معجم سفراء السّعوديّة
من عراقة أيّ كيان حفظ تاريخ صنّاعه وأبرز رجالاته، وهكذا فعلت وزارة الخارجيّة حين أصدرت بالتّعاون مع مركز أسبار عام (1437=2016م) الطّبعة الثّانية من معجم السّفراء السّعوديين بإخراج فاخر في (383) صفحة ناصعة البياض.
يتكوّن المعجم من تقديم بقلم أ.عادل الجبير وزير الخارجيّة آنذاك، فتمهيد، ثمّ ستّة فصول تتحدّث تباعًا عن لمحات تاريخيّة، وتعريف بوزراء الخارجيّة، ووزراء الدّولة للشّؤون الخارجيّة، ثمّ نوّاب وزراء الخارجيّة، فمساعدو الوزير ووكلاء الوزارة ممن هم على مرتبة وزير، ويخلص الفصل السّادس الأطول لسرد معجمي للسّفراء وعددهم (325) سفيرًا.
ومع أنّ عمل الشّؤون الخارجيّة يعود إلى عام (1344) على يد د. عبدالله الدّملوجي، إلّا أنّ إنشاء الوزارة بدأ بأمر ملكي في غرّة رجب عام (1349) أصدره الملك عبدالعزيز، ومن الموافقات أنّه شهر حرام يشيع فيه السّلم في الجاهليّة والإسلام. ومنذ إنشائها تعاقب عليها خمسة وزراء هم على التّرتيب: الملك فيصل، فالشّيخ إبراهيم السّويل، ثمّ الأمير سعود الفيصل، فالأستاذ عادل الجبير، ود.إبراهيم العسّاف حاليًا.
يعود إنشاء أوّل وزارة خارجيّة في التّاريخ إلى الكاردينال الفرنسي رتشيلو عام (1626م)، وهو رجل دولة ونبيل شهير، وأوّل رئيس وزراء معروف، وشيخ السّياسي الكاردينال جول مازارين صاحب كتاب دليل الرّجل السّياسي، وأمّا العمل الدّبلوماسي فقديم جدًا، وفي أوّل الكتاب لمحة موجزة كافية عنه.
صرفت في المعجم جهود كبيرة لصعوبة الحصول على المصادر، وتثاقل النّاس عن تقديم المعلومات والوثائق، فضلًا عن الحريق الذي أصاب مبنى وزارة الخارجيّة في جدّة عام (1399) فالتهم كثيرًا من أوراقها، ومع ذلك أبدع فريق الإعداد والتّحرير والمراجعة، وعلى رأسهم السّفير أسامة بن أحمد نقلي، والدّكتور فهد العرابي الحارثي، والبروفيسور عبدالرّحمن بن حمود العناد، والدّكتور خالد بن عمر الرّديعان، والدّكتور صالح بن عبدالعزيز الرّبيعان، وبقيّة زملائهم، وأفادوا من مكتبات حكوميّة وصحفيّة محليّة، وإن لفت نظري أنّهم لم يرجعوا لدارة الملك عبدالعزيز؛ وكلّ الصّيد في جوف الفرا!
من المعلومات القيّمة في المعجم يتبين تنوّع شهادات السّفراء من الكتاتيب إلى الدّكتوراه، واختلاف تخصّصاتهم، وامتداد انتمائهم المناطقي والقبلي والمذهبي، وتدّرجهم في العمل الدّبلوماسي، ومنهم من نقل خدماته من وزارات أخرى للخارجيّة، وفيهم مؤلّفون وكتّاب نتمنّى عليهم تأليف ما يرتقي بالعمل الدّبلوماسي الوطني.
وغالب تخصّصات السّفراء حسب الكشّاف الأخير هي التّاريخ، والاقتصاد، والإدارة، والسّياسة، والقانون، والإعلام، والعلوم الدّبلوماسيّة والعسكريّة، وعمل عدد منهم في التّرجمة والجامعات، وحظي بعض الرّعيل الأوّل بتكوين مشيخي، ولدى جمع منهم عضويّة في مجلسي الشّورى والوزراء. وأمّا أكثر المواضع ورودًا فهي مكة، والرّياض، وجدّة، والطّائف، والقاهرة، ومصر، والكويت، وباريس، وفرنسا، وأمريكا، وواشنطن، ونيويورك، ويتجاور في المعجم أبناء الأسرة الواحدة بسبب الأبجديّة.
وبعد مضي أربع سنوات حافلة بالمتغيّرات والأوّليّات، قد يحسن الإسراع بتحديث المعجم، وإضافة معلومات شجريّة أو مجدولة عن كلّ دولة ومن عمل بها من السّفراء، وتوضيح أوّل سفير في كلّ بلد، ومن أصبح منهم عميدًا للسّلك الدّبلوماسي، أو يجيد لغة الدّولة التي استضافته سفيرًا، أو كانت له مشاركات متميّزة.
ومن المقترحات حذف المعلومات الزّائدة مثل الدّروع وكتب الشّكر مالم تكن ذات قيمة تشفع للتّنويه بها، وتصحيح اسم والد الوزير والسّفير الشّيخ ناصر المنقور من محمّد إلى حمد، وتصحيح اسم عائلة السّفير الشّيخ رشيد بن ناصر بن ليلى وليس ليلي، وبالمناسبة فهو أكبر السّفراء عمرًا إذ ولد عام (1294)، وأصغرهم في العمر السّفير بدر بن علي الكحيل المولود عام (1399=1979م)، وهو أوّل سفير في المالديف.
ومن الّلافت للنّظر سقوط أسماء سفراء كبار، مثل الشّيخ فوزان السّابق، والشّيخ عبدالعزيز المعمّر، والأمير تركي الفيصل، وإضافة أسماء آخرين لم يتبيّن لي أنّهم عملوا سفراء في الخارج، ومن الضّروري ذكر الأسماء الرباعيّة قدر الإمكان لتخلّفها أحيانًا، والدّعاء بالرّحمة لجميع الأموات وليس لبعضهم فقط، والإشارة إلى من ألّف سيرته الذّاتيّة، أو تُرجم له كالسّفير الكبير الشّبيلي.
وتبلغ عدد سفارات المملكة حاليًا مئة سفارة، إضافة إلى ربعها من القنصليّات كما ورد في المعجم، وممّا يحمد لمن أعدّ هذا المعجم ضمن محامد كثيرة عنايتهم الفائقة بالتّقويم الهجري، وإشارتهم للأعمال الخيريّة التي أشرف عليها السّفراء مثل السّفير عبدالعزيز العتيقي المسكون بالتّعليم، والسّفير بكر خميّس الذي أطلق مئات الأعمال المباركة في فنزويلا وأندونيسيا، وغيرهما ولا يضيع المعروف أبدًا.
ومن الطّريف تباين أماكن عمل بعض السّفراء، ففي حين عمل السّفير الشّاعر حسن القرشي في السّودان وموريتانيا، راوح السّفير سمير الشّهابي بين تركيا والصّومال، وانتقل السّفير محمد المسهر ما بين فنزويلا والكاميرون، بينما ظلّ الوزير والسّفير د.عبدالعزيز خوجة يخطر بين بلاد الجمال سفيرًا في روسيا، وأوكرانيا، والمغرب، وتركيا، ولبنان، ثمّ المغرب!
وأجد نفسي سعيدة بمثل هذا الإصدار، وليته أن يكون نهجًا لدى أجهزة الحكومة تقديرًا لمن عمل وبذل، دون نسيان آخرين من الصّفوف الخلفيّة الذين كانوا أعظم رافد ومعين لأصحاب المقاعد الأماميّة، ولا يفوتني أن أشكر الجار الكريم، والصّديق العزيز، الأستاذ عادل بن حمد الرّبيعة الذي أهداني نسخة من هذا المعجم الماتع ليلة البارحة، وأخبرني بعد نشر هذه المقالة أنّ الوزارة تنوي تحديث هذا الكتاب وطباعته خلال سنة، فبعثت له مقترحاتي الواردة أعلاه، وغيرها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الاثنين 20 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1440
25 من شهر فبراير عام 2019م
2 Comments