سير وأعلام

سليمان الراجحي: وقف يسعى

سليمان الراجحي: وقف يسعى

أصدرت مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية ملخصًا يعرض أثر الوقف في حياة الشيخ سليمان الراجحي، ويعد هذا العمل الجميل منهم ضمن سياق نشر التجربة، وإشاعة القدوة، وهو من فقه العمل الذي يجعل الصدقة على الغني من الأجر المدخر عند الله عسى أن تحث أهل الجِدة على إدراك الحقائق ثمّ اختيار طريقة المسير؛ ويالها من مسيرة أولها عسير وآخرها عذب سلسبيل.

جرب الراجحي كثيرًا من التجارات مع صنوف مختلفة من البشر والشخصيات الاعتبارية، ثمّ ولى وجهه وثروته صوب التجارة مع الله فقط، وهي من أربح التجارات إذ يربي الله للمنفق عطيته، ويضاعف أجرها في الآخرة، وفوق ذلك يعظم بركتها على صاحبها في الدنيا سواء بنماء المال، أو راحة البال، أو وفاق الأهل والعيال، وهو ما صرح به الشيخ الواقف واضحًا بلا مواربة، وهذا من توفيق الله لعبده، والله يجعله من عاجل البشرى له.

ثمّ جزم الشيخ أن هذا القرار أسعد قرار في حياته، ويرى نفسه الأسعد بهذا الوقف وليس بالثروة السابقة، ومنبع سعادته من جريان لذة العطاء في الروح والمشاعر، وهي لذة ينعم بها المعطي، ويلاحظها عليه الآخرون، ويُحرم منها الممسك الكنود، وأجلى ما تكون في الكدر الذي يجده الكانز بلا منح ولا هبة؛ حتى لكأنه محبوس في جلده، أو حاقن حاقب حازق من كثرة تململه، وضيق صدره، وكثرة الغيوم الكئيبة على محياه، وسبحان من جعل الانشراح والبهجة بالعطاء وليس بالأخذ.

كما أشار الشيخ الواقف لعدد من المفاهيم في إدارة الوقف، وتنميته، وزيادة بركته ونفعه، وشمولية مجالاته، وتمنى أن يكون عمله قدوة لغيره، وطلب ممن يبلغه خبره أن يسأل الله له القبول؛ فاللهم أعظم له الأجر، واكتب له مثل حسنات من تبعه، وتقبل منه عمله وإمامته، وأسعده وهو يخطر بيننا، وفي برزخه، ويوم المبعث العظيم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون.

ومما نلاحظه أن صورة الشيخ في الركن العلوي من هذا الإصدار المبدع تفيض بالبشر والسرور، وبسمته تملأ الأركان، وضحكته الوقورة نكاد أن نسمعها، ولا غرو فهو القائل: وجدت بهذا الوقف متعة التجرد من الدنيا، وإزاحة هم المال في الدنيا، وتبعاته عند الورثة، وفوق ذلك لعل الشيخ يرجو أن يحشره الله في زمرة غير زمرة الأثرياء يوم القيامة، ويالها من زمرة لن تغني عنها رزم الأموال وأكوام الذهب.

بقي أن أشير إلى أن رغبة فعل الخير وتخصيص قدر من المال على صفة وقف وليس مجرد وصية هي رغبة كثير من الأسر التجارية العريقة، وفي ذلك فوائد كبرى ليس لهم فقط فهذا من المفروغ منه؛ بل للمجتمع والحكومة، فالوقف عامل نماء وإثمار في الرخاء، وخير معين إبان الأزمات والكوارث جنبنا الله ويلاتها، وإن عيون أرباب المال لترمق شيخ الواقفين الشيخ سليمان الراجحي فهو الرمز الكبير في هذا المجال الخصيب، وعسى أن يكون صنيعه وما يُصنع له من أكبر الدوافع لنمو هذا القطاع الحيوي المبارك، وكيف لا يكون مباركًا وهو ابن شرعي لحضارتنا الإسلامية.

ونأمل وحق لنا الأمل، بأن تكون الإجراءات الرسمية المتعلقة بالأوقاف والعمل المجتمعي والخيري سلسة وليست سلسلة بعقد لا يحلها أولوا القوة أو الألباب، ولا يعني هذا ترك الحبل على الغارب دون تنظيم أو متابعة، بل هما مطلبان أساسيان ولا يتعارضان مع التيسير، فمن الإجحاف أن يكتمل الإجراء في القطاع الخاص خلال ساعة أو أقل، بينما يستغرق مثيله في القطاع الوقفي والأهلي وقتًا طويلًا وجهودًا مرهقة، ولا نزال نأمل بمزيد من التطوير دون تفريط، وقد ينفع الأمل إذا كان معه كثير من العمل الرشيد، والظن الحسن المتبادل.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأحد 22 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1441

16 من شهر فبراير عام 2020م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)