سير وأعلام

إبراهيم السويل: الوزير وسفير الأزمنة الصعبة!

إبراهيم السويل: الوزير وسفير الأزمنة الصعبة!

نحن أمة لا ينقصها شيء من المواهب الجبليّة، ولا يعجزها تحصيل القدرات القابلة للاكتساب، وأبرز دليل على ذلك مراجعة سير كثير من النابهين في أبواب عديدة من العلوم والفنون والمهارات والمنجزات. وإن أمة هذا شأنها لن تعوزها الثقة بنفسها بعد التوكل على الله، فإن اجتماع الجبلّة والعزيمة والثقة مع التوكل لمما يصنع الفرق، ويحول دون الانكسار أو العجز أمام المصاعب والعوائق.

وهاهنا سيرة رجل من رعيلنا السابق، هو الوزير الشيخ إبراهيم بن عبدالله بن عبدالعزيز السويل (1334-1397=1915-1977م)، الذي لم يتعذر بشح الفرص، ولم يتوارَ خلف واقع من القوة التي يمتلكها الآخرون، أو يتنازل تحت ضغوط الحياة، أو ينسحب من المشهد المغطى بالضباب أحيانًا؛ حتى كان من الأمثلة الناجحة التي يحسن الحديث عنها لجيل آتٍ نحو مستقبل مزدحم بالمنافسين والمناوئين، وإلى عصر تكثر فيه الغدرات والعثرات ومحاولات التعكير والتعطيل؛ ذلك أن اتصال السند بالعظماء وذوي الكفاءة والصلابة جدير باستبقاء هذه المعاني التي لا تنقطع الحاجة إليها.

درس الشيخ على يد والده وهو إمام مسجد في عنيزة، وله اشتغال بعلوم الشريعة الغراء، وممن يطبع الكتب على نفقته. ثمّ أكمل الدراسة في مدارس مكة وبالمعهد العلمي السعودي، فابتعث لمصر عام (1355=1936م)، ولا يوجد لدي علم أكيد في أيّ كلية درس وتخرج، وهي محصورة بين كلية دار العلوم، أو كلية السياسة والاقتصاد، وكلاهما من معاهد العلم العريقة في مصر ذلكم الزمان، ويُروى بأنه أول نجدي تخرج في جامعة مصرية، وبعض معلومات سيرته تحتاج إلى مزيد مراجعة وتحقق، وعسى أن يتم هذا المطلب، علمًا أن خبر بعثته منشور في صحيفة أم القرى.

ثمّ عمل أبو فيصل في وزارة الصحة أو في التعليم قليلًا، بيد أنه عمل كثيرًا في وزارة الخارجية إن في ديوانها أو بعثاتها، إلى أن وصل إلى أرفعها وكيلًا للوزارة عام (1374=1954م)، ثمّ أصبح الوزير المفوض عام (1375=1955م). وعقب ذلك ارتقى إلى مناصب مهمة، وهي حسب الترتيب الزمني: السفير السعودي في العراق عام (1375=1955)، ثمّ وزير الخارجية عام (1380=1960م)، وبعدها خرج من الوزارة وعمل مستشارًا خاصَا بمجلس الوزراء عام (1381=1961م)، ومنه قفل إلى عضوية المجلس وزيرًا للزراعة عام (1382-1384=1962-1964م)، وهو واحد من وزراء سبعة أعيدوا للمجلس كرة أخرى، وبعد ذلك اصطفي سفيرًا للسعودية في أمريكا عام (1384-1395=1964-1975م)، وأخيرًا رجع إلى الرياض مستشارًا بالديوان الملكي إلى أن توفي وهو في منصبه (1395-1397=1975-1977م). ومن اللافت أن الشيخ إبراهيم شارك مع لجان مبكرة لكتابة نظام الحكم وغيره من الأنظمة المهمة، ولكن عملها لم يستمر، وخبر مشاركته نصّ عليه الشيخ محمد بن جبير -رحم الله الجميع-.

ويتضح لنا من هذا السياق الزمني أن الشيخ إبراهيم عاصر انقلاب عبدالكريم قاسم على ملك العراق فيصل الثاني عام (1958م)، واستضاف السفير السويل الأميرة بديعة بنت علي بن الحسين الناجية من مذابح الانقلابيين هي وأهل بيتها حتى غادرت العراق سالمة، وكان في تصرفه مخاطرة بسبب دموية الانقلابيين، وبعض الحرج السياسي، وطبيعة العلاقات بين البلدين قديمًا، لكن الله سلّم، وظلّت هذه المنقبة محفوظة للسعودية وحكومتها وملكها وسفارتها وسفيرها.

وبعد ذلك أصبح ثاني وزير خارجية للمملكة، وهو الأول من ثلاثة وزراء خارجية كانوا سفراء قبل الوزارة، والثاني الأستاذ عادل الجبير السفير في أمريكا قبل الوزارة، والثالث الأمير فيصل بن فرحان الذي كان سفيرًا في ألمانيا قبل أن يصبح وزيرًا للخارجية. وإبان وزارته القصيرة مدتها شارك في أول اجتماع لدول عدم الانحياز في بلغراد عام (1960م) رئيسًا للوفد السعودي.

وكان له موقف صلب يمثّل الموقف السعودي تجاه طلب الكويت الانضمام لعضوية الجامعة العربية عام (1961م) خاصة بعد تهديدات عبدالكريم قاسم، ومع صلابة الموقف فله نشاط حثيث داخل مقر الجامعة وخارجها، وفي المشاركة بالاجتماعات التي عقدها الملك سعود مع الوفود والزعماء، حتى أن الوزير السويل حذّر في كلمته لمجلس الجامعة من مغبّة تأخير قبول عضوية الكويت أو رفض الطلب، ولم تذهب الجهود سدى؛ إذ أصبحت الكويت عضوًا رسميًا، فشاركت بعض الدول العربية بناء على ذلك مع الجيش السعودي في قوة عسكرية لحماية الكويت؛ وربما أن سيرة معالي الشيخ جميل الحجيلان المنتظرة سوف تتحدث عن هذه الوقائع بتفصيل وإسهاب.

ولأن السويل خلف الأمير فيصلالملك لاحقًاعلى المنصب الذي شغله الفيصل ثلث قرن من الزمان وزيرًا للخارجية، كان من بصيرة الوزير الجديد أن يشاور الوزير العريق الخبير في جلّ الشؤون السياسية، واختار السويل لنفسه مكتبًا غير مكتب الأمير فيصل، الذي ما برح أن رجع إليه. وبعد مدة يسيرة قضاها السويل مستشارًا في مجلس الوزراء، اختاره رئيس المجلس وولي العهد الأمير فيصل ليعمل معه وزيرًا للزراعة، وفي تلك السنوات القليلة مثّل المملكة في رحلة إلى الصين الشعبيةتايوان”، وكان أرفع مسؤول سعودي يزورها آنذاك.

هذه الخبرات الطويلة مع سماته الشخصية كانت من أهم أسباب ترشيح الشيخ إبراهيم السويل ليصبح السفير السعودي الثالث في واشنطن، وواحدًا من أربعة سفراء وزراء، بيد أنه يتميز بأنه كان وزيرًا قبل السفارة، بينما السفراء الثلاثة سبقت سفارتهم في أمريكا تعيينهم وزراء. ومن اللطيف أن الشيخ السويل أصبح سفيرًا لبلاده في العراق وأمريكا، وقد سبقه إلى هذين المنصبين السفير الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الخيال، وهو رجل دولة حقيق بأن يكتب عنه.

ومن المهم ملاحظة بروز نجم الدكتورهنري كيسنجرخلال العقد الذي قضاه السويل سفيرًا في واشنطن بما للوزير الأمريكي من مكر وسطوة، إضافة إلى وقوع أحداث مهمة تخصّ العلاقة السعودية الأمريكية من أبرزها الحروب العربية الإسرائيلية، وقطع النفط عام (1393=1973) حتى اضطر البيت الأبيض إلى الحديث المباشر مع السفير السعودي الشيخ إبراهيم السويل؛ فعقدت لقاءات مباشرة له مع الرئيس الأمريكينيكسوننفسه الذي أبلغ السفير السعودي طلب الاستعطاف الأمريكي لرفع  الحظر النفطي، ومحاضر هذه اللقاءات يمكن الرجوع إليها مترجمة في كتاب جميل ترجمه المهندس د.حمد العيسى عن سقوط الشاه، وحصل عليها بعد الإفراج عنها ورفع صفة السرية منها، ومنها نقرأ براعة سفيرنا في الجواب والحوار.

ثمّ لأهمية الخبرة المحلية، والإقليمية، والدولية التي اكتسبها معالي الشيخ إبراهيم السويل، عيّن مستشارًا في الديوان الملكي مع تولي الملك خالد الحكم عام (1395=1975م)، بيد أن هذه المهمة لم يكتب لها الاستمرار بسبب وفاته المفاجئة وهو على رأس العمل، تاركًا سيرة من العمل والأداء تشهد لإنسان ديارنا بالذكاء والزكاء، وبالفطنة والحنكة، مع الأهلية التامة، والاستعداد الكبير لتحمل المسؤولية، وحمل الأمانة، حتى في الأزمنة الصعبة عافانا الله وإياكم منها.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّافالرياض

ahmalassaf@

الخميس 18 من شهرِ ذي الحجة عام 1444

06 من شهر يونيو عام 2023م

Please follow and like us:

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)