سياسة واقتصاد سير وأعلام

أكاديميون في مجلس الوزراء!

Print Friendly, PDF & Email

أكاديميون في مجلس الوزراء!

مع أن بلادنا المملكة العربية السعودية قد سبقها غيرها في التعليم العالي؛ إلّا أن فضل الله علينا سابغ إذ لدينا الآن عدد كبير من الجامعات والكليات والخريجين فيها، وأصبح التأخر السابق جزءًا من تاريخ لا ننكره، ونحمد الله على توفيقه لنا بالتغيير والتطوير. ومن أبرز ملامح هذا التطور أن غدت مؤسسات الحكومة الكبرى والمهمة مثل مجلس الوزراء موضعًا رحبًا لرجال الدولة من الحاصلين على الشهادات العليا، مع الخبرات العملية والدولية اللافتة.

فمثلًا؛ حصل تسعة وتسعون وزيرًا (99) على شهادة الماجستير، ونسبتهم تتجاوز (51%) من عدد الوزراء، ومن هؤلاء المئة إلّا واحدًا، استطاع سبعة وستون وزيرًا (67) الحصول على شهادة الدكتوراة تفوق نسبتهم (35%) من مجموع الوزراء، والثلث كثير! كما عمل تسعة وخمسون وزيرًا (59) في مؤسسات تعليمية عليا بصفة أستاذ، أو عميد، أو وكيل، أو مدير، أو رئيس مجلس أمناء، وبعضهم أسهم في التأسيس؛ وفيهم من درّس بجامعات عالمية، أو في عدة مؤسسات تعليمية محلية، ونسبة هؤلاء المشاركين في المؤسسات التعليمية تتجاوز (30%) من العدد الكلي لأعضاء المجلس الموقر حتى الآن؛ مما يؤكد على مركزية التعليم في مجالسنا العليا العريقة.

ومن هذه القائمة الطيبة ستة عشر وزيرًا (16) أداروا جامعات أو معاهد، أو كانوا محافظين للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، أو رأسوا مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وربما شارك جلّهم في التدريس، ونسبتهم إلى مجموع الوزراء العاملين في المؤسسات الأكاديمية تبلغ (27%)، وفيهم ثلاثة عمل كل واحد منهم في جميع الوظائف الأكاديمية أستاذًا، وعميدًا، ووكيلًا، ومديرًا، قبل أن يسمى وزيرًا، وهم الوزراء الشيخ أ.د.عبدالله التركي، وأ.د. أسامة شبكشي، وأ.د.محمد آل هيازع، علمًا أن الشيخ د.التركي بدأ حياته معلمًا في المعهد العلمي، وله جهود تأسيسية مشهودة في جامعة الإمام محمد بن سعود، وللوزير د.شبكشي أعمال تأسيسية في جامعة الملك عبدالعزيز، وينفرد د.آل هيازع بأنه أدار جامعة حكومية قبل الوزارة، وجامعة خاصة بعد الوزارة.

علمًا أني قد عددت الوزير د.عبدالعزيز الخويطر مع هذه المجموعة؛ مع أن مسماه الوظيفي في جامعة الملك سعود تردد بين الأمانة والوكالة، بيد أنه كان الرجل الأول فيها لعقد من الزمان، وقائمًا مقام المدير، ويقودنا هذا إلى الإشارة بأن جامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة الملك عبدالعزيز، هي الجامعات التي استوزر من مديريها أكثر من وزير حتى الآن، وأن ثلاثة وزراء أداروا جامعات أهلية، وفي القائمة جامعة خليجية واحدة. وأغلب هؤلاء الوزراء أداروا جامعاتهم قبل تولي الوزارة إلّا د.بندر حجار الذي ترأس بعد الوزارة جامعة الأمير مقرن، ود.نبيل العمودي الذي رأس مجلس أمناء جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بعد الوزارة.

أما الذين عملوا في منصب وكيل الجامعة فعددهم خمسة وزراء (05)، ويضاف معهم ثلاثة مديرين كانوا وكلاء قبل ترقيتهم، وعدد العمداءلكليات أو عمادات أو معاهد بحثيةالذين لم يتجاوزوا العمادة في هذه السلسلة عشرة وزراء (10)، ويضاف معهم ستة وزراء (06) كانوا عمداء ثم ارتقوا للوكالة وربما الإدارة قبل التوزير، وبالتالي فمجموع الوكلاء والعمداء بدون تكرار هو خمسة عشر وزيرًا (15)، ومع التكرار يرتفع إلى أربعة وعشرين وزيرًا (24)، ونسبتهم في هذه القائمة تدور بين الربع والخمسين، ومن هؤلاء العمداء والوكلاء من كان مؤسسًا لكلية أو جامعة مثل الوزراء د.حسين الجزائري، ود.محمد الرشيد، ود.محمود سفر الذي أصبح أول وكيل لوزارة التعليم العالي بعد تأسيسها، وأول أمين عام للمجلس الأعلى للجامعات فيما يبدو.

كما بلغ عدد الأساتذة الجامعيين دون مناصب إدارية في الجامعة ستة وعشرين وزيرًا (26) نسبتهم من المجموع (44%)، ومنهم أربعة وزراء درسوا في ثلاث كليات عسكرية، وأحدهم درس محاضرًا بشهادته الماجستير عدة سنوات، وفيهم من ألقى محاضرات دراسية في جامعات دولية إبان بعثته أو بعدها، ومنهم من درس بالجامعة مدة طويلة متعاونًا مع بقاء عمله في جهاز آخر، فاحتسبته دون آخرين من قدماء الوزراء الذين شاركوا في التدريس فقط مع نشأة جامعة الملك سعود دون أن يكونوا أكاديميين، وإنما لسدّ حاجة ناشئة مؤقتة، وهم ممن ذكرهم الوزير الخويطر في وسمه، ولست أملك لهم إحصاءً دقيقًا الآن.

ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن اللجنة التأسيسية لجامعة الملك عبدالعزيز في جدة قد ضمت عددًا من الوزراء مثل الشيخ أحمد جمجوم، والشيخ أحمد شطا، وأن اثنين من رجال الدولة أداروا مؤسسات تعليمية كبرى في بواكير نشأتها دون أن يحملوا شهادة الدكتوراة؛ لكنهما حملا الهم والإخلاص والمثابرة، وهما الشيخ ناصر المنقور المدير الثاني لجامعة الملك سعود وأحد المشاركين في تأسيسها، والشيخ محمد أبا الخيل المدير الأول لمعهد الإدارة وأحد شركاء تأسيس المعهد، والشيء بالشيء يذكر إذ أصبح اثنان من نواب مدير معهد الإدارة وزراء فيما بعد وهما على التوالي د.مطلب النفيسة، ود.فهاد الحمد، ولا أعرف هذه الخصيصة لغير المعهد من المؤسسات التعليمية، ولا ينفي ذلك كون أكثر الأكاديمين في تاريخ المجلس ممن عملوا في جامعة الملك سعود، ومن لطائف المعلومات أن الوزير أ.د.علي النملة عاد مختارًا بعد الوزارة بإقبال ونهمة إلى الحياة الأكاديمية أستاذًا ومناقشًا ومؤلفًا غزير الإنتاج.

كذلك يلفت النظر أن عددًا من هذه القائمة العزيزة عمل في مجالس أمناء جامعات مختلفة، ومنهم من أسندت إليه مناصب قيادية عليا أو عضويات مجالس إدارة لكيانات مهمة لها مساس شديد بالتعليم والطلاب مثل مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين (موهبة)، وهيئة تقويم التعليم والتدريب، وغيرها، مثل الوزراء د.مساعد العيبان، ود.سعود المتحمي، ود.خالد السبتي، وغيرهم إذ أن التتبع لجميع المؤسسات وعضوياتها مجهد، ولعل فيما مضى غنية تدل على المراد.

هذا المراد هو أننا والحمدلله ننعم بمستوى رفيع من التعليم والتأهيل والتمكين، والمرجو أن يكون لهذا العلو الحميد أثره البين جدًا في المنجزات والأعمال؛ ذلك أن التعليم العريق أساس في قوة أيّ أمة ونهضتها ومنافستها على ما تستحقه من مكان، أو ما تسعى للوصول إليه من مكانة، وهو ما سيكون بأمر ربنا القدير العزيز في قريب منظور، أو مستقبل منتظر، وغدًا لناظره قريب.

فالحمدلله أن جعل شأن العلم والتعليم فينا رفيعًا، وأصبحت مثل هذه الإحصاءات والأرقام تلجم من يحاول الغمز؛ فلسنا نبني الأبراج ونمهد الطرق فقط، ولسنا مستودع النفط المبارك فقط، بل لنا في العلم والعمل شأن تتصل رواية سنده السامي بأسلافنا العظام، ويأتي على رأس أصوله المقدسة الكتاب العزيز والسنة المشرفة؛ ثم متون العلم ودواوينه التي تمضي على درب من الرشاد والسداد.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّافالرياض

ahmalassaf@

السبت 21 من شهرِ ذي القعدة عام 1444

10 من شهر يونيو عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)