إدارة وتربية مواسم ومجتمع

رمضان بين الزمن واللغة

Print Friendly, PDF & Email

رمضان بين الزمن واللغة

للعبادات والمواسم الشرعية بركات عديدة، ومنها أثرها البين على الزمن، وعلى اللغة، وحتى يستبين هذا الأمر يمكن الإشارة إلى أننا نحسن إدارة اليوم والليلة بالصلوات والآذان، ويذكرنا يوم الجمعة بمضي أسبوع ومجيء آخر، ونعلم من الأيام البيض عن بلوغنا منتصف الشهر، ويخبرنا رجب وشعبان بلسان الحال عن قرب المواسم الكبرى. وقد يدركنا الوهم بخصوص سنة ما أو حدث مهم فيكون من حلول رمضان والعيدين وموسم الحج وعاشوراء القول الحاسم في التحديد والتذكير بجريان الزمن، وتعاقب السنوات، وهي ميزة عسيرة في بقية التقاويم مع وجود أصلها؛ بيد أنها في تقويمنا الهجري المرتبط بشريعة ربنا وأحكامه ظاهرة جلية جدًا، وسهلة طيعة.

فرمضان المبارك يضبط لنا السنة الهجرية، ويستطيع أي أحد بكل يسر ربط الأحداث مع رمضان سلف، أو بأي رمضان سيأتي، وهذا أمر مشاهد على الصعد الشخصية، ومع إخراج الزكاة، وفي مسارعة حكومات البلاد الإسلامية للتوسعة على شعوبها، وفكاك الأسرى كي تكون الفرحة لأهاليهم مضاعفة. ولا تقف هذه الخدمة الرمضانية عند نفسه فقط؛ إذ تفيض من محاسنها بالنسبة إلى ما قبل رمضان أو وما بعده وهكذا.

يضاف إلى ذلك أن رمضان يعزز فينا قيمة الزمن، فالمسلمون يتحرونه ويحسبون له دخولًا وخروجًا، والدقيقة فيه فارقة إن في فطره أو سحوره أو ابتهالاته وترقب نفحاته؛ فيعظم لدى المسلم شأن الزمن والإحساس به وتقدير قيمته وآثاره أو هكذا ينبغي، ولربما أن هذه الأمر يتأكد كثيرًا مع العشر الأواخر، وعلى وجه التحديد في المسارعة للفوز بليلة القدر، والتخطيط لإخراج زكاة الفطر بوقتها، وما أعظم العبادات ومواسمنا الشرعية الطاهرة، والعجب كل العجب مع أمة تهدر أوقاتها وكل شيء في دينها يزن لها محياها ومماتها لحظة بلحظة!

أما تأثير رمضان على اللغة فواضح من ابتكار كلمات وتراكيب، أو إضافة معنى لكلمة موجودة لدرجة الاستيلاء على المعنى وتناسي المعاني القديمة، فالشريعة دومًا غالبة رفيعة عليّة، ولا يعلو على مولانا الحق ودينه شيء البتة. ومن الأمثلة على ما سبق كلمات مثل: ( الإمساك، الصوم، الصيام، الفطر، المفطرات، السحور، الاعتكاف، التراويح، القيام، التهجد، العشر الأواخر، ليلة القدر، زكاة الفطر)، ويضاف لها التفنن في صيغ التهاني والتبريكات، والفتوحات على الكتّاب والشعراء حوله، وخير من ذلك كله أن كثرة تلاوة القرآن الكريم والانصات له، وتواتر الاستماع العذب للسنة الشريفة، سوف يرتقي بلغة المرء وبيانه، وتلك فائدة إضافية على ما لهذا السماع من جوانب عقدية وتعبدية وخلقية.

فحقيق بالمسلم أن يزيد من افتخاره بدينه واستمساكه بشريعة ربه، فهذا الدين ذو منهج تأتي معه المكارم بأنواعها، فمنها ما ننعم به وندركه، ومنها ما ننعم به وإن غفلنا عنه، ومنها ما لم يوفق إليه بعض المكلفين من الخلق، ونطمع أن يوفقنا ربنا له في قريب عاجل. والحمدلله الذي أكمل لنا دينه، وأتم لنا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، ونعوذ بالله من الخذلان والنكوص، ومن أن نستبدل فنُستبدل، ونسأل القدير ألّا نتولى عن طريقه، وألّا نبتعد عن منهاج أوليائه المنعم عليهم وحسن أولئك رفيقًا.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الأربعاء 26 من شهرِ رمضان المبارك عام 1443

27 من شهر إبريل عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)