إدارة وتربية سير وأعلام

من يستخرج كنوز المعهد؟

معهد الإدارة
Print Friendly, PDF & Email

من يستخرج كنوز المعهد؟

لمعهد الإدارة العامة ميزة محلية وإقليمية في التعليم العالي المتخصص، وله حضور دولي مشهود، وقد اكتسب المعهد خلال عمره الذي تجاوز ستين عامًا من الخبرة والحكمة والتجربة ما يجعله موئلًا لها، ومظنة لتزاحم الكنوز باختلاف أنواعها، وهذا ليس من الظن الآثم، بل هو من الظن الذي يشبه اليقين، ويعامل مثله، حتى لو أن المعهد مشى بين ظهرانينا لتبدى في هيئة شيخ وقور تجلّه العيون، وتوقره النفوس.

فمن كنوز المعهد ما هو مستبين ظاهر للعامة والخاصة، ومنها ما لا يعرفه إلّا من تعامل مع المعهد أو قرأ عنه أو سمع نقلًا عمن يعلم. ولست بمستبعد أن فيه من الكنوز ما إن خبره لا يحيط به علمًا جازمًا إلّا قلّة من الناس ارتبطوا مع المعهد وتاريخه العميق الملتصق بالإدارة المحلية. وأيًا يكن فإني -وغيري كثر- لنطمع فيمن يستخرج لنا هذه الكنوز بدرجاتها؛ إذ الغاية النفع العام، والمصلحة العليا.

وأجلّ كنز في المعهد هو تلك العقول الكبيرة التي وهبها الله لطواقمه من الجنسين، وما اكتسبوه عبر السنين من خبرات متراكمة، وتجارب متتابعة، ومعارف متشعبة، وحقيق بهذا الكنز أن يبرز للناس في بيئة الدولة الرسمية والشعبية، كي يستفاد منه أعظم فائدة؛ فإن المجتمع لمعطاء عريق كريم عبق يستأهل كل مبادرة خير، وإن الحكومة لعميقة الأساس، راسخة الأعمدة، قوية الهيكل، شامخة في التاريخ، منافسة في الواقع، متطلعة للمستقبل، وهي بهذا الكنز البشري لجديرة بلا منافس.

كذلك من كنوز المعهد مكتبته الضخمة المتخصصة، وأشهد لها -وعهدي بها غير قريب- بالتعاون وحسن الخدمة، ويتقاطع معها مطبوعات المعهد من مؤلفات وترجمات، أو نتائج أبحاث ودراسات ومؤتمرات، وفيما أذكره أن المعهد يمنح خصمًا للطلبة والمتدربين، ويشارك في معارض الكتب، ومع ذلك فإن مساندة حضور هذه المنتجات محليًا وإقليميًا، وترجمتها للعالم، لمما يعلي من شأن الإدارة الصادرة من السعودية، وهو مطلب مهم، وقوة ناعمة مؤثرة، ومن هذا الباب إتاحة نسخ إلكترونية منها، وملخصات، وخلاصات. ويقترب من معنى هذا الكنز ذلكم المنجم النفيس المستقر في مركز المعلومات والوثائق التابع للمعهد؛ فهو ذاكرة وطنية إدارية كبرى، وكم وددت الإفادة منه لولا بعض الحوائل، ومن الحتمي أن منافعه المباركة قد وصلت لكثير ممن طلبوها.

كما أن المعهد بحكم مشاركاته في أعمال لجان عليا إدارية وتنظيمية، وإقامته مؤتمرات وبرامج تدريبية لموظفي القطاع العام من المستويات الإدارية كافة بداية من التنفيذيين ووصولًا إلى القيادات الوسطى والعليا، إضافة إلى تقديمه الاستشارات الإدارية، قد أصبحت لديه قاعدة لا يملكها غيره، ومن خلال هذه القاعدة في المعلومات والخبرات والآراء يستطيع المعهد الابتكار، أو تحليل التطبيقات الإدارية، أو تفسير النتائج، وغيرها مما يفيد. ولا يُتوقع من المعهد إلّا أن تكون نتائجه قائمة على العلم المجرد عن الهوى والوهم، ودون مراعاة لسياق مرتجى، أو محاولات لتغيير واقع أو قلب حقائق؛ فلن يصل أحد لمستقبل منشود مادامت مشاهدته للحاضر المعاش مصابة بغبش المجاملة، أو مبتلاة بضلال الغش.

أيضًا من الكنوز التي يمكن للمعهد أن يقدمها للمجتمع المحلي وغيره، كنز يقع خارج المعهد؛ لكنه يتصل به بسبب ونسب، وهو جمع ما كتبه أساتذة المعهد في سيرهم الذاتية المنشورة أو التي سوف تنشر فيما يخص تجربتهم المعهدية، وأعلم أن الوزير د.فهاد المعتاد الحمد قد كتب فصلًا حافلًا عن المعهد، وقرأت مرة مقالًا جميلًا للدكتور إبراهيم التركي العمرو أشار فيه إلى مركزية المعاهد في حياته وفي سيرته التي ستثري بصدورها مجالنا الثقافي والإداري، وسمعت غير مرة من الدكتور حامد الوردة الشراري أحاديث شائقة عن سنوات المعهد، ولعله أن يدون سيرته بما فيها من تجارب أكاديمية وشورية.

ومن المؤكد وجود غير هذه السير لآخرين سواء عملوا في المعهد أو عبروا به، ومن المنتظر أن يعين المعهد كل من شاء أن يكتب ذكرياته، بل ويحثه على ذلك حثًا خاصة أولئك الذين كانت لهم في المعهد ومعه أياد وأيام وأحداث، فللمعهد منها أوفر الحظ والنصيب الطويل. ويضاف لهذا الحقل السيري التعريف بشخصيات من المعهد بواسطة جهود إدارات المعهد ذاته؛ كما تصنع وزارة الخارجية مشكورة في نهجها الحميد للتعريف بالسفراء، وأتصور أن المعهد غير عاجز عن مثل ذلك.

ثمّ إني لفي لهفة إلى تقليب جميع أعداد مجلة المكتبة الإدارية التي أصدرها المعهد سنوات متوالية قبل توقفها أسوة بغيرها في زمن تقشف، وليت أن المعهد يبعث المجلة من مرقدها، أو يعيد طبع الأعداد القديمة وتسويقها، أو نشرها عبر شبكة الانترنت إن لم يكن قد فعل، ووضعها في بوابات الأبحاث الجامعية لتغدو مرجعًا. واللهفة مستمرة معي إلى مشاهدة اللقاءات المسجلة التي كان المعهد يعقدها يوم الأربعاء مع مسؤوليه أو مع كبار المسؤولين في الحكومة، ومع عدد من أعضاء مجلس الوزراء، فهي مادة ثمينة فيما أحسب، والحاجة لها عظيمة، والمنصات المرئية والمسموعة ترحب بمثلها، وهي تغني المحتوى، وتقصي التفاهة.

ويمكن للمعهد تتبع سير خريجيه البارزين في الأعمال كافة، وإسهامات قياداته في العمل الحكومي والخاص والمجتمعي، والحديث عنها من باب التحديث بنعمة الله، وتحفيز الطواقم التعليمية والإدارية، وزيادة تشجيع الأجيال من الطلبة والدارسين، وهو فصل من الفخر الحميد بالمنجز والمنتج. وإن الأفكار المطروحة آنفًا لمثال على ما في الإمكان صنعه، ومن المقطوع به أن لدى معهدنا العريق ما هو أكثر من هذا وأبعد تأثيرًا ربما، وسنظل نرقب وننتظر، وآمل ألّا يطول بنا زمان ونحن نتساءل: من يستخرج كنوز المعهد؟!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

ليلة الخميس 09 من شهرِ المحرم عام 1445

27 من شهر يوليو عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)