عرض كتاب مواسم ومجتمع

نبذة مختصرة عن الجواء  

Print Friendly, PDF & Email

نبذة مختصرة عن الجواء  

 الكتابة عن المكان، وذاكرته، وتاريخه، وتراثه، وأناسه، وأمثاله، وملابسه، وعوائد أهله، سبب متصل بالعلم، والعراقة، والنبل، وهكذا فعل ابن الجواء المؤرخ والكاتب صالح بن سليمان الناصر الوشمي في كتاب ألّفه بعنوان: الجواء، وهو من سلسلة هذه بلادنا (03) الصادرة عن الإدارة العامة للنشاطات الثقافية التابعة لوكالة شؤون الشباب بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، والكتاب مطبوع عام (1408=1988م)، ويقع في (151) صفحة، ونسخه الورقية شحيحة فيما أعلم، ويتكون من مقدمة وخاتمة بينهما ثمانية عشر عنوانًا.

كتب الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك الأمير فيصل بن فهد كلمة افتتاحية لهذه السلسلة، قال فيها: إنه من الأفضل لأيّ أمة أن تكتب تاريخها بنفسها عن طريق أبنائها، وأثنى على فكرة السلسلة، وهدفها، وآثارها، وتوالت بعد ذلك المقدمات من الإدارة، فكلمة للبلداني والمؤرخ الشيخ سعد بن عبدالله الجنيدل، أشاد فيها بهذا العمل الذي يجمع الفائدة مع المتعة والطرافة، وفي آخر صفحة من الكتاب أشير إلى اسم المؤرخ الكاتب الأستاذ محمد القشعمي المشرف على إصدار السلسلة، وبالتالي ضمّ هذا الكتاب الجوائي في تقدمته وخواتيمه أسماء أعلام في التاريخ والبلدانيات والتوثيق والرياضة والإدارة.

 تقع الجواء في شمال غرب منطقة القصيم، واتخذت اسمها نسبة لتضاريسها المنخفضة المستوية الواسعة، ولسواد أرضها الضارب نحو الحمرة، وإن اشتهر لفظ الجواء أكثر من الجون، وللنطق بها مذاهب عديدة ما بين جمع وإفراد، ومدٍّ وقصر، وعلى تعدّد المواضع التي تُعرف بالجواء في الجزيرة العربية، إلّا أن هذا الموضع من أقدمها وأشهرها، ومن أكثر ما تغنّى به الشعر العربي فصيحه وشعبيه، قديمه وحديثه.

ثمّ نقل المؤلف عن محمد بن بليهد أن غالب أسماء بلدات الجواء هي ذاتها الأسماء المحفوظة في الجاهلية فما بعدها، ويا له من تاريخ ضاربة جذوره مع هذه الأرض العربية النقية. ويرى د.الوشمي أن قصيبا والطراق داخلة في الجواء لتشابههما في التضاريس مع سائر نواحي الجواء، ولتداخلهما مع أهل المنطقة في شؤون الحياة والعادات، وتشمل عنده الجواء أراضي قبيلة عبس في الجاهلية، ولذا سرد منها خمسة عشر منطقة، ثمّ كتب قطعًا مختصرة مفيدة عن كلّ واحدة منها.

أيضًا توقف الكاتب الأديب عند الجواء وبقاعها في الشعر الجاهلي والإسلامي، وأورد بعض الأبيات من الشعر الشعبي أعلاها كعبًا ما جاء على لسان الشاعر العوني في قصيدته الخالدة “الخلوج”، وجلّ الناس لا يحفظون عن الجواء إلّا أبيات الفارس عنترة؛ لارتباطها بعبلى وصخرتهما الثابتة في وجه الزمن وأحواله، وهي الصخرة التي غدت معلمًا نفيسًا لشهادتها على لقاء العاشقين العفيفين، وتلاقي الزوجين فيما بعد، ومن المفارقات اللطيفة أن اسم “عبلى” تحمله بعض نساء المنطقة خلافًا لعنترة المختفي تمامًا عن أسماء رجالاتها، والكتاب بما حواه يقول لقارئه: إن الجواء ليست فقط عنترة وعبلى!

كما حرص الباحث على وصف الأماكن المهمة من عيون ولبعضها وعيون شقوق أرضية متصلة لافتة، وأودية، وفياض، ومرتفعات، ومراعي خصيبة، وبقايا قصور، ونقوشات حميرية، وكتابات ثمودية، وبيان ما عثر عليه من صور لحيوانات وطيور وزواحف وعقارب وزرافة ضخمة، إضافة لصور دروع وأقواس وعدّة حرب وخيل مركوبة، ثمّ وصفها معاينة أو نقلًا، ولم يكتف بذلك بل أضاف لتلك المواضع والمشاهد صورًا التقطها بنفسه حسب إمكانات زمانه، وهي صور غير واضحة مما اضطر المطابع للاعتذار عن مستوى جودتها في نهاية الكتاب، ولعلّها أن تُجدد بالإضافات الساحرة العصرية في عالم التصوير سواء مع إعادة طباعة الكتاب، أو ضمن كتاب جديد.

كذلك روى المؤلف طرفًا من أخبار الحروب القديمة والحديثة التي شهدتها المنطقة، ومن أطولها وأكثرها مرارة داحس والغبراء بين عبس وذبيان، ومنها يوم المريقب، وارتبطت بعض أماكن الجواء بالحروب مثل جبل ساق حتى تعهّد شاعر عنزي بحمايته، بينما قال آخر من قبيلة مناوئة أبياتًا فيها وعيد وتهديد. ومن الكوائن الحديثة معركة المليدا بين حاكم حائل الأمير محمد بن رشيد وأهالي القصيم بزعامة ابن مهنا وابن سليم، وهي معركة فاصلة دامية، رحمة الله على الجميع، وعلى من ورد اسمه قبل هذا الموضع وبعده.

ثمّ عرّج المؤلف على العلم والعلماء والمكتبات والكتاتيب والمدارس في المنطقة، وذكر مكتبة آل راجح التي أنشأها الشيخ العقيلي ناصر الراجح وخلفه عليها حفيده الشيخ عبدالرحمن، ومكتبة آل مطلق التي جمعها الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن مطلق آل أبا الخيل، وأورد ما فيهما من كتب ومخطوطات ووثائق ونفائس بعضها نادر وثمين، وأدرج صورًا لبعضها تروي طرفًا من التاريخ العلمي والثقافي للمنطقة، وهو تاريخ قمين بالإحياء والتوثيق.

وحصر بعض علمائها البارزين مثل المشايخ عقيل بن ربيعة الذي درس على الشيخ عبدالرحمن بن حسن، والضالع، وإبراهيم بن عجلان، وابن بليهد، والنجيدي، وجلّهم درسوا خارج حدود الجزيرة العربية في العراق والشام والهند، وبلغ ابن بليهد مرتبة عليّة عند الملك عبدالعزيز خاصة بعد ضمّ الحجاز، ولذلك شيّعه الأمير فيصل-الملك- عندما توفي في الطائف سنة (1359).

أما من الكتاتيب فأشار إلى كتّاب الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن مطلق بن سليمان بن حسن أبا الخيل، ومدرسة آل سائح التي درس فيها الأبناء والبنات من غير اختلاط وهي في العيون وقصيبا، ومدرسة ابن ميمان في قصيبا، ومدرسة عبدالله أبا الخيل في أثال، ومدرسة المبارك في الشقة العليا وفيها نساء جودن القرآن. وأورد أن أول مدرسة حكومية ابتدائية افتتحت في عيون الجواء عام (1369)، ثمّ تلتها مدارس أخرى، وأول متوسطة فتحت عام (1386)، فيما تأخرت الثانوية إلى عام (1397).

مما جاء في الكتاب من معلومات التنبيه على انتشار أهل الجواء إبان ازدهار قوافل العقيلات، ثمّ في جلّ مناطق المملكة للتجارة والعمل مع أرامكو والتابلاين، مع لمحة خاطفة عن أمراء العيون ابن عساف وابن عقيل وابن رشيد، والإشارة إلى سفر علي بن أمير العيون عبدالله العساف إلى الأرجنتين دون ضبط دقيق لتاريخ سفره وعودته، وعقب ذلك سرد أسماء بعض ذوي المناصب والشهادات العليا من أبناء الجواء إبان تأليف الكتاب.

أيضًا ألمح الوشمي إلى اللهجة المميزة لأهل المنطقة، وإلى ما عرفوا به من نباهة وسرعة بديهة، وتوسع في إيراد قصصهم المشتهرة مثل مضحى أهل العيون كناية عن عزة النفس، والدرب فوقاني تعبيرًا عن الذكاء ودقة الملاحظة، والحريشة التي تحركت أو طقطقت التي تنبئ عن أحد المستحيلات. ووصف ملابس الناس في الجواء، وألعابهم، ونقل عن وثيقة قديمة اسم عملة متداولة سنة (1212) هي حمر زره، وصوّر لنا أجمل تصوير حفلة “البذاذ”، وهي إلقاء الأطعمة من تمر سكري، أو حب قرع، أو قرصان الفتيت، على زملاء أيّ حافظ للقرآن في يوم الاحتفاء به.

إن هذه المنطقة الواقعة على بعض طرق الحج، والتي امتازت بعلو أبراجها، وخلو مداخلها من الأسوار، لجديرة بأن يُلتفت إلى تاريخها بعامة، أو في شأن خاص منه، وليس هذا بكثير على الجواء بمن فيها من مؤرخين، وكتّاب، وأدباء، ومؤلفين، وأكاديميين، ومعهم آخرون يساندون ويؤازرون ويعينون، حتى تحوي المكتبة السعودية والعربية أكثر من كتاب متين عنها، وأزيد من دراسة بديعة حولها، ونحن على انتظار واحدة منها فيما أُخبرت، ولربما يتلوها إخوة لها وأخوات، فالجواء عند هؤلاء الكرام بلا مثنوية، يصدق عليها ما قاله الشاعر محمد حسن عواد بعد أن فُتن بالخبر السماعي عنها:

يمينًا -وما ألغو بقولة كاذب- ******** “عيون الجوى” إني حليف هواك!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

ليلة الثلاثاء غرة شهر رمضان المبارك عام 1442

13 من شهر ابريل عام 2021م

Please follow and like us:

One Comment

  1. بمناسبة قدوم شهر رمضان اللهم اهله علينا وعليكم وعلى القراء. وعلى كافة المسلمين بالامن والايمان والسلامة والاسلام والعافية .اللهم تقبل صيامنا وقيامنا واغفر لنا وارحمنا واعفوا عنا.
    جزاك الله خيرا الكاتب الفاضل احمد . على هذا الوصف البديع لمدينة الجواء.و اعطيت فكرة سياحية مشوقة عن جمال المنطقة وتاريخها .جديرة بزيارتها باحدى الزيارات السياحية والتمتع باجوائها ان شاء الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)