أقارب ووزراء!

أقارب ووزراء!

جمعت مادة عن تاريخ مجلس الوزراء في المملكة، ونشرت كثيرًا من معلوماتها في عدة مقالات ربما أجعلها في كتاب إلكتروني واحد فيما نستقبل من أيام إذا يسر الله ذلك وأعان عليه، وإن ربنا الكريم المتعال لفاعل ولا محالة، والغاية من النشر خدمة تاريخنا الإداري بحفظه، وتقريبه، وتيسير الرجوع إليه. ومما وقع عليه النظر علائق القرابة من أب -وهي الأغلب- أو من أم أو بتصاهر وما في حكمه، وهي علاقات ظاهرة أو مستترة؛ فأحببت توثيقها وإن لم يكن البعد الأسري في الاختيار هو الأساس أو عليه العمل، علمًا أن هذه السمة قديمة وحديثة، وهي بحدّ ذاتها طبيعية في المجتمعات المتماسكة أسرها العريقة، المتداخلة بيوتها بالقرابة والمصاهرة.

ففي تاريخ الوزراء ومجلس الوزراء بالمملكة تظهر لنا القرابة في أسرة الحكم التي استوزر منها حتى الآن أربعون وزيرًا من الرجال يمثلون قريبًا من خُمس عدد الوزراء الذين يبلغ عددهم مئة وواحدًا وتسعين وزيرًا (191)، وهذه النسبة ليست عالية كما هو الحال في بلدان أخرى مشابهة، علمًا أن القرابة تظهر حتى في النظم الانتخابية الصرفة. كما تتجلى القرابة في اثني عشر وزيرًا من أسرة آل الشيخ بناء على مشتركات تاريخية لها مع الأسرة الحاكمة إضافة إلى المصاهرات، وبعدهما تأتي أسرتا السديري وأبا الخيل بثلاثة وزراء فقط، ثمّ أسر أخرى بوزيرين، وهذا طبعًا يخصّ القرابة المرتبطة بأب واحد، وأما غيرها من القرابات فبعضها معروف، وبعضها غير معروف لارتباطها بخؤولة، أو زواج.

وفي هذا السياق نجد أن ثمانية عشر ابنًا من أنجال الملك المؤسس عبدالعزيز غدوا وزراء بمدد تطول أو تقصر، وهم يمثلون نصف ذرية الملك الباقية من الذكور، وصار أربعة عشر أميرًا من أحفاد الملك عبدالعزيز وزيرًا سواء اجتمع بعضهم مع والده، أو خلفه، أو لم يجتمع مع والده، وربما لم يكن أبوه وزيرًا من قبل. وأما الوزراء من أبناء أحفاد الملك فثلاثة حتى الآن، ومن الطبيعي أن يزيد العدد مستقبلًا، وينفرد الأمير مساعد بن عبدالرحمن -وزير المالية والاقتصاد الوطني- بأنه عم مباشر أو غير مباشر لهؤلاء الوزراء الخمسة والثلاثين، ولمن يأتي بعدهم من السلالة الملكية. 

بناء على ذلك يتضح أن الأمير مساعد بن عبدالرحمن هو أول أمير وزير خلف ابن أخيه في الوزارة حينما تولى مسؤولية وزارة الداخلية عقب الأمير فيصل، ثم أصبح بعد نجلي أخيه الأميرين طلال ونواف وزيرًا للمالية، وأن الأمير فيصل -الملك لاحقًا- هو الوحيد الذي تولى بعد ولده مسؤولية وزارته عندما صار وزيرًا للداخلية التي تركها الأمير عبدالله الفيصل، وهما أول أب وابن من الأمراء يجتمعان في المجلس دون أن يكون الأب ملكًا أو رئيسًا للمجلس، والمثال الثاني جاء باجتماع الملك سلمان عندما كان وليًا للعهد مع نجله الأمير محمد وهو حينذاك وزير دولة وعضو في المجلس، ولا ثالث لهذين النموذجين فيما مضى.

وأول وزير من أحفاد الملك عبدالعزيز هو الأمير عبدالله الفيصل، ثم الأميران فيصل بن تركي الأول وزير الداخلية ثمّ العمل والشؤون الاجتماعية، ووزيرا الدفاع المتعاقبان الأميران فهد بن سعود ثمّ محمد بن سعود، علمًا أن فيصل بن تركي وفهد بن سعود هما أول أميرين من الوزراء يخلفان عمين لهما في الوزارة هما الأمير عبدالمحسن والأمير مشعل على التوالي، وذهبت الداخلية فيما بعد للأمير فهد -الملك لاحقًا-، والدفاع للأمير سلطان، ثمّ لم يصبح أحد من الأحفاد وزيرًا بين عامي (1382-1395) حتى سمي الأمير سعود الفيصل وزير دولة للشؤون الخارجية ثمّ وزيرًا للخارجية في حكومة الملك خالد الوحيدة، وهو أول أمير خلف والده الراحل في منصبه، بينما خلف الأمير عبدالله الفيصل والده على وزارة الداخلية، وخلف الأمير د.منصور بن متعب والده في وزارة البلديات، وفي المثالين كان الأبوان على قيد الحياة.

أما أبناء أحفاد الملك عبدالعزيز فأول من سمي منهم وزيرًا في المجلس هو الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف الذي عين وزيرًا للداخلية عام (1438)، وهو بناء على ذلك أول وزير من الأمراء كان جده وزيرًا، ويليه وزير الدولة الأمير تركي بن محمد بن فهد (1440)، ثمّ وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل (1441)، والقائمة مفتوحة لمن سيأتي معهم أو بعدهم من الأمراء وربما الأميرات.

كما نلاحظ أن عضوية الأبناء بعد الآباء لها أمثلة في المجلس، إذ تكررت مع الأمراء الوزراء في اثنتي عشرة مرة قابلة للزيادة، ومن غير الأمراء نجدها في د.عبدالرحمن آل الشيخ وزير الزراعة والمياه (1395-1415)، وفي شقيقه د.محمد وزير البلديات ثمّ وزير الدولة (1412-1424) أبناء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ وزير المعارف (1380-1381) وخطيب عرفة والمسجد الحرام، إذ أصبح الأول وزيرًا بعد والده بخمسة عشر عامًا، وضعفها من السنوات للثاني، وكذلك نجدها عند الأستاذ تركي الخالد السديري الذي صار وزير دولة وعضوًا في المجلس (1407-1416) أي بعد والده وزير الزراعة الأمير خالد الأحمد السديري (1375-1380) بثلث قرن تقريبًا، ولا أعرف غير هذه الأمثلة الثلاثة في تاريخ المجلس.

أيضًا شهد المجلس تعاقب عدد من الإخوة على نفس الوزارة، وأوضح ما يكون هذا في وزارة الدفاع التي تولاها حسب الترتيب الأمراء منصور فشقيقه الأمير مشعل، ثمّ الأمير فهد بن سعود وتلاه أخوه الأمير محمد، وبعد ذلك أسندت الوزارة إلى الأمير سلطان مدة نصف قرن هي الأطول في مجلسنا الموقر فشقيقه الملك سلمان حينما كان وليًا للعهد. وفي عهد الملك سلمان تولى الوزارة على التوالي نجلاه الأمير محمد -رئيس مجلس الوزراء حاليًا- ثم الأمير خالد، وهذه الخاصية التعاقبية تنفرد بها وزارة الدفاع من بين الوزارات كافة.

كذلك نرى هذا التعاقب في وزارة الزراعة التي خلف الأمير خالد الأحمد السديري أخاه الأمير عبدالعزيز عليها مباشرة في منتصف السبعينات الهجرية بعد وفاة الأخير المفاجئة إذ لم تستمر وزارته سوى مدة قصيرة جدًا -هو بالمناسبة جد الأميرة رجوة زوجة ولي عهد الأردن-، ومن اللافت أن وزارة الزراعة تولى مسؤوليتها ثلاثة وزراء من أقصر الوزراء مدة في تاريخ المجلس. ويتكرر تعاقب الإخوة في وزارة المعارف التي أنيطت بالشيخ حسن آل الشيخ بعد أخيه الشيخ عبدالعزيز مباشرة، كما أصبح الشيخ د.عبدالله آل الشيخ وزيرًا للعدل بعد أخيه الشيخ إبراهيم، ولكنه لم يعقبه مباشرة، وإنما جاء بينهما الشيخ محمد بن جبير (1407-1413).

وقريب من باب العمل في المنصب الواحد أن الوزير الشيخ عبدالله زينل خلف ابن عم جدّه الوزير الشيخ محمد زينل على وزارة التجارة بعد عدة عقود، وحينما ترك الشيخ إبراهيم العنقري وزارة البلديات حلّ مكانه الوزير د.خالد العنقري، ومن التزامن أو التوالي بين الأقارب عضوية وزير الصناعة والكهرباء المهندس عبدالعزيز الزامل مع ابن أسرته د.سليمان السليم الذي سبق الزامل بعقد من السنين وزيرًا للتجارة، وتعيين م.صالح الجاسر وزيرًا للنقل بعد انتهاء عضوية وزير الاقتصاد والتخطيط د.محمد الجاسر وهما ينتميان للأسرة نفسها.

كما اجتمع في المجلس من غير الأمراء عم وابن أخيه، مثل الشيخ حسن آل الشيخ وزير التعليم العالي ونجل أخيه د.عبدالرحمن وزير الزراعة، ومثلهما الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية مع عمه وزير العدل د.عبدالله. وتزامن في عضوية المجلس وزير الصحة د.عبدالله الربيعة وابن عمه المباشر د.توفيق الربيعة وزير التجارة بضع سنوات؛ وفيما بعد خلف الثاني الأول على وزارة الصحة وإن لم يكن بعده مباشرة، وهما أول ابني عم يجتمعان في المجلس من غير الأمراء حسب علمي. ولا أعرف زمنًا اجتمع فيه أخوان من غير الأسرة الحاكمة إلّا إبان عضوية د.عبدالرحمن آل الشيخ مع عضوية شقيقه د.محمد آل الشيخ بين عامي (1412-1415)، وبذلك ينفرد د.عبدالرحمن بأنه اجتمع في المجلس مع شقيقه، وعمه، وعديله، وإن لم يكن الأربعة أعضاء معًا في وقت واحد.

وبعد ثلاثين عامًا من استعفاء وزير الدولة الشيخ صالح الحصين من عضوية المجلس صار أخوه المهندس عبدالله وزيرًا للمياه والكهرباء وهي وزارة حديثة النشأة بهذا الاسم، واختير المهندس عادل فقيه وزيرًا للعمل ثمّ للاقتصاد والتخطيط بعد مرور أكثر من عقد على مغادرة عمه الشيخ عمر فقيه وزير الدولة للمجلس، ونال د.محمد السويل وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عضوية المجلس بعد خمسين عامًا من عضوية ابن عمه الشيخ إبراهيم وزيرًا للخارجية ثمّ الزراعة، ويلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية أ.عادل الجبير مع الشيخ محمد بن جبير وزير العدل الأسبق ورئيس مجلس الشورى في جدٍّ ليس ببعيد، وبعد خروج وزير العدل الشيخ د.محمد العيسى من عضوية المجلس عام (1436) دخل إليه ابن أسرته الأستاذ خالد العيسى وزير دولة وعضوًا مع رئاسة الديوان الملكي أول الأمر.

ومن نوادر أحوال التعاقب والقرابة بتزامن أو بدونه أن الأستاذ تركي الشبانة أصبح وزيرًا للإعلام بعد سنوات من إسناد مسؤوليتها مع الثقافة لنجل أخته د.عبدالعزيز الخضيري الذي لم تطل وزارته، وللخؤولة حضور في المجلس بتزامل د.غازي القصيبي مع نجل أخته وصديقه الأستاذ خالد القصيبي؛ إذ أن الأخير أصبح وزيرًا بعد إعفاء خاله الذي عاد للوزارة بعد انقطاع، ليترافق مع ابن أخته في مجلس وظيفي واحد بعد أن جمعتهما البعثة والبيت والأسرة وسنوات الشباب، وهذان المثالان هما الوحيدان مما وقعا لي في باب الخؤولة، وليس ببعيد وجود غيرهما. ومن طريف التزامن ما قرأته بأن وزيرين حفيدين لأختين اجتمعا في عضوية المجلس هما وزير التعليم السابق د.أحمد العيسى، ووزير الاستثمار م.خالد الفالح عندما كان وزيرًا للصحة أو الطاقة.

ثمّ إنه لا مناص من إيراد بعض اللطائف مما يربط بين بعض الوزراء من علاقات أسرية لا تستبين مباشرة، فوزير الاقتصاد والتخطيط د.عبدالوهاب عطار زوج لكريمة وزير العدل الأول الشيخ محمد الحركان، وأصبح د.ماجد القصبي وزيرًا للشؤون الاجتماعية التي كان والد زوجته الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وزيرًا لها قبل نصف قرن، وتنقل د.فهد المبارك بين عضوية المجلس وزيرًا للدولة والبنك المركزي محافظًا له، وهو زوج ابنة وزير الدولة الشيخ محمد بن زرعة. كذلك فإن الشيخ محمد أبا الخيل زوج لأخت قريبه الوزير الشيخ عبدالرحمن، وصار د.حسين الجزائري وزيرًا للصحة جنبًا إلى جنب مع زوج شقيقته الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع وزير الحج والأوقاف، ومثلهما الوزيران د.حمد آل الشيخ مع زوج شقيقته الشيخ صالح آل الشيخ. ومن أشهر الوزراء العدلاء الشيخ ناصر المنقور والشيخ عبدالرحمن أبا الخيل، وكانت زوجة الوزير إبراهيم السويل خالة لزوجة الوزير إبراهيم العنقري، وبين بعض الوزراء من آل الشيخ والعنقري علائق من هذا الباب مع بعض وزراء الأسرة الحاكمة.

ومن المؤكد أن بعض عمليات التعاقب والتكرار هذه لم تكن مقصودة لذاتها، وليست مستهدفة بعينها، وإنما هو توافق اقتضته روابط مجتمعنا القبلية والأسرية الوثيقة، فنحن مجتمع عريق متآلف والحمدلله، وقد رصدت هذا الأمر مع توافقات أخرى نشرتها في مقالات سابقة. والشيء بالشيء يُذكر إذ يعتقد البعض وجود علاقة أسرية قريبة جدًا بين بعض الوزراء بسبب تشابه اسم الأسرة، والحقيقة خلاف ذلك، مثل عدة وزراء ينتمون لأسر كريمة هي الحجيلان، ويماني، والعيسى، والمانع، وفقيه، دون أن يكون بينهم جد مشترك قريب حسبما أعرف.

والحمدلله أن لم يكن النسب يومًا سببًا وجيهًا وحيدًا في إسناد المناصب لأحد، وربما أنه ليس سببًا في حجبها عن الكفء المؤهل إلّا في اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أزاح من المرشحين لخلافته أيّ قريب له ولو كان يستحقها، وحرص على إبعاد أكثر بني عدي عن مناصب دولة الخلافة، وهذا من التحرز العمري الذي هداه الله إليه بما له من سنة راشدة، وبصيرة نافذة في السياسة الشرعية، والنظر للمستقبل، ومع ذلك فلغيره اجتهاد مخالف نوعًا مًا، وقد يكون لبعض الأوضاع والأزمان أحوال خاصة بها تفهم في سياقها، وتقدر بقدرها، والله يوفق ذوي الولاية، ويعينهم على أداء أمانة الحمل الثقيل، وعلى مؤونة السؤال والحساب.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الخميس 12 من شهرِ ذي القعدة عام 1444

01 من شهر يونيو عام 2023م