سير وأعلام عرض كتاب

سير ذاتية بين الهندسة والمال!

سير ذاتية بين الهندسة والمال!

دعاني صديق عزيز للمشاركة في لقاء يجمعه مع بعض صحبه، وأقترح عليّ أن يكون الحديث عن شيء مما قرأته في السير الذاتية، فوافقت إكرامًا له ولصحبه الذين عرفت حين اللقاء بهم يوم الخميس الماضي أنهم مجموعة من المهندسين والمحاسبين، الذين يلتقون أسبوعيًا منذ عام (1401)، ولهم رحلات سياحة وثقافة وتعارف داخل المملكة وخارجها. ويظهر على اللقاء تماسك أهله، وشيوع الألفة بينهم، والبُعد عمّا قد يثير الإشكال، ولأجل هذا أصبح اللقاء المبارك مستمرًا، ولدى جميع أعضائه بفضل الله من حيوية الشباب ما يجعل المرء لا يصدق أنه في وسط من المتقاعدين، والله يحفظهم، ويديم لهم اللقاء وبركاته المتناسلة.

قلت لهم بعد السلام والتحية والتعارف: لكل أحد قصة؛ لكن الاختلاف في كيفية روايتها، وزمن البوح بها، والقدرة على نقل المشهد بمشاعره وأحاسيسه ساعة حدوثه، وليس بما وقع في النفس بعد سنوات من الخبرة والحكمة. وبعيدًا عن الغوص في الفروق بين اليوميات والمذكرات والذكريات والسير؛ فالذي يجمعها المتعة، والرواية الموثقة أو المحفوظة، ويعين قسم منها على تفسير بعض أجزاء التاريخ، وفهم شيء من الأحداث. وفيها علم، وتجربة، وحكايات، وذكر ولسان صدق، وربما تجلب لصاحبها الدعاء بالرحمة من القراء، وهو أشد ما يكون حاجة له، ويكفي لبيان أهميتها الإشارة إلى ما في القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية، وقصص السابقين.

فمما قرأته في السير أن الفريق عبدالرحمن المرشد حصل على أوسمة عديدة؛ لكن أسناها قيمة لديه طاحونة أمه، وزبيله الذي ينقل فيه اللحم والخضروات بين المزارع والسوق، وما أعظم العمل، والكفاح في الحياة ابتغاء الرزق واحتسابًا للأجر، وكم في تحمل المسؤولية باكرًا من نضوج وإعداد. ونقلت لهم عن الأديب عبدالله الماضي ثناءه على أثر المجالس في تنشئة الصغار، وزيادة معارفهم وعلومهم، وتفتيح أذهانهم، والتسريع بتهيئتهم ورفع وعيهم، وله في هذا تجربة بملازمة مجالس أخيه لأمه محمد بن عبدالله العبدالكريم، وهو مجلس عامر بالأحاديث، متنوع في الحضور والسمّار، حتى صار المجلس بما ومن فيه بابًا جديدًا لعالم كبير يختلف عن عالم الطفولة والشباب.

ومن نوادر الأخبار ما وقعت عليه في سيرة الشيخ حمدان البلوي، وهو من قدماء العاملين في اللاسلكي، ومنها أن حرس الحدود قبضوا على تاجر نوى تهريب بضاعة من القماش؛ فأبرق التاجر للملك عبدالعزيز معترضًا مدعيًا حسن نيته في التوجه للجمرك، فجاء الجواب الملكي القصير: “أنت مثل الصاحب المزاح إما شيف وإما راح”! وأبرق مسؤول عن المالية والوقود للملك عبدالعزيز؛ كي يستأذنه في إجابة طلبات للأمير عبدالعزيز بن مساعد أمير حائل حينها؛ فكتب الملك له: “عبدالعزيز هو عبدالعزيز”! وهذه الطريقة من التوقيعات الملكية المختصرة المعروفة التي ربما لم ترد بنصها في مصدر آخر، علمًا أن الملك المؤسس كان سباقًا لاستعمال البرقية حتى هابه أهل الصحراء وقالوا: ابن سعود معه في السماء برقية، وعنده في الأرض مرية!

كما رويت لهم ما ذكره د.علي الخضيري في سيرته عن وقف عمته خديجة، التي أوصت بصرف ثلث مالها خيريًا، وبعد وفاتها لم يوجد لها تركة فكيف يكون لها ثلث؟ لكن ظهر لها إرث بعد ستين عامًا فكان منه ما أرادت لعمل الخير، وإن النية الصالحة لتستجلب التوفيق. ومن أعظم الأعمال التي شارك فيها الخضيري أنه بعد استماعه لإذاعة القرآن المصرية اقترح إنشاء إذاعة سعودية للقرآن الكريم، فوافق الأستاذ خالد غوث مدير الإذاعة، وبادر بعرض المقترح على الوزير الثاني للإعلام الشيخ إبراهيم العنقري الذي ازداد حماسة للفكرة؛ حتى حصل على موافقة الملك فيصل وتأييده، وبدأ إرسال الإذاعة في غرة صفر عام (1392) بساعتين فقط إلى أن أصبح الآن طوال اليوم والليلة، وما أسعد هذه السلسلة الرباعية بالأجور، ويشاركهم في الحبور جميع من يعمل على نشر الخير، وتسهيل بلوغ رسالة الحق والهدى للعالمين.

ومن طريف القسم الثاني لسيرة الوزير وأمين الجامعة العربية عمرو موسى ما رواه عن موريتانيا التي شاركت في عضوية الجامعة خلال عشر سنوات بعشرة وزراء خارجية لدرجة ممازحة أيّ وزير موريتاني يحضر الاجتماع بسؤاله: حتى متى ستبقى معنا؟ ومن وزراء خارجيتها وزير اسمه شيخ العافية الذي صار رئيسًا للوزراء بعد عودته من زيارة “إسرائيل” مباشرة! وكانت موريتانيا الدولة الوحيدة التي زار وزير خارجيتها “إسرائيل” بعد ثلاثة أيام من صدور قرار الجامعة العربية بقطع أيّ اتصال مع الدولة المحتلة، وهو القرار الذي شارك في التصويت عليه وفي نقضه عمليًا الوزير الزائر!

أما المترجم ونائب رئيس المراسم الملكية منصور الخريجي فروى في سيرته أنه أوصى زميله المصري بأن يرسل له درجاته في امتحانات السنة الأولى من الجامعة؛ لأن منصور سيسافر من مصر للشام ثمّ إلى المدينة دون انتظار ظهور النتيجة. وحين وصل الخريجي للمدينة وجد رسالة من زميله؛ ففتحها بلهفة، لكنه صعق من مضمونها الذي يخبر عن رسوبه بجميع المقررات، مع نصيحة له من قبل زميله المرسل بالصبر وتغيير التخصص؛ لأنه لم يُخلق لدراسة اللغة الإنجليزية! وعندما بدأت الدراسة في السنة الثانية، وعاد منصور للقاهرة، تفاجأ بأنه ناجح في المواد جميعها، وحين استوضح من زميله أخبره أنه سافر دون أن يتابع النتيجة، وكتب رسالته بناء على أغلبية الظنّ لديه حسب تقييمه لمستوى الخريجي الدراسي!

ويحسب للخبيرة الدولية الأستاذة نعيمة الشايجي أنها حين كلفت بمرافقة نوال السعداوي إبان زيارة الأخيرة للكويت، طلبت نعيمة من السعداوي إقصاء آرائها الجانحة، وتجنب الخوض في مسائل شائكة أو شاطحة تعبر عن وجهة نظرها هي، ولا تناسب المجتمع الكويتي، وليست لائقة نحو البلد المضيف وعراقة مجتمعه، وهذه حكمة وروية عرفت عن نعيمة ويشهد لها بهما، ولو استصحب هذه الحصافة كل من فتح له الباب لاستضافة غرباء عن البلاد وثقافتها؛ لوقيت المجتمعات العريقة من شرور كثيرة.

ومن لطيف ما أورده اللواء عبدالرحمن الصقير انبهاره بالطائف وأجوائها المستطابة، ورفض جميع الطلاب الانضمام إلى الفرقة الموسيقية ودراسة فنونها، بل تجاوزوا الرفض إلى كسر الآلات وشق الطبول، وبعد التحقيق معهم أصروا على مطلبهم، فاطلع وزير الدفاع الأمير مشعل والده الملك عبدالعزيز على الأمر، وببصيرة رجل الدولة قرر الملك المؤسس تلبية مرادهم، وإلحاقهم بالمدرسة العسكرية في الطائف؛ فكانوا من أوائل الخريجين والعاملين ضمن ضباط الجيش السعودي.

وبما أننا في سياق رسمي؛ فمن المناسب الإشارة إلى ما ذكره الوزير د.غازي القصيبي أنه عندما ألقى كلمة أهالي الشرقية أمام الملك فيصل، تفاعل الفيصل معها بالتصفيق الشديد خلافًا لعادته، وعلل الأمير سلطان ذلك بخلو الكلمة من الثناء والمبالغات والتعابير الجوفاء. وفي السياق الرسمي ذاته أوردت لهم قصة الوزير د.محمد عبده يماني مع إعلان قرارات مجلس الوزراء دون سابق عهد بذلك، وأشرت لملابسات إعفائه كما سطرها في سيرته التي لم تكتمل بسبب وفاته المفاجئة. ورويت لجلاسي الكرام عن الوزير أ.د.مدني علاقي تجربته في منصب وزير الدولة، وأعمال الوزير المكلّف، ومهام الوزير المرافق التي أتقنها من تلقاء نفسه وبالتطبيق العملي المباشر.

كما ساق رئيس وزراء الأردن مضر بدران قصة اختياره الدراسة في سورية دون مصر؛ حتى لا يفقد عامًا دراسيًا؛ لإصرار مصر على دراسة الأردني سنة قبل التحاقه بالجامعة. وحين ذهب لدمشق قُبل في كلية الطب بوساطة رئيس وزراء سوريا حسن الحكيم بناء على الصداقة مع والد مضر، ومن الغد استقال الحكيم فتلاشى مفعول وساطته، ليجد الشاب مضر نفسه مضطرةً لتغيير الكلية، واختار دراسة القانون بناء على نصيحة موظف سوري تنبأ له بأنه سيصبح وزيرًا وإن كان يلثغ بحرف الراء، ففي كلية الحقوق أستاذ كبير يلثغ بستة حروف! ومن شهادات مضر نقله أن رئيس سورية حافظ الأسد شديد الحذر في التعامل مع الأمريكان؛ لأنه عندما يتحدث مع أمريكي يتصور يهوديًا داخل عقله!

والحمدلله على نعمة الأمن والاستقرار، إذ تروي سيرة الأديب ومؤرخ الصحافة محمد القشعمي حكايات مرعبة، منها قصة رجل كاد أن يأكله “الحنشل” في الصحراء بعد أن سلبوه ما معه من متاع ومال حتى ملابسه التي تستر جسده، ومن لؤمهم سؤالهم إياه وهو عارٍ من أيّ لباس يستره عن مقارنة طعم لحمه بطعم لحم الحمار الذي أكلوه بالأمس! فلم يكتف القوم الخبثاء السراقون بأسره، وسرقته، وتعريته، والشروع في إعداده للطبخ، بل صيروه مقارنًا بالحمار، والحمدلله أن أنجاه منهم بأعجوبة.

ومن أجمل ما قاله السياسي مصطفى الفقي أن سفير مصر في السعودية استغرق بالعمرة وشعائرها؛ ونسي الرئيس حسني مبارك ومرافقيه دون أن يكون معهم في الحرم المكي كالمعتاد، فقال مبارك بعد أن فقده: لم لا يعتمر السفير أيّ يوم آخر مادام يقيم في السعودية؟! فأجابه مرافقوه بأن السفير يسكن في الرياض وليس في جدة. وتكرر موقف مماثل حين تأخر السفير نفسه على موعد مع رئيس الجمهورية؛ لأنه سمع آذان الظهر، فرأى أن منادي الله أولى بالإجابة من المسارعة إلى لقاء الرئيس، فأنقذه الله بتدبيره الرباني من المؤاخذة، وأجرى الأمور وكأنه لم يتأخر لحظة عن الموعد الرئاسي.

ولعالم اللغة د.علي القاسمي كتابان فيهما طرائف كثيرة ماتعة تخص وجوه الناس وغيرهم، وبعضها قد تخرج القارئ عن وقاره من طرافتها، وما أحسن الكتابين لمرافقة الإنسان في السفر أو حينما يقع المرء في حال يتكاثر معها كدّ الذهن وانشغال الخاطر، وفي الكتابين قصص بديعة في السرد والمحتوى عن بلدان عربية كثيرة، وعن علماء وزعماء ووزراء ورجال ونساء، وفيها إحراجات وقعت للمؤلف عندما سأل عن تقييم لوطنية زعماء عراقيين، ثمّ عرف أن المسؤول نسيب أو قريب للزعيم المسؤول عنه. ولبلديه الدبلوماسي العريق نجدة صفوة كتاب عن حكايات دبلوماسية عاصرها بنفسه، وهي مضحكة ومحرجة وغريبة، وفيها قصة لدبلوماسي فرنسي وقع في غرام فتاة صينية، وأنجب منها طفلًا، وخان بلاده لأجلها؛ ثمّ استبان أخيرًا بأن المفتتن به رجل لا امرأه، وفضح الفرنسي رجال قومه مرتين!

كذلك للسفير د.محمود سمير كتابان فيهما شيء وفير من أدب الرحلة، وأدب العمل الدبلوماسي، وأدب السيرة الذاتية، ومما جاء فيهما وصف القوى المؤثرة في السياسة الأمريكية، والمقارنة بين إسبانيا وتركيا وعلاقتهما بالعرب، وفيهما بيان واضح لأثر إسرائيل في تغيير رأي الحكومات الغربية؛ حتى أن حكومة أستراليا أرادت مطالبة مصر بمستحقات مالية مقابل استيراد القمح، وأغلقت الباب عن أيّ مفاوضات بلسان أحد وزرائها؛ فقال السفير المصري للوزير الأسترالي: نحن نعاني من المقاطعة العربية بسبب إبرام العلاقة مع إسرائيل! ويالها من كلمة ساحرة قلبت موقف الوزير، الذي وقّع بعد موافقة حكومته صفقة استثنائية مع مصر وبتسهيلات وإعفاءات لأجل عيني “إسرائيل”!

وفي سرد الشيخ حماد البلوي وقائع ذات عبر، إذ وصل الفتى حمّاد إلى أحد المواقع ومعه رئيسه الإنجليزي، فوجدا الموظفين يصلّون خلف مديرهم الذي لم ينتظر بل قطع الصّلاة للتّرحيب بالإنجليزي وفتْح باب السّيارة له! وعندها أصدر الإنجليزي قرارًا بفصل مدير الموقع؛ بحجّة أنّ من لا يُستأمن على صلاته لخالقه فلا يُستأمن على عمل! ولهذا الإنجليزي موقف معاكس مع موظف آخر فعل نقيض صاحبه، وربّما انطلق الإنجليزي في قراره من حرصه على مصلحة العمل اعتمادًا على القياس.

وللإعلامي د.بدر كريم مرويات ملكية بسبب عمله قريبًا من عدة ملوك، منها أن الملك خالد قابله في حفل استقبال زعماء قمة إسلامية؛ فقال له: تعال أنت وربعك للغداء معنا، وبعد الغداء سأله الملك: ماذا ستفعل بعد حصولك على الشهادة الثانوية؟ هل ستواصل دراستك؟ فأجاب بدر: نعم، فقال له الملك: حتى متى ستظل تدرس؟ فقال بدر: سأحصل على البكالوريوس ثمّ الماجستير فالدكتوراة! فأشار الملك للوزراء الحاضرين وقال: تريد أن تصير مثل هؤلاء؟ ثمّ أردف الملك معلّقًا: ابق كما أنت فهو أفضل لك!

أما الطبيب منير شماعة فكتب عن مسؤول ساذج طلب منه شماعة ترشيح شخص كي يتعلم على يديه قيادة السيارة؛ فقال له المسؤول: أنت لست بحاجة لمعلم أو لامتحان قيادة مادام أنك تجاوزت اختبارات الطب! ومنحه رخصة القيادة من فوره! ويرى د.منير أن عددًا من مواليد سنة (1952م) في رفحا شمال السعودية قد حملوا اسمه تيمنًا به، وكم من منير أو منيرة فيهم. وفي هذه المدينة الطرفية الباردة اكتشف الطبيب النصراني الذي كاد أن يلحد بسبب الحيرة والشعور بالتناقض عظمة التعاليم الإسلامية، وتفرد النظرة الإسلامية للموت، وهي فكرة رصينة أعادت للحكيم التوازن والهدوء بعد أن اضطربت نفسيته ومفاهيمه، حتى ظن أحد المؤلفين بأنه قد اعتنق الإسلام في مدينة رفحا، وهو مالم أفهمه من سيرته المليئة بقصص عن الساسة والاختطاف والمرضى.

ومن أحاديث النّساء في سيرة المؤرخ والأستاذ الجامعي د.نقولا زيادة أنّ نساء نابلس كنّ يغطين وجوههنّ عن الرّجال في عشرينيات القرن العشرين، وبعد عشرين عامًا زار أبو رائد هذه البلدة، فدهش من انتشار السّفور والاختلاط! وحين ذهب إلى مدرسة نابلسية بعد موجة التّغيير هذه، دعته المديرة لشرب شاي مع المعلمات اللواتي حضرن اللقاء إلّا واحدة اعتذرت! ومما ذكره في سيرته الضخمة البديعة أن أهالي ترشيحا في فلسطين اعترضوا على اختياره محكمًّا في مسابقة شعريّة لفتيات أكبرهن في الصّف الخامس؛ لأنّه شاب ووسيم، مع أنّ الحجاب لم يضرب عليهن بعدُ لصغرهنّ، وبعد الانقلاب الاجتماعي وهجر العوائد الحميدة، رأى الطّالبات الكبيرات في زيارته تلك وهنّ يرتدين القصير في حصص الرّياضة؛ مع أنّ لباس ما دون الرّكبة للرّجال كان سلوكًا مرفوضًا فيما مضى.

عودًا على ما بدأته؛ فلبعض المؤلفين عدة كتب في السير الذاتية، فمثلًا للدكتور غازي القصيبي حياة في الإدارة، والوزير المرافق، وسيرتان شعريتان، وكتاب قصير عنوانه المواسم وفيه بوح شخصي وأسري. وممن أنتج أكثر من كتاب مختلف غير متتابع د.جلال أمين، وأما السير والمذكرات الواقعة في عدة أجزاء فمنها ذكريات الشيخ الطنطاوي، ووسم د.الخويطر. وبعض السير الذاتية موضع خلاف في تأليفها أو فقدانها مثل سيرة د.علي الوردي، وبعضها لم يكملها صاحبها مثل سيرة الشيخ حمد الجاسر، والقيمة الفكرية لبعضها ظاهرة جدًا مثل سيرة د.عبدالوهاب المسيري، و د.إدوارد سعيد.

ثمّ إن هذا الفن اللذيذ حظي بمن يكتب فيه وعنه، وهم كرام كثر، وتختلف مداخلهم على هذا الحقل التأليفي، سواء بعرض السير، أو نقدها، أو استخراج الفوائد منها، أو تحليل الشخصيات بناء عليها، أو وضعها في معاجم، أو إعادة سبكها مع بعضها بناء على الموضوع، أو جعلها في كتاب بعد اختصارها إلى لبّ اللباب. ولبعض الكتب عناية بمناهج كتابة السير، وطرائقها، ودراسة قسم منها بناء على زمان أو مكان أو اختصاص، وفي كلّ خير، وتبقى المسألة الأهم متركزة في القراءة والاستمتاع بهذه الكتب؛ فهي في النهاية قصص ومرويات لا يتوقع منها الدقة والضبط والصدق التام، وتشبه إلى حدّ كبير أحاديث السمّار، فوق كثبان الصحراء، في ليالٍ أنيسة قمراء.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الاثنين 02 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1444

26 من شهر ديسمبر عام 2022م

Please follow and like us:

One Comment

  1. ليالي الشتاء الطويلة تحتاج لدفء الحكايات والمرويات، واحتضان المشهد بمشاعر وأحاسيس ساعة حدوثه، كل ما دونته عن تلك السير سوف يكون ضمن ما اقرأه بإذن الله، دائمًا ما تكتبه وتنتقي هو محل ثقه بأنه رائع وممتع..
    متعة الوقوع بالسير الذاتية هي ذاتها متعة الوقوع بلذة أحاديث السمّار الذين يهواهم القلب ، فوق كثبان الصحراء، في ليالٍ أنيسة قمراء !
    العِبرة ليس بالوقوع لكن بالاستمتاع، ليس في الابتداء وإنما بالتلذذ لحظتها وإن قصر، هكذا هي الحكايات التي تولدها الذاكرة،
    أنِس جليسك، ودام وصالك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)