عرض كتاب قراءة وكتابة

درب الكتابة

Print Friendly, PDF & Email

درب الكتابة

وصلني كتاب مختلف ومفيد، عنوانه: درب الكتابة، تأليف رائد بن خليل العيد، صدرت طبعته الأولى عن دار مدارك عام (2020م)، ويقع في (280) صفحة مكونة من خارطة الدرب، ومواساة فأما قبل، ثمّ تعريفات الكتابة يعقبها لوحة الإرشادات، فثلاث محطات تتلوها تلويحة وداع على رأسها كلمة بعنوان: وبعد، وأخيرًا نتوقف عند مكتبة الكتابة، وهي قائمة بمئات الكتب عن هذه الحرفة الآسرة.

كتب المؤلف تحت خارطة الطريق -فهرس الكتاب- تحذيرًا للقارئ العابر فحواه أن هذا الطريق ملغم بالأفكار! وبدأ بإهداء عام، وربما يكون خاصًا مرمزًا ببيت من الشعر الذي يقول:

كل الدروب أمامنا مسدودة *** وخلاصنا في الرسم بالكلمات

وواسى أيّ كاتب بأنه سيكتشف يومًا ما بأن كلّ شيء قد تم ابتكاره فيما مضى، وسبق قوله من قبل الآخرين، وإنما يكمن العزاء في اشتراك الكتّاب صغارهم مع كبارهم في القلق والمعاناة، حتى يصلوا إلى مرحلة الإحساس بالدفء المعين على الحياة، وكفى بها مغنمًا لدى أرباب الحرف وسادات الأقلام.

أما قبل البدء فنقل الكاتب عن الإمام السيوطي تفسيره لقول الله تعالى: “الذي علم بالقلم” بأن فيه إشارة لفضيلة الكتابة، وسرد عقب ذلك خمسة وأربعين تعريفًا للكتابة منسوبة لخمسة وثلاثين كاتبًا وشاعرًا من الشرق والغرب، فهي شُرفة تمنح صاحبها شعورًا بحبّ الحياة، وتعبّر عن الرغبة بالحياة لأنّها مفتاح الحرية إحدى القيم المركزية للعيش السعيد، كما أنها وعي اللحظة الأسمى، ورحلة إلى أشدّ كهوف الوعي عتمة، وطريقة لمحاربة التعاسة، ومقاومة الشر، وعلاج لأزمات الروح.

ثمّ سطّر المؤلف المجتهد على لوحة الإرشادات تعليماته لقرائه قبل الدخول إلى ساحة إبداعه؛ ليكونوا على بصيرة وبيّنة من الأمر، فالكتابة ستظلّ سؤالًا معلّقًا، وأسيرة للبحث الدائم طبقًا لما يرى الطاهر أمين، وهي من أكثر نشاطات الإنسان غموضًا كما يقول ماركيز، وما أصعب الإجابة عن أسئلة من جنس لماذا نكتب؟ وكيف نكتب؟ وما جدوى الكتابة؟ فالكتابة سرٌّ كامل بحسب وجهة نظر أنطونيو تابوكي، وعليه فأفضل طريقة لتعلم الكتابة هي الكتابة نفسها كما قال أرسكين كالدويل في كلمة حظيت بتعليق من حسن مدن خلاصته أن أصعب ما في الكتابة هو أن نكتب عن الكتابة نفسها، وفي حين جعل عبدالله البريدي للكتابة ستّة أسباب، جزم ماريو فارغاس يوسا بأن الدافع للكتابة يأتي في النهاية من الداخل.

وأوضح الكاتب العيد أنه لن يتحدث في كتابه عن الكتابة وأدواتها ومراحلها كما صنع غيره، وإنما سيطوف بحديثه حول محيط الكتابة، ويجول عند بيئة الكاتب، حتى يضيء درب الكتابة الذي يسير فيه الكاتب مهما كان حقله المعرفي، وأيًا كان مجال كتابته، وبالتالي فكتابه عن ضواحي الكتابة وما يمكن تعليمه منها، خاصّة أن الكتابة هي الحرفة الأكثر انعزالًا في العالم، ولا أحد يستطيع مساعدتك على الكتابة سوى نفسك واجتهادك حتى لو كنت ذا موهبة؛ فالموهبة تستلزم الرعاية والتطوير.

كما قسّم المؤلف درب الكتابة إلى محطات عدّة؛ كي يسهل المرور عليها، فأولها اسمها الضروريات؛ ولأنها كذلك فهي أطول المحطات وعدد صفحاتها (110) صفحات، وخطواتها تمثّل رأس مال الكاتب التي تميزه عن غيره، واسم ثاني المحطات المعالجات، وتتحدث عن العمليات المستمرة مع الكتابة والتحرير وإعادة الكتابة وتستغرق (58) صفحة من الكتاب، ثم تسلمنا إلى المحطة الثالثة وهي الغايات، وفيها بعض خطوات ما وراء الكتابة للوصول إلى القراء، والنشر الأنسب، والتعامل الأفضل مع النقد، واستهلكت من الكتاب (66) صفحة.

أيضًا أجاب المؤلف عن أسئلة سيطرحها القارئ من جنس لماذا أسمى كتابه درب الكتابة وليس دروبها أسوة بكتابه السابق دروب القراءة؟ ولماذا سرد النقولات الكثيرة اللافتة، وتحدّث على أفواه الآخرين، ودمج هذه المرويات في نصٍّ واحد ولم يجعلها على هيئة إرشادات؟ وما الحكمة من إيراد آراء متعارضة في المسألة الواحدة؟ وبعد أن أخبر الأستاذ العيد القارئ عن فلسفته في هذا التأليف، أبان له أن الغاية العظمى هي أن يستبين للقارئ الكاتب المنهج الكامن وراء هذا السحر المسمّى الكتابة! كي يستيقن في النهاية بأنها أسلوب حياة وطموح عمر، ويعلم القارئ أن المرء إذا وجد ما يمنعه عن الكتابة ويحول بينهما، فهو ليس بكاتب نزولًا على حكم وليام سارويان.

وفي نهاية الكتاب سرد الرائد الذي لا يكذب أهله قائمة بمكتبة الكتابة تضم عناوين شهيّة، وصنفها باجتهاده على ستّة أصناف، أولها كتب فنّ الكتابة وعددها ثمانية وثلاثون كتابًا، ثمّ سبعة وثلاثون كتابًا عن فنّ الرواية والقصة، فكتب مقالات الكتابة وتعدادها سبعة وعشرون كتابًا، تليها كتب حوارات الكتابة التي بلغت خمسة وعشرين كتابًا، والقسم الخامس سير كتابية فيها خمسة وعشرون عنوانًا، وجمال هذه السيّر أنها تجمع القصة والحرفة الفنية معًا، وأخيرًا أربعة عشر كتابًا عن التأليف والنشر في القسم السادس، ومالم يقله المؤلف أنه فيما بدا لي نبش هذه الكتب نبشًا، حتى استخرج منها مادة الكتاب الضخمة والثرية.

ختامًا لن أسرد فوائد هذا الكتاب الغزيرة والمضيئة الآن، وربما أفعل ذلك بعد حين، لكني أتمنى على الكاتب الخبير والشادي، وعلى أيّ سائر في هذا المضمار البهيج أن يبحث عن درب الكتابة، ويصيّره قريبًا من متناول يده، ونظر عينيه، فيقرأ منه ويتفكر فيه ويكرر التأمل وتقليب أوجه النظر، لأن من طرق الباب فسيُفتح له ولو بعد حين، ومن سار على الدرب اللاحب وصل، علمًا أني أقول رأيي هذا مؤمنًا به، وليس استجابة لأكثر من عاطفة تشدني إلى الكتاب، وأجلّها توافق تاريخ كتابة مقدمته، مع تاريخ ميلاد والدي أسبغ الله عليه رحمته وعفوه ورضوانه.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الخميس 20 من شهرِ رجب عام 1442

04 من شهر مارس عام 2021م

 

Please follow and like us:

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)