إدارة وتربية

لعلكم في القرآن الكريم

Print Friendly, PDF & Email

“لعلكم” في القرآن الكريم

لفتت نظري كلمة “لعلكم” الواردة في القرآن الكريم متبوعة بفعل غائي، لذلك حصرتها فوجدتها في ست وعشرين سورة من سور القرآن الكريم، ثمّ جمعت الغايات الواردة عقبها مباشرة وعددها أربع عشرة غاية، وقرأت بعض التفاسير حولها، ومن المهم الإشارة إلى أن معنى “لعل” التي تأتي في القرآن العزيز عن الله سبحانه وتعالى ليست للترجي قطعًا، وإنما تكاد أن تكون كلها بمعنى “لأجل”.

جاءت كلمة “لعلكم” في سورة البقرة أربع عشرة مرة، وست مرات في سورة الأعراف، وخمس مرات في سور آل عمران، والمائدة، والنحل، والنور، وأربع مرات في سورة الأنعام، ومرتين في سور الأنفال، والحج، والنمل، والقصص، والزخرف، ومرة واحدة في سور يوسف، والرعد، والأنبياء، والشعراء، والروم، وفاطر، ويس، وغافر، وفصلت، والجاثية، والحجرات، والذاريات، والحديد، والجمعة.

ومن هذا التكرار أن وردت في آيتين متعاقبتين ثلاث مرات في سور البقرة (52-53)، والمائدة (89-90)، والنحل (14-15)، بينما وردت في ثلاث آيات متتاليات من سورة الأنعام ( 151-153) منتهية بثلاث غايات هي: تعقلون، وتذكرون، وتتقون. واللافت أنها في تكرارها الثنائي كانت الغاية الأولى والثانية في سورتي البقرة والنحل هما: تشكرون، وتهتدون، وفي سورة المائدة هما: تشكرون، و تفلحون، فما أعظم الرابط بين الشكر والهداية، وبين الشكر والفلاح، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

أما الغايات فعلى رأسها “تشكرون” وجاءت في أربعة عشر موضعًا، ثم “تفلحون” في أحد عشر موضعًا، وتكررت ثمان مرات غايتا “تعقلون” و “ترحمون”، وذكرت ست مرات غايات “تتقون” و“تذكرون” و “تهتدون”، ووردت غايتا “تتفكرون” و “تصطلون” مرتين، وجاءت غاية “تسلمون” و “توقنون” و“تسألون” و“تغلبون” و “تخلدون” مرة واحدة فقط.

فشكر الله يكون على الهداية والقرآن ورفع الحرج والتسخير والرزق والنصر والسمع والبصر، ويالها من عبادة عظيمة يغفل عنها المرء كلما انغمس في النعم، وما أولانا بتذكير أنفسنا بها نية وعملًا وقولًا، والحذر مما يناقضها من البطر والسرف والمجاهرة، وأما الفلاح فيتحقق بالتقوى وذكر الله والثبات والتوبة والصبر وغض البصر واجتناب الخمر، وطريق الفلاح واضح بيد أنه محفوف بمخالفة النفس والهوى وترك مسايرة أكثر الناس.

كما يعقل الإنسان بالنظر في الآيات، وتعلم العربية وهي مما يزيد في العقل والمنطق لو فهمنا لغتنا ومعانيها ودلالاتها في الكلمة والتركيب والإعراب، وأيضًا يعقل بنو آدم بطول العمر وتنوع التجربة ولذلك فما أقبح من شيخ سفيه أو متصابي، ونفوز بالرحمة إذا أطعنا الله ورسوله، واتبعنا الكتاب والسنة، وأنصتنا للقرآن وأكثرنا من الاستغفار، وما أبين الوصف فهل من سائر إلى رحمة الله ورضوانه؟

أما التقوى فتكون بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، ويتذكر الإنسان أوامر مولاه إذا نهج طريقًا فيه العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وابتعاد عن الفحشاء والمنكر، مع معرفة النعم واستشعارها، ولو توقف الواحد برهة ليحصي نعم الله عليه لما استطاع ذلك ولأدركه الحياء من خالقه وربه، بينما نبلغ الهداية الفكرية بتدبر الآيات والتوجه صوب البيت الحرام مع الابتعاد عن بيوت سدنة الحرام على اختلاف ألوانها وأشكالها وأسمائها، وندرك الهداية المادية بالعلامات في البر والبحر والجو.

والتفكر عبادة تأتي من النظر إلى آيات الله في القرآن والنفس والكون، وفعل الأسباب واجب وليس التواكل من فعل الأسباب أبدًا؛ ولذلك بحث النبي الكليم عليه الصلاة والسلام عن جذوة من النار أو شهاب ليضمن لنفسه وأهله التدفئة وعسى أن يجد حول النار خبرًا، ومن تأمل نعم الله وآلائه فسوف يسلم وجهه لله حنيفًا بعيدًا عن المناكفة ومنازعة الله في شأنه وأمره ونهيه، ويجد المؤمن برد اليقين وأنسه وانشراحه في تفصيل الآيات وتدبير الأمر من العزيز الحكيم.

بينما لا تفيد القصور والحصون والمشروعات البنائية أصحابها العصاة ولا تغني عنهم شيئًا، ولا تمنحهم الخلود أو النجاة من أمر الله مهما أحكموها، ولن ينفعهم ما أترفوا فيه من نعيم الحياة الدنيا حتى لو رجعوا إليها وسألهم الناس شيئًا من النعيم أو استفهموا منهم عما وجدوه من مصير وياله من سؤال جوابه مرير أليم، ومهما أجلب الباطل بأدواته وسلطاته للتشويش على العباد، وصرفهم عن القرآن والسنة، وصدهم عن طريق الهدى؛ فلن تكون لهم الغلبة وسيؤوبون بالخسارة والحسرة سواء شاهدوها في محياهم، أو برزت لهم عيانًا بعد مماتهم ولات ساعة مندم.

ألا ما أعظم كتاب ربنا، وما أجلّ ما فيه من علم وإيمان وأحكام وقصص، وما أشد تقصيرنا نحوه سواء بتلاوته أو تدبره وقراءة تفسيره، ولو اقتطع أحدنا عشر دقائق يومية، وزاد فبكر للصلوات مع الآذان أو بعده مباشرة، لوجد لديه وقتًا ثمينًا مباركًا للعيش مع خطاب مولانا ملك الملوك وكتابه المجيد، ومحاولة فهم معانيه وإشاراته، وما أكثر بركة القرآن على أهله في نفوسهم وبيوتهم وشؤونهم إن في الدنيا أو في الآخرة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الثلاثاء 24 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1441

18 من شهر فبراير عام 2020م 

Please follow and like us:

3 Comments

  1. جزاك الله خيرا الكاتب الفاضل احمد . علي هذا المقال القيم النافع . اليوم جمعة والصلاة على النبي . من قلب حاضر مع الله وفقك اللله لما يحبه ويرضاه .وجعل لك في كل ماتكبته من مقالات نافعة تذكرنا بنعم الله . في ميزان حسناتك وخسنات والديك

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله العظيم بأسمائه الحسني وباسمه العظيم الأعظم أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم وأن يزيدكم علما ويفقهكم في الدين وأن يبارك فيكم ويحفظكم من كل شر و سوء ومكروه يارب العالمين وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)