إدارة وتربية سير وأعلام

إصبع محمد بن واسع فما فوقه!

Print Friendly, PDF & Email

إصبع محمد بن واسع فما فوقه!

في الإِصبَع عشر لغات حسبما يذكر العلماء في كتبهم، ونقلًا عن حساب المفتي اللغوي على منصة إكس؛ فهذه اللغات هي: إِصبَع (الأفصح)، إِصبِع، أُصبُع (فصيحتان)، أُصبَع، أَصبُع، أَصبَع، أَصبِع، إِصبُع، أُصبِع، أُصبُوع، وهذا الحساب الذي يقوم عليه عالم لغة ونحو جدير بالمتابعة والاقتباس منه. ومن طريف ما أذكره أني سمعت الشيخ الفقيه محمد ابن عثيمين (1347-1421) -رحمه الله- يشترط على قارئ الأسئلة عليه في الحرم الشريف ألّا يلحن، وعندما وردت في سؤال كلمة “إصبع” سأله الشيخ كيف تُنطق؟ ثم أخبر المستمعين أن فيها عشر لغات فلا يكاد أن يخطئ بها أحد، وهذا أسلوب من التعليم ونشر الفوائد إذا وجدت المناسبة، وما أعظم العناية بلغتنا العربية الجميلة.

أما محمد بن واسع (40-123) -رحمه الله- فرجل من سادات قومه الأزد، وقد ساد في البصرة زمنًا، وهو من التابعين العابدين الثقاة. وترجع قصة إصبعه إلى كلمة مروية عن الأصمعي يقول فيها: “لما صافّ قتيبة بن مسلم الترك وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع، فقيل: هو ذاك في الميمنة يبصبص بإصبعه نحو السماء، قال: تلك الإصبع أحب إليَّ من مئة ألف سيف!”، ولإتمام الفائدة فرفع الإصبع هو أحد الطرق الواردة في السنة العملية الشريفة مع الدعاء رجاء الإجابة، وهو من صور الإلحاح والتضرع.

ولإكمال المعلومة فالأصمعي هو عبدالملك بن قريب الباهلي (123-216)، وهو راوية عربي وعالم كبير باللغة والأدب والشعر، وقد قرأ أشعار هذيل على الإمام الشافعي مما يدل على مكنة هذا الإمام الفقيه اللغوية، وقتيبة بن مسلم الباهلي (44-96) قائد مسلم شجاع، سار بالجيوش في أعماق آسيا وفتح عدة بلاد منها، وكتب له أجر من دخل الإسلام من أهلها إلى قيام الساعة، وأنعم وأكرم بباهلة وأسرها وتاريخها، والقول يعاد مع القبائل والشعوب المباركة كافة.

ومع شجاعة هذا القائد الفارس، واعتباره بالقوة المادية، واتخاذه للأسباب بعد التوكل على الرب الواحد القهار، إلّا أنه فرح حينما علم بخلوة أحد العباد من جنده بربه ومولاه، يناجيه ويدعوه ويبتهل إليه، حتى قال هذه الكلمة المعبرة الصادرة عن رجل بصير بالحرب، خبير بالقوة، عارف بالسياسة والحكم، ولم يجعل من صنيع أحد الجنود سببًا لانتقاص الفعل، أو التهكم عليه، أو الاعتراض على التوقيت، وهذا من الحكمة والتوفيق الرباني، وربما أنه ما سأل عنه إلّا ليحضه على الدعاء، فيا لله أيّ تأثير لإصبع الرجل التقي النقي في قوة الجيش وعزمه ومضائه برفع اليقين والثقة لدى قائده!

لذلك يا أيها الناس لا تستقلوا أيّ شيء في الدفاع عن بلادكم، ونصرة إخوانكم، وتقديم العون المعنوي والمادي للضعفاء والمظلومين، دون مخالفة نظام سائد، أو مناكفة نهج متبع، أو إحداث خلل وضرر؛ فالميدان رحب، والأوضاع مهيئة، والإمكان متنوع، ولو أن تكون المشاركة بانفطار قلب، أو حرقة كبد، أو دمعة عين، أو لهج لسان بالدعاء؛ ففي الحديث: “هل ترزقون وتنصرون إلّا بضعفائكم؟ بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم؟”، وقد يعلن المرء عن مشاعره النبيلة بتسلية أو توجع أو مؤازرة، وكم في المقال والعاطفة من آثار تسعد أهل الابتلاء والمحن، وتخفف عنهم وتزيدهم صبرًا وثباتًا.

كما يمكن الإسهام بفعل الامتناع والمقاطعة، أو بالحث والبث والبيان، أو برفع الوعي وإحياء الحمية والغيرة، أو غير ذلك مما يقدر عليه المخلصون وأصحاب المواهب وحملة الهمّ باختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة وسبل المقدرة، فإن عجز المرء عن شيء من ذلك فلا أقلّ من أن يصمت ويسلم منه الأقربون وأهل الإقدام، كي لا يدخل الإنسان في زمرة الأعداء البارزين أو المندسين، أو يحسب من طائفة المرجفين والمخذلين.

وكم ترك الأول للآخر، وما أفسح الساحات بعد انتشار التطبيقات والمنصات، وسهولة التواصل، وخوارق الذكاء الاصطناعي، وفشو إجادة اللغات، والقدرة على الكتابة والتعبير بالرسم والتصوير والتعليق ولو في مباراة شعبية، أو عبر لعبة إلكترونية يتقاطر عليها الشباب والأطفال من حضارات شتى، ولن يوصف المعلّق بضعف البصر والبصيرة إلّا من ضعيفهما أو عديم إحداهما على الأقل!

ومن هذا الباب معرفة المحركات لمختلف المجتمعات والبيئات والقوى الشعبية، واغتنام كثرة المجتمعات والمؤتمرات والملتقيات المهنية، ومن حرص وبحث فسوف يجد المجال أرحب مما يظن، وسيرى أن الباب الذي أغلق يفتح المولى بدلًا عنه عدة أبواب، وأن سمّ الخياط إن وجد في ناحية محكمة الإغلاق والخناق؛ فسوف يقابله منافذ متاحة في ناحية أخرى، وكلها مواضع تنادي أصحاب المروءة والنجدة والهبة الرشيدة، وتدعو للعمل، والانتصار، والمراغمة، وإغاظة الشياطين، ونفع البلاد والعباد، ومدافعة الأعادي وصدّ العدوان، فلا تقعد يا أيها الغيور حتى وإن كنت من ضمن القاعدين، وكن ممن نصر الله القوي العزيز، واطمئن فمغالب الغلاب سوف يُغلب ولا جرم!

ثم تبقى كلمة، فما أغنى تراث أمتنا العلمي، في سير أفذاذها وتراجمهم وتاريخنا، وما أجدر ذلكم الإرث العظيم بالتفتيش الدقيق للبحث عن العبر في الأفعال أو الأقوال، ثم نشرها، والتعريف بالكرام النبلاء من أطرافها، مع شيء من أخبارها وحوادثها للاعتبار وإنارة المدارك، ومثله النظر الدائم في لغتنا المقدسة الراقية، فهي التي تعلّم العزة، والأنفة، والمروءة، وهذا في جميع علومها المستملحة والصعبة، ففي شعر النخوة والقوة رسالة، وفي الفاعل الذي لا يرضى أن يكون مفعولًا به رسائل وأيُّ رسائل!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 17 من شهرِ ربيع الآخر عام 1445

01 من شهر نوفمبر عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)