خيارات استثمارية للقطاع غير الربحي
بين اليدين وأمام العينين كتاب يحمل هذا العنوان: الخيارات الاستثمارية للقطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية، صدرت طبعته الأولى عام (1444=2022م) عن بنك الجزيرة واستثمار المستقبل امتدادًا لأعمال سابقة مشتركة بينهما في الميدان الوقفي والخيري وغير الربحي. يقع الكتاب في (101) صفحة، ويتكون من مقدمة، وثلاثة أقسام، وخاتمة، وملحق، فقائمة بالمصادر. والكتاب يحتوي على نصوص مختصرة، ورسومات توضيحية جامعة، وفي غير موضع منه تُخلى المسؤولية النظامية؛ فهو ليس توصية استثمارية، وإنما دراسة اجتهادية، والقرار يرجع لصانعه ومتخذه ومنفذة، وعليهم المسؤولية مثل ما لهم الصلاحية الكاملة، ولا ملامة على باحث أو مراجع أو ناشر أو داعم.
تصدرت الكتاب كلمة مختصرة للأستاذ نايف بن عبدالكريم العبدالكريم الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لبنك الجزيرة، أوضح فيها أن هذا الكتاب جزء من جهد بنك الجزيرة في سبيل نشر العلم والمعرفة، ودعم الأوقاف والصناعة المصرفية الإسلامية. وقد أشرف على الكتاب فريق مكون من: د.فهد بن علي العليان، ود.عبدالمجيد بن عبدالله الدهيشي، وأ.رشود بن عبدالرحمن الكلثم، وأ.عبدالله بن إبراهيم الجاسر، والباحث هو شركة خبراء المالية للاستشارات المالية، وراجعه علميًا: أ.د.محمد بن إبراهيم السحيباني، وأدار المشروع: أ.مصعب بن خالد الهدلق، وأبدع التصميم والإخراج: أ.معاذ عبدالخالق، والله يكتب لهم ولمن معهم الأجر وعظيم المثوبة.
طرحت المقدمة سؤالًا منطقيًا مفاده: هل يختلف الاستثمار التجاري عن الاستثمار من قبل كيانات غير ربحية؟ وخلاصة الجواب أن الأدوات والخيارات الاستثمارية وما يُستثمر فيه لا تختلف البتة، ولا فرق كذلك في الأوعية الاستثمارية وطرق الاستثمار، وإنما يكمن الاختلاف في السياسات الاستثمارية؛ لاختلاف منطلقات الاستثمار ومحدداته بين القطاع غير الربحي وأخيه التجاري؛ فالقطاع غير الربحي يُفترض منه شديد الحرص للموازنة بين المخاطر في الاستثمار، وفي التجارة جرأة من يفقدها لا يغدو تاجرًا!
كما أبانت المقدمة أن هذا الكتاب يهدف إلى ما يلي:
- شرح كثير من الأدوات الاستثمارية القائمة، وتوسيع الإدراك بخصوص بعض الأدوات الاستثمارية غير التقليدية.
- تقريب لغة مادة الكتاب حتى يستفيد منها غير أصحاب الاختصاص من أجل توحيد اللغة داخل القطاع، وتيسير سبل الفهم الاستثماري.
- استعراض أبرز الممارسات الاستثمارية المحلية والعالمية داخل القطاع.
- رسم منهجية استثمارية واضحة ملائمة للقطاع غير الربحي حتى تقربه من أمثل شكل للاستثمار.
ثمّ جاء القسم الأول بعنوان: نظرة على الخيارات الاستثمارية وعوائدها، وورد فيه أقسام الاستثمار مع بيان أنه لا يوجد تقسيم واحد ثابت مجمع عليه، ولذا تنقسم بناء على المباشرة، وحسب المكان، واعتمادًا على الأدوات، وطبقًا لمستوى المخاطرة، وتحت كل تصنيف فروع وشروح بلا إسهاب. وعرض الكتاب عقب ذلك ملخصًا لخصائص أنواع الاستثمارات ومزاياها وهي أسواق المال، والصناديق الاستثمارية بأنواعها، والاستثمارات البديلة. وختم القسم بعوائد الاستثمار في الأسواق الأمريكية والعالمية، وعوائد الاستثمار في الأسواق السعودية، وتلاها عوائد الاستثمار في الكيانات الوقفية المحلية ثمّ الكيانات الوقفية العالمية، وفي هذه الصفحات أرقام ونسب، ورسوم بيانية وجداول توضيحية، والله يرزقنا ومن يقرأ.
أما القسم الثاني فعن المحافظ الاستثمارية وفيه هيكلة المحافظ الاستثمارية في الأوقاف العالمية مع استعراض التغير التاريخي لأوزان محافظ الكيانات الوقفية خلال عقدين (1999-2020م)، إذ يلاحظ زيادة في منتجات التحوط والعقارات في المحافظ الوقفية بعد أزمة (2008م)، إضافة إلى التوجه للاستثمارات البديلة في الشركات الخاصة سعيًا لتنويع مصادر الدخل خاصة في الطاقة، والغاية البحث عن استقرار في الاستثمار. وعرض الكتاب بعد ذلك أفضل الممارسات الاستثمارية للكيانات غير الربحية مقتصرًا على المؤسسات التعليمية والبحثية؛ لأنها الأفضل في التجربة والنموذج، ومما استعرضه كتابنا استثمارات جامعة هارفَرد، واستثمارات جامعة يَل، والأرقام مذهلة، والسيرة جديرة بالاحتذاء إن في سياساتها أو إجراءاتها حسب المناسب.
وساق الكتاب طريقة لبناء المحافظ الاستثمارية مبتدئًا بسرد أنواعها ما بين دخل ونمو، ومختلطة ومتوازنة، ومتخصصة في الصناعات، والهدف المرتجى منها تحقيق الديمومة لحماية القوة الاستثمارية، وتحقيق عوائد استثمارية. ومن الأهداف المحافظة على الأموال المستثمرة وتنميتها، وإيجاد مورد دائم ذي إدرار مبارك لا ينقطع، وتعظيم العوائد الاستثمارية بما يقلل من مخاطر الانكشاف أجارنا الله وإياكم منه.
عقب ذلك وضع الباحث السياسات الاستثمارية للمحفظة التي تقع تحت مسؤولية مجلس الأمناء وذراعه الاستثماري المكون من أهل اختصاص وذوي خبرة، وتحت هذا العنوان أورد الباحث أهداف السياسة الاستثمارية وعلى رأسها إطالة أمد الاستثمار والبعد عن المخاطر، وتحقيق العوائد، وهي أهداف تعتمد على وجود عوامل منها التوقعات، ودعم المحفظة ماليًا، وإمكانية الاقتراض. ومن الواجب ذكر قيود الاستثمار ومحدداته ومنها البعد عما يخالف الشريعة، والاستثمار بواسطة كيانات سعودية، وفي أصول مقومة بعملات معينة وقابلة للتسييل. وتوسع الكتاب بركائز السياسة الاستثمارية وهي الصرف، ومعدل العائد الكلي، وهيكلة الأصول، وموازنة الاستثمار، وأخيرًا أضيفت إرشادات لتخصيص أنواع الأصول، وتوجيهات تخصّ مديري الصناديق.
والقسم الثالث عنوانه: الهيكلة المقترحة، وفيه إستراتيجيات مقترحة لهيكلة الأصول الاستثمارية بناء على نطاق الهيكلة، وإدارة المحفظة. وذكر الباحث أربعة عشر صندوقًا من صناديق الأسهم المتوافقة مع الشريعة والمدرجة، وبيّن معلوماتها وتاريخها، وإستراتيجيتها في الاستثمار، وهدفها، وعوائدها، ومخاطرها، ورسومها، وسعر الوحدة مع التغير فيه، ومديرها، ولكل صندوق صفحة واحدة تضم هذه المعلومات وغيرها بما لعله أن يكفي في إيضاح الصورة القائمة دون داع لتمطيط الكلام ففي التكثيف والإيجاز غنية وإنها لمهارة فائقة فارقة. ولمزيد توضيح أدرج في الأخير مثال للاستثمار في محفظة على وفاق الهيكلة المقترحة، مع نموذج للسياسة الاستثمارية.
وقد احتوت الخاتمة على توصيات عامة، على رأسها أن الكيانات الوقفية تتباين ولا يمكن كتابة منهجية واحدة تناسبها كلها، ومن التوصيات المرونة، وتكوين لجنة استثمارية، وتنويع الأصول، والتكتّل، وجعل بعض الخيارات الاستثمارية قابلة للبيع، وانتقاء مدير للاستثمار مع إلزامه بتقديم منهجيته العملية المفصلة في تدبير الاستثمار، ومتابعته وتقويم أدائه. وألحق الباحث في آخر الكتاب نموذجًا متكاملًا للسياسة الاستثمارية في أيّ مؤسسة وقفية وغير ربحية، مع تصديرها بإخلاء المسؤولية، ومن نافلة القول أني مثلهم خلو من هاتيك المسؤولية المرعبة!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الاثنين 23 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1444
16 من شهر يناير عام 2023م