مواسم ومجتمع

خطباء عرفة: تحديث وتوثيق 

Print Friendly, PDF & Email

خطباء عرفة: تحديث وتوثيق 

ارتبطت بموضوع خطباء مسجد نمرة في يوم عرفة عرضًا على إثر البحث في بعض التواريخ والسير، ثمّ توسعت فيه، وصححت معلومات لأجهزة رسمية معتنية بالتاريخ فقبلوا التصحيح شاكرين ولهم مني الثناء الواجب على تفاعلهم. ومع أني كتبت مقالتين سابقتين استوعبتا خطباء عرفة إلّا أن الموضوع فيه مجال للبحث خاصة إذا توافرت مصادر رسمية تؤكد أسماء الخطباء خلال آخر مئة عام، وأتصور أنه جهد غير عسير على بعض الأجهزة الحكومية لو نشطت له، كما أنه موضوع بحثي ممتاز يستأهل التفرغ لرصده منذ حجة الوداع حتى يومنا.

وفي هذا العام سيلقي الشيخ د.‫بندر بن عبدالعزيز بليلة ‫خطبة عرفة في موسم حج عام (1442)، وهو الخطيب الثاني عشر منذ سنة (1343)، وسابع خطيب في عهد ‫الملك سلمان، وسادس خطيب في نمرة من أعضاء ‫هيئة كبار العلماء، وخامس خطيب من أئمة الحرمين، ورابع خطيب لعرفة من خطباء المسجد الحرام، وخامس خطيب ليس من أسرة آل الشيخ، وأول خطيب من مكة، وثاني خطيب في موسم حج استثنائي إبان نازلة كورونا، وإن انتقال الخطبة بين المشايخ المؤهلين عامًا إثر عام لمفيد من نواح عديدة للموسم والبلد والخطيب والتاريخ.

من معلومات خطبة عرفة أن أول خطيب في العهد السعودي هو الشيخ محمّد بن عبدالّلطيف بن عبدالرّحمن بن حسن آل الشيخ الذي خطب في موسم حج عام (1343) بعد إذن السلطان عبدالعزيز، وأطول خطيب في العهد السعودي -أو على مر التاريخ- هو حفيده الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبداللطيف آل الشيخ (1402-1436)، الذي تلطف بمهاتفتي وشكري على المقالات السابقة المنشورة عن خطباء عرفة.

وربما يليه في طول المدة الشيخان عبدالله بن حسن بن حسين بن علي بن حسين آل الشيخ ونجله الشيخ عبدالعزيز؛ فكلاهما خطب ربع قرن أو قريبًا منه، ولم يترجح لدي أيهما الذي خطب بين عامي (1371-1376) وأميل إلى ترجيح كفة الابن، ومن اللطيف أن الفاصل الوحيد بينهما هو الشيخ محمد نجل الشيخ عبدالله الذي خطب عام (1370) فقط، وبذلك يكون الشيخ المفتي قد خطب عقب جدّه بستين عامًا، بينما خطب الشيخ عبدالله بن حسن وتبعه مباشرة نجلاه الشيخان محمد وعبدالعزيز.

أما أول خطبة محفوظة على هيئة تصوير حي فيما أعلم فهي خطبة عام (1398) التي ألقاها الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن، وإن كان التصوير وبثّ الموسم بدأ قبل ذلك بسنوات يسيرة كما ذكرته سابقًا محالًا إلى مراجعه. وربما يكون من العمل التوثيقي الجميل اقتطاف كلمات من الخطب المنبرية المحفوظة، وبثها بطريقة إبداعية منفردة أو مدمجة مع غيرها من خطب موسم الحج المهيب، وإن التنوع في الخطباء خلال السنوات السبع الأخيرة كفيل بخدمة هذه الفكرة وفتح مجالات للإبداع فيها.

وارتقى بعض الخطباء إلى منبر عرفة بعد أن خطبوا في الحرم المكي أو المدني زادهما الله شرفًا وحفظًا، وهم المشايخ عبدالله بن حسن، ونجله عبدالعزيز، وأ.د.عبدالرحمن السديس، وأ.د.حسين بن عبدالعزيز بن حسن بن عبدالعزيز بن حسين بن حمد بن حسين آل الشّيخ وهو الوحيد من خطباء المسجد النبوي حتى الآن، وأخيرًا د.بندر بليلة الذي سيخطب هذا العام بحول الله.

كما صعد إلى منبر نمرة أعضاء في هيئة كبار العلماء وهم على التوالي المشايخ صالح اللحيدان، وعبدالعزيز آل الشيخ الذي كان عضوًا فرئيسًا للهيئة، وأ.د.سعد الشثري، ومحمد بن حسن بن عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، وعبدالله بن منيع، ود.بندر بليلة. ويُعدّ الشيخان اللحيدان والمنيع أقدم عضوين في هيئة كبار العلماء؛ لأنهما أعضاء منذ تأسيسها عام (1391) وهذا أمر نادر لا أتصور أن يتكرر لغيرهما. وبالمناسبة فالشيخ المنيع أكبر من اعتلى منبر نمرة سنًا إذ جاوز التسعين حينها وربما يكون من أكبر خطباء نمرة عمرًا عبر التاريخ، وهو خطيب أول موسم حج مترافق مع جائحة كورونا، وأما أصغر الخطباء سنًا فميزة محصورة بين الشيخين محمد وعبدالعزيز أبناء الشيخ عبدالله بن حسن إذ خطبا وهما دون الأربعين بقليل.

وجميع الذين خطبوا في عرفة أصحاب وظائف مرموقة أو مناصب عليا سواء بمرتبة وزير أو المرتبة الممتازة أو قريبًا منهما، وانفرد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن بأنه خطب عام (1381) وهو عضو في مجلس الوزراء بتوليه مسؤولية وزارة المعارف -التعليم حاليًا-، وجمع سماحة الشيخ عبدالعزيز بين الخطابة ومنصب المفتي ورئاسة هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية منذ عام (1420) حتى آخر سنة صعد فيها إلى المنبر الجليل عام (1436).

أيضًا خطب الشيخ السديس في عرفة وهو رئيس لشؤون الحرمين، واختير الشيخان الشثري والمنيع للخطابة فوق منبر نمرة وهما مستشاران في الديوان الملكي، كما خطب ثلاثة قضاة على منبر عرفة هم المشايخ عبدالله بن حسن وصالح اللحيدان وحسين آل الشيخ. وفي عام (1396) خطب الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن وهو رئيس لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخطب الشيخ محمد بن حسن عام (1440) وهو رئيس لمجمع الملك سلمان للحديث النبوي.

كذلك حصل عدد منهم على شهادة الدكتوراه أو الماجستير، ودرّس أكثرهم في الجامعات أو ناقشوا الرسائل العلمية وراجعوا المناهج الشرعية؛ فصلتهم بالتعليم قوية، كما أن لأكثرهم عمل خطابي قبل عرفة وبعدها، ومنهم من ليس خطيبًا دائمًا، ولأغلبهم صلة بالفتوى عبر هيئة كبار العلماء، أو اللجنة الدائمة للإفتاء، أو بحكم دروسهم، ومحاضراتهم، وكتبهم، ومنابرهم، ومواقعهم، وفي البرامج والمنصات الإعلامية التي يستضافون فيها.

أسأل الله أن يوفق خطيب هذا العام وكل عام ويلهمه، وأن يكتب أجور جميع الخطباء والمصلحين والمرشدين، وأن يجعل خطب المنابر الكبرى والمواسم المشهودة فما دونها في كلّ مكان وزمان خالصة لله مخلصة له سبحانه، بعيدة عمّا يخرجها عن إطارها الشرعي التوجيهي، بريئة من أيّ زلل أو خدش. والله يكثر فينا مواسم فيوض الرحمة والإحسان والبركات على خير حال ومآل، ويكتب للحجيج أجورهم ويحفظهم وييسر أمورهم، وأن يجعلنا من جملتهم المقبولين المرحومين في القريب العاجل سواء وقفنا مع الواقفين في عرفة، أو صمنا مع الصائمين في المنازل، أو حيثما وكيفما كنا.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الأربعاء 04 من شهرِ ذي الحجة عام 1442

14 من شهر يوليو عام 2021م

Please follow and like us:

4 Comments

  1. السلام عليكم استاذ احمد

    سعيدة بالتعرف على كاتب مبدع مثلك
    أمس طول اليوم اشاهد مقاطع الفيديو لك في يوتيوب (بودكاست كاف و دورة صناعة كاتب)

    في الحقيقة
    أعظم عبارة لفتت نظري قولك .. اذا لم يشعر المرء بالإختناق عند عدم الكتابه فهو ليس بكاتب

    مثلها كنت دومًا أقول يأتي على الكاتب وقت يشعر بالإمتلاء مما شاهد و قرأ و عايش و لا يستطيع الإستمرار في حياته بدون أن يكتب و يفرغ ما في جعبته

    ادعوك لزيارة مدونتي و اتشرف بإطلاعك على بعض مقالاتي المتواضعه فيها

    http://Www.eng-mm.blogspot.com

  2. صدرت موافقة ملكية يوم الثلاثاء 06 من شهر ذي الحجة عام 1443 بأن يكون خطيب عرفة لموسم حج عام 1443 هو الشيخ د.محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والله يوفقه للصواب.

  3. صدرت اليوم الثلاثاء غرة شهر ذي الحجة عام 1444 الموافقة الكريمة على أن يخطب في يوم عرفة من حج هذا العام معالي الشيخ د.يوسف بن محمد بن سعيد عضو هيئة كبار العلماء، ويكون الشيخ د.ماهر بن حمد المعيقلي إمامًا احتياطيًا، وهذه أول مرة فيما أعلم ينص على الإمام الاحتياطي.
    وبذلك يكون معالي الشيخ د.يوسف هو الخطيب التاسع في عهد الملك سلمان، والخطيب الرابع عشر في العصر السعودي منذ عام (1343)، وتاسع خطيب لعرفة ليس من أئمة الحرمين، وثامن خطيب في نمرة من أعضاء ‫هيئة كبار العلماء، والله يوفقه ويلهمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)