سياسة واقتصاد عرض كتاب مواسم ومجتمع

 الصناديق الاستثمارية الوقفية

Print Friendly, PDF & Email

 الصناديق الاستثمارية الوقفية

ما أجمل النظرة الإيجابية للمستجدات على مسرح الحياة، وما أكمل التفاعل الرشيد معها بما يفيد ويبقي أثرًا، فالميدان فسيح، والروض خصيب وبعض زواياه أنف لم يعبر بها أحد، وحتى لو اجتازتها القوافل ففيها فرص سانحة لمن نظر إليها بطريقة مبتكرة، واستصحب معه أدواته التي يصنع بها الفرق، وبمثل هذه المنهجية يستطيع الإنسان المنجز التعامل مع الشيء المكرر، والوافد، والمؤطر بإطار، وغيره من أشياء ربما تصبح عوائق عند من لم يكن ذا بصيرة واستعداد للمعالجة والتطوير، وقبول التحدي والمغامرة.

أقول ذلك وبين يديّ كتاب عنوانه: الصناديق الاستثمارية الوقفية، صدرت الطبعة الأولى منه عام (1441=2020م) وهو من إصدارات شركة استثمار المستقبل بتمويل من بنك الجزيرة، وللمشروع فريق إشرافي رباعي من البنك والشركة، ثمّ فريق بحثي مكون من ثلاثة باحثين وباحثة، فمدير مشروع، ومحرر، ومصمم، ويتكون هذا الإصدار من (١٠٨) صفحات، وعلى غلافه الأمامي صورة صندوق أموال تبرز منه نبتة بهيجة، وعلى الغلاف الخلفي تعريف بالشركة، وخدماتها التي صيّرتها بيت خبرة في مجال الأوقاف.

يتكون هذا الإصدار من مقدمة وتسعة عشر عنوانًا، ثمّ النتائج وعددها أربعة وثلاثون نتيجة تصف مضمون الكتاب بلباب مختصر مستلٍّ مما ورد في الدراسة، ويعقبها خاتمة فملحقان في أحدهما “بركدة” لجميع الأنظمة الرسمية الواردة في الدراسة أو المحال عليها، ويتلوهما سرد جميع المراجع العربية والأجنبية التي بلغت ثلاثًة وستين مرجعًا، وأخيرًا الفهارس ومنها فهارس خاصة بالجداول وأخرى للأشكال، وقد بدأ الكتاب بإهداء مختصر من الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لبنك الجزيرة الأستاذ نايف بن عبدالكريم العبدالكريم الذي وصف الإصدار بأنه نشر للمعرفة، ودعم للأوقاف وصناعة المصرفية الإسلامية.

ثمّ ذكرت المقدمة أن الصناديق الاستثمارية أداة استثمارية حديثة تعين الأوقاف على الاستدامة من خلال تنويع الأصول، والحوكمة، والإدارة الاحترافية، والتعامل مع المخاطر؛ بما يقي الأوقاف من معضلة التعطل التي ربما يعاني منها، أو يغدو عرضة لها، وهذا منحى مقلق في العمل الوقفي، وسبق لشركة استثمار المستقبل أن أجرت دراسة مسحيّة حول هذا الموضوع، بمشاركة خبراء وممارسين، وأصدرت النتائج والتوصيات في كتاب مستقل.

كما سعت الدراسة لبيان التكييف الفقهي، والصفة النظامية لهذه الصناديق، وما يكتنف عملها وإدارتها كي يكون العاملون في الأوقاف على بينة من هذه الأداة في شقها النظري قبل أن يتعاملوا بها فعليًا؛ فالعلم يسبق العمل، ولم تغفل الدراسة عن بحث سبل تنمية الصناديق المقترحة لتحفظ الأوقاف أصولها، وتدوم منافعها وثمارها، وتلك من الغايات الشريفة التي لا يضيع معها وقت، ولا يتحسر لأجلها على جهد، ولا يستكثر فيها مال، ولأجر الآخرة خير وأبقى.

ومن ضمن المحتويات جداول وأشكال، وأحكام فقهية، ومواد نظامية، ومقترحات إضافية، ونقل للواقع كما هو مع استشراف المستقبل المنظور، وفيه بيان لأنواع الصناديق، والفروقات بينها، مع خصائص كلّ نوع، وكذلك إلمامة بالتاريخ الحكومي لعمل الأوقاف في المملكة، واستعراض لأهم الأنظمة، مع إضاءات في الإدارة، والتنمية والاستثمار، والحوكمة، هذا غير فوائد مبثوثة تحت عناوين الإصدار، والباب مفتوح لمسترشد، أو متعقب، أو مقترح.

ألا ما أسعد الأوقاف وعالمها الرحب بالمراكز التي تبحث، وتدرس، وتقترح المنتجات، وتصنع المبادرات، وتخدم العمل الوقفي؛ ففي خدمته بركات متوالية يستفيد منها كلّ فرد وكيان في المجتمع، وتعين الحكومة في أعمالها التنموية وفي مواجهة ما قد يطرأ، وتلك فضيلة للأوقاف والأنشطة المجتمعية التي جاءت من رحم حضارتنا الإسلامية، فهي حضارة تعلي من مبدأ المصلحة العامة، وعنها انبثقت الأوقاف، وفي رحاب نصوصها الواسعة ورد الحثّ على شعب الإيمان التي يصبّ قسم كبير منها في خدمة المجتمع.

وما أعظم حظّ الدولة حكومة ومجتمعًا بشركاتهم الكبرى، ومصارفهم المتميزة، التي تمدّ يدها من تلقاء نفسها، بشعور صادق بالمسؤولية، مع رغبة حقيقية بالمشاركة؛ والإسهام في أيّ حقل يتوقع منه الأثر الحميد، والمردود المستمر، إن بمساندة دراساته، أو دعم مشروعاته، أو رعاية منتجاته ومبادراته، سواء أكانت من القديم أو الجديد؛ فالأساس الذي ينبني عليه القرار أن ينفع العمل الناس والبلد والمجتمع، ويمكث في الأرض الآن، وفي المستقبل الآتي، ومن كانت هذه صنائعهم وإستراتيجيتهم فلن يغدو نَصَبهم من الهباء المنثور، ولا من الزّبد الذاهب جفاء، وذلك هو الفوز، وتلك هي القيمة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

ليلة الخميس 22 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1442

04 من شهر فبراير عام 2021م 

Please follow and like us:

One Comment

  1. اخي احمد جزيت خيرا
    اول ما قام به المستعمر للدول العربية بعد سقوط الدولة العثمانة هو الغاء الوقف ومصارفه فهمدت الحياة العلمية والشرعية والتكافل الاجتماعي ومدارس تحفيظ القران والمدارس الشرعية القائمة على الاوقاف
    فهل من يهب لاعادة الاوقاف لما كانت عليه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)