سير وأعلام

عراقة الأسرة الملكية السعودية

عراقة الأسرة الملكية السعودية

تنبثق أثناء القراءة موضوعات وأفكار، وإذا وفق الله من يقرأ لها، وكان صاحب إنتاج بالحديث أو الكتابة؛ فسوف تصبح ثمرات هذا المقروء رافده الأعظم، أو أحد الروافد الأساسية له. وتحديثًا بنعمة الله؛ فقد أفدت من القراءة في كتب التاريخ والتراجم والسير وغيرها، ومن تلكم الفوائد موضوعات مهمة وجذابة وغير مطروقة بكثافة مثل “رجل الدولة”، ومعلومات عن “مجلس الوزراء”، وضبط أسماء “خطباء عرفة” إبان العهد السعودي، وخصائص “العراقة المجتمعية والأسرية والمؤسسية”، وأكاد أن أجزم بأن من يبحث عن هذه الموضوعات باللغة العربية؛ فلا مناص له من الوصول لما كتبته عنها غالبًا، ولله الحمد والفضل.

لذلك وجدت فيما يخصّ العراقة معلومات متوافرة عن العراقة الملكية الإنجليزية، وهي عراقة ظاهرة لا تجحد، وإن كان يجري عليها مثل ما يجري على غيرها، من استحالة شمولها لكل فرد وموقف، وحتمية وجود المؤاخذة والخطأ، والكمال عزيز. وقد وددت لو عثرت على شيء مكتوب بما يغني عن العراقة الملكية السعودية، أو أي عراقة ملكية عربية، فمن المسلّم به أن تلكم العراقة الفخمة لست حكرًا على الإنجليز وحدهم. ولأني لم أجد ما يتوافق مع مرادي، عمدت لتدوين بعض الأفكار والمعلومات، عسى أن تكون نواة لمادة أكبر إذا عكف على هذا الباب باحث جاد وفرّغ له.

فمن مظاهر عراقة الأسرة الملكية السعودية التي وقفت عليها:

التاريخ الطويل الممتد:

للأسرة السعودية الحاكمة تاريخ ضاربة جذوره في الزمان والمكان؛ إذ يمتد لستة قرون أو أزيد، ويرتبط بالجزيرة العربية في عدة مواضع، ثمّ جاء تكوين الدولة على يد الإمام المؤسس محمد بن سعود -رحمه الله- سنة (1139=1727م) لتغدو الدولة السعودية إحدى أقدم حكومات الدول المعاصرة نشأة، وللأقدمية هنا استحقاق، وآثار، ومدى عريض من العراقة.

ضبط تاريخ الأسرة:

هذا الضبط شمل عدة أنحاء، مثل حفظ نسب الأسرة، وتاريخ انتقالها إلى الدرعية والرياض، وسير رموزها ومناقبهم، وأحداثها قبل الدولة وبعدها، وتدوين شجرة نسبها منذ القدم، وتوثيق المراسلات الداخلية والخارجية معها، وجمع ما كتب عنها من مؤلفات، والاحتفاظ بالصور الفردية والجماعية بعد تعريف زمانها، ومناسبتها، ومن فيها.

الارتباط العضوي مع الهوية:

ترتبط الأسرة السعودية الحاكمة مع نطاقها المحيط بها برباط قوي يتمثل في وحدة الهوية، والتوافق مع البيئة المكانية، ومماثلة طبيعة المجتمع وتقاليده، وهذا الاتساق يزيد من اللحمة والوئام؛ فالمصير مشترك، والأهداف واحدة. وهذه الهوية بمكوناتها العديدة تبدو دائمًا “بوصفها شاهداً حياً على إرثنا العريق وعلى دورنا الفاعل وموقعنا البارز” مثلما ورد في رؤية المملكة 2030.

الاسترجاع المتكرر:

قلّما نجد دولة عادت للظهور بعد غيابها عن المشهد مرتين، لكن نظرًا لقوة علائق الأسرة الملكية السعودية مع الجزيرة العربية ومجتمعها، فقد تزايد حنين الأرض وساكنها للدولة السعودية عقب نهاية الأولى، حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله -رحمه الله- من استرداد الملك والتأسيس الثاني، ثمّ تاقت البلاد وأهلها للدولة السعودية عقب زوال الثانية، إلى أن استطاع الملك عبدالعزيز-رحمه الله- استرجاع الحكم، والشروع في التأسيس الجديد. وقد ذكر الملك سلمان -حفظه الله- في محاضرة له قديمة، أن المؤرخ الفرنسي “مانجان” المعاصر لسقوط الدولة الأولى، قد تنبأ بعودة الدولة بسبب جذورها العميقة، وأسسها اللصيقة بالهوية، وهذا الرأي القديم يؤيد الدلالة على عراقة بيت الملك السعودي.

الاستمساك بالدين واللغة:

وهذا من ضرورات الهوية ولوازمها، وكثيرًا ما تعلن الحكومة السعودية، وأعضاء البيت الملكي، عن هذا الالتزام عبر الأنظمة، والأعمال، والتصريحات الرسمية والشعبية، والمؤسسات صاحبة الاختصاص، والمشروعات الباهرة، وإن وجود وحدة مرجعية واحدة للحاكم والمحكوم لمن فضل الله ومننه على العباد والبلاد، خاصة أن هذا التمسك ليس ضيقًا، وبالتالي يسع جميع المكونات وإن اختلفت في بعض التفاصيل.

الحفاظ على التاريخ والتراث:

حافظت الأسرة السعودية على تاريخها وتاريخ البلاد بأسرها، وعلى تراثها وتراث الأماكن كلها، من خلال مؤسسات رسمية تُعنى بالتوثيق والتأريخ والتدوين، وبواسطة مناسبات علمية وثقافية وموسمية وترفيهية، ومشروعات ترميم وإعادة بناء. وشملت هذه المحافظة التاريخ السعودي، والتاريخ الإسلامي، والتاريخ العربي، وما له علاقة بهذه التواريخ من وثائق، ومواضع، وتراث، وأيام، وأحداث، وتظهر العناية التاريخية بجلاء في سيرة الملك سلمان -حفظه الله- العلمية والعملية، وفي إشارات عديدة ضمن رؤية المملكة 2030 التي نصت على “إننا نفخر بإرثنا الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي، وندرك أهمية المحافظة عليه لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة. إن أرضنا عُرفت -على مرّ التاريخ- بحضاراتها العريقة وطرقها التجارية التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض، مما أكسبها تنوعاً وعمقاً ثقافياً فريداً. ولذلك، سنحافظ على هويتنا الوطنية ونبرزها ونعرّف بها، وننقلها إلى أجيالنا القادمة، وذلك من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية، وإقامة المتاحف والفعاليات وتنظيم الأنشطة المعززّة لهذا الجانب”.

النظام الأساسي للحكم والعراقة:

أصدر الملك فهد -رحمه الله- النظام الأساسي للحكم في المملكة عام (1412=1992م)، وهذا النظام المتين يؤكد في جلّ مواده على عراقة الارتباط والانتماء، وعراقة التوافق والمصير الواحد، وعراقة العدل والمبادئ السامية، وعراقة الأهداف والغايات، وعراقة التشديد على مكانة الأسرة والقضاء والحريات والأمن.

رؤية المملكة 2030 وترسيخ العراقة:

أعلن الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- رؤية المملكة 2030 في عام (1437=2016م)، وترتكز الرؤية على ثوابت من عراقة الهوية، والتاريخ، والمكان، وعلى فرص من آثار المكانة الاقتصادية والسياسية والدينية التي تزيد من عمق العراقة، وتجعلها رصيدًا وسببًا في التنمية وصنع المستقبل. ومما جاء في نص الرؤية: “نثق ونعرف أن الله سبحانه حبانا وطناً مباركاً هو أثمن من البترول، ففيه الحرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض، وقبلة أكثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي وهو عامل نجاحنا الأول”، وأضافت الرؤية أن “المرتكزات الثلاثة لرؤيتنا: العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي”، وهي مرتكزات تشير لعراقتنا الدينية، والاقتصادية، والمكانية.

المجتمع أولًا:

أسرة الحكم السعودية هي الأسرة الأولى ضمن أسر المملكة وقبائلها ومناطقها، وهي ليست مفروضة عليه من الخارج، كما أنها تحظى بالولاء من مواطنيها وشعبها، ولأجل ذلك يؤخذ المجتمع، وتكوينه الأسري، وبنائه الهرمي، ومصالحه العامة والعليا، وأعرافه، ومجاله العام، في الاعتبار عند إصدار التشريعات أو القرارات أو أيّ شيء جديد، حتى ورد في رؤية المملكة 2030 النص على ذلك صراحة: “بدأت رؤيتنا من المجتمع، وإليه تنتهي، ويمثّل المحور الأول أساساً لتحقيق هذه الرؤية وتأسيس قاعدة صلبة لازدهارنا الاقتصادي. ينبثق هذا المحور من إيماننا بأهمية بناء مجتمع حيوي، يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، معتزّين بهويتهم الوطنية وفخورين بإرثهم الثقافي العريق، في بيئة إيجابية وجاذبة، تتوافر فيها مقوّمات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ويسندهم بنيان أسري متين ومنظومتي رعاية صحية واجتماعية ممكّنة”.

علم الدولة والرسالة البينة:

مرّ علم المملكة العربية السعودية بتطورات حتى وصل إلى العلم الحالي عام (1355=1937م)، وفي العلم من معالم الهوية ما لا يخفى، وفيه من الاعتزاز بالمرجعية الشرعية، وبناء القوة، وتأكيد الاستقلال القديم المتجدد، ما يضيف إلى عراقة البلاد وحكامها وأهلها صنفًا نادرًا وربما مفقودًا لدى غيرهم.

التهيئة من أجل التعاقب الرشيد:

هذا مسلك واضح جدًا في الأسرة الملكية؛ ولأجل ذلك لم تسقط الراية بنهاية الدولة الأولى ورحيل غالب أفرادها عن الحياة، بل رفعها بقوة الإمام تركي بن عبدالله، وسانده نجله الإمام فيصل بن تركي -رحمهما الله-. ولم تشهد الدولة خلال تاريخها الحديث ما يمكن أن يوصف بالفراغ الدستوري، فالولاية معقودة، والبيعة قائمة، والترتيب متفق عليه، وكل جيل يجتهد في إعداد من بعده لزيادة التأهيل والتمتين قبل تمام التمكين وإسناد الأمانة، وإن تدبير شؤون التعاقب لعلامة من علامات العراقة.

البيعة والقسم:

منظر البيعة يوحي بالعراقة والتكاتف والجلالة، ونص القسم الذي يؤديه أعضاء هيئة البيعة يجعل من هذا الإيحاء حقيقة ثابتة ماثلة للعيان، فوحدة الأسرة، وتراصها خلف قادتها ورموزها، مطلب أساسي يتجاوز حدود الأسرة إلى الكيان والواقع والمستقبل، وهذا البنيان المرصوص خصيصة بينة، وتزداد ساعة الملمات -حمى الله بلادنا وأناسها- مثل أحوال الفقد، وفي بعض الحوادث الكبرى المحلية والإقليمية والعالمية.

مقام الملك مقام سامي:

من أبرز مظاهر التوقير داخل الأسرة الحاكمة ذلكم التبجيل الكبير لشخص الملك، وحضوره، وفي الحديث عنه، أو مخاطبته، حتى لو كان الشخص الآخر أكبر من الملك سنًا، فقد كان الأمير محمد بن عبدالعزيز يوقر أخويه الملكين خالد ثمّ فهد -رحمهم الله- مع أنه أكبر منهما في حساب السنوات، وهذه الخاصية باقية متوارثة داخل الأسرة لتقوية البنيان المرصوص، ودحر شياطين الإنس والجن.

عراقة الحكم والإدارة:

امتازت الأسرة الملكية بعراقة لافتة في حكم البلاد، وإدارة شؤونها العسكرية والمدنية والتنموية، وفي علاقاتها الخارجية، وإن تتبع سير الأئمة والملوك والأمراء ليؤكد على هذه العراقة التي صنعت تجربة حكم داخلية ناجحة، وبناء تحالفات خارجية صامدة، وهي جديرة بالدرس، والتجلية. ومن آثار هذه العراقة الوهج المصاحب للملك وولي العهد في المؤتمرات واللقاءات، ومن أبرز نتائج هذه العراقة أن اجتمع في المملكة خلال عام (2023م) جلّ زعماء العالم في ظاهرة فريدة يصعب أن تتكرر في أيّ دولة يزورها هذا العدد من الزعماء لأجلها، وليس لأجل حضور مناسبة دولية، حتى كأن الكرة الأرضية قد حلّت في الرياض وجدة.

المجالس المفتوحة:

تنتشر في الأسرة الملكية المجالس المفتوحة للناس كافة، وهي مجالس تبدأ من أعلى الهرم، ويحضر فيها وجوه الناس وعامتهم للسلام، والتشاور، وتبادل الأحاديث، وعرض المطالب والمظالم، وبعضها مجالس حكم بناء على منصب صاحبها، وبعضها مجالس ثقافة واجتماع.

التوقير الداخلي:

اشتهرت الأسرة الملكية السعودية بالتوقير داخل الأسرة وخارجها، فمن مظاهر التوقير داخل الأسرة تقديم الكبير عمرًا في الجلوس، وسرد الأسماء، وجميع الشؤون الاجتماعية، وهو تقديم اجتماعي راقي؛ أما العمل والمسؤوليات والمناصب فلها مقتضيات وضوابط أخرى لا مناص من اعتبارها. وكثيرًا ما رأينا تلقائية الوقوف أو الجلوس للأمراء بناء على السن، حتى لو كان الأشبُّ عمًا للأكبر سنًا.

حسن الاصطفاء:

من خصائص الأسرة الملكية وزعمائها حسن اصطفاء الأعوان، والنجاح التام في استعمالهم لصالح مشروع الدولة، ولم يقتصر الاصطفاء على أبناء البلد فقط؛ بل شمل الخصوم السابقين وأعوانهم، ومن خاض في ذنب ثم تاب منه سواء نال العقوبة أم لم ينلها، إضافة إلى استثمار أبناء البلاد الأخرى، والأجانب الذين وفدوا لغاية ثم أصبحوا من المنافحين عن الدولة وقادتها، وهذا المنهج يدل على فضيلة العفو بعد المقدرة والظفر، وخصلة إبقاء المودة وإرضاء الناس، وحسنة سعة الأفق، وبعد النظر، وأظهر ما تكون هذه البراعة في سيرة الملك المؤسس عبدالعزيز-رحمه الله-.

عراقة العلم والتاريخ والأدب:

مع أن الأسرة الملكية قد حازت مجد الحكم والزعامة، إلّا أن القراءة وتكوين المكتبات سمة شبه عامة بين جلّ أفرادها الذين يحتفون بالكتاب والثقافة وشؤونهما؛ ولذلك برز في الأسرة علماء، وفقهاء، ومؤرخون، وكتّاب، وشعراء، وأساتذة قانون وإدارة، مثل الأمراء عبدالله بن عبدالرحمن، وسعود بن هذلول، ومساعد بن عبدالرحمن، وخالد الفيصل، ود.فيصل بن مشعل بن سعود، ود.عبدالعزيز بن سطام، ود.فيصل بن سلمان، وغيرهم كثير كثير.

ولا تكاد أن تخلو منازل الأسرة من مكتبة عامرة أو أكثر، ولدى الملك سلمان مكتبة مذكورة، وعند الأمير مقرن مكتبة يشار لها بالتميز. كما يحرص الآباء على تعليم أولادهم، واكتسابهم المعارف واللغات والخبرات، وحثّ مدارسهم ومعلميهم على أخذ الأمراء بالعزيمة دون تراخ أو محاباة، حتى قال الأمير عبدالإله لأستاذ نجله الأمير عبدالمجيد: عامله أشدّ من غيره! رحم الله الراحلين وحفظ الباقين.

الأسماء العريقة:

مما تتجلى فيه العراقة تكرار أسماء معينة في الأسرة وأنجالها، وهو ملمح لا يمكن أن يفقد في أسماء أفراد الأسرة الملكية السعودية، ويتحقق ذلك في عدة أسماء مثل: تركي، وسعود، وفيصل، ومحمد، وخالد، وعبدالعزيز، والأسماء الخمسة الأولى اختارها الملك عبدالعزيز-رحمهم الله- لأوائل ذريته من الأبناء، وتحضر هذه الأسماء لدى عدد من أعضاء الأسرة كما في ذرية الأمير بندر -رحمه الله-، والملك سلمان -رعاه الله-، وغيرهما. وفي أسماء الأميرات تكرار ذو فخامة كما نجده في اسمي نورة، وسارة، وغيرهما.

الهوايات تصف العراقة:

يبدو لنا ذلك في امتلاك أمراء البيت السعودي لعدد من إسطبلات الخيول ومرابطها، والمشاركة في مسابقات الفروسية المحلية والدولية، وفي البراعة بركوب الخيل، واستخدام السلاح، وأداء العرضة وأهازيجها الحماسية. ومثلها العناية بالإبل والصقور التي تعبر عن تراثنا وشخصيتنا، وهذه الهوايات الجادة تخرجها عن محيط اللهو الخالص إلى عالم من الجدية الممزوجة بالمتعة.

الأبعاد الاجتماعية:

لهذه الأبعاد عدة تطبيقات، منها الحضور الكثيف في مناسبات الأسرة مثل الزواج والاستقبال والاحتفالات، وفي أوقات المرض والوفاة والعزاء، ومثلها المشاركة في مناسبات الآخرين. ومنها الحرص على ارتداء “البشت” في كثير من الظهور العلني حتى لو استوجبت بعض الأحوال التخلي عنه لأسباب وجيهة، إلّا أنه يبقى الرداء الرسمي بألوانه، ولا جرم ففي اللباس عراقة، وجمال، وزينة، واحتشام.

كذلك من هذه الأبعاد الحرص على الإصهار إلى أعراق نبيلة من الأسر والقبائل، وقد يتكرر نسب الأسرة الملكية كثيرًا مع أسر وفروع بعينها، حرصًا على نباهة الأجيال، ونجابتهم، وقد نتج عن هذه الخصيصة استمرار الصفات الحميدة، واكتساب أخرى غيرها، ومن ذلك الصفات القيادية، ونضارة الصورة وهيبة المطلع، حتى أن وزير الخارجية المصري عمرو موسى يصر على رؤية سفير القاهرة المرشح للعمل في الرياض قبل تسميته؛ كي يكون منظره مناسبًا بسبب ما يمتاز به الأمراء من طول قامة، وبهاء طلعة، وهذا حسبما كتب في الجزء الأول من سيرته الذاتية.

ومنها كثرة النسل المبارك، وهي خصيصة حاضرة في بيت الملك الكبير، وتبرز بوضوح لدى المغفور لهم بإذن الله الملك عبدالعزيز والملك سعود والملك عبدالله والأمير سلطان. ولا يمكن نسيان الأثر الاجتماعي العريق الذي تتركه المواساة المادية والمعنوية التي صيرتها الأسرة أحد مناقبها في الداخل والخارج، حتى استحقت بها المآثر والثناء.

أوقاف الأسرة ومؤسساتها:

للأسرة الملكية السعودية أوقاف عامة، وأخرى خاصة بأسماء أفراد منهم بأعيانهم، كما سعى عدد منهم لتكوين مؤسسات مانحة، ومؤسسات مجتمع لها ثمار حميدة في جوانب مختلفة، وتعود بالنفع في الحال والمآل على الديار وأهلها، وصنيعهم هذا يحث القادرين على الاقتداء والتشبه، وفيه تحفيز للعمل غير الربحي والخيري.

تقدير الآخرين والتلطف معهم:

من التوقير الذي تفعله أسرة الحكم السعودية ما نراه في التعامل مع المشايخ والعلماء، وكبار الأسر والقبائل، ومع من خدموا الدولة بأشخاصهم أو كان لأوائلهم خدمة وأثر، ومع الضعفة وذوي الحاجات، وهي تصرفات تلقائية غير مصطنعة، وليست فئوية البتة، فما أكثر ما يرد في مكاتبات الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من ثناء على أشخاص أو أسر أو قبائل، وعندما رأى الملك فيصل -رحمه الله- شيخًا كبيرًا يدخل إلى مجلسه بادر لاستقباله والترحيب به وقال لمن حوله: ما جاء به إلّا أمر مهم وقضى مطلوبه، وحين استمع الملك خالد -رحمه الله- لكلمة م.ناصر الرشيد في احتفال جامعة البترول بالظهران استدعاه وأكرمه وفاء لتاريخ جده مع الدولة، وكثيرًا ما نسمع من الملك سلمان -حفظه الله- الإشادة بأشخاص من الأحياء والأموات، ولا تخطئ العين التوقير الذي يحظى به ذووا الهيئات من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- أيده الله-، ومن أمراء المناطق والمحافظات -وفقهم الله-.

المكان وأصالة العراقة:

مهما تفاخرت البلاد الأخرى وأهلها، فلن يجتمع في بقعة أنها موئل الإسلام ومأرزه، وقبلة مليار مسلم، ومهوى أفئدة الحجيج والمعتمرين والزوار، ومنبع العروبة والشعر واللغة، ومهد حضارات وأحداث وتاريخ لا يطوى، وملتقى طرق وقارات وتجارات وقوافل، ومنجم الثروات المتغازرة بفضل الله، ومكان الفرص التي تتوالد وتنمو ولا تهرم. ومن عراقة المكان تنوع تضاريسه، وكثرة حضاراته، وبقاء شواهده العمرانية، والمضي بلا انقطاع في مشروعات التنقيب والبحث، ولا تزال أرضنا الطيبة تحتفظ بالكثير من الأسرار والكنوز، وإن الارتباط ببقعة هذه بعض صفاتها لمما يوجد العراقة، ويوجبها، ويزيدها، حتى صارت البلاد الملاذ والمرتجى، ومعقد الآمال، وموضع التفاؤل.

وبعد؛ فهذا جزء مما رصدته اجتهادًا عن عراقة الأسرة الملكية السعودية، ولست أدعي اختصاصهم وحدهم بجميع ماورد أعلاه؛ فلجميع الأسر والأسر الملكية والسلطانية والأميرية على وجه الخصوص من العراقة ما يعترف به لهم دون تفضل بهذا الإقرار، ولعلّ أهل تلك البلاد أن يكتبوا ويوثقوا؛ كي لا يقتصر حديث العراقة الملكية على الأجانب فقط، والحمدلله أن خصّ بلادنا وأسرتها الملكية بهذا النبل العريق الذي يصعب اجتماعه كله لأحد غيرهم.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الخميس 29 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1445

11 من شهر يناير عام 2024م

Please follow and like us:

7 Comments

  1. اقرأ هذه المقالة دون التفكير في إنهائها، اقرأها وأنا أطرب لها، فخر واعتزاز وانتماء لكل نسائم وطني وملوكها وكل عرق ينبض في أرضها وشموخها وبهاء عزتها ومجد حاضرها وماضيها،استمتع بكل كلمة تكتبها عن تاريخنا وهويتنا، اقرأها جملة جملة ، ولا أتمنى أن تنتهي، مقالاتك التي تنتمي لتاريخنا العريق جعلتنا ممتنين لك ولكل من يبحث في هويتنا السعودية ويبرزها ويعزز الوفاء بحروفه لمجد تاريخنا السعودي العريق و لرجالاتها السامين البارزين؛ والشكر كذاك لك كاتبنا العزيز لعمق إبحارك في الكتب لتهب لنا مقالات مختصرة كثيفة ممتلئة بالحضور الصادق والكلمة المخلصة والمختصرة لمجدنا العريق.

  2. ماشالله لم تترك شاردة باذن الله الا واوردتها..حقيقه تصدق فيك مقولة ماقل ودل..سلاسه في الاسلوب بلاغه في الطرح..وهذين مايتهيئان ان صح كتابتي للجمله الأ من قلة نادره..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)