أمراء المناطق في مجلس الوزراء

أمراء المناطق في مجلس الوزراء

أبدى مجموعة من القراء تفاعلًا طيبًا مع ما نشرته أخيرًا عن مجلس الوزراء الموقر، وتتبعت فيه خيوط القرابة المحدودة بين بعض أعضاء المجلس، وهي قرابة بارزة في أغلب صورها، ومنها ما احتاج لبحث وسؤال وتأكد؛ فقلت لأحدهم: في جعبتي المزيد من هذا الباب المفيد تاريخيًا وإداريًا، فهو حقل لم يطرق بتوسع يناسب أهميته؛ بيد أني أحتاج إلى الوقت ومصادر المعلومات، وهما من أشح الموارد مع توافرهما؛ وإنما الشح في سوء تدبيري وقلة حيلتي، وفي تلكؤ المعين والمتعاون ممن يملك الإجابة الدقيقة فيحجب الوصول إليها بعلل واهية؛ لأن المعلومات المطلوبة من المشاع وليست من الأسرار، ولا خطورة فيها، ولو كانت كذلك لفررت منها لا ألوي على شيء، ورحم الله امرءًا توقف عند الحدود، ولم يخض في لجج تغرق، أو ينغمس في متاهات ذات وحل وأحراش.

فمما حصرته وأحصيته من معلومات الوزراء والمجلس، وجدت أن ثمانية عشر وزيرًا وعضوًا في المجلس كانوا أمراء لأقاليم أو مناطق أو مدن –أو نوابًا للأمراء– قبل أن يصبحوا وزراء، أو صاروا كذلك بعد مغادرة الوزارة والمجلس. ومن هذه القائمة الجليلة ثلاثة ملوك، وثلاثة أولياء عهود، وعشرة أمراء خمسة منهم من أبناء الملك عبدالعزيز، وخمسة من أحفاده، ومن هؤلاء الأمراء العشرة ثلاثة كانوا نوابًا وليسوا أمراء لمنطقة، ويشارك مع هؤلاء الأمراء من بيت الحكم شقيقان من أسرة السديري، وعليه فنسبة أمراء المناطق إلى غيرهم من الوزراء (9.4%)، ونسبة الوزراء من أمراء المناطق المنتمين لبيت الحكم إلى جميع الأمراء الوزراء هي الخمسان أي (40%).

ونرى في هذه القائمة الكريمة من رجال الدولة الملوك سعود وفيصل وسلمان، وأولياء العهود من أصحاب السمو الأمراء سلطان ونايف ومقرن، ومن الأمراء مشعل وعبدالمحسن ومتعب وماجد وأحمد، وأطول من بقي من هؤلاء الأمراء في إمارة المنطقة بعد الملكين فيصل وسلمان هما الأميران عبدالمحسن في المدينة، وماجد في مكة، إذ أمضيا ربع قرن في إمارة تلك الجواهر المكانية النفيسة دون مجاراة في المدة من بقية الأمراء.

ومما يروى أن الأمير عبدالمحسن خلّف مكتبة ضخمة تبرع بها بنوه لمكتبة الحرم المكي، وكان إبان حياته قارئًا لكتب الأدب والشعر. كما قرأت بأن الأمير ماجد حاضر البديهة؛ وصاحب إجابات وتعليقات لطيفة غير محرجة لمن تقال عنه، وكثيرًا ما تبادل “المقالب” مع الوزيرين ناظر والقصيبي. وكان الملك خالد يستشير فيمن يختار وزيرًا مرافقًا مع الرئيس الفرنسي الاشتراكي “ميتران” الذي سيزور الطائف بعيد انتخابه رئيسًا لبلاده عام (1401=1981م)؛ فقال الأمير ماجد: اسمه ميتران ولذلك يناسب أن نضع معه وزيرًا طوله متران؛ أي د.القصيبي فكان مثلما اقترح! ولا بأس من الإشارة إلى أن الملك عبدالعزيز حسبما سمعت أعجبه اسم ماجد عندما رأى ماجد بن عبداللطيف المنديل يحمل هذا الاسم الجميل الذي لم ينتشر في نجد؛ فقرر أن يسمي أحد أولاده به، وقابله الباشا عبداللطيف المنديل بتسمية أحد أنجاله باسم سعود.

فإذا جئنا إلى الأمراء الأحفاد نجد الأمير فيصل بن تركي الأول الذي نال بسبب يتمه المبكر حنانًا إضافيًا من جدّه الملك المؤسس، وهو أكبر الأحفاد سنًا وثانيهم في التوزير، وكان عملاقًا من أطول أفراد الأسرة الحاكمة إن لم يكن الأطول على الإطلاق، ومن عناية جده به أن أرسله إلى البصرة عند آل المنديل في إحدى الإجازات كي يؤنسه ويرى العالم، وأسند إليه إمارة الخفجي، وهي منطقة حدودية نفطية مهمة، وفيما بعد غدا وزيرًا لوزارتين.

ومنهم الأمير عبدالله الفيصل الأثير عند جده حتى لقبه بربع الدنيا، وجعله نائبًا لأبيه الفيصل في الحجاز، وتولى عبدالله مسؤولية وزارتين ليصبح أول وزير من الأحفاد، وعرف عنه الشغف بالشعر والسجاد والبخور الذي قلّ أن ينافسه فيه أحد. كذلك من الأحفاد الأمير محمد بن سعود، وفرق السنوات بين نهاية وزارته وبداية إمارته للباحة يصل إلى ربع قرن، ورابع الأحفاد هو الأمير الشاعر والرسام خالد الفيصل أمير عسير ثمّ مكة، وهو أطولهم مدة في الإمارة، وبعدها اختير وزيرًا للتربية والتعليم ثمّ عاد إلى إمارة مكة؛ وعليه فهو الوحيد من أمراء الأسرة الحاكمة الذي فصل بين إمارتين بوزارة.

وآخر الأحفاد هو الأمير عبدالله بن بندر الذي كان قبل تعيينه وزيرًا للحرس الوطني نائبًا لأمير مكة، وهو أصغر الأحفاد سنًا، ولم يعاصر جده المؤسس، ومن الموافقات أن الأميرين عبدالله الفيصل، وعبدالله بن بندر، عملا نائبين لأميرين هما على التوالي الملك فيصل ونجله خالد، ثمّ صار الأميران والنائبان أعضاء في المجلس بتزامن مثلما حدث مع الأول في أول مثال لاجتماع أب وابن في العضوية المجلسية، وبدون تزامن كما حصل مع الثاني.

أما الأماكن التي صاروا أمراء عليها فعددها ثلاثة عشر مكانًا، ونلاحظ تكرار مكة سبع مرات، ثمّ الرياض أربع مرات، فمرتين للمدينة، وعقب ذلك تحضر مرة واحدة كل من حائل، والخفجي، وتبوك، وعسير، ونجران، وجازان، والجوف، والخبر، والقريات، والباحة، ومن الموافقات أن مجلس الوزراء قد انعقد في بعض هذه المدن إضافة إلى مدن أخرى سبق لي الحديث عنها.

وتختلف مدد إمارة الوزراء طولًا وقصرًا، وينفرد الأميران مقرن وخالد الفيصل بتوليهما إمارة منطقتين قبل العضوية المجلسية، ويتميز الفيصل بأن وزارته فصلت بين إمارته على مكة في مرحلتين من الزمن، وهذه المزايا لا تشمل الأميرين عبدالعزيز وخالد السديري؛ إذ أسندت إليهما إمارة ست مناطق، فأصبح عبدالعزيز أميرًا على الجوف ثمّ القريات قبل الوزارة، وتولى خالد إمارة تبوك وجازان والخبر ونجران قبل الوزارة وبعدها.

وفيما يخصّ وزارات أمراء المناطق تبرز لنا ثلاثة عشر حقيبة وزارية، تأتي على رأسها وزارة الداخلية خمس مرات، وتليها وزارة الدفاع بأربع مرات، ثمّ وزارة الزراعة ثلاث مرات ثنتان منها لآل السديري، والبلديات مرتين، وبعد ذلك مرة واحدة لوزارات الخارجية، والمالية، والصحة، والعمل والشؤون الاجتماعية، والأشغال العامة والإسكان، والمواصلات، والتربية والتعليم، والحرس الوطني، ووزارة الدولة.

أخيرًا فمما ينبغي توضيحه هنا أن الملكين سعود وفيصل كانا نائبين لوالدهما الملك عبدالعزيز على نجد والحجاز دون تسمية منطقة بعينها، وغالب عملهم في الرياض وجدة ومكة، وأن الظهور لافت في باب الإمارة لمنطقتي الرياض ومكة، ومن الطبيعي أن يخلّد التاريخ أسماء أمراء العاصمتين على وجه الخصوص، وهو كذلك ظهور واضح في باب الوزارة لوزارتي الدفاع والداخلية، وهذا يشير بجلاء إلى الأهمية البالغة لهذه الأماكن والمناصب، وفي كلّ خير ونفع، وأسأل المولى القدير أن يتقبل من العاملين كافة، ويرحم من سلف، ويبارك في الخلف، ويحفظ الديار وأهلها ورموزها ومصالحها، ويجعلنا دومًا من الذاكرين حقًا تعبدًا ورقًا، ومن الشاكرين صدقًا قولًا وعملًا واعتقادًا.