قبل عام ونصف العام، شاركت متحدثًا في حفل سنوي لموظفي المعهد الذين غادروه بالتقاعد أو الانتقال، وهذا الحفل يقام مرة كل عام منذ عقد أو أزيد. في ذلكم الحفل أعلن عن مشروع كتاب يروي سيرة المعهد، شارك فيه جمع من قيادات المعهد وأساتذته وإدارييه، وكان عدد غير قليل منهم حاضرًا في ذلكم اللقاء المحفوظ بالصور والتسجيل المرئي. وقد أصبحت اليوم على نسخة إلكترونية معتمدة من هذا الكتاب، أرسلها لي مشكورًا الأستاذ عبدان العبدان، الذي يتولى بالترتيب والمتابعة لقاء موظفي المعهد المذكور آنفًا، إضافة إلى مجتمع الواتساب ومجموعاته الخاصة بهم.
عنوان هذا الكتاب: معهد الإدارة العامة: أصالة التأسيس وآفاق المستقبل، إعداد: د.مساعد بن عبدالله الفريان، د.سلوى بنت عبدالله الحمودي، د.منصور بن عبدالعزيز المعشوق، د.محمد بن عبدالرحمن إسماعيل، أ.عبدالله بن متعب السميح، وراجعه د.بندر بن أسعد السجان، د.محمد بن صالح البخيتي، أ.محمد بن علي المشعوف. صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عن المعهد سنة (1446=2024م)، وتقع في (283) صفحة.
ابتدأ الكتاب بعد صور للملك المؤسس عبدالعزيز-رحمه الله-، ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ولسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله وأيدهما-، بكلمة تقديمية من المهندس أحمد بن سليمان الراجحي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ورئيس مجلس إدارة المعهد، أثنى فيها على المعهد وتاريخه وإنجازاته، وربط واقعه برؤية المملكة (2030). وتلاها كلمة من مدير المعهد د.بندر بن أسعد السجان أشاد فيها بإرث المعهد وثماره، وذكر أن حفظ ذلكم الإرث استوجب رواية قصة المعهد بشفافية تعطي درسًا في التنمية الإدارية، وترفع من الوعي الإداري، وقد شكر الوزير والمدير فريق الإعداد، وشكرا قيادة البلاد التي تسعى بما أوتيت من قوة لمصلحة الحاضر، وصناعة المستقبل.
في هاتين الكلمتين نلاحظ عدة ملامح لا تخفى على من قرأ بشيء من العناية؛ ففيهما اعتراف صريح بمآثر السابقين، وامتداح صادق لها ولهم، وهذه خلّة كريمة ربما حرم فقدها بعض الكيانات من فضيلة كتابة سيرتها، وتدوين قصتها! كما تبرز في الكلمتين مع أصالة الماضي التطلّع الجاد نحو آفاق المستقبل إن للمعهد أو للبلد كله. وإن أتجاوز فلن أتجاوز أن هذا الكتاب السيري لا يحكي قصة وتاريخًا فقط، وإنما يسير على منوال المعهد الذي أراده بناته الأوائل من ملوك وأمراء ووزراء ومديرين، وخلاصة ذلكم المنوال المراد أن يخلص شأن المعهد كله للتعليم والتدريب والبحث والاستشارة، كي يرتقي بالإدارة المحلية فكرًا وتطبيقًا.
يتكون الكتاب بعد الكلمتين من المقدمة ثم عشرة فصول فخاتمة يتلوها ملحقان، الأول منهما يسرد أسماء منسوبي المعهد الذين تقلدوا مناصب عليا في القطاع العام والخاص وغير الربحي، والثاني يذكر لنا أسماء منسوبي المعهد الذين شاركوا في الإجابة عن الاستبيان وهم على قسمين؛ فمنهم من انقطعت صلته الوظيفية بالمعهد وعددهم (29) مجيبًا، وفيهم من هو على رأس العمل وعددهم (26) مجيبًا. يشير الملحق الأول بوضوح إلى أن المعهد انتشر بطواقمه داخل أجهزة الدولة والمجتمع، ولم تقتصر جهوده على منجزاته التي ينفذها في مجالات عمله؛ فلكأن المعهد يغرس الأفكار والرؤى، ثم ينتدب من يرعاها حق الرعاية. وفي الملحق الثاني منهج علم وسنّة وفاء؛ حتى يكون القارئ على بينة، وحتى يحفظ لمن أجاب تعاونه، فعادة بعض الناس التأخر والتلكؤ في التعاطي مع من يبحث عن معلومة، أقولها عن شيء من التجربة!
بلغ عدد موظفي المعهد في المناصب الحكومية العليا الذين حصروا في الملحق (22) اسمًا على رأسهم ثلاثة وزراء (أبا الخيل والنفيسة والحمد)، وأمين عام مجلس الوزراء الحالي الأستاذ خالد العبدالكريم. وفي هذا الملحق ستة وكلاء في إمارات المناطق من منسوبي المعهد. أما أعضاء مجلس الشورى من طاقم المعهد فعددهم (16) عضوًا، ولا يخفى أن المجلس أسند فيه منصب مساعد الرئيس مرتين لبعض موظفي المعهد، أحدهما المساعد الحالي د.حنان الأحمدي. وذكر في الملحق (66) قياديًا في القطاع العام ينتسبون للمعهد، و (32) معهداريًا – هذا النحت للدكتور إبراهيم التركي– عملوا في مناصب مهمة بالقطاع الخاص وغير الربحي، والمجموع (144) اسمًا قابلة للزيادة، حفظ الله الأحياء، ورحم الأموات، فمن مزايا هذا الكتاب أنه يتبع أسماء الراحلين بالدعاء لهم بالرحمة، وحين يذكر الأسماء الثلاثية يضيف وصف البنوة الذي بحذفه -كما يفعل آخرون- لا يستقيم إعراب، ويهدر حق شرعي!
وإذا أردنا الوقوف على فصول الكتاب بعد المقدمة التي قالت لنا: هذا هو معهد الإدارة، فسنجد أن الأول منها يروي الانطلاقات التاريخية؛ فمعرفة التاريخ مهمة للتصور وتقدير الجهود وتقديم العذر، والفصل الثاني يحدد الهوية والثقافة؛ ذلك أن الهوية حاكم صارم على كثير من الأعمال قبل ابتدائها، ويبرز الثالث الإسهامات المعرفية وهي على أصناف، ويطلعنا رابعها على جهود المعهد في التنمية الإدارية، ويتبعه الخامس لبيان تنمية الموارد البشرية، والرابع والخامس من أجلّ مهام المعهد، وهي بجملتها مهام جليلة مؤثرة.
ثم يذهب بنا الفصل السادس إلى الحضور الإقليمي والدولي، ولن يتفاجأ القارئ حينما يعلم عن حضور المعهد المؤثر في أعمال تأسيسية أو تطويرية لمنظمات ودول ومؤتمرات وغيرها، وسبب نفي المفاجأة أن ما سبق من فصول سيقود لهذه النتيجة ولا مناص. أما الفصل السابع فيخبرنا عن الشراكة المجتمعية، ويبين الثامن مساهمات المعهد في رؤية المملكة 2030 ولو كانت المساهمات مشاركات أو إسهامات فقد تكون أصوب، وفي كل خير ودلالة. ويتحدث الفصل التاسع عن التنمية الإدارية في المناطق؛ لأن المعهد للمملكة كلها سواء بمقره الأساسي أو بفروعه، ويطير بنا الفصل العاشر نحو آفاق المستقبل المأمول بإذن الله وتوفيقه.
وفي الخاتمة أشار فريق إعداد الكتاب إلى أنهم نقلوا الصورة كما بدت لهم دون مجاملة سواء من أفواه الشهود وعددهم (55) شاهدًا من داخل أروقة المعهد ، أو بقراءة (46) مرجعًا مذكورًا في آخر الكتاب، ولا غرابة من إيرادهم هذا التحرز؛ لأن كثرة المنجزات الباهرة قد تدفع بعض القراء إلى إعمال غريزة الشك، والشك المتوازن لا بأس منه؛ ذلك أنه يوصل للحقيقة التي تطلعت أعناقها ترنو فوق الأستار في محتويات الفصول السالفة، وأما الشك البعيد عن المنهجية والتوازن فلا علاج معه البتة ولو أتينا له بالفصول الآنفة وأضعافها!
بقي أن أقول لكل مسؤول استفاد من المعهد استفادة مباشرة أو غير مباشرة، وسمع عن هذا الكتاب، أو قرأه، أو قرأ ما كتب عنه: أين سيرة الجهاز الذي تقف أنت على رأسه؟ ألا يمكن تفريغ بعض القادرين من قدامى الموظفين أو الاستعانة بغيرهم لحفظ جزء من التاريخ الإداري والتنموي لبلادنا؟ هو تاريخ، وإدارة، هو خبر عن الماضي ودليل للمستقبل، هو صنع رشاد، وفعل عراقة، وعلامة وفاء، يحفظ المآثر، ويحتفي بالمفاخر، ولا ينكر احتمال وجود النقص، وورود الخطأ، فهي سمة البشر وما تحت أيديهم، والعذر مع الشكر مبذول للمجتهد المحسن وإن غلط أحيانًا. المهم الآن أن نبدأ بالكتابة والتدوين كما علمنا معهد الإدارة العامة وهو يستخرج لنا شيئًا من كنوزه.
الرياض- الجمعة 11 من شهر ذي القعدة عام 1446
09 من شهر مايو عام 2025م
