عرض كتاب قراءة وكتابة لغة وأدب

جدل في عولمة المعرفة واللغة

جدل العولمة
Print Friendly, PDF & Email

جدل في عولمة المعرفة واللغة

بعد أن قرأت وكتبت عن كتابي المؤلف السابقين “تصفية استعمار العقل” و “الكاتب والسياسة”، تيسر لي قراءة كتابه الثالث في هذا السياق النضالي الشريف، والله ييسر ترجمة كتبه الباقية وسيرته الذاتية. عنوان الكتاب هو: جدل العولمة نظرية المعرفة وسياساتها، تأليف: نغويي واثيونغو، ترجمة د.سعد البازعي، صدرت الطبعة الأولى منه عام (1435=2014م) عن هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، ويقع في (163) صفحة مكونة من إهداء الترجمة إلى أنجال المترجم جواهر وريما وعلياء ومشعل، وإهداء المؤلف إلى رفاقه في النضال منذ إعلان (1969)، وهؤلاء الرفاق جميعهم من دارسي اللغة الإنجليزية والمتخرجين فيها، بيد أنهم حملوا لواء تحرير ثقافتهم وأجيالهم ومجتمعاتهم من سطوتها الخانقة، كي تصبح الثقافات العالمية كلها على قدم المساواة، وليس فيها عبد أو سيد.

ثمّ يأتي عقب الإهدائين مقدمة للمترجم وهي مهمة وفيها ربط حكيم، وكلمة شكر من المؤلف، فمقدمة الكتاب وهي تأسيسية مهمة، لتبدأ بعدها أقسامه الأربعة التي يتلوها كشاف بالأسماء والمواضع. وسوف أستعرض أدناه أهم الأفكار الثقافية والكتابية الواردة في الكتاب باختصار قدر الإمكان، وبأقل ما يمكن من التدخل الصياغي، علمًا أن بعضها من منقول المؤلف لا من مقوله، وسيكون من الخير للقارئ المعتني أن يطالع الكتاب كاملًا، فمنها:

  1. إن انكفاء الحضارة على نفسها يدمرها، فالتواصل هو أكسجين الحضارة. أيمي سيزير.
  2. نظرية الفقير تعني الحصول على الحد الأعلى من الإمكانات الكامنة في الأقل.
  3. تنتقد نظرية الفقير جعل كثافة الكلمات بديلًا عن كثافة الفكر.
  4. لم يبدأ جدالنا الثقافي والفكري في دهاليز الجامعة وإنما في المقاهي الشعبية.
  5. بعض الأساليب الكتابية صارت مثل هدية مغلفة بعدة طبقات من الورق الملون الذي يعظِم آمال متلقيها فيصرف وقتًا وهو يفتخها ليجد في النهاية شيئًا صغيرًا لا قيمة له!
  6. قد يضطر الإنسان لأن يحفر طبقات من الأوساخ كي يصل إلى جوهرة مطمورة تحت الأرض.
  7. يمكن أن تحجب كثافة الكلمات وضوح الفكر.
  8. يستطيع الفنان أن يوجد الجمال من المهملات.
  9. العالم كله مسرح بالنسبة للأدب.
  10. يمكن للنصوص حسب هوية الناظر لها أن تعكس أحيانًا لمحات مباشرة أو خاطفة لعلاقات محتملة.
  11. لابد من تقدير قيمة القراءة المدققة للنصوص.
  12. تركت القراءات النقدية أثرًا قويًا على مفرداتنا.
  13. على الكاتب الاستماع إلى كل الأصوات التي سبقته.
  14. بعض القصص الإفريقية التي كتبت بالإنجليزية لم تكن لتنسجم مع العمق التراثي والتاريخي لأصولها.
  15. تساعد الرواية على تنظيم فوضى التاريخ والتجربة الاجتماعية والحيوات الداخلية وتمنحها المعنى.
  16. كتاباتي هي محاولة لفهم نفسي وفهم التاريخ.
  17. وصف سيزير الفوضى التي أحدثها الاستعمار بأنها استنزفت من المجتمعات جوهرها، وداست على ثقافتها بالأقدام، وقوضت مؤسساتها، وحطمت إبداعاتها، ومسحت من الوجود إمكانات استثنائية.
  18. كانت القصة ملجئي حين بحثت عن طريقة لتنظيم تاريخي.
  19. كتابة رواية ساعدتني على فهم أفضل للقوى الكامنة في العولمة أكثر مما ساعدتني تحليلاتي الواعية للظاهرة نفسها.
  20. تصبح النظرية قوة مادية حالما تسيطر على الجماهير.
  21. صرت أتأمل في أشياء كثيرة منها مستوى إدراكي للتاريخ ولممارسة السرد.
  22. بدأت على نحو واع أبحث عن العلاقات في الظواهر حتى تلك التي تبدو غير مترابطة.
  23. ليس هناك عرق يحتكر الجمال أو الذكاء أو القوة.
  24. ترك كتاب فرانتز فانون المعذبون في الأرض أثرًا كبيرًا على عقول الطلبة الأفارقة.
  25. كانت أسئلة الهوية تغلي برأسي مع مزيج من الأدب الإنجليزي ووعي بآداب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية مما جعلني غير منسجم مع اللحظة التي أعقبت الاستعمار.
  26. يحتكر المحتل التعليم في محتواه وشكله وفضائه ونظام توصيله.
  27. يسعى المحتل إلى إنشاء هندسة اجتماعية جديدة وإعادة تكوين ذهني غريب وإقناع المقهورين بأنه يعمل كل شيء لمصلحتهم.
  28. في تاريخ الأفكار نلحظ أن بعض الفلاسفة اعتمد على بعض مما جعل التحيز يعزز التحيز حتى أصبح حقيقة لا تناقش ومبدأ سلطويًا.
  29. لعلم الأنثروبولوجيا أصول استعمارية أثرت على الجغرافيا الثقافية وصيرت المستعمر صانعًا للتاريخ.
  30. بعض الحقائق شحنت بمواقف وافتراضات جعلت أوروبا بداية التاريخ والمعرفة.
  31. الترتيب المكاني والزماني للمعرفة يمكن أن يكون تعبيرًا مقصودًا أو غير مقصود عن علاقات القوة.
  32. العملية الاستعمارية تشتت الذهن عن المكان الذي يعرفه أهله فيما سبق.
  33. لا يكتفي الاستعمار بإحكام قبضته على الشعب وتفريغ العقل المحلي من محتواه بل لابد من استسلام الماضي والأدب والطريق لصالح المستعمر وماضيه وأدبه.
  34. في العملية الاستعمارية تغريب مستمر عن القاعدة، وفيها بحث عن الذات من خارجها أو بعدسات شخص غريب.
  35. كتب بلايدين عن طفل يثور على الرؤى الاستعمارية لكنه يقبلها فيما بعد، ويشير إلى أن هذا الإفريقي اعتنق المزاعم حول نفسه أو خضع لها، وانتهى إلى أن أمله الوحيد في الصعود يكمن في السعي خلف كل ما هو أشد اختلافًا عنه وأكثر مغايرة لذائقته.
  36. لقد كان الأدب رفضًا لرؤية المحتل وتأكيدًا على الصوت المحلي، وهو وثيقة إعلان عن التغيير لدى أهل البلاد المحتلة.
  37. المطالبة بماضي مسؤولة عن إحداث التغيير لدى السكان الأصليين، إذ تهيئ الشعب للتطلع نحو ثقافة وطنية في المستقبل كما كتب فرانتز فانون.
  38. الترجمة وسيلة للإثراء المتبادل، ولمنح حياة جديدة بلغة أجنبية لنص فقد معناه في لغته الأصلية بسبب كثرة الاستعمال التي نتج عنها ألفة مستحكمة.
  39. صار الكتاب الإلكتروني أيسر من القهوة سريعة التحضير.
  40. أنتج العالم الافتراضي النظام الثالث لآدم وهو الحاسوبية إلى جانب التربية والطبيعة، وهذه الحاسوبية تعبر حاجز الزمان والمكان خلال ثواني، والأكثر تأثرًا هو حركة الأفكار.
  41. من المهم التوازن بين الأدبين القومي والعالمي، فمع الحفاظ على خصوصية الأول، نعتني بالثاني ونتفاعل معه.
  42. ترفض الأعمال الخيالية التقيد بجغرافيا قومية.
  43. في القراءة نبحث عن أفضل الأساليب لجعل أقصى ما في النص متاحًا للإنسان ويتحدث إلى ثقافتنا ويتحاور مع النصوص الأخرى.
  44. الترجمة أهم حلفاء الأدب العالمي والوعي الكوني، وهي تفتح بوابات السجون القومية واللغوية.
  45. جاءت هيمنة الكتابة على الشفاهية مع مجيء المطبعة، وكانا حليفين فيما مضى لا متعارضين.
  46. أدرك البعض أن الكتابة هي القوة!
  47. كل الثقافات في العالم لها جذور في الأدب الشفاهي.
  48. ظهور عبارات شفاهية جديدة تنعكس في المكتوب والعكس صحيح.
  49. أصبحت المشافهة تنتقل عن طريق الكتابة بالمشافهة الرقمية، وبذلك تجدد التحالف بينهما.
  50. حقيقة الشفاهية والكتابة أنهما في علاقة شبكية لا تراتبية.

وفي الكتاب أفكار كثيرة تعبر عن نضال مؤلفه المعرفي والثقافي المؤسس على اللغة المحلية، والمنطلق من الكتابة، وهي حكاية جديرة بأن تنشر وتشهر؛ لأن العرب والمسلمين يشتركون مع الشعوب الإفريقية في الضغط الاستعماري الثقافي والفكري، والتحرر من هذا الجاثوم واجب بكل معنى. وقد أجاد المترجم -والشيء من معدنه لا يستغرب- في الترجمة، والتوضيح، ونقل الكلام وروح المعاني، والإبقاء على الجذوة المشتعلة في نفس المؤلف حية حاضرة مع الترجمة؛ فلكأن كاتبنا الكيني بفكره المعروف قد كتب هذا النص العربي المبين، ولا غرو فهذا الكتاب كما يقول المترجم يكتب أهميته من موضوعه، وكاتبه، ومن سياقه الفكري على وجه الخصوص؛ لأننا نعاني من ثقافة آتية من اتجاه غربي واحد يمارس التحيز ضد الثقافات الأخرى، وواجب الأحرار انعتاق أذهانهم قبل أجسادهم من تلك الهيمنة البغيضة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-المجمعة

ahmalassaf@

الخميس 10 من شهرِ رجب عام 1444

02 من شهر فبراير عام 2023م

Please follow and like us:

2 Comments

  1. على كثرة مكوثي وطول إقامتي في مدونتك؛ لم يتبقى لي سوى أن اجعل لي شذرة توقيع ملازمة لكل مقالاتك، إلا أني لا أعرف كيف لم اتوقف عند هذه المقالة الجوهرية، التي لفتني فيها براعة تلخيص النقاط المهمة فيها، لكن يبدو أنه الانشغال الشديد المؤرق في المقاطع الصوتية التي لم تسمع،
    على أية حال..
    راق لي كثيرا بل وجدا أنه “تساعد الرواية على تنظيم فوضى التاريخ والتجربة الاجتماعية والحيوات الداخلية وتمنحها المعنى، وأيضًا “كتابة الرواية ساعدتني على فهم أفضل للقوى الكامنة في العولمة أكثر مما ساعدتني تحليلاتي الواعية للظاهرة نفسها.”؛ وهذا يرد على كل من لا يلقي أهمية للروايات وتأثيرها في احداث ثقافة وعي..
    هناك كتّاب يمتلكون في كتاباتهم عبقرية الصنعة فقط، ولا تخدم كتاباتهم سوى تفشي الأمراض الاجتماعية ونشر البؤس وترغّب إلى الجنوح الفكري الذي لا يهدف إلا لزعزعة القناعات الصحيحة، لكن هناك عبقرية الفن لدى الكاتب والذي يهدف من خلال كتاباته إلى بعث الحياة في نفوس القرا ويضع رؤى تجعلهم أكثر تحررًا ويرسم الاطار الصحيح للأخلاق الوطنية ورفع حس المسئولية الإنسانية، عجبتني المقالة جدًا وسوف اطلع على بقية المقالات المرتبطة بها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)