ركبت السيارة، ومشيت على طرق واسعة، وكانت الجسور والمخارج عن يمنة ويسرة، والمطار يقع خلفي، والجامعات بجواري ذات اليمين وذات الشمال، وحركة الأسواق دائبة، وهنا مراكز أمنية، وهناك مقار عسكرية، وبين زاوية وأخرى مساجد ومصارف وشركات، ومدارس ومستشفيات وبلديات، ثمّ قادتني للموقع المقصود خدمات عبر الخرائط المرتبطة بالاتصالات، وكنت أقول في نفسي كل مرة: الحمدلله ثمّ شكرًا لكم يا معهد الإدارة!
معهد الإدارة؟ اللهم نعم! فجميع الأعمال السالفة وغيرها قد أفادت بطريق مباشر أو غير مباشر من معهد الإدارة العامة، سواء من كفاءاته البشرية، أو من برامجه التدريبية، أو استشاراته، أو بحوثه، أو مكتبته، أو مجلته، أو إسهاماته في اللجان العليا للإصلاح الإداري وإعادة التنظيم، أو نقاشات أساتذته مع المسؤولين، وهذه خصيصة لا يشارك المعهد فيها حتى الأجهزة الحكومية الكبير حجمها، المنتشرة فروعها، العظيمة موازناتها.
ليس هذا فقط على جلالته الذي يدفعنا لأن نفاخر بمعهدنا، ونتناوله بالكتابة والحديث، وإنما نصنع ذلك احتفاء بعراقة تلك الفكرة وذلكم التطبيق، وإن مشاهد العراقة لجليّة في معهد الإدارة، وهي سمة لأكثر مؤسسات التعليم العالي العريقة، ويمكن لنا الوقوف العاجل مع هذه المظاهر على النحو التالي:
منبع الفكرة:
نبع أصل فكرة المعهد بعد نشأة الدولة الحديثة بشكلها المؤسسي، وكانت مقصورة على وزارة المالية أول الأمر، بيد أنها تجاوزتها إلى أجهزة الحكومة كافة، وعملت عليها مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة وخبراء مؤسسات دولية غير ربحية، إلى أن استقرت الفكرة بما كتبه الخبير المصري د.محمد توفيق رمزي، فغدا المعهد محمودًا في مسيرته، موفقًا في ثماره، رمزًا في فرادته! وبالمناسبة فقد كرّم المعهد فيما بعد الدكتور رمزي باحتفاء يؤكد على خصيصة الوفاء المعهدارية.
زمن التأسيس:
حظي المعهد بالتبكير في تأسيسه، حتى أنه ولد بعد سبع سنوات فقط من تكوين مجلس الوزراء، وهو سابق على جلّ الوزارات والمؤسسات والهيئات الموجودة حاليًا، وهذا البكور أعطاه أسبقية وفي الأسبقية عراقة، ومنحه طول العمر، وإن طويل العمر بخير لا ينبغي له إلّا أن يكون عريقًا.
الآباء المؤسسون:
ينقسم هؤلاء المؤسسون -رحم الله الراحلين وبارك على الباقين- إلى قسمين: الأول: حمل الفكرة قبل الإنشاء، والثاني: احتمل عبء التأسيس والمضاء. فمن القسم الأول أذكر أربعة أشخاص -دون إنكار جهود غيرهم-، وهم: الملك سعود، والملك فيصل، والوزيران الشيخان عبدالله بن عدوان وأحمد جمجوم. ومن القسم الثاني أذكر أربعة أشخاص -دون إغفال ذكر غيرهم-، وهم: الأمير مساعد بن عبدالرحمن، والوزير الشيخ محمد أبا الخيل، والمديران التاريخيان: الأستاذ فهد الدغيثر، والدكتور محمد الطويل.
وسوف أتحدث عن شخص طبيعي واحد منهم، وعن شخص اعتباري واحد ارتبط به المعهد وبعض مؤسسيه: أما الأول فهو الأمير مساعد بن عبدالرحمن، وهو رجل تأسيس وإدارة يذكره تاريخ ديوان المظالم، وديوان المراقبة العامة، وتخريج في مدرسته مجموعة من رجال الدولة الكبار مثل -مع حفظ الألقاب-: صالح الحصين، ومحمد بن جبير، وحسن المشاري، ومحمد أبا الخيل، وتركي الخالد السديري، وعبدالرحمن السدحان، ومحمد الشريف، وغيرهم، وهو صاحب مكتبة عامة مبكرة لها أولية في نجد، ومن روادها رموز ثقافية وأدبية مثل: حمد الجاسر وعبدالكريم الجهيمان، كما أنه ذو آراء مستنيرة مبكرة، مع متانة ارتباطه بعلوم الشريعة وتراث المجتمع.
والشخص الطبيعي هي وزارة المالية، الوزارة القديمة جدًا، وأم أكثر الوزارات، ومعمل إنتاج عدد غير قليل من الوزراء والمسؤولين، وصاحبة التأثير على كل مرفق، وهكذا أصبح المعهد. وإضافة لمن مضى الإشارة إليهم، يظهر في تاريخ المعهد أسماء وزراء من الأهمية بمكان مثل: د.عبدالعزيز الخويطر، وأ.حسن المشاري، ود.غازي القصيبي، وأ.محمد الفايز، ولأول نشأته الأولى علاقة قصيرة بالأميرين الشقيقين، ووزيري المالية المتعاقبين، طلال ونواف أبناء الملك عبدالعزيز.
ثبات التخصص:
التزم المعهد بتخصصه الثابت في الإدارة: تعليمًا، وتدريبًا، وبحثًا، واستشارة، دون أن يطغى جانب على آخر، ودون أن يحيد عنه لتخصص آخر مهم بدا مغريًا، حتى تخصص الأنظمة الذي افتتح المعهد لأجله أول برنامج دراسات عليا في الجزيرة العربية، لم يصرف المعهد عن لبّ عمله الذي يحكيه شعاره بوضوح: نحو تنمية إدارية أفضل.
ومن مناسب التوافقات أن تزامن افتتاح كلية البترول والمعادن بالظهران مع افتتاح المعهد، وأصبحت فيما بعد جامعة، وهي مع المعهد من مفاخر التعليم السعودي المتخصص عربيًا وعالميًا، ومن بهي الإشارات أن المعهد يمثل هيئة خبراء إدارية متينة عميقة تمامًا مثلما يرتبط بمجلس الوزراء هيئة خبراء تشريعية وقانونية، ولربما أن المعهد الذي تخرجت فيه قيادات تلو قيادات، يستحق إعادة النظر في مرجعية له أعلى، وحضور أقوى بالمشاركة الفاعلة في زمن التجديد.
الاسم الذي لا يتغير:
احتفظ المعهد باسمه دون الانجذاب لأسماء أخرى قد تبدو أرفع منه، وحافظ المعهد على اسمه المعهدي ومنحه رونقًا محليًا وعربيًا، ولا غرو فكم من معاهد عالمية عليا في الإدارة والتقنية والمصرفية والطب تتفوق على جامعات وكليات، والحمدلله على هذا الثبات؛ فالأسماء الأخرى متكررة ومستهلكة وربما فقدت كثيرًا من البريق، وليس لها تفرد.
الأساتذة والطلاب:
امتاز المعهد فيما يخصّ أساتذته وطلابه بقدومهم من جميع مناطق المملكة، ومن بلدان شتى، ولا يخفاكم أن الجامعات الكبرى تفاخر بنسبة غير المواطنين فيها. وقد أصبح المعهد ملاذًا مبكرًا لدول حتى قبل استقلالها مثلما فعلت الإمارات بإرسال بعض موظفيها كي يتدربوا في المعهد قبل تكوين الدولة الحالية بسنوات، ومنح المعهد عدة دول خليجية وعربية قريبة وبعيدة منحًا للدراسة والتدريب ضمن الطلاب الدارسين، والموظفين المستفيدين من برامجه.
ونرى جانبًا آخر فيه تميز المعهد بأساتذته وموظفيه الذين استقطبوا لمناصب حكومية عالية إن في مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، وإمارات المناطق، والبنك المركزي، والمؤسسات الحكومية والهيئات القديمة والجديدة، وهذا باب يصعب على الحصر، لكن يكفي الإشارة إلى أنه أصبح في عضوية مجلس الوزراء من عام (1391=1971م) إلى يومنا هذا دون انقطاع وزراء يشار لهم بالتقدير والأهمية وطول زمن العضوية المجلسية وهم الشيخ محمد أبا الخيل، والدكتور مطلب النفيسة.
وكان د.مطلب واحدًا من قيادات معهد الإدارة، ثمّ أصبح على رأس هيئة الخبراء، والمؤسس الأكبر تأثيرًا فيها، حتى نال تصنيفًا من الأستاذ العجاجي -ولا ينبئك مثل خبير- بأنه أهم قانوني سعودي. كما تكاثرت الأسماء المعهدية في أجهزة مهمة محلية وإقليمية ودولية، مثل الأساتذة والدكاترة: حمد السياري في مؤسسة النقد، وحمد الرشودي في الجمارك، وإبراهيم المنيف صاحب الإنجازات الإدارية والتقنية والمالية الباهرة، وحمد الوردي في إمارة الجوف، وفهاد المعتاد في الشورى والوزارة، وعبدالرحمن السدحان في مجلس الوزراء، ويوسف السعدون في الخارجية والشورى، وعبدالعزيز العتيبي في منظمة التجارة العالمية، وخالد المحيسن في نزاهة والشورى، وفهد التخيفي في هيئة الإحصاء، وغيرهم كثير.
ومن أوليات المعهد التي تميزه أن من تبوأ منصب أول نائب وزير لوزارة غير عسكرية فيما أعلم، كان من طاقم المعهد، وهو الشيخ محمد أبا الخيل نائب وزير المالية عام (1390=1970م) ثمّ بعده بخمسة عشر عامًا تقريبًا الدكتور صالح العمير نائب وزير المالية عام (1404=1984م)، ولم تعرف الوزارات الأخرى نائبًا إلّا بعد العمير بأزيد من عشر سنوات. بل إن المعهد قدّم للتاريخ الإداري والتشريعي المحلي أول امرأة تنال لقب “معالي” فيهما، وهما: الأستاذة نورة الفايز نائبة وزير التربية والتعليم، ثمّ الدكتورة حنان الأحمدي مساعدة رئيس مجلس الشورى، وهما أول امرأتين في هذين المنصبين العاليين.
كما عُرف عن المعهد تجدد طواقمه باستمرار، ومبادراته لاستقطاب البارزين، وكثرة الشباب في هيئته التدريبية والعملية؛ لأن المنتسبين للمعهد مطلوبون في أماكن عديدة، ولو استعرضنا سير كثير من الأساتذة والموظفين لوجدنا أن لهم مشاركات في مكان عمل آخر وربما أكثر. ولن أنسى أن في المعهد عدد غير قليل من الكتّاب والمؤلفين الذي يسعد المعهد وتاريخه بوجودهم، ذلك أن هذه الفئة في الغالب من أسباب نيل الشرف السامي لأي كيان صدروا عنه.
المكتبة المرجعية:
تفتخر المؤسسات التعليمية بمكتباتها، ولدى معهد الإدارة مكتبة كانت ذات أدوار، وفروع، وعشرات الآلاف من الكتب، وإن وجود المكتبة والكتب لضرورة تعليمية ونأمل ألّا يزحف عليها العالم الرقمي، وأن يكون الخيار الرقمي شريكًا معاونًا لا منافسًا مقصيًا. ومما امتازت به المكتبة مع التخصص، الخدمات التي تقدم لروادها دون تأخير، وأقول ذلك عن تجربة، ومنها الاحتفاظ بمطبوعات المعهد ومجلته، والحرص على أيّ كتاب مفيد في التخصص.
المنتجات:
لدى المعهد منتجات عديدة تصب في الاتجاه الذي يخدمه المعهد، وفي الفكرة التي أنشأ لأجلها دون أن يحيد عنها، وهذه المنتجات بلغت بالتكرار الملايين، وعمت بنفعها أنحاء البلاد وجوارها ومن شاركها في الانتماء العربي، وتشمل الكتب، والاستشارات، والبحوث، والبرامج التدريبية على أنواعها، والمجلة، والأعداد الضخمة من المتدربين، والأساتذة الذين خدوا داخل المعهد وخارجه، وأعمال المساندة في اللجان وإقامة الكيانات وتنظيم شؤونها الإدارية.
ومنها الوثائق المحفوظة في مركز الوثائق بالمعهد، وهي التي يرجع إليها حتى الأجهزة الخاصة بحفظ الوثائق فقط، ويدخل ضمنها اللقاءات المسجلة مع مسؤولي الدولة والمعهد، التي كانت تعقد في المعهد ظهر كل أربعاء، وهي جديرة بالنشر الواسع، خاصة إذا علمنا ثمارها على طواقم المعهد بفتح نوافذ لهم على الأجهزة الحكومية كافة، ويضاف للمنتجات أعمال المؤتمرات والندوات والملتقيات وغيرها.
الإدارة من الداخل:
مر على المعهد خلال عمره الطويل ثمانية مديرين، وهذا العدد مئنة على الاستقرار، وجلّ هؤلاء المديرين من داخل المعهد، مما يدل على أن المعهد بيئة راقية مليئة بالكفاءات، حتى أبدى د.حمد السلوم انبهاره بالمعهد وأداء مديريه الذين سبقوه، وأثنى على مستوى المعهد وانضباطه الذي يُتعلم منه. ومما يناسب التنويه عنه أنه لثلاثة من مديري المعهد تميز في المنجزات والثمار وبطول مدة الإدارة، وهم الأستاذ فهد الدغيثر المدير الثاني والمؤسس المؤثر في تاريخ المعهد، ود.محمد الطويل، ود.عبدالرحمن الشقاوي، وإن تاريخ المعهد الطويل ليحتاج إلى رواية توثيقية يجتمع فيها الشقاوي والطويل مع غيرهما من داخل المملكة وخارجها.
الأناة والمرجعية والاستقلالية:
مع بداية تكوين المعهد عقدت اجتماعات عليا لمجلسه، وتكررت أسبوعيًا، وفيها ضغط كبير للبدء بالتدريب، لكن قيادات المعهد رفضوا بصلابة أن يبدأ التدريب دون اكتمال الاستعدادات له، وقد حمد دعاة “الاستعجال” لأصحاب “الممانعة” رأيهم بعد رؤية الثمار، ومن أناة المعهد أنه لم يتوسع بسرعة، وكانت حركة التمدد لديه متوازنة وفق الاحتياج الفعلي، والقدرة على إدارة الفروع بلا عثرات.
ومن اللافت أن المعهد نشأ بعد بعض الجامعات، وأفاد منها بأكثر من صورة، فلم تمض إلّا سنوات قلائل على هذا الوضع حتى انقلب الحال، فصار المعهد منارة للجامعات التي شرعت تكتب الطلب تلو الآخر للمسؤولين بغية الحظوة بشيء من استقلالية المعهد! وهذه الاستقلالية المنضبطة صارت من عوامل نجاح المعهد وعراقته، علمًا أن المعهد قد توافر فيه مزيج من الحرية والاستقلالية والقيادة، وهذا المزيج المعتدل شرط أساس لوصف المؤسسة العلمية بالعراقة.
الولاء سمة:
تحصيل الولاء ليس بالأمر السهل أبدًا، وقد نال المعهد منه قسمًا كبيرًا، وتعود الأسباب إلى وضوح الأنظمة والسياسات والإجراءات، والحرص على تطبيقها دون تفريق، والبعد عن الفئوية أيًا كان باعثها. وكذلك حرص المعهد على زيادة تدريب موظفيه وتأهيلهم بالبرامج الداخلية والخارجية، وبالتدوير الوظيفي داخل المعهد الذي يمنع التيبس في مكان لا يبرح، ويحول هذا الانتقال الدوري دون نشوء جيوب وتكتلات، ويمنح للمعهداري نظرة أوسع للمعهد وأقسامه، ويجعله قادرًا على تسنّم أي منصب دون عسر.
ومن عوامل الولاء للمعهد تلك المكانة والسمعة التي بناها المعهد عبر توالي السنوات، وأسبغها على موظفيه بلا استثناء، حتى أن بعضهم يعلن دون مواربة أنه يفتخر بخبرته المعهدية أكثر من جامعته الأمريكية التي تخرج فيها، ويصف آخرون شعورهم بالغبطة كلما زاروا جهازًا يعمل فيه واحد أو أكثر من كفاءات المعهد، هذا غير الثناء المحلي والدولي الذي حصده المعهد من ساسة وأساتذة الإدارة وأرباب الفكر والنظر.
النشاط الاجتماعي:
من أسباب الولاء التي يحظى بها المعهد من طواقمه، ذلكم النشاط الاجتماعي عبر لجنة متخصصة لهذا الغرض، وقد امتدت آثارها للأسر، وتنوعت برامجها من الدعم المعنوي إلى المساندة المادية، ومن بديع صنيعها حفلها السنوي الاول للترحيب بالقادمين، والحفل الأخير لتوديع المغادرين.
وكان من فضل الله أن اجتمع الكرام من موظفي المعهد بعد انتهاء علاقتهم الوظيفية بالمعهد، وتعاقدوا على الاستمرار في هذا الاجتماع القائم منذ خمسة عشر عامًا، وهو اجتماع لا يكاد أن يكون له مثيل في أي منشئة أخرى بمثل هذه العمومية، والديمومة، والمساواة. وقد نجم عن هذا المجتمع المعهدي الجديد ولاء مضاعف، حتى أن البعض يحضر من بعيد، ويكيّف مواعيده لتوافق هذا اللقاء، وربما جاء مدفوعًا على كرسي متنقل، أو تابع أخبار المعهد من خارج المملكة ليظفر بفرصة اللقيا، وعسى أن يتحول هذا العمل الاجتماعي إلى لجنة مؤسسية تعاقبية، كي يضمن اللقاء طول البقاء.
المباني ذات معاني:
لمبنى معهد الإدارة قصة! فهو مبنى قديم نوعًا ما، لكنه بني بتكلفة أقل من المتعارف عليه في زمنه، وأشرفت إدارته على البناء مرحلة مرحلة، وتابعت أعمال الصيانة والتشجير، وهي أعمال ذاتية في المعهد، ومن الحرص والمتابعة يبدو للداخل إليه أنه مبنى غير بعيد التشييد، ومن التفرد وجود ملاعب وقاعات ترويحية جعلت موظفي المعهد ينعمون بجودة الحياة منذ القدم، وللمعهد حدائق سالبة للألباب، منها حديقة علوية أعجبت أشجارها بعض المسؤولين فذهبت إلى فناء الديوان الملكي مما ينبئ عن انتقاء لافت، وذوق رفيع، وعناية فائقة.
التجديد:
بادر المعهد للإفادة من أي سبيل رزين للتجديد عبر الابتعاث، والاستضافة الدولية والإقليمية لأشخاص ومؤتمرات، مع المشاركات بأنواعها، ولم يغفل عن التطور التقني المتلاحق، حتى أصبح المعهد إنموذجًا في هذا الباب، ولعل الإشارة هنا مناسبة إلى جهود د.فهاد المعتاد الحمد وزملائه، ومن الطريف أن طواقم المعهد إذا ذهبوا للعمل في جهاز آخر يصيبون غيرهم بالدهشة من تقدمهم التقني.
الوقف والاستدامة المالية:
ليس للمعهد فيما أعلم أوقاف، وبدأ مؤخرًا تقديم خدماته وتوسيع نطاقها بمقابل مالي مرتفع أحيانًا، وهذا مسلك سوف يحقق الاستدامة والاستقلالية، وليت أن المعهد يحرص على إيجاد أوقاف خاصة به، بالتعاون مع إدارات المسؤولية الاجتماعية بالشركات الكبرى، والمصارف، والمؤسسات المانحة، أو من خلال عوائده، وبالمناسبة فأول مقر للمعهد كان في مبنى مخصص لمؤسسة النقد -البنك المركزي حاليًا-، وعسى أن يكون هذا فأل خير مالي للمعهد، يؤازره الارتباط الأول للمعهد بالمالية وزارة ووزراء.
العضويات والمشاركات الدولية:
للمعهد عضويات دولية وإقليمية، وحضور مشهود في المؤتمرات الإدارية، وعلاقات مع المؤسسات المقابلة، وهذا له أثره الحسن في الاقتباس وفي نقل التجربة كذلك فلسنا أهل استيراد فقط. ومن هذا الباب الاشتراك في دوريات ومواقع علمية تنفع أساتذة المعهد وتفتح لهم أبوابًا من التطوير الذاتي المستمر، وإتاحة بعض كنوز المعهد عن بعد لمن رغب الاشتراك فيها. وللمعهد يد من الإتقان طويلة لخدمات منظمات دولية وإسلامية وعربية وخليجية، وإقامة معاهد إدارة في بعض البلدان.
المبادئ الحاكمة:
الصورة الذهنية لمعهد الإدارة حين يطلق اسمه في أيّ منتدى أو نقاش هي: الانضباط، الالتزام، النزاهة، الولاء، الحس الوطني، الدقة، الخدمات المتغلغلة في جسد البناء الحكومي، العمل بلا صخب، صرامة الإدارة، مصنع القيادات، وكل واحدة من هذه الكلمات تجلب وراءها حقلًا يمكن الكتابة أو الحديث عنه، ولا يعني هذا الخلو التام من المآخذ، بيد أن وفرة الفضائل المتأصلة تنسي غيرها من الحواشي العالقة.
خدمة المجتمع:
لكل مؤسسة تعليمية عريقة علائق وثيقة بمجتمعها وبيئتها، سواء بخدمة العمل المجتمعي غير الربحي عبر الكفاءات القيادية والإدارية، أو بترشيده وتقويمه، وفي سير أساتيذ المعهد وموظفيه آثار مباركة شاهدة على عراقة المعهد وسريان الخيرية في الكرام العاملين فيه.
السيرة التوثيقية:
يسعى المعهد حاليًا لتوثيق تاريخه ومسيرته عبر كتاب وشيك الصدور، ولا ريب أن هذا التوثيق يحفظ التاريخ ويؤكد العراقة، وعسى أن نرى مشروعات أخرى من قبل مديري المعهد وأساتذته وموظفيه للكتابة عن تجاربهم كما فعل عدد منهم، ومثلما نسمع بين فينة وأخرى عن نية موجودة، وكما نتمنى على رموز المعهد أن يبادروا لحفظ تاريخ المعهد ومؤسسيه وفكرته، وهذا من الإحسان المنتظر، والعمل الفارق المرجو.
ومن هذا الباب جمع الكلمات والشهادات التي قيلت عن المعهد وفيه، ومنها ماورد في كتاب وسم على أديم الزمن للوزير الخويطر خاصة من الجزء الثاني عشر حتى العشرين وهو معاصر لسنوات التكوين والنشأة، ومنه تتبع مسارات النابغين من خريجي المعهد وأساتذته وما بلغوه من مراتب ومناصب، وما أبدعوه من أعمال ومآثر، كي لا تنطفئ الشعلة التي أنارت عالمنا الإداري، وسجلنا القيادي، فالحاجة لها الآن قائمة، وربما أشد.
المرجعية في التخصص:
أصبح معهد الإدارة العامة مرجعًا في التخصص: فأساتذته أهل للسؤال والإفتاء في المجال الإداري، وجوابهم له قيمته العلمية والعملية، وكتب المعهد حاضرة ضمن مناهج الجامعات، وبرامجه وبحوثه واستشاراته هي الخيار المرغوب لدى كثير من الكيانات، وتأرز إليه الحكومات والمنظمات في أعمال تنظيمية وتأسيسية، ويشار له بالبنان كلما ذكرت الإدارة والتدريب والتأهيل، وإذا سيقت الأمثلة عن الانضباط والجدية فهو على رأسها.
أفكار إضافية:
لأن المعهد عريق وبيئته تتقبل المزيد من الأفكار على تباينها؛ فهذه بعض المقترحات لعلّ بعضًا منها أن يجد القبول والتنفيذ:
- التوافق مع مسير رؤية المملكة 2030 وتوجهاتها.
- مواكبة التطورات التشريعية المتلاحقة في المملكة.
- الاستعداد لإكسبو بالتعاون مع الأجهزة الحكومية، وبالإفادة من الوفود.
- عناية المعهد بموضوع إدارة الحشود خاصة مع تكرار موسم الحج، وطول موسم العمرة، وتكاثر المواسم الكبرى السنوية وغير السنوية في المملكة.
- الالتفات للبرامج الخاصة مثل: برامج الإدارة التنفيذية للشركات العائلية، وبرامج التأهيل الإداري للعمل في مناصب عالية في الإدارة المحلية بالوزارات وإمارات المناطق.
- الاهتمام بتطبيقات الذكاء الاصطناعي استثمارًا لحسناته، ونجاة من سيئاته.
- فتح صندوق اجتماعي لموظفي المعهد أسوة ببعض الشركات.
- السعي لنشر الثقافة الإدارية بأسلوب العصر الذي ينجذب إليه الشباب.
- اعتماد سياسة “اذكرني عند ربك” من قبل واجهات المعهد، سواء أكان الذِّكر للموظفين حاليًا أو للمتقاعدين ذوي الخبرة.
كان هذا نصّ الكلمة التي ألقيتها في الحفل السنوي العاشر للمتقاعدين من موظفي معهد الإدارة العامة -بعد مزيد تحرير-، وهو الحفل الذي أقيم في استراحة الضبيعي شرق الرياض، نهار يوم السبت الثاني والعشرين من شهر رجب عام 1445 الذي يوافقه اليوم الثالث من شهر فبراير عام 2024م. والشكر أجزله أسوقه بحبٍّ لجميع من حضر وأفادني بمعلومة أو فكرة أو تصحيح، وأخصّ الأستاذ عبدان العبدان الذي نسق هذه الاستضافة منذ ثمانية شهور بلا فتور، والتقيت به قبله بأسبوع للتشاور، وأشيد بمن أفادوني قبل اللقاء وهم الدكاترة: فهاد الحمد، وإبراهيم التركي، وحامد الشراري، والله يديم المودة، ويعظم البركة، ويبقي النفع، ومرحبًا ألف مرة بأي إضافة أو تصويب، فما على المجتهدين من ملامة ولا تثريب!
الرياض- الأحد 23 من شهرِ رجب عام 1445
04 من شهر فبراير عام 2024م
14 Comments
أحسنت أستاذ أحمد فيما دبجته في حق معهد الإدارة، مفخرة الوطن، على ما قدم من خدمات احترافية مهنية جليلة، لأجهزة الدولة طوال سنوات عمر المعهد المديدة، وما خرّجَ من كفاءات بشرية عالية التأهيل.
كل من له انتماء لأي مؤسسة متميزة، سواء كانت خاصة، أو حكومية، أو من القطاع غير الربحي، يحق له الفخر والاعتزاز بصلته بمؤسسته اللامعة، لكن أتمنى ألا يقود هذا الشعور، إلى شكل من أشكال التعالي على الآخرين. وأرجو أن تتسع الرغبة في نشر الثقافة المهنية العريقة، ونقلها من مؤسسة إلى أخرى، فالانتماء للوطن يعلو على كل انتماء. تحية شكر وإجلال وتقدير لكل من أسهم بجهد ولو كان قليلا، قُدِّم لمعهد الإدارة، منذ أن انبثقت فكرته إلى هذا اليوم.
ودمت متألقا كاتبنا الجميل.
شكرا لكم الأستاذ العزيز الكاتب تركي الدخيل، وهذا هو المرجو من المعهد ومن ثقافة العمل فيه.
بلاشك ان من سمات الدول المتقدمة هو رقيها في مجال الادارة من دراسة وتطوير ومتابعه وتقييم ووضع المعايير وقياس الاداء !
لذا اتمنى ان يصبح لدى المعهد مركز ابحاث مهمته وضع معايير للأداء وقياس الاداء واصدار نشرة سنوية توضح مستوى الاداء للجهات المستهدفة
فمثل هذا العمل يحفز على التنافس للوصول للمعايير الاعلى والافضل .
وبالمناسبة هذا مايعمل به في امريكا سواء في القطاع العام او الخاص !
تحياتي وتقديري
شكرا لكم الأستاذ سعود العجلان، وفيما فهمت فللمعهد مشاركة في إنشاء مركز الأداء الحكومي الذي يهدف لتقييم الأداء، ومعرفة مكامن التميز لزيادتها وتعزيزها، واكتشاف الثغرات لمعالجتها.
مقال ضاف منصف يؤرخ بموضوعية لاول جامعة للادارة في المنطقة
والمقال نواة لبحث واسع عن المعهد احسب انه سوف يتحول الى كتاب.
ادام الله عليك كاتبنا الموسوعي المبدع انوار التوفيق والعطاء المتدفق دوما.
ماشاء الله
كلمة وافية جامعة مانعة
جمعت الماضي والحاضر والمستقبل
بوركت ابا مالك ونفع الله بك
خالص الشكر والتقدير لشخصكم الكيرم ولعلمكم وحسن تتبعكم وتوثيقكم التاريخي للأحداث.
كنت من الحضور واستمتعت بحديثكم وإلقائكم، وفعلا معهد الإدارة العامة هو من أفضل المدارس التي تتعلم فيها وتخرج منها وأنت متوج بقيم وثوابت تقيك -بإذن الله- من كل عوارض السقوط أو النقد غير المبرر
عني شخصيا، تقاعدت مبكرا وانتقلت للعمل في ٣ جهات أخرى حيث ساهمت ببعض المخرجات الكثيرة التي تعلمتها من بيتي الأول معهد الإدارة العامة، حيث بدأت الرحلة في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ثم في جامعة الملك عبد الله (كاوست) ضمن فريق التأسيس، وانتهت في الهيئة العامة للإحصاء نائبا لتقنية المعلومات.
تركت في كل منها بصمة تعلمتها من المعهد، واكتسب من كل منها معرفة جديدة.
شكرا لكم د.راشد الزهراني، وسعدت بحضوركم وتعليقكم. إن منجزات المعهد ومنجزاتكم لمن الشواهد الباسقة على تلك العراقة الراسخة.
مقال شامل وكامل كماهي عادتك وديدنك واذكر معهد الادارة العامة بالجميل والعرفان خاصة عندماكنت مسؤولافي وزارة المالية وكناننسق مع المعهد ونقترح عليه بعض البرامج والدبلومات المالية وكنت ايضاقداسهمت في التدريب في بعض الدورات والبرامج بالتدريب عندماكنت في ديوان المراقبة العامة واذكر ان مكتبة المعهد تعدمرجعا للأنظمة والقرارات وخاصة قرارات مجلس الوزراء فعندما لا نجد قراراما في مرجعياتنا نجده في المعهد
توثيق مميز للتاريخ ،استمتعت وأنا اتعرف اكثر عن معهدنا العريق
المقال الذي كتبه أحمد العساف مقال جميل ورائع والحمدلله أني أدركت معهد الإدارة مبكرا عندما كنت أستاذا في الجامعة وحضرت كثيرا من الدورات وحلقات النقاش فيه والشيء الباقي شبكة المعارف من الحلقات والإفادة من منهجية المعهد في صناعة الأفكار والمحاضر كان يعاملنا على أنه ممكن ويجمع خبراتنا ليستفيد الجميع ولو كنت كاتبا لكتبت هذا الكلام
المعهد مؤسسة وطنية رائعة وكل كلمة كتبها العساف بلسم على قلبي عن هذا الكيان العلمي والتدريبي الذي افتخر فيه
جزاك الله خيرا على المقاله الممتازة بالفعل وعلى تخليد ذكرى قادة المعهد او من ارتبط فيه مثل المرحوم ابراهيم المنيف وبصماته على مكتبتها ودورها عندما كان اول امين لها.
في ادبيات التنمية عموما يشار الى ما يسمى “جزر التميز” ويصنف معهد الادارة وارامكو وساما والهيئة الملكية للجبيل وغيرها ضمنها، باعتبارها كانت قاطرة للنمو كل في مجاله
وفقك الله وتحياتي
أحسنت وأكثر من رائع *** ما بني على أساس وقواعد قوية ومتينة *** فبشره بالإستمرار والتماسك ولم ولن يشيخ *** يستحق أن يطلق عليه لقب ( ألمعهد ألعالي للإداره ) تكريما وتقديرا لإنجازاته وعمره الطويل
صدقت يا أستاذ علي دام لطفك وتوفيقك