إدارة وتربية مواسم ومجتمع

فوائد من أحاديث الدجال

Print Friendly, PDF & Email

فوائد من أحاديث الدجال

لدى اليهود والنصارى والمسلمين من سنة وشيعة شخصية غائبة مرتبط ظهورها بآخر الزمان على اختلاف في عقائد القوم حول هذه الشخصية، وما ستفعله. ومن أكبر الفروق بين أهل السنة وغيرهم من أتباع الملل والفرق أن أهل السنة ليس في منهجهم ما يدعو للتوقف عن العمل انتظارًا لظهور “الغائب”، وليس من دينهم استعجال مجيء “المخلّص” بافتعال الحروب والكوارث فضلًا عمّا سواها، هذا غير أننا نؤمن بما صح وثبت، ونعتقد بطلان ما سواه من أكاذيب مختلقة أو محرفة.

وقد بحث الشيخ أ.د.ياسر بن عبدالرحمن الأحمدي هذه المسألة باستفاضة في رسالة علمية محكمة مطبوعة بعد نقاشها في إحدى الجامعات، وعنوان الكتاب: “ملاحم آخر الزمان عند المسلمين وأهل الكتاب وآثارها الفكرية”، ومن أراد الاستزادة فيمكنه الرجوع لهذا الكتاب، علمًا أن مضمون المقال ليس له صلة مباشرة بهذا الكتاب؛ فعهدي به غير قريب، وسبب التنويه حماية الكتاب ومؤلفه من نسبة شيء إليهما، وإحالة القارئ المعتني لذلكم الكتاب المهم في بابه.

وفيما سلف راجعت بعض الأحاديث النبوية المحتج بها الواردة عن المسيح الدجال أعاذنا الله وإياكم منه، وتأملت فيها، فرأيت فيها بعض الفوائد إضافة على التحذير منه، ومن شروره وفتنته، ومنها:

  1. أهمية الارتباط بالسنة النبوية الشريفة تعلمًا وتعليمًا واستنباطًا؛ فهي من وحي ربنا، وسنة نبينا، وقد بذل علماء الإسلام لأجلها جهودًا ذهنية وعملية بارعة، ونجم عنها علوم غير مسبوقة في السند والمتن والمصطلح والرجال والجرح والتعديل، علمًا أن خبر الدجال وارد فيها بالتصريح، وليس في القرآن العزيز.
  2. أن العلم الشرعي حرز من الضلالة في التصور وفي العمل، ولا يمكن مقاومة أيّ خطر على المجتمع المسلم دون الاستناد إلى علوم الشريعة، وإلى العدول الأمناء الصادقين القائمين بها وعليها.
  3. أن الاستمساك بالدين والعلم الشرعي يحميان من الدجال وسائر الفتن: “يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنْ الدِّينِ وَإِدْبَارٍ مِنْ الْعِلْمِ”، وما أيسر الحلول إذا كانت معروفة، وفي نطاق المقدور عليه.
  4. خصوصية بعض الأماكن وقداستها مثل مكة والمدينة والطور والمسجد الأقصى؛ إذ ثبت امتناعها عن الدجال، ولعل الأقصى حينها أن يكون مطهرًا من رجس يهود؛ فلو كان تحت سيطرتهم لما منعوا سيدهم من الدخول إليه؛ إلّا أن يكون المنع ربانيًا خالصًا، ومما ورد في الخبر: “إِلا أَرْبَعَ مَسَاجِدَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالطُّورِ وَمَسْجِدَ الأَقْصَى”، وباقتراب الدجال منها، وتحصنها عنه، تزداد نقاوة هذه البقاع، وخلوصها لأهل الإسلام والإيمان، وخروج من فيها ممن يتقاطعون مع الدجال في بواطنهم.
  5. التنبيه إلى خطورة بعض الأماكن المحيطة بعالمنا مثل بعض بلاد المشرق أو خراسان، والخلة الواقعة بين الشام والعراق التي يخرج منها الدجال، والله يكفيناهم بما شاء.
  6. أن المشرق الإسلامي سيظل مركز الأحداث المهمة، فمنه ابتعث الله الأنبياء الثلاثة الأكثر أتباعًا -عليهم الصلاة والسلام- وعلى أراضيه ستكون الأحداث الكبرى والمشاهد الأخيرة للحياة الدنيا قبيل المحشر، ولذلك لا نعجب من افتتان الأجانب بالشرق وغرائبه وغيبياته، فوق تلهفهم على مياهه وثرواته وممراته ومواقعه.
  7. الارتباط الكبير بين اليهود والأعاجم وضعاف العقول من ناحية والدجال من ناحية أخرى، سواء في بداية الخروج معه، أو في متابعته ومناصرته والهلاك بصحبته المشينة على يد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام والمؤمنين معه.
  8. تواصل غيرة الرجال على النساء وقوامتهم عليهن إلى قيام الساعة كما صح في الخبر: “فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ”.
  9. استمرار تأثير المكون القبلي إلى آخر الزمان، وهو أمر مشاهد في الواقع، وتؤيده النصوص التي تثني على شدة بني تميم على الدجال الأعور حين يخرج كما روي: “هُمْ أشَدُّ أُمَّتِي علَى الدَّجَّالِ”، وإن المكون القبلي المنضبط لأحد أسباب قوة المجتمعات وأمنها.
  10. أن الحق مع وضوحه وبيانه فسوف يختلف فيه الناس اختلافهم في الموقف من الدجال، مع أن كلمة الكفر مكتوبة بين عينيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ”!
  11. بقاء الأمية في الأمة مع أنها أمة القراءة والتعبد بطلب العلم، إذ ورد عن حروف الكفر المكتوبة على جبين الدجال: “يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ”.
  12. ستظل الخوارق، والأموال، والذهب، والشهوات، من أسباب فتنة الناس وانجذابهم حتى لو كانت بيد إنسان صفته مخوفة كما ورد: “رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ”.
  13. خيرية شباب هذه الأمة حين يفضح أحدهم الدجال ويمتنع عن الإيمان به أو الخضوع لجبروته، فيا معاشر المسلمين: تناسلوا، وأحسنوا التربية، فالخير أمامكم.
  14. أن العصمة في كتاب الله من خلال حفظ أوائل سورة الكهف أو خواتمها وقراءتها على الدجال، وما أجدر الأمة بالارتباط بكتاب ربها في البيت والمسجد وكل مكان.
  15. أن الشر مهما طال واستعر فلا مناص له من نهاية، وهو ليس شرًا محضًا إذ يكون في تضاعيفه الخير من التمحيص والتكفير ورفعة الدرجات.
  16. استشراف المستقبل بناء على معطيات موجودة أو متوقعة علم وفن كبير، لكن الاستعداد الشخصي لما سيكون حتمًا أولى وأجدر، وهو من لوازم الإيمان بالغيب والنصوص.
  17. قد يبدو الحق في لمحة بصر مثل الحروف المكتوبة على جبين الدجال، ومثل انكشاف حقيقة نار الدجال وجنته لمن نظر فيهما.
  18. ما أسرع ذوبان الباطل العظيم وخنوسه حينما يواجه الحق الذي يمضي ولا يستكين ولا يتراجع؛ بل يطارد الباطل ويدحره دون أن يلتفت لدعوات ضبط النفس مادام الطرف المقابل يلج في غيه وعدائه.
  19. استثمر الدجال تعلّق النفوس بالمال، والجمال، والخلود، وعامة الشهوات، ولم يشغل نفسه بمنطق أو عقليات، فشهوات النفس والسمع والبصر كفيلة بإغراء أعقل العقلاء إلّا من رحم الله؛ فاللهم اعصمنا.
  20. ليس للكثرة قيمة، وبالتالي فكل الجموع السائرة خلف الدجال تغدو مثل الهباء المنثور الخلي من المعنى، والساقط من الحسبان، وعديم النفع ساعة المواجهة المصيرية.
  21. أن الصراع بين الحق والباطل قائم ماض حتى تقوم الساعة، ومن أشده الصراع بين مسيح الهدى ومسيح الضلالة.
  22. أهمية شأن الصلاة؛ فمع هول قصة الدجال، وتفاصيل مسيره، ومصير الناس المتباين زمن خروجه، إلّا أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يغفلوا عن كيفية أداء الصلوات المفروضة في العدد، وما أحرانا بالحفاظ عليها.
  23. لخطورة الدجال حثّ نبينا عليه الصلاة والسلام على التذكير به، وأوصى الأمة بذلك، وحذرها من الغفلة عنه المؤذنة بخروجه، ومن هذا الباب الاستعاذة منه في نهاية كل صلاة بقول المصلي آخر التحيات: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ”.
  24. من الحكمة الابتعاد عن مواطن الفتن وما يشكل مهما اعتقد المرء في قوة إيمانه وصلابة دينه وقوة احتماله، ومن فروعها ألّا يحاول الإنسان الزج بنفسه في متاهة لاكتشاف آخرها وهو لا يعلم مداها ولا منتهاها؛ فالسلامة السلامة.
  25. مهما أطنب الناس وتعمقوا في البحث عن حلول للمشكلات والأزمات فليس مثل الإيمان والعلم، فهما خير ما تواجه به الفتن والملمات بهم، وما أقربهما وأيسرهما، والتوفيق من الله.

أشير أخيرًا إلى أن هذا المقال ليس له علاقة بالعقائد والنبوءات القيامية والرؤيوية -نسبة إلى سفر رؤيا يوحنا وهو عمدة النصارى في تفسير أحداث آخر الزمان- فللرؤى حضور لافت في هذا الباب عند كل أحد! كما أنه غير متصل بما يجري حاليًا على أرض فلسطين المباركة؛ فأصل المقال مكتوب منذ زمن، وإنما نشطت إليه الآن، والله أسأل أن يعيذنا ويعيذكم من الدجاجلة الكثر والدجال الأكبر؛ فأولئك الصغار يهيئون الدنيا بأسرها لقائدهم الذي قال عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم: “مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ”، ويبالغون في تمهيد الأرض والجو والبحر عن جهل أو عن عمد، والله المرجو بأن يرد الكيد في نحورهم، ويبطل المكر من حيث لم يحتسب أهله، ويحفظنا وينصر بلاده وعباده وأولياءه المتقين.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الاثنين 15 من شهرِ ربيع الآخر عام 1445

30 من شهر أكتوبر عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)