سياسة واقتصاد عرض كتاب

بنك الجزيرة وتجربة التحول الباهرة

Print Friendly, PDF & Email

بنك الجزيرة وتجربة التحول الباهرة

قليلة هي الأشياء التي تستأهل انعطاف الجسد نحوها، والتواء العنق إليها، وانكباب الفكر عليها، ذلك أن تقاطر المعلومات صنع جمودًا في الإحساس نحو كثير من المعارف، وأفقدنا الدهشة التي تجلب البهجة وتستلزم الانتباه وربما تكون ملهمة. وإن هذه التجربة لمن القليل الذي يجب صرف الوقت فيه، فهي تجربة تنشر على الملأ في سبيل نشر العلم والمعرفة ودعم الصناعة المصرفية الإسلامية حسبما يقول الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب نايف العبدالكريم مكملًا بأن بنك الجزيرة يهدي القراء هذا الإصدار الذي يوثق تجربته العملية في رحلته للتحول إلى المالية الإسلامية، علمًا أنها التجربة الأولى محليًا وعالميًا في التحول الكامل.

وهو واحد من سلسلة مطبوعات المجموعة الشرعية في بنك الجزيرة، عنوانه: تجربة بنك الجزيرة في التحول إلى المالية الإسلامية، وهو إصدار خاص من إعداد المجموعة الشرعية في بنك الجزيرة، ظهرت الطبعة الأولى منه عام (1443=2021م) بنشر مشترك بين بنك الجزيرة ودار الميمان للنشر والتوزيع، ويقع في (261) صفحة تشتمل على تعريف وتقديم وملخص وفهرس وقوائم تسبق المقدمة وقسمي الكتاب بفصولهما السبعة ثم الخاتمة بما فيها من نتائج وتوصيات، وأخيرًا ثبت المراجع والمصادر.

يتكون فريق هذه الدراسة من إثني عشر عضوًا موزعين على فريقين أحدهما فريق إشرافي من بنك الجزيرة برئاسة د.فهد العليان، وعضوية الأساتذة لاحم الناصر وَ محمد المسعد وَ عبدالله المسند، والثاني فريق بحثي فيه إشراف علمي من قبل أ.د.عبدالله العمراني وَ د.خالد السياري وَ د.علي نور، بينما يتولى المراجعة العلمية أ.د.محمد السحيباني وَ أ.د.سيف الدين تاج الدين، وأما الباحثون فهم د.فضل البشير والأستاذان أحمد نصار وَ عبدالله بيانوني.

وهذا الكتاب منتج علمي تاريخي ثقافي يحوي تجرية عملية معلنة، والغاية الكبرى منه نفع الباحثين وعامة القراء، ووضع التجربة منذ بداياتها أمام أيّ مصرف يرغب في اعتماد خطة التحول الكامل، ولا ريب أن التجارب تختصر المسافات، وتمنح الحكمة للآتي الجديد، وكم في الابتداء من فضل وأجر وإقدام، وقديمًا حكم شاعر عربي أن اللذة لا يفوز بها سوى الجسور، وأيّ جسارة وجرأة مثل تجربة التحول هذه كما سيرى القارئ ويذوق لذة نجاحها عبر صفحات القصة كاملة وهي تساق جلية كما هي بلا مواراة ولا تزيين.

ابتدأ الكتاب بتقديم من رئيس مجلس إدارة البنك المهندس طارق القصبي ذكر فيه أن هذه الدراسة ترصد تجربة البنك الفريدة في التحول الكامل، وتسعى لتقديم نموذج يحتذى به، إذ أنه أول بنك تقليدي في المملكة يتحول إلى المصرفية الإسلامية تحولًا كاملًا عبر منهج إحلال متدرج استمر تسع سنوات صانعًا قصة جديرة بأن تروى وتسرد عسى أن تكون ملهمة ممهدة الطريق لغيرها؛ من أجل جعل بلادنا-وهي جديرة قادرة- مركزًا للمالية الإسلامية. وهذا القصد النبيل أكد عليه الشيخ عبدالله بن منيع رئيس اللجنة الشرعية في تقديمه للكتاب آملًا أن تكون التجربة دليلًا واضحًا على إمكان التحول متى صدقت النية ووجد العمل المخلص الجاد.

ثمّ جاء في ملخص الدراسة بأن هدفها توثيق عملية التحول ورصدها وعرض مراحلها ومناهجها وتحدياتها وكيفية تجاوزها، وتحليل هذا الكم الكبير من المعلومات بغية إفادة العالم عن تجربة ناجحة كي يسهل الاقتباس من منهجها والاستنارة بدروسها وعبرها. ويُقصد بالتحول ترك المؤسسة المالية التقليدية المعاملات التقليدية وانتقالها إلى معاملات المالية الإسلامية، وكان قرار البنك واضحًا بالتحول الكامل في جميع المنتجات ومصادر الأموال واستخداماتها، وهو قرار بني على القناعة بالمالية الإسلامية، وحسن تقدير لحاجة السوق مع توافر الفرص، دون إغفال لصعوبات تتمثل في انتفاء وجود تجربة مماثلة سابقة.

وقد اعتمدت الدراسة على استقراء ما سبقها من دراسات، وتحليل التقارير والوثائق، وإجراء المقابلات الشخصية مع موظفي البنك الذين عاصروا عملية التحول وهم ليسوا من موظفيه حال إعداد الدراسة، وتتكون عينة المقابلة من ثمانية عشر فردًا عملوا في البنك خلال زمن التحول (1998-2007م)، وفيهم أعضاء مجلس إدارة، ورئيس تنفيذي، وأعضاء في اللجنة الشرعية، ومسؤولون في المجموعة الشرعية، وفي مجموعات الخزينة والشركات والتجزئة، وفي شركات التكافل والتطوير العقاري والمالية كابيتال.

وتتميز هذه الدراسة بما تقدمه من إضافة عن تجربة رائدة لم تدرس من قبل، وتعرض لتطور المالية الإسلامية التي تقوم على قيم وأحكام شرعية في مقدمتها تحريم الريا والغرر في عقود التمويل، واستبدال العقود الجائزة بالعقود المحرمة السائدة آنذاك. ومن استعراض التطور الوارد في أثناء الدراسة الإشارة إلى وضع المؤسسات المالية منذ نشأتها حتى الزمن الحاضر الذي امتدت فيه المصارف الإسلامية لأكثر من خمسة وسبعين بلدًا، وأضحى لها كيانات وإسهامات وأنظمة مرعية في بلاد إسلامية وغير إسلامية، هذا غير المؤتمرات والأقسام الأكاديمية في جامعات عريقة أمريكية وأوروبية وآسيوية، إضافة إلى ما يمثلها من بنوك وجمعيات ونظم رقابة وحوكمة ومحاسبة.

وكان البنك بين خيارين هما منهج الإزاحة، أو منهج الإحلال، ووقع الاختيار على تبني المنهج الثاني الذي يقوم على التدرج المدروس المزمن، ويستوجب نشر الثقافة الجديدة، مع ضمان الاحتفاظ بقاعدة العملاء القدامى، ومعالجة جميع الإشكالات بروية وبصيرة واسترشاد من سبل العلم الشرعي وطرق الخبرة المصرفية والمالية، مع الحيلولة دون وجود مقاومة سلبية، أو تنافس بين أقسام البنك يشبه التناهب مع الترحيب بالتنافس التشاركي الإيجابي الذي يوجد الحماسة، ويستنبت الأفكار والمنتجات والبدائل.

إنها تجربة تلفت النظر إلى بديل قادم للسوق المالي، وترنو لمستقبل أسهمت فيه بتكوين القناعة، وبث رسائل إيجابية حتى تكسر حاجز التردد خاصة مع ظهور نجاح صناعة المالية الإسلامية دوليًا، مما أدى لانتشارها عبر قارات العالم، وظفرها بالاعتراف الدولي من صندوق النقد الدولي وغيره، وعناية الدول بها حتى غير الإسلامية مثل بريطانيا. وإن الأمل لمعقود أن تكون المصارف الإسلامية في وضع يخولها الانتقال من مرحلتي المتابعة والمواكبة للمصرفية التقليدية، إلى مرحلتي المسابقة والمبادرة والابتكار وقيادة السوق.

ولم يكتف الكتاب حين عرض التجربة بالسرد المجرد، إذ أورد أرقامًا موثقة بالجداول ومصادرها تخص بنك الجزيرة أو غيره من المصارف الإسلامية في المملكة والخليج والعالمين العربي والإسلامي ثم في بقية دول العالم، وهي إحصاءات ومقارنات تبشر بنجاحات متوالية بإذن الله. كما لم يفت على الكتاب الإشارة إلى اللجنة الشرعية في البنك والمجموعة الشرعية وآثارهما الحميدة في العون والحوكمة. ولم يغفل الكتاب عن إبراز ريادية بنك الجزيرة في المسؤولية الاجتماعية من خلال شعاره الصادق المختصر فخير الجزيرة لأهل الجزيرة عبر ضخ مئة مليون ريال في مشروعات اجتماعية وتنموية وتطويرية يشهد لها العمل المجتمعي في المملكة، مما جعل لبنك الجزيرة القدح المعلى في هذا الحقل الخصب أكثر من البنوك الأخرى وبعضها أقدم منه وأكبر.

كما لفتت الدراسة النظر إلى منتجات المصرفية الإسلامية، وتحدياتها الحالية والمستقبلية المالية والتقنية والنظامية، وأوضحت شاكرة التعاون الرسمي في المملكة مع المصرفية الإسلامية من خلال البنك المركزي ورؤية المملكة 2030. وأثنى فريق الدراسة على جهود مؤتمر اقتصادي أقامته جامعة الملك عبدالعزيز بجدة عام (1976م) لتعطي المثال على إمكانية ضمان الثمرة المأمولة من تلك الملتقيات والمؤتمرات إذا وقف خلفها مخلصون مثابرون ذوو مضاء ومصابرة، وخصّ الباحثون بالثناء رجالًا من أهل العلم والاقتصاد والتجارة على نصبهم الكبير لصالح المصرفية الإسلامية، ومنهم الأمير محمد الفيصل، والشيخ صالح كامل.

إن هذا الكتاب مثل البياض في بهائه، ومثل النسيم النقي في شرحه للصدور، وليس ببعيد عن المشهد الحلو الأنيس وما يحدثه من انشراح وسرور، وليس ذلك فقط لما يشعر به القارئ من حسن الإخراج، وعلمية الفريق، وقوة المادة، وتماسك التأليف، والمنهجية المتبعة، والاختصار دونما خلل، والوضوح بلا غبش، والتفاؤل العملي، مع التيقظ للمخاطر ومواطن العثار، وإنما قبل ذلك كله وبعده لأن هذا المنتج يساهم من خلال هذه الرواية بالنجاة من كبيرة الربا وشؤمها، وضرر الغرر والغبن، والله يجعل الأموال وموارد الاقتصاد في ديار المسلمين أجمعها وفق ما يجب ربنا ويرضى، مع ازدهار ونماء واستقرار ومتانة وديمومة رغد وإيمان.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

ليلة الأربعاء 29 من شهرِ صفر عام 1443

06 من شهر أكتوبر عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)