سير وأعلام

وزراء وزملاء دراسة!

كنا في مناسبة صباحية جليلة جميلة أعقبت فطورًا لذيذًا منوعًا؛ واللقاء برمته لا ينسى مثله. قال مضيفنا: لقد جلس الشيخ أ.د.عبدالله بن عبدالمحسن التركي -حفظه الله وكان حاضرًا يسمع- جنبًا إلى جنب مع أ.د.محمد الأحمد الرشيد -رحمه الله- في المعهد العلمي بالمجمعة، ثم تزاملا معًا في مجلس الوزراء. خطرت حينها في بالي فكرة صعبة، خلاصتها حصر الوزراء الذين تزاملوا معًا في الدراسة. مكمن صعوبتها هو أن مسيرة الوزراء التعليمية غير مكتملة لدي بدقة وجزم، ولا أظنها متوافرة كلها. ألا ليت الوزارات أن تبادر فتضع في مواقعها سيرة مختصرة لجميع وزرائها.

هذا الأمر قادني لتحوير معنى المزاملة إلى الدراسة في مكان واحد خلال سنوات متقاربة يتوقع منها اللقيا، وأيضًا حصر أكثر معاهد العلم التي يتوقع أن الوزراء اجتمعوا فيها للدراسة، أو تعاقبوا دون أن يفصل بينهم وقت طويل. ربما أن هذا التحوير للبحث سوف يجعله أيسر، ومن يدري فربما تتاح معلومات أخرى تقود لمزيد من التوضيح والبيان. هذا التزامل لا يستغرب لأسباب منها أن حركة التعليم ثم الابتعاث تزامنت، وأن التكوينات الوزارية كانت معقولة العدد، ومثلها بقاء الوزراء في المنصب لسنوات ليست قليلة بالجملة. من المهم الإشارة إلى أن هذا التزامن الدراسي والوزاري وقع دون تنسيق مسبق، وأن المعلومات الواردة في هذا المقال ليست استقصائية؛ فربما غاب قسم غير قليل منها، كما أن التواريخ الميلادية تقريبية، مع تكرار الدعاء بالرحمة لكل متوفى ذكر اسمه أو سيرد لاحقًا. وللعلم فبعض هذه المدارس محفوظة أخبارها في الأعداد المبكرة من صحيفة أم القرى، والصحف القديمة الأخرى.

أول مدرسة التقى فيها عدد من أعضاء مجلس الوزراء السعودي الموقر سواء بالتزامن أو بالتتابع هي مدرسة الأمراء التي أسسها الملك عبدالعزيز-رحمه الله- عام (1354=1934م) وألحقها بقصره الشهير قصر المربع؛ كي تكون قريبة من عينه وملاحظته. وكانت هذه المدرسة تنتقل معه للبر وللحجاز تأكيدًا على الجدية والمتابعة. وقد ورد شيء من أخبار مدرسة الأمراء في مذكرات الشيخ عبدالله خياط، ويوميات الشيخ أحمد الكاظمي -رحمهما الله-، وهما من منشورات دارة الملك عبدالعزيز.

درس في هذه المدرسة جمع من أنجال الملك المؤسس، وأحفاده، وبعض المواطنين -رحم الله الراحلين منهم وحفظ الباقين. وممن التحق بهذه المدرسة من أبناء الأسرة الملكية الأعضاء في المجلس: خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله ورعاه-، والأمراء: عبدالمحسن، وسلطان، ومشعل، وطلال، وبدر، ثم فيصل بن تركي الأول، وفهد بن محمد بن سعود وأخوه محمد، وعمهم الأمير نايف الذي يروى أنه يصغر نجل أخيه الأمير محمد بن سعود باثنين وعشرين يومًا، ثمّ توفي الأمير العم قبل ابن أخيه باثنين وعشرين يومًا -رحمهم الله جميعًا-. وفيما مضى قابلت السفير عبدالمحسن بن محمد السديري، الذي درس في هذه المدرسة، وتزامل فيها مع الملك سلمان.

عقب ذلك تطورت هذه المدرسة باجتهاد من الملك سعود -رحمه الله- إلى مدرسة الأنجال التي أصبحت معهد العاصمة النموذجي، وإليها تحول طلبة مدرسة الأمراء، وبعضهم ذهب إلى المدرسة الخاصة التي افتتحها لأبنائه الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، ومنهم من التحق بالمدارس الحكومية في بداية عملها بالرياض. درس الأميران أحمد بن عبدالعزيز وخالد الفيصل في مدارس الأنجال، وإن لم يطل خالد الفيصل بها المقام، إذ ابتدأ الدراسة قبلها في المدرسة الأميرية بالأحساء المفتتحة عام (1356=1936م)، وممن درس فيها الوزيران غازي القصيبي وعلي النعيمي، ثمّ أكمل الفيصل مشواره التعليمي بالمدرسة النموذجية في الطائف، وهي مدرسة افتتحها والده الملك فيصل -رحمه الله- عام (1366=1946م)، وزامله فيها أخوه سعود وزير الخارجية، وفيما بعد نقلت المدرسة إلى جدة وسميت مدارس الثغر، وممن تخرج في هذه المدرسة الجداوية الوزير أ.د.أسامة شبكشي.

ولا يمكن بحال إغفال مدارس الفلاح التاريخية التي أسسها الكرام من آل زينل بجدة أولًا عام (1323=1905م)، ثمّ بمكة عام (1330=1912م)، ودرس فيها عدة وزراء، ففي فرع جدة درس هؤلاء الوزراء، وليس بالضرورة أنهم تزاملوا: محمد عبدالله علي رضا زينل، وعابد شيخ، وعبدالوهاب عبدالواسع، ومحمدإبراهيم مسعود، وهشام ناظر، وفي مكة درس الوزراء: حسين عرب، وحسن كتبي، وأحمد شطا، وحامد هرساني، ومحمد عبده يماني، وفايز بدر، ومحمود سفر، ومحمد صالح بنتن، ومن نافلة القول أن التزامن مستحيل بين بعضهم، وأتوقع وجود غيرهم في الفرعين؛ لكن الأمر يحتاج إلى بحث مستفيض، والكأس بما فيها من أعمال تكاد أن تفيض! ومثلها مدرسة النجاة الأهلية بالزُّبير التي درس فيها الوزراء عبدالرحمن أبا الخيل، وعبدالعزيز القريشي، وسليمان السليم، وخالد العرج.

كما تبرز من المدارس المهمة في تاريخ التعليم والابتعاث في السعودية مدرسة تحضير البعثات بمكة التي أمر بإنشائها الملك عبدالعزيز، وفتحت أبوابها للدارسين عام (1356=1937م)، وابتعثت دفعة من خريجيها عام (1361=1940م)، وسميت ببعثة العشرة وفيها عدة وزراء هم: حسن نصيف، وحامد هرساني،وأحمد شطا، وجاء بعدهم الوزراء: أحمد جمجوم، وعبدالعزيز الخويطر، وعبدالله الدباغ، وإبراهيم السويل وربما أنه ابتعث قبلهم بسنة. طبعًا سبقت هذه البعثة بالبعثة الأولى عام (1348=1929م)، وفيها وزيران هما: عبدالله الطريقي ويعقوب الهاجري. والطريقي هو أول مبتعث سعودي لأمريكا فيما أعلم وربما تقيد أوليته بالدراسة في تخصص علمي، والهاجري أحد أقدم الأطباء السعوديين. وممن درس في هذه المدرسة الثانوية من الوزراء قبل ابتعاثهم لمصر: أحمد زكي يماني، وعبدالوهاب عبدالواسع، وناصر المنقور، وعمر السقاف الذي تحول من جامعة مصر إلى جامعة لبنان، وغيرهم.

يقابل هذه المدرسة دار التوحيد بالطائف التي أنشأها الملك عبدالعزيز عام (1366=1946م)، وهدفها الأساس نشر العلوم الشرعية بصورة نظامية خاصة بين أبناء نجد. تعاقب على هذه المدرسة مديرون ومربون مميزون، وجميع المعاهد السعودية المذكورة هنا نالت حظًا من هذه الخصيصة، وسير هذه المعاهد والمدارس مع طواقمها جديرة بالإحياء والنشر. ممن تخرج في دار التوحيد الوزراء المشايخ: حسن آل الشيخ، وصالح الحصين، ومحمد بن جبير، وقد كان طلبة هذه المدرسة في طليعة الدارسين في كلية الشريعة بمكة، التي تعد أول مؤسسة سعودية في التعليم العالي.

أما جامعة القاهرة فهي التي حفظت أسماء وزراء عدة، وبعضهم تزامنوا دراسيًا، ومنهم: ناصر المنقور، وعبدالرحمن أبا الخيل، وجميل الحجيلان، وحسن المشاري، وعبدالرحمن بن سليمان آل الشيخ، وعبدالعزيز الخويطر، وعبدالوهاب عبدالواسع، وأحمد زكي يماني، وإبراهيم العنقري، ومحمد أبا الخيل، وفيما بعد محمد الملحم، وغازي القصيبي، وسليمان السليم، ومطلب النفيسة، وغيرهم علمًا أن جامعة القاهرة من أكثر الجامعات خارج المملكة التي تخرج فيها الوزراء.

طبعًا هذه الزمالات لا تخلو من قصص ومواقف لا تنسى، مثل المقالب والروايات التي أوردها د.الخويطر في وسمه، والأسباب التي دعت الحجيلان لتكرار زيارة زملائه السعوديين في كلية الآداب التي كانت تسمى كلية الكعب العالي! والحادث الذي وقع للوزراء غازي القصيبي وخالد القصيبي وسليمان السليم عام (1384=1964م) حين ذهبوا – كما كتب السليم- في نزهة إلى مرتفعات “سانتا مونيكا” المطلة على المحيط الهادي، وفجأة تعطلت كوابح السيارة، وهي في منحدر حاد، وقرب تقاطع، ويقابلها المحيط مباشرة، والنهاية المحتومة هي أقوى احتمال! لكن شاء الله أن تنحشر السيارة بين سور ونخلة -ربما أن النخلة دافعت بأمر من الله عن أهلها-. من قوة هذا الحادث لم يصدق أحد نجاة من فيها، وعوضتهم شركة التأمين عن قيمة السيارة التي لا جدوى من إصلاحها.

ومن لطيف المشاهدات أن قدامى المبتعثين نظموا حفل وفاء عام (1433=2012م) للملحق التعليمي بأمريكا الشيخ عبدالعزيز المنقور -رحمه الله-، فحضره عدد جم من الأمراء والوزراء والوجهاء والمسؤولين، مما يعني أن المدة التي عمل المنقور فيها ملحقًا بأمريكا الواقعة بين عامي (1381-1397=1961-1977م) شاهدة على توافق ثلة منهم في الدراسة، أو فيما يخص البعثة والغربة بأمريكا. كذلك لا يخفى أن جامعة الملك سعود احتضت عددًا غير قليل من الوزراء الدارسين فيها، وهي أكثر جامعة سعودية حظيت بذلك. ومن لطيف ما يمكن الإشارة إليه إلى أن حلق العلم في الحرمين الشريفين، والكتاتيب، هي جزمًا من الأماكن التي التحق فيها بعض الوزراء خاصة القدامى ولو لمدة يسيرة، وهل شيء أكمل من معاهد علم في بقاع مقدسة؟

ألا ما أجمل ذكريات الدراسة، وما ألذ أحاديث الصحبة، وما أحقّ هذه الزمالة بالتدوين والاحتفاء. علمًا أن المصاحبة والذكريات المشتركة تؤدي إلى فريق عمل متماسك متعاون متفاهم. لكن هذا ليس شرطًا، فمكان العمل والحضور القيادي سوف يعيد دمج الكافة معًا في وعاء واحد محاط بالمصلحة والأهداف القريبة والبعيدة، وسيصنع من أيام المجاورة والمشاركة روابط عميقة تستمر حتى بعد التفرق، والله يجمعنا دومًا على خير ولخير وفي خير، ويحفظ البلاد وقادتها وأهلها، وكل من وما فيها.

 ahmalassaf@

الرياض- ليلة الجمعة 05 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1446

06 من شهر ديسمبرعام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)