سير وأعلام

أثير السبهان وهذا مصير الإنسان!

Print Friendly, PDF & Email

أثير السبهان وهذا مصير الإنسان!

رحم الله الطبيبة واستشارية طب الطوارئ د.أثير بنت ماجد السبهان، وأحسن وفادتها عليه؛ فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلّا من صالح العمل، ولسان الصدق والذكر الخالد في العالمين بما يتبعه من دعاء واقتداء واستغفار. وقد أيقظتنا هذه الفتاة الطيبة برحلتها المفاجئة إلى رقدة أبدية تحت أطباق الثرى لا قومة بعدها إلّا مع نفخة الصور، ومبعث الناس ليوم طويل، وإنه لآتٍ قريبًا وإن رآه البعض بعيدًا.

ولا عجب من تواتر الحزن برحيل هذه الطبيبة الشابة المحتشمة؛ فقد كانت حسب رواية الشهود مطيعة لربها، بارة بأسرتها العريقة، متقنة لعملها، ناشرة للفأل، حريصة على التعليم والمؤازرة، ولنعم التربية التي تجعل من المرأة المسلمة كذلك في شبابها وما يعقبه من مراحل عمرية، وهو الحقيق بالبيوت النبيلة، والأسر الماجدة؛ ذلك أن المرأة ركن ركين، وشريك وأساس متين، وفي ثباتها يكمن الصمود والنصر.

فمن خبرها أنها ساندت زملاء الاختصاص الطبي المهم على ندرتهم، وخطورة عملهم، ولم تكتف بالمساندة العملية لمن كان مزاملًا لها، أو قريبًا منها، وإنما عقدت العزم على تأليف كتاب في طب الطوارئ؛ كي يستفيد منه الأطباء العاملون في هذا الحقل الخطير والضروري، وإن التأليف والترجمة لعمل منتظر من المؤلف والمترجم لصالح بلاده ولغته وحضارة أمته؛ فكما أن دراسة بعض العلوم فرض كفاية حين يتحقق الاكتفاء؛ فكذلك التأليف فيها والترجمة عن الآخرين حولها.

أما سيرتها العملية الطبية؛ فيمكن الوقوف عليها من حديث زميلاتها ومرضاها، فهي تستقبل المريض وآله بما يدخل الطمأنينة إلى قلوبهم، وما أحوج أهيل البلاء إلى من يعاملهم برحمة ولطف مهما كانوا؛ لأنهم في كرب وليس من المروءة حمل كرب آخر عليهم. وقد ذكرت إحدى الطبيبات أنها وجدت في ملف مريضة عندها تفصيلًا واضحًا كافيًا كتبته د.أثير عن حالتها الصحية، وهذا صنيع يوصف بالإخلاص، والحرص، والاتقان، والنصح، والبعد عن العجلة التي ابتلي بها الإنسان، وإنها لمحامد ومفاخر، والأجر عند الرب الكريم سبحانه.

كما روي عنها التعبّد لله بالفأل ونشره، وبالبسمة وإدامتها، وبطيب الكلام ونشره، وبالحث على الأذكار والأدعية، مع الثقة بالنفس، ومواجهة صعاب الحياة التي ليس منها بد، وذلكم من فقه النفوس الزكية؛ فالصبر قوة مانعة من الجزع، ومثله الإيمان بالقضاء والقدر، فهما ليسا من الخور أو النكوص. وإن الصلاة والقرآن والأذكار واستقرار النفس من القوى المانعة للانكسار أو حطمة الروح والذات تحت مطارق الأحداث، وما أشدّ الحاجة لاجتماع هاتين القوتين؛ فيهما المنع والدفع.

ثمّ إنه حين شاء الله للدكتورة أثير أن تترحل عن عالمنا بلا مقدمات، أصبح في رحيلها عبرة وعظة لنا معشر اللاهين اللاهثين؛ فكم هي قصيرة الحياة، وكم فيها من غيب مخبوء لا يعلمه غير ربنا العليم الخبير الذي يعلم السر وأخفى. وهي فرصة بعد الثناء على هاتيك النسمة الطاهرة التي عبرت من عالمنا إلى البرزخ، أن ندعو مولانا الرحمن الرحيم لها بالمغفرة والعفو، ورفعة الدرجات وتعظيم الحسنات بعد قبولها، ولوالديها وعامة أسرتها العريقة بالصبر والسلوان، وهو عزاء يمتد إلى زملائها في طب الطوارئ القليلة أعدادهم، وللطاقم الطبي والإداري والفني بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، ولنا أهل البلاد واللغة والدين المشترك.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 17 من شهرِ رجب عام 1444

08 من شهر فبراير عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)