نافذة ثالثة إلى مجلس الوزراء الموقر
سبق لي كتابة مقالتين لهما نفس العنوان أعلاه، الأولى منهما خلا عنوانها من العدد، بينما أشرت إلى ترتيب الثانية، وسبب خلو الأولى من الترقيم أني كتبتها دون نية لمواصلة الكتابة في الموضوع مع أني جمعت مادة واسعة عنه من قراءة كتب وسير ذاتية، ومراجعة مقالات ومواقع، ولو وجدت تعاونًا ممن يملكون الوثائق لجاءت هذه المادة دقيقة جدًا؛ وهي مطلوبة وضرورية فالقارئ يبحث عن معلوماتها التي تغيب أحيانًا، وهي تزيده بصيرة بالأجهزة الحكومية، وقربًا منها، ومعرفة لرجال الدولة الكبار فيها.
وجدت من ملاحظاتي على المادة المتوافرة أن الأمير عبدالله الفيصل هو الحفيد الوحيد الذي استوزر في عهد جده الملك عبدالعزيز الذي كان يؤثره ويصطفيه، وبالتالي فهو أول حفيد وزير، ثمّ تلاه الأمراء فهد بن سعود للدفاع، وفيصل بن تركي الأول للعمل والشؤون الاجتماعية ثمّ الداخلية، فمحمد بن سعود للدفاع. عقب ذلك غاب الأحفاد عن عضوية المجلس منذ عام (1382)، وترافقت عودتهم مع تسمية سعود الفيصل وزير دولة للشؤون الخارجية ثم تعيينه وزيرًا للخارجية في بداية عهد الملك خالد عام (1395)، واستمر الفيصل العضو الوحيد من الأحفاد حتى شاركه العضوية الأمير عبدالعزيز بن فهد عام (1419) في عهد والده، وبعد ذلك زادت عضوية أبناء الأبناء، واجتمع في المجلس أخوان من أحفاد الملك عبدالعزيز في حكومتي الملك عبدالله والملك سلمان، هم الأمراء سعود الفيصل ومعه أخوه خالد، ومحمد بن سلمان ومعه أخوه عبدالعزيز.
أيضًا مما لفت نظري أن حكومة الملك خالد (1395-1402) لم يعفَ منها أيّ وزير بعد تكوينها في شهر شوال عام 1395= أكتوبر عام 1975م، باستثناء إعفاء الأستاذ محمد توفيق من وزارة المواصلات، وتعيين وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير ماجد أميرًا لمكة فغادر المجلس على إثر ذلك، وإجابة طلب الاستعفاء الذي قدمه وزير الدولة الدكتور عبدالله العمران، ولم أقف على غير ما ذكرت خلال عهد الملك خالد (1395-1402).
ومن أخبار الإعفاء أن بعض الوزراء أعفي من منصبه وهو خارج البلاد، وأذكر منهم وزير المالية الشيخ محمد الصبان، ووزير التربية والتعليم الدكتور محمد الرشيد. ومن طرائف الاستعفاء أن الإعلامي د.بدر كريم قرأ خبر الأمر الملكي الصادر عن الملك فيصل بإعفاء وزير الصحة د.يوسف الهاجري، وكانت المادة الإذاعية المجدولة سلفًا التي تتلو تلك النشرة الموجزة عبارة عن أغنية تقول كلماتها بلهجة مصرية “يا هاجري هو إيه اللي جرى”! وتختلف صيغ الإعفاء ولبعضها دلالة إضافية.
وفي المقالتين السابقتين ذكرت أسماء الوزراء الذين غادروا المجلس ثمّ عادوا إليه، وسردت أسماء الوزراء الذين أدركتهم المنية وهم على رأس الوزارة، وهاهنا إشارة إلى أن بعض الوزراء خرجوا من المجلس ثمّ أسندت إليهم مناصب وعضويات أخرى، وممن رجع بعد الوزارة إلى منصب “نائب الوزير” الأمير بدر الذي كان وزيرًا للمواصلات ثمّ نائبًا لرئيس الحرس الوطني، والمهندس وليد الخريجي الذي أصبح نائبًا لوزير الخارجية بعد أن كان وزيرًا للزراعة، وحديث النواب يقودنا إلى معلومة فحواها أن منصب نائب الوزير كان شبه مقتصر على الوزارات العسكرية الدفاع والحرس والداخلية، ولا أعرف نيابة قديمة إلّا نيابة الشيخ محمد أبا الخيل لوزارة المالية بين عامي (1390-1391)، وفي عام (1406) صار د.صالح العمير نائبًا لوزير المالية، وفي عام (1416) سمي الشيخ صالح آل الشيخ نائبًا لوزير الشؤون الإسلامية، وفيما بعد تزايد عدد نواب الوزراء ومساعديهم. وكذلك فإن المناقلة الوحيدة بين وزيرين حسب علمي كانت بين وزير الحج أ.إياد مدني، ووزير الإعلام د.فؤاد الفارسي؛ إذ تبادلا المواقع عام (1424).
كما أصبح في تاريخ المجلس عدد من الوكلاء وزراء لوزاراتهم أو لغيرها مثل د.ناصر السلوم و د.الفارسي وقبلهم الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وارتقى بعض نواب الوزراء إلى منصب الوزير عقب إعفاء وزيرهم أو نقله لحقيبة أخرى مثل د.خالد العنقري، والشيخ صالح آل الشيخ، والمهندس عبدالله الحصين، والأمثلة في هذا الباب كثيرة. ومن أعضاء المجلس ورؤسائه مَنْ سبق له إمامة المسلمين في الحرمين والمشاعر المقدسة مثل الملك سعود، والملك فيصل، والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وزير المعارف، والشيخ حسن كتبي وزير الأوقاف، وربما أن الشيخ حسن آل الشيخ وزير المعارف ثمّ التعليم العالي قد أمّ المصلين في الحرم المكي مرة أو أكثر.
كذلك عمل بعض الوزراء سفيرًا قبل الوزارة أو بعدها، وأكثر الدول التي عملوا فيها هي الكويت والإمارات ومصر وتركيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا. ومن الوزراء من أدار جامعة قبل الوزارة مثل د.محمد عبده يماني، وأ.د.أسامة شبكشي، ود.محمود سفر، ود.عبدالله العبيد، ولعدد منهم علاقة عمل سابقة بمؤسسة النقد، وهيئة الخبراء، ومؤسسة تحلية المياه، والصحف، والمصارف، والسكة الحديد، وبعض المؤسسات والهيئات، مع عضوية لجان استشارية متنوعة قبل الوزارة.
ولبعضهم مهنة أسرية متوارثة مثل د.حامد هرساني وزير الصحة الذي كان شيخ المطوفين، ووصل بعض الوزراء لمنصبه الرفيع بعد عراك مع الحياة ومصابرة واجتهاد مثل وزير النفط المهندس علي النعيمي، ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات د.فهاد المعتاد من المعاصرين، وجلّ القدماء يصدق عليهم هذا الوصف، وهو أظهر ما يكون في سيرة وزير المواصلات الشيخ عبدالله السعد القبلان.
أما التخصصات الدراسية للوزراء فمتنوعة، ويكثر فيهم خريجو الهندسة والإدارة والقانون والشريعة، وبعضهم له منصب عسكري قبل الوزارة وهم حسب رصدي خمسة وزراء، وفيهم رجال أعمال ومحامون. ويبلغ عدد الوزراء الحاصلين على شهادة الدكتوراه حسب إحصائي ثلاثة وستين وزيرًا، وفيهم عدد ممن اكتفى بشهادة الماجستير أو الدبلوم العالي. واقتصرت دراسة جيل الأوائل منهم على الكتاتيب أو ما دون الجامعة بيد أنهم على قدر كبير من الأهلية والثقافة.
وتبرز في الوزراء مزية إجادة أكثر من لغة، وغير الإنجليزية التي يتقنها عدد كبير تحدث وزير التجارة الشيخ محمد العوضي بالتركية والفارسية، ويتكلم وزير الاتصالات وتقنية المعلومات د.محمد السويل بعدة لغات عالمية بدرجات متفاوتة، ولوزراء الخارجية نصيب من ذلك بطبيعة الحال فالأمير فيصل بن فرحان يجيد ثلاث لغات إحداها الألمانية، والأمير سعود الفيصل يتكلم الإنجليزية والفرنسية بطلاقة وربما له إلمام بلغات أخرى، وسمعت أ.عادل الجبير وزير الخارجية ثم وزير الدولة للشؤون الخارجية يمازح زميله بالألمانية وهو ذو لغة إنكليزية متمكنة للغاية.
يأخذنا الحديث عن الثقافة إلى الإشارة إلى أن أول كتاب أدبي مطبوع في العهد السعودي ألفه الوزير الشيخ محمد سرور الصبان عام (1344)، ومن ضمن الوزراء عدد لا بأس به من غزيري التأليف مثل د.عبدالعزيز الخويطر، ود.غازي القصيبي، ود. علي النملة، وفيهم جمع غير يسير لهم مؤلف واحد أو أكثر. أما كتابة الذات وروايتها فأمر شائع بين الوزراء، وفيما أعلم أن اثنين وعشرين وزيرًا قد كتبوا سيرة ذاتية وبعضها لم ينشر حتى الآن، ويقع بعضها في أزيد من جزء، وفيما أسمع أن نية بعض القدماء منهم متجهة صوب التدوين، وأما الكتابة والمحاضرة فظاهرة بادية في عدد من الوزراء.
ومع تشابه الأسماء بين بعض الوزراء دون وجود صلة قرابة، ووجود صلة قرابة بين وزراء غير متعاصرين كما وضحت هذين الأمرين في إحدى المقالتين القديمتين؛ إلّا أنه يوجد صلة قرابة -وليس مجرد مصاهرة- بين وزراء متعاصرين، وهي صلة قريبة أو بعيدة. فمثلًا كان الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية أخًا لزوجة وزير الدولة للشؤون المالية الشيخ محمد أبا الخيل-قبل أن يصبح وزيرًا للمالية عام (1395)- وهما قبل ذلك من سلالة أسرية واحدة، وتزامل وزير الصناعة والكهرباء المهندس عبدالعزيز الزامل مع ابن جدّه الأعلى البعيد وزير التجارة د.سليمان السليم، وتشارك ابنا العم د.عبدالله الربيعة وزير الصحة الأسبق مع د.توفيق الربيعة وزير التجارة آنذاك وهما الأقرب لبعضهما بين الوزراء المتعاصرين، باستثناء ما ذكرته فيما مضى من تزامن عضوية وزراء مع أعمامهم وأشقائهم من أسرة آل الشيخ. ويسوقنا الحديث الاجتماعي إلى طرائف لبعض الوزراء في تجارب زواجهم الثاني الذي كان غير معلن بيد أنه انتشر بحكم كونهم وزراء، واللطيف أن أكثر المواقف حراجة حسبما قرأت ترتبط بوزراء لوزارة من أقدم حقائب مجلس الوزراء.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك في جميع العاملين دون استثناء من وزراء وغيرهم، وأن يرزقنا وإياهم التوفيق والإخلاص، ويعين الجميع لما فيه حسن الخدمة، وحسن الأداء، وصادق النية، وصائب العمل، فإن البلاد وأهلها ليستحقون الكثير من التجويد، والكثير من الإخلاص، والكثير الكثير من توقير الماضي العريق، والعمل للمستقبل الآتي، ومن الله نستمد الرشد والهدى والتأييد بعد أن منحنا التمكين والاجتماع.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الخميس 16 من شهرِ صفر عام 1443
23 من شهر سبتمبر عام 2021م