الأمة الشابة أمة نشيطة، وثابة، متجددة. الأمة الشابة أمة منجبة متكاثرة مهابة الجانب. لذلك تفتخر الدول بتزايد عدد الشبان والشابات فيها، وتزهو بكثرتهم، وتتباهى بتميزهم ومنجزاتهم. وإذا استعرضنا تاريخ الإسلام فلن تخطئ العين توافر الشباب في مكة والمدينة مع بداية الدعوة المحمدية، وعلى رأس الجيوش والولايات، وفي مقدمة العلماء والعبّاد، بل أوحى الله -جل جلاله- إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على رأس الأربعين، لديه قوة الشباب وحيويتهم، وحكمة ذوي التجارب وخبراتهم.
وكان من الطبيعي جدًا أن يسند الملك المؤسس عبدالعزيز إدارة أجزاء من دولته الحديثة لعدد من الشباب حوله، سواء من أبناء الأسرة الملكية، أو من غيرهم، ويتجنب قصرها على ذوي الأسنان والسابقة. كيف لا يفعل الملك الكبير ذلك وهو الذي استرد ملك الآباء ومجد الأجداد دون أن يغادر عمر الشباب ومرحلته، لذلك لم تقف الحواجز الوهمية سدًا حاجبًا أمام تمكين الشباب، وتأهيلهم، وتصديرهم، والدفع بهم إلى المواجهة؛ فالمستقبل لهم، وشباب أمس هم رجال اليوم وكهوله، وشباب اليوم سيغدو كل واحد فيهم من الأكابر والقيادات في زمن قادم. إن التوارث الرشيد، والتعاقب الحميد، لمن ركائز المجتمعات العريقة.
منذ تسمية أول وزير سعودي عام (1349=1930م) إلى يومنا الحاضر، نلاحظ أن الشباب دون عمر الأربعين لهم نصيب من الوزارات، ومن العضوية المجلسية عقب تكوين أول مجلس للوزراء عام (1373=1953م)، فأول وزير شاب هو الأمير فيصل وزير الخارجية عام (1349)، وعمره حينها خمسة وعشرون عامًا، وأول وزير شاب يسمى عضوًا في مجلس الوزراء الأول هو الأمير عبدالله الفيصل وزير الداخلية والصحة عام (1373)، وقد مضى من عمره وقتها اثنتان وثلاثون سنة.
أما إجمالي عدد الشباب الذين عينوا وزراء وأعمارهم لا تتجاوز ساعة التعيين أربعين عامًا فقد بلغ ثمانية وأربعين وزيرًا، نسبتهم من العدد الكلي للوزراء حتى الآن الربع بالضبط، والربع متوازن جدًا، به يحملون الخبرة والمعرفة من سلفهم وممن سبقهم، حتى يرثها عنهم من لحقهم أو أتى بعدهم. من هذا العدد الشبابي ثلاثة وعشرون شابًا ينتمون للأسرة الملكية العريقة، يمثلون أقل من النصف، وعمر أصغر الوزراء الشباب سنًا عند التوزير اثنان وعشرون عامًا وهو الأمير طلال، ومن غير الأمراء الشيخ حسن آل الشيخ الذي استوزر قبل بلوغه الثلاثين بعام واحد.
أربعون سنة هو أكثر رقم يعبر عن العمر تكرر في هذ القائمة؛ إذ سمي تسعة أعضاء للوزارة وأعمارهم أربعون عامًا، ثم يليه في التكرار عمر السابعة والثلاثين حيث اختير للوزارة خمسة أعضاء وهم في هذا العمر. قضى هؤلاء الوزراء في عملهم العالي مددًا مختلفة، ووصل مجموع المدة الإجمالية لعضوية الوزراء الشباب حتى الآن إلى ستمئة وسبعة وعشرين عامًا بحساب عدد سنوات عضوية كل واحد منهم، حتى لو تصاحب مع ذلك مغادرة الوزير وصف الشباب إلى ما بعده وهو باق في منصبه الوزاري، مثل الأمير سلطان الذي أصبح وزيرًا للزراعة وعمره أربعة وعشرون عامًا، واستمرت عضويته لسبع وخمسين سنة متوالية مع انقطاع يسير.
من فرائد هذا الإحصاء أن عضوية الأمير منصور -أول وزير للدفاع- الوزارية انتهت بوفاته شابًا بعد سبع سنوات من تعيينه، وأن الأمير طلال، والوزير أحمد جمجوم، قد أصبحا عضوين في المجلس الموقر مرتين بينهما زمن انقطاع، وهما في المرتين لا يزالان في سن الشباب. كذلك ابتدأت العضوية المجلسية لبعض المحصورين ضمن هذه القائمة، وانتهت، وهم لما يبرحوا مرحلة الشباب بعد، مثل الأمير عبدالعزيز بن فهد، والدكتور عادل الطريفي، وغيرهما.
كما حمل هؤلاء الوزراء الشباب ستين منصبًا وزاريًا خلال سني شبابهم فقط، وتنحصر هذه المناصب في اثنين وعشرين مسمى، يأتى على رأسها وزارة الدولة باثنتي عشرة مرة، فوزارة الدفاع والداخلية سبع مرات وست مرات على التوالي، وتظهر في القائمة وزارات الزراعة والمواصلات والمعارف والعمل والصحة وغيرها. ومما يلاحظ أن مجلس الوزراء المكون عام (1381=1962م) ضمّ ثمانية وزراء شباب دفعة واحدة، ويجتمع في المجلس الحالي تسعة وزراء ممن عينوا وهم في سن الشباب خلال سنوات مختلفة، منهم د.مساعد العيبان أطول الوزراء الشباب في سنوات العضوية حتى الآن؛ إذ سمي وزيرًا عام (1416=1995م).
من أجلّ ما يشار إليه في هذا الباب، أن سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، هو أشبُّ من أسند إليه منصب النائب الثاني لرئيس المجلس، وأيضًا منصب النائب الأول للرئيس فيما بعد، ثمّ غدا أول رئيس شاب لمجلس الوزراء السعودي في تاريخه عام (1444)، واستتبع ذلك أنه أول رئيس للمجلس يحمل شهادة في القانون، ويجيد اللغة الإنجليزية، وأول رئيس استهل دخوله لعضوية المجلس عبر بوابة وزير الدولة، وهو منصب مميز جدًا، ولا يناله إلّا من يقوى عليه.
كما يستبين من قائمة الوزراء الشباب أن ربعهم درسوا في تخصصات شرعية أو قانونية، وفيهم مهندسون وأطباء، أو تخرجوا في كليات السياسة والإدارة، إضافة لتخصصات أخرى. نجد كذلك أن متوسط عمر الوزراء الشباب عند التعيين هو أربعة وثلاثون عامًا. شملت هذه القائمة الوزارية من غير الأمراء أسماء شهيرة مثل الوزراء -مع حفظ الألقاب-: أحمد زكي يماني، وناصر المنقور، وجميل الحجيلان، وصالح الحصين، وهشام ناظر، ومحمد أبا الخيل، وغازي القصيبي، ومحمد الملحم، وسليمان السليم، وغيرهم.
الغاية من هذا الحصر، الإلماع إلى أن الفرص مواتية لأجيال من الشباب المتعلم المتمكن للمشاركة في أعلى المناصب، والحث على العناية التعليمية والتربوية والتأهيلية بهذه القوة التي منحها المولى لمجتمعاتنا؛ كي تغدو من النافعين ذوي الإسهام المبارك في القرار أو التنفيذ أو التقييم، وحتى ينجو رصيدنا البشري من أغلال التفاهة، وقيود الترف، وحمأة الانكباب على الاستهلاك فقط.
من الأهداف المرادة كذلك التنبيه إلى أهمية رسم المسار الوظيفي، والاحتشاد له، وإتعاب الذهن والجسد في هذا الحقل، من قبل الشباب أنفسهم، أو ممن يصنعهم على عينه؛ ليصير الواحد من هذه النخبة ذا أهلية وجدارة تدفع به إلى مقام حسن، وموضع مؤثر، وسيرة محمودة. على أن المرء الصادق، والمواطن الصالح، والعضو الفاعل، ينبغي له الإفادة والإجادة والتأثير الحسن أيًا كان موضعه ومكانه، وسواء جاءت إليه الأضواء الباهرة تسعى، أم تزاورت عنه ذات اليمين والشمال. إن الخيرة خفية، والدنيا كلها دار مؤقتة للعمل وشيء من الحساب، بينما الخلود الأبدي، مع الحساب الكامل، لا يجتمعان إلّا في الآخرة فقط، نسأل الله السلامة والنجاة.
إن الاستعانة بالشباب علامة على بقاء الحيوية، ورسوخ الثقة، وتجذر العراقة، وحسن التأهيل والإعداد، والقدرة على ضمان التعاقب السلس، والإسناد المتدرج، والانتقال الآمن من حقبة لأخرى. رحم الله أشياخنا الراحلين ممن بنوا هذا الكيان وأسسوه وثبتوا دعائمه، وحفظ لنا الباقين وأمتع بهم وأعانهم، والدعاء مبذول للكهول والشباب الذين اكتسبوا خبرة ودراية تجعلهم في مصاف الكبار تجربة وبصيرة، مع احتفاظهم بانطلاقة الشباب، وطموحهم وعزمهم وإقبالهم.
الرياض
الثلاثاء الثاني من شهر صفر عام 1446
06 من شهر أغسطس عام 2024م
نشر هذا المقال في موقع مركز بحوث ودراسات الشباب “مرشاد”
2 Comments
مقال بديع والتفاته مهمه تشحذ الهمّم نحو مستقبلاً يحقق الرؤية ..تمد العزيمة بالنور وتذلل الصعاب وتأخذ بيد الشباب نحو العلا ومكارم المجد، لأول مره أعرف تفاوت الأعمار بهذا المجلس الموقر وقد كان سابقاً اعتقادي مقصوراً على أن المجلس محصوراً لأعمار محددة.. مقال يدعو للفخر وليس مستغرباً عليك كاتبنا العزيز بحثك وتقصيك عن كل ما يدعو للفخر من رموزنا ومآثرنا.. دام ودك وقلمك ومحبتك..
شكرا لكم