما معناه وكثير من لفظه: يوجد عدة كتب، على أن تعفيني من شرط استصحاب اللطف فيها كلها! مع أن اللطافة حلوة محببة؛ فالنفوس تسأم من الثقل في غير مكانه، أو التثاقل الذي ليس هذا أوانه؛ حتى روي عن الإمام الأصولي الفقيه الشافعي رضوان الله عليه قوله: ليس من الأدب الوقار في البستان!

ثمّ شرعت أسرد له العناوين بلا تنظيم ولا سياق يربطها، وإنما هو عفو خاطر، وكل مرة يتفاعل معي أبو فارس الذي هو دومًا للخير غارس، وللفضائل حارس، وبتفاعله أزيد من إيراد الأمثلة، مع أنه طلب كتابًا واحدًا فقط أو اثنين؛ حتى انقلبت ليلتنا تلك إلى سمر بصراء حول منصة الكتابة، وليس سهاد عميان عند لهبها؛ إذ أن لها نصيبًا من النار، ويمكن للموفق أن يجعل من الكتابة ضوءًا ينير، وحرارة تدفئ، وعافية تنتشر، وألوانًا تزيد من البهجة والمتعة، وموئلًا لمن رام فعل خير، أو اجتناب شر.

فأول كتاب ذكرته هو “أمراء البيان” للأديب السوري ورئيس المجمع العلمي الكاتب محمد كرد علي، ويتميز بأنه استعراض لأساليب عشرة من كبار كتّاب العربية القدماء، وهو مهم لصاحب الصنعة الخبير قبل الشادي. وفيما بعد أشرت لكتاب نقل تجارب ثلاثين كاتبًا عربيًا أعده الكاتب العراقي صفاء ذياب، وعنوانه “النظر في المرآة”، وحظي بتقديم من عالم اللغة العراقي والأستاذ الجامعي د.عبدالله إبراهيم، وليس في الكتاب أيّ تجربة سعودية فيما أذكر، وهو ما عالجه الكاتب السعودي الأستاذ مصطفى هيج الذي حرر كتابًا ضمّ مشاركات خمسة وثلاثين كاتبًا عربيًا جلّهم من السعودية، ولي سهم فيه، والله ينفع بالجهود، وعنوان هذا الأخير: “في معنى أن تكتب”.

هذا الابتداء بالكتب المعاصرة المنطلقة من ثقافتنا العريقة يقودنا إلى أحد أعظم الجهود العربية في خدمة الكتابة حسب علمي، وهو ما تؤديه منصة تكوين للكتابة الإبداعية في الكويت، سواء في النشر، أو التدريب، أو التعريف بالكتّاب، ومن مطبوعاتها عدة كتب منشورة، وأخبرت طارقًا عن أولها الصادر بعنوان: “لماذا نكتب؟ عشرون من الكتاب الناجحين يجيبون على أسئلة الكتابة”، وهو من تحرير: ميريدث ماران، وترجمة عدة مترجمين عرب، ومراجعة بثينة العيسى صاحبة فكرة تكوين، ولها كتاب خاص عن تجربة الكتابة الروائية.

ثمّ انعطفت مع طارق للإشادة بكتب الحوارات، وكتب الحوارات أيًا كان موضوعها مفيدة جدًا للقارئ خاصة عندما يكون المحاوِر ضليعًا، والمحاوَر عميقًا، ونرى هذا في حوارات مع المسيري، وإدوارد سعيد، وطارق البشري، وحوارات هيكل مع الزعماء، وفيما أجراه من حوارات ثمّ نشرها مكتوبة محمد رضا نصر الله، والأمثلة كثيرة، وعلاقتها مع الكتابة ليست مباشرة، وإنما جرى بها القلم عندما عرجت على الحوارات التي خصصت منها بالحديث منتصف الليل مع طارقنا الجميل كتابًا للمؤلف المصري حسين عيد فيه حوارات مترجمة مع كتّاب نوبل، وكتابًا آخر أجرته المحاورة اللبنانية جمانة حداد التي تجيد سبع لغات مع ثلاثة عشر كاتبًا عالميًا بلغاتهم الأصلية.

ومنها حوارات ترجمها الطبيب العراقي الكاتب د.علي عبدالأمير صالح في كتابين استعرضتهما فيما سلف، وأحدهما عن نساء في الأدب، ويقع ضمن حدودها كتاب عنوانه حوارات لقرن جديد: الأدب بين التخييل الذاتي والتخييل التاريخي، وهو من ترجمة وتحرير وتقديم الباحث المغربي محمد الجرطي، علمًا أنه يوجد كتب عديدة ترجمت حوارات مجلات “باريس ريفيو” أو غيرها من المجلات العالمية التي عنيت بهذا النوع المفيد؛ وبالجملة فكتب الحوارات الجادة فيها خلاصة ولباب واختصار، وهي تؤدي الغرض منها مباشرة مالم يتشعب الحوار إلى شؤون أخرى.

لذلك تفاعل معي طارق كاتبًا: ما أجملك -وتبعة هذا الوصف عليه- وأكمل: شكرًا على هذه الدلالة… الثرية، وحينها اندفعت أقول له: وللكاتب السعودي رائد العيد كتاب مفيد جدًا عنوانه “درب الكتابة” وهو كتاب وصلتني عنه أسئلة من بلدان مختلفة، وهذا الدرب المحفوف بالمخاطر والمتاعب الذهنية وغيرها هو الذي جعل أصحابها “أولياء الكتابة” كما وصفهم الكاتب المصري الأستاذ محمد توفيق في كتاب له تجول فيه مع عدّة كتّاب وشعراء مصريين جولة رشيقة.

بعد ذلك أعلن لي طارق الحب مع تكرار حرف الواو كثيرًا إذ كتب: “ياحوبوووووبي لك سلمت لأخيك”؛ فلم أتحمل هذا الإعلان الصادق البريء عن الحب، وشابهت في ذلك الغواني اللواتي يُخدعن كثيرًا بمثل هذا الكلام الوجداني المعسول -وارحمتاه لهن- وربما خدعن هنّ غيرهن -مساكين أولئك الخراف!-، ولست بالمخدوع ولا الطارق الأنيس بالخادع؛ لكني طربت حينما أبدى مشاعره وشكره وإعجابه، وهذا من نبله وحس أخلاقه؛ فبعض البشر لو تخدمه خدمات جليلة -وليس مجرد رسائل وتسية صوتية- لا يكاد أن ينطق بكلمة شكر خجولة هامسة!

وطفقت أسرد لطارق -آملًا ألّا أكون قد أصبته بالملل- فقلت: لبعض الكتّاب سيرة كاملة عن الكتابة والقراءة؛ مثل مذكرات الأحمري، وسيرة العراقي علي الشوك، وحياة قلم للعقاد، ومنها كتاب لقاص وروائي أمريكي عنوانه: “اسمها تجربة”، وللكاتب الإنجليزي “جورج أوريل” سيرة كتابية مطبوعة، وللقارئ الأرجنتيني النهم “ألبرتو مانغويل” الذي ينعت نفسه -متواضعًا- بأنه قارئ يقدر على الكتابة بضعة كتب عن هذا الشأن الثقافي اللذيذ في ذاته لذة قد لا يستوعبها المنغمسون صبابة في شهوات السمع والبصر بإضمار السوء أو بدون!

كما يمكن الإفادة من بعض ما كتبه الأديب المصري أحمد أمين في سيرته التي جعل عنوانها “حياتي”، ومن سيرة ابنه د.جلال في ثلاثيته؛ ففيها شيء عن القراءة والكتابة، ومثلها ما جاء في “ذكريات” الفقيه الأديب الطنطاوي، وربما تعرض لطرف منها العالم المصري د.الطناحي في مقالاته الماتعة جدًا في جزءين، وأذكر عدة مقالات عن الكتابة في مقالات العلامة محمود شاكر الصادرة في قسمين، وقطعًا يوجد غيرها.

عقب ذلك أرسل طارق صورة قلب يحتضن، ومعها كلمتان هما: “ليتك عندي”، فأخبرته أن مدونتي فيها العديد من المقالات عن كتب الكتابة، وأضيف بأن موقع منصة تكوين مذهل جدًا فيما يحيط بالكتابة خاصة الروائية، وفي مدونة الكاتب الجزائري يونس بن عمارة فوائد شتى حول الكتابة وتقنياتها وفنون التسويق الكتابي، ومثل ذلك يستخلص من مدونة الكاتبة الجزائرية دليلة بنت رقاي، ومن الحتمي أن شبكة الإنترنت فيها الكثير عربيًا، والكثير جدًا أجنبيًا.

أما حين وصفني أبو فارس بأني مدرسة في هذا الباب، وأتدفق فهرسة، لم أتواضع وألبس رداء التزهد بسماع مثل هذا الرأي، بل انثنيت نشوة وأثنيت على كتاب عنوانه “معايشة النمرة” للكاتب والمترجم الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، وله كتاب آخر عن صناعة الأديب، وفي سيرته الصادرة بعدة كتب فوائد عن الكتابة والقراءة والترجمة. وللكاتب البحريني حسن مدن كتاب نافع حمل عنوان “الكتابة بحبر أسود”، وفيما يبدو لي فإن أبناء البحرين من أكثر أهل الجزيرة العربية وسكانها عناية بالكتابة؛ تلك الكتابة المليئة بالأسئلة التي حاول الإجابة عنها الفيلسوف والكاتب الفرنسي الراحل “موريس بلانشو” في كتاب عنوانه: أسئلة الكتابة، الذي ترجمه للعربية الكاتبان المغربيان نعيمة بنعبدالعالي، وعبدالسلام بنعبدالعالي.

ومما تداولناه من كتب رسائل الرافعي الجوابية لمن سأله عن الكتابة وفنونها، وللرافعي كتاب سيرة غيرية أصدره صاحبه الوفي محمد سعيد العريان عنوانه “حياة الرافعي”، وكانت نسخه نادرة ثمّ أعيدت طباعته والحمدلله فالرافعي إمام، وقد قرأته غير مرة، وأتمنى الرجوع إليه والكتابة عنه؛ لأنه فعلًا يستحق. وفيما مضى استعاره مني عدد من قدماء الذين تدربوا معي على الكتابة وهم اليوم كتّاب -أو كاتبات- لهم حضور ثقافي طيب ومبهج والحمدلله، وما أن سمع مني أبو فارس ذلك لم يتوان أو يتأخر الطارق بخير تلكم الليلة، فاقتنى نسخة من هذا الكتاب، وشرع ينظر فيه، وأسأل الله أن يعجبه ذلكم الكتاب مع هذا المقال، فهو أهل لامتلاك مقاليد الكتابة!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 18 من شهرِ ذي القعدة عام 1444

08 من شهر يونيو عام 2023م

Please follow and like us:

5 Comments

  1. صدق صاحبك أبو فارس فأنت أستاذنا ومدرسة عظيمة نفخر بها ونتعلم منها 💐🙏 وبارك الله فيك على أن شاركتنا هذه المسامرة التي لو لم تدونها فاتنا خير جليل

  2. ‏يودُّ المرء أن يعرج بقلبه حتى يحفظ هذه المقالة عن ظهر قلب، بديعة جدًا!
    دام الله وشائج الود بينكما ومن القلب لطارق نرسل نحن كذلك “صورة قلب يحتضن” فلولا مسامرته لما استل لنا هذا الجمال ويكفي إجلالًا وجمالًا أنك لست بالمخدوع ولا الطارق الأنيس بالخادع!
    ثم لفتني هذا التنويه المهيب الممتلئ بنبرة العتب على إزعاج الآخرين بالإرسال بأوقات قد تكون غير ملائمة للبعض “وتقدير الحال الموجب لإمهال أو الامتناع حقٌّ للمجيب وليس للمرسل الذي قد لا يعذر!”،يستحق التأمل!
    بينما توقفت هنا توقف طويل.. !”استعاره مني عدد من قدماء الذين تدربوا معي على الكتابة ….فاقتنى نسخة من هذا الكتاب”؛
    لعل طارقكم يشفع لنا عندكم ونقتني هذا الكتاب الذي تداوله الجميع عدانا!
    سهرة ممتعه قضيناها معكم ومع هذه المقالة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)