سياسة واقتصاد سير وأعلام

ملوك وأمراء في مجلس الوزراء

Print Friendly, PDF & Email

ملوك وأمراء في مجلس الوزراء

مرت الدولة السعودية بأطوار تأسيسية وإدارية عديدة منذ قيامها على يد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثمئة عام، وسار هذا التطور بتصاعد وتنوع مراعيًا طبيعة الإدارة والحكم في الجزيرة العربية، ومتفاعلًا مع الأحداث قريبها وبعيدها، ومقتبسًا من التجارب المناسبة ما يلائم البيئة المحلية. وبعد أن أكمل الملك عبدالعزيز ضمّ أجزاء البلاد وجمعها في دولة واحدة، أنشأ مجلس الوكلاء لإدارة الشؤون الداخلية عام (1350)، وقبله بعام سمى نجله الأمير فيصل -الملك لاحقًا- وزيرًا للخارجية؛ ليصبح أول وزير سعودي، وتوالى بعده تعيين الوزراء حتى صدر الأمر بتكوين مجلس الوزراء عام (1373).

ولم تقف مسيرة التطوير المرتبطة بالمجلس، وهو تطوير شمل نظام مجلس الوزراء الذي صدر متزامنًا مع ميلاده، وحدث بعده بسنوات، ثمّ أعيد إصداره وتجديده قبل ثلاثين عامًا، وعليه يجري العمل الآن. ومن التطوير الذي جرى للمجلس استحداث أجهزة مساندة له في الأنظمة مثل هيئة الخبراء، وفي التنفيذ مثل ديوان رئاسة المجلس وأمانته العامة، وإيجاد مجالس ولجان متفرعة عنه، وإنشاء وزارات أو دمجها أو إلغائها مع تغيير في المسميات، ومن الطبيعي أن يدخل للمجلس ويخرج منه وزراء كثر، وفيما مضى استعرضت في مقالات عديدة شيئًا مما مضى التمثيل له، وأرجأت الحديث عن موضوع هذا المقال لمزيد بحث، وحتى يتوافق نشره مع يوم التأسيس.

فمن تاريخ مجلس الوزراء السعودي الموقر نجد أن المجلس قد ترأسه ستة ملوك من أبناء الملك عبدالعزيز بين عامي (1373-1444)، كما ترأسه ثلاثة أولياء عهود هم الملك سعود، والملك فيصل، والأمير محمد بن سلمان، وهذا فيما يخصّ الرئاسة الدائمة، أما رئاسة الجلسات فأسندت لأمراء تولوا مسؤولية النائب الأول أو النائب الثاني لرئيس المجلس، ومنهم عشرة حملوا لقب النائب الأول، وسبعة من هؤلاء العشرة كانوا قبل ذلك في منصب النائب الثاني، وفيما قرأت بصحيفة أم القرى أن بعض الأمراء ترأسوا المجلس وهم وزراء فقط بلا منصب نيابة، وكان هذا في مراحل مبكرة من تاريخ المجلس، وقبل صدور النظام الأخير.

وقد بلغ عدد أبناء الأسرة الحاكمة الوزراء وأعضاء المجلس أربعين فردًا من مجموع الوزراء الذين يصل تعدادهم إلى مئة وتسعة وثمانين وزيرًا (189) -حسب إحصائي- أي أن نسبة أبناء الأسرة الحاكمة العريقة تبلغ 21% من العدد الكلي فقط، والخمس ليس بكثير. أما متوسط أعمار الوزراء الأمراء حين تسميتهم للوزارة فهو اثنان وأربعون عامًا (42) -حفظ الله الحي وأمده بالتوفيق والصحة ورحم الميت منهم-، ومتوسط بقاء الواحد منهم في منصبه حتى هذه السنة اثنا عشر عامًا (12)، وقد انتقل منهم ثمانية وزراء إلى الدار الآخرة وهم على رأس المنصب، ومتوسط مدة عضويتهم أربعة وثلاثون عامًا (34). ومن الطبيعي أن تتغير نسبة المشاركة، وأن متوسط العمر عرضة للتبدل بانضمام وزراء آخرين من الأسرة الحاكمة العريقة، وأن معدل مدة الخدمة سوف يرتفع بإذن الله.

وبما أننا في حساب السنوات فمن المناسب الإشارة إلى أن الأمير طلال هو أصغر من عين وزيرًا من ناحية السن، إذ غدا وزيرًا للمواصلات وعمره اثنان وعشرون سنة، وتبعه تسعة أمراء وزراء أعمارهم حين توزيرهم كانت دون الثلاثين. أما الأكبر سنًا فيأتي على رأسهم بعد الملك سلمان الأمير خالد الفيصل؛ لأنه أكبر الأمراء سنًا حينما اختير لعضوية المجلس وزيرًا للتربية والتعليم وعمره ستة وسبعون عامًا.

ويعدُّ الملك عبدالله أطول من حمل لقب النائب الأول بين عامي (1402-1426)، وهي السنوات نفسها التي كان الأمير سلطان فيها هو النائب الثاني لأطول مدة كذلك، بينما أصبح الملك سلمان نائبًا أول لمدة تزيد قليلًا عن عامين فقط (1433-1436)، ومن لي بمثل سيرك “المبجل”؛ إذ تمشي رويدًا لكنك تجيء في الأول؛ ففي عهد الملك سلمان حظي المجلس بأكبر تعديل في تاريخه إن بالكيف أو الكم، وعكست تلك القرارات والإجراءات ما يحدث على أرض الواقع في مجالات عدة، والله يوفق ويسدد ويعين.

ولم يتوّل ثلاثة ملوك أيّ مسؤولية وزارية داخل المجلس، وهم الملك سعود وخالد وعبدالله، ومن الأمراء الذين نالوا العضوية في المجلس بلا حقيبة وزارية الأمراء مقرن، وعبدالعزيز بن فهد، وتركي بن محمد، والأخيران كانا وزيرا دولة. وقد جمع الأمير عبدالعزيز مع وزارة الدولة منصب رئاسة ديوان رئاسة مجلس الوزراء، وجمع الأمير محمد بن سلمان مع وزارة الدولة رئاسة الديوان الملكي، والشي بالشيء يذكر إذ دخل للمجلس من الأمراء تسعة وزراء دولة من بين سبعة وأربعين وزير دولة عبر تاريخه؛ فمن الأمراء وزراء الدولة من أسندت له حقيبة بعد وزارة الدولة، وفيهم من تحول إلى وزير دولة ومستشار للملك بعد تركه لوزارته مثل الأميرين سعود الفيصل ومنصور بن متعب عقب مغادرتهما لوزارتي الخارجية والبلديات.

كذلك نلحظ أن عددًا من أمراء المناطق والمدن أو نواب أمرائها قد انتقلوا إلى عضوية المجلس أو العكس، وعددهم ثمانية عشر أميرًا، وتبرز معنا بجلاء منطقتا الرياض ومكة، ويتفرد الأمير خالد الفيصل بإمارة المنطقة قبل الوزارة وبعدها. ولم يظهر لي حسب البحث من الأمراء الوزراء السفراء غير أربعة هم الأمير طلال السفير في فرنسا قبل الوزارة وبعدها، والأمير فهد بن سعود السفير في اليونان بعد الوزارة، والأمير فيصل بن فرحان الذي عمل قبل الوزارة سفيرًا في ألمانيا، والأمير خالد بن سلمان السفير قبل الوزارة في أمريكا، وأدار اثنان من الأمراء الوزراء جهاز الاستخبارات العامة؛ فالأمير نواف كان رئيسًا للجهاز بعد الوزارة، وترأس الأمير مقرن الاستخبارات العامة قبل عضويته في مجلس الوزراء.

وأكثر من تولى مسؤولية وزارات معًا هو الملك فيصل، الذي أصبح وزيرًا للخارجية وللداخلية وللمالية، وربما أنه جمع بينها في وقت واحد، وهو أول وزير يخلف ابنه على الوزارة -وزارة الداخلية- ثمّ يخلفه ابنه عليها، وأول وزير يصير عمه وزيرًا لوزارتيه من بعده -الداخلية والمالية– وعمه هو الأمير مساعد، وهذه الفرائد فيصلية فيما أحسب. وفي هذا السياق يُشار إلى أن الأمير سلطان صار وزيرًا لثلاث وزارات هي الزراعة والمواصلات والدفاع، وهو صاحب أطول سنوات عضوية في المجلس قاطبة إن متصلة لمدة خمسين عامًا، أو منفصلة بإضافة سبع سنوات لها، وهذا يشمل الوزراء كافة من أمراء وغير الأمراء، علمًا أن للملكين فيصل وفهد، وللأميرين سلطان وطلال، عضوية مجلسية خلال زمنين بينهما مدة ابتعاد يسيرة.

بينما يحتفظ الأمير عبدالله الفيصل بأنه الحفيد الوحيد الذي استوزر في عهد جده الملك عبدالعزيز الذي كان يحبه ويصطفيه، وبالتالي فهو أول وزير حفيد، ثمّ تلاه الأمراء فهد بن سعود للدفاع، وفيصل بن تركي الأول للعمل والشؤون الاجتماعية ثمّ الداخلية، فمحمد بن سعود للدفاع. عقب ذلك غاب الأحفاد عن عضوية المجلس منذ عام (1382)، وترافقت عودتهم مع تسمية سعود الفيصل وزير دولة للشؤون الخارجية ثمّ تعيينه وزيرًا للخارجية في بداية عهد الملك خالد عام (1395)، واستمر الفيصل العضو الوحيد من الأحفاد حتى شاركه العضوية الأمير عبدالعزيز بن فهد عام (1419) في عهد والده، وبعد ذلك زادت عضوية الأحفاد من أبناء الأبناء، وأبنائهم.

واجتمع في مجلس الوزراء أخوان أو أكثر من أحفاد الملك عبدالعزيز في حكومتي الملك عبدالله والملك سلمان، هم الأمراء سعود الفيصل ومعه أخوه الأمير خالد، والأمير محمد بن سلمان ومعه أخواه الأميران عبدالعزيز وخالد. وأول وزير من أبناء أحفاد الملك عبدالعزيز هو الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية (1438)، وهو أول وزير كان جده وزيرًا ، ويليه وزير الدولة الأمير تركي بن محمد بن فهد (1440)، ثمّ وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل (1441)، ومن الطبيعي أن القائمة سوف تزيد في قابل الأيام.

أما أسماء الأمراء الوزراء فأكثرها تكرارًا هي عبدالعزيز وفيصل وخالد التي جاءت أربع مرات لكل اسم، وبعض الأسماء وردت مرة واحدة فقط. ومن الموافقات أن يتعاقب على وزارة الدفاع منذ عام (1363) حتى عام (1444) ثمانية وزراء، هم الأمير منصور وشقيقه الأمير مشعل، والأمير فهد بن سعود وأخوه الأمير محمد بن سعود، والأمير سلطان وشقيقه الملك سلمان، والأمير محمد بن سلمان وشقيقه الأمير خالد ين سلمان، والله يرحم الراحلين، ويبارك في الباقين، ويكتب لهم السداد والنصر المبين. ومن الوزارات ثلاث مقتصرة على الأمراء هي الدفاع والداخلية والحرس، وهي التي أصبح وزراؤها ملوكًا فيما بعد إضافة إلى وزارتي الخارجية والمالية دون باقي الوزارات.

هذا جانب لا مناص من معرفته عن سيرة رجال دولة خاض أوائلهم الفرسان في لجج معارك التأسيس والتكوين، وجابوا لأجلها الصحاري، وخاضوا في البحار، وقطعوا السهول، وارتقوا للجبال، وعاهدوا وصدقوا ما عاهدوا حتى فتح الله لهم وعليهم، ومكنهم في الأرض وآثرهم بالولاية والنصر، ثمّ حمل الراية العزيزة من بعدهم أحفاد تلو أحفاد، وأكملوا المسيرة وفق مقتضيات الحاضر بما فيها من تأسيس وتوحيد وتنظيم وتجديد يحفظ الأصول والعراقة، ويزيد من المناعة والثقة، وينافس في الميادين كافة المدني منها والعسكري، والقديم والجديد، وإنها لأمانة صعبة مجهدة، أعانهم الله على حملها، ووفقهم للأداء المثمر في الحاضر والمستقبل، وألّف بين القلوب والمواقف بالصدق والإخلاص واليقين في الغيب والشهادة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف -الرياض

ahmalassaf@

الثلاثاء غرة شهرِ شعبان عام 1444

21 من شهر فبراير عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)