سير وأعلام

أربعة وزراء من جلاجل

Print Friendly, PDF & Email

أربعة وزراء من جلاجل

طربت لصورة انتشرت خلال افتتاح قصر الربيعة الأثري في مدينة جلاجل بإقليم سدير وسط المملكة، وسبب طربي أن الصورة تصف العراقة بالحفاظ على التراث والتاريخ وذكريات المكان والأجداد، وتشير إلى الأصالة بخدمة البلد وأناسه وزواره، وتثري المادة المعرفية والبلدانية والسياحية عن ديارنا الفخمة، وتؤكد على روابط الصلة بين أبناء الأسر العريقة في المحلة الواحدة، وترسخ المحبة التي تتجاوز أطر المكان وحدود الإقليم، وأسفرت هذه المحبة عن وجهها الوضيء من شدة احتفاء الناس بتلك الصورة دون أن يكون لهم بها علاقة من قريب أو بعيد، ثمّ إني ياقوم طربت لكثرة الأصحاب من أهل هذه البلدة ومحبة لهم ولها، وآخر دواعي الإطراب -وفيه بقية لا تنتهي- أنها جمعت بين أربعة وزراء من أهل جلاجل.

تقع مدينة جلاجل ضمن إقليم سدير أحد مكونات منطقة نجد وسط المملكة، ومن وفرة النخيل والتمور والمياه فيها أنها سميت أحساء نجد أو الأحساء الصغرى، وكم أتمنى لو رجعت الفرص الزراعية لها ولغيرها بأساليب عصرية في العمل والإنتاج والتسويق، خاصة أن الطلب على التمور لا ينقطع، والحاجة لبعض المحاصيل الزراعية يومية مستمرة، وهي من سبل الرزق والاكتفاء، وتوسيع دوائر العمل، وتقليص أرقام البطالة، وهو هدف مبتغى.

كما تمتاز جلاجل بترابط أسري ظاهر في بيوتها الكريمة المنجبة، وأدل شيء على ذلك الكثرة الكاثرة للملتقيات الأسرية لأهلها في جلاجل أو في الرياض، وبعضها قديم، وفيها تنوع وثراء وتجديد في البرامج والأفكار، وكم أفادت منهم الأسر في المناطق السعودية الأخرى. ولجلاجل حضور تاريخي في أحداث الدولة السعودية الثانية، وفي استعادة الإمام فيصل بن تركي السيطرة على قصر الحكم بالرياض، ولبيت الإمارة فيها من آل السويد النبلاء، وللأسرة النابهة من آل المنديل، علاقات التقاء مع أسرة آل السديري الشهيرة خؤولة الملك عبدالعزيز، وخؤولة ثلاثة عشر ابنًا من أنجاله منهم الملكان فهد وسلمان، وهذه العلاقات ثنائية الأطراف؛ فهي من جهة الأب بالانتساب المشترك إلى فخذ البدارين من قبيلة الدواسر الكبرى، ومن جهة الأم إذ أن أسرة السويد أخوال للأميرة حصة الأحمد السديري، وهي أميرة تاريخية كونها زوجة ملك، ووالدة ملكين، وجدة ملوك، رحم الله الراحلين، وحفظ الأحياء. 

ومن خبر جلاجل التاريخي أن آل المنديل كانوا وكلاء للإمام عبدالرحمن الفيصل وللملك عبدالعزيز في الزّبير وأمام الحكومات في بغداد وإسطمبول، وهم موضع الثقة والتجلّة والإخلاص عند الأسرة السعودية الملكية، حتى أن الوزير الوجيه الشيخ عبداللطيف باشا بن إبراهيم المنديل (1285-1359) شارك في الحضور مع الملك عبدالعزيز في اللقاءات السياسية المهمة، وجعله الملك ممثلًا عنه في بعضها، ويخاطبه الملك المؤسس بالخؤولة، وأخذ منه كنيته وأطلقها على أحد أولاده وهو الأمير ماجد (1357-1424)، وللباشا مواقف من الإخلاص والدفاع عن المملكة حتى وهو عضو في أكثر من وزارة عراقية، ولم يخف عاطفته السعودية داخل مجلس الوزراء العراقي، وعندما استقال من الحكومة العراقية سقطت الوزارة بأكملها، علمًا أن الباشا فيما أعلم هو أول نجدي في التاريخ المعاصر يسمى وزيرًا، ويصبح عضوًا في مجلس للوزراء، وذلك عندما اختير وزيرًا للتجارة في أول حكومة عراقية في العهد الملكي عام (1339=1920م) برئاسة عبدالرحمن النقيب، وتكررت عضوياته الوزارية والتمثيلية، وهذه تسجل لصالح جلاجل وتاريخها، فضلًا عن كونه رجل دولة كبير.

أما عدد الوزراء من أبناء جلاجل في تاريخ مجلس الوزراء السعودي حسب الإحصاء المتوافر لدي فهو أربعة، وهم على الترتيب مع حفظ الألقاب: د.عبدالله الربيعة، ود.توفيق الربيعة، وأ.محمد الجدعان، وأ.فهد الجلاجل، ومن اللطيف أن الصورة الباسمة المتداولة من المناسبة التي هزتني وبعثت فيّ الرغبة للكتابة قد راعت هذا الترتيب الزمني، وإن هذه المراعاة، وتقديم الكبير والأسن والأول، لمن علائم المروءة، وأعمال العراقة والسمو.

وقد دخل الطبيب العالمي الشهير في عمليات فصل التوائم د.عبدالله الربيعة إلى المجلس عام (1430) وزيرًا للصحة حتى عام (1435) وهو وزيرها الثالث عشر، وانضم د.توفيق إلى عضوية المجلس عام (1433) وزيرًا للتجارة والصناعة وهو الوزير العاشر لها، وأصبح الاقتصادي والقانوني أ.الجدعان الوزير العاشر للمالية عام (1438)، وأخيرًا صار أ.الجلاجل وزيرًا للصحة عام (1443) بعد سنوات قضاها نائبًا لوزيرها د.توفيق الربيعة، وعليه فالجلاجل هو وزير الصحة الثامن عشر، علمًا أن هؤلاء الوزراء الأربعة كانوا في مناصب عليا قبل تسميتهم وزراء وبعد نهاية العضوية المجلسية لأولهم، إذا خدموا في مدن صحية وصناعية، وفي مراكز إنسانية بارزة تحمل اسم ملك البلاد، وعلى رأس سوق الأسهم السعودي وهو في تصنيف عالمي متقدم في الترتيب والحراك والسيولة، وأما تخصصات الوزراء الدراسية فهي: الطب، والإدارة، والاقتصاد، والحاسب الآلي.

ومما يلفت النظر في هذه القائمة أن ثلاثة منهم تولوا مسؤولية وزارة الصحة، ومن الطريف حضور الخبير الاقتصادي الكبير والدبلوماسي السعودي أ.عبدالله القويز لتلك المناسبة التي جمعت الوزراء الأربعة، وهو من أساطين المشي ورياضة تسلق الجبال متعه الله بالصحة والحبور والعافية. ومن أخبار الوزراء من جلاجل أنهم انفردوا بتزامن ابني عم في عضوية المجلس، وهما وزير الصحة د.عبدالله الربيعة وابن عمه المباشر د.توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة؛ وفيما بعد خلف الثاني الأول على وزارة الصحة وإن لم يأتِ بعده مباشرة، وهما أول ابني عم يجتمعان في المجلس من غير الأمراء حسب علمي.

إضافة إلى ذلك، يمتاز د.توفيق الربيعة بأنه درس أكثر من تخصص خلال حياته الجامعية مثل الإدارة والحاسب الآلي وربما غيرهما، وهو الوزير الوحيد في عضوية المجلس الحالي الذي كان وزيرًا في أواخر عهد الملك عبدالله -من غير أنجال الأسرة الملكية-، ولم يسبقه في العضوية من غير الأمراء سوى أربعة وزراء حاليين، وهم من وزراء عهد الملك فهد، علمًا أنه تنقل في ثلاثة حقائب وزارية بالأصالة، وبالتالي فهو واحد من ستة وخمسين وزيرًا “معددًا” بالحقائب فقط! وأصبح د.توفيق أول وزير للحج والعمرة من غير المنطقة الغربية، وفي معرض الرياض للكتاب المنقضي آنفًا تسابق القراء لشراء كتاب حديث الصدور عن وزارة الصحة ووزيرها إبان نازلة كورونا حتى نفدت نسخ الكتاب الذي تسامع الناس به وتناقلوا خبره باحتفاء، وهو يحكي طرفًا من سيرة الوزير الموفق على أمل أن تدون كاملة فيما بعد.

أشير أخيرًا وهو من الوضوح بمكان الشمس في رائعة النهار بلا غيوم، ومنزل القمر المتوسط سماء صافية ليلة المنتصف، بيد أني مضطر للإشارة تحسبًا لأيّ سوء ظن أو فهم، وقطعًا لدابر أي تأويل جانح، والإشارة هي أننا نحن أبناء هذا البلد المقدس -المملكة العربية السعودية- نراه وطنًا واحدًا له ولأهله الحقوق نفسها، وعليه وعليهم الواجبات ذاتها، بلا تفرقة أو تمييز، من أقصى شرق شرقه إلى أبعد غرب غربه، ومن آخر شمال شماله إلى أعمق جنوب جنوبه، ولا فرق البتة إلّا فيما تقتضيه أحوال شرعية للحرمين، أو تنظيمات إدارية واقتصادية وعسكرية وسياسية للعواصم ولبعض المدن لأسباب اقتصادية أو سياحية أو حدودية، أو غير ذلك مما لا يخالف فيه عقل قويم وسلوك مستقيم، ومقتضى هذه الإشارة أن جميع المسؤولين الميامين المخلصين يخدمون البلاد كلها بلا مثنوية، وأن مسألة الحصص والنِّسب ليست واردة لا في الأذهان ولا على مستوى القرار، وهي ليست منتظرة، وليست من الحكمة ولا المصلحة الشرعية ولا التنموية أبدًا، والله يديم علينا الألفة والاجتماع والإخلاص والأمن والإيمان، واستصناع أهل الثقة والإنجاز من رجال الدولة الأقوياء الأمناء.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الخميس 25 من شهرِ ربيع الآخر عام 1445

09 من شهر نوفمبر عام 2023م

Please follow and like us:

2 Comments

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مساء الخير ابو مالك مقال رائع بروعة كاتبه لي موعد منك عزيزي بتشريفنا اتمنى ان يكون قريب حفظك ربي ورعاك وأصلح لك النيه والذرية وغفر الله لوالدينا وذرياتنا أجمعين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)