بعد نجاحات لافتة في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، أصبح معالي الدكتور محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ وزيرًا للشؤون البلدية والقروية بين عامي (1412-1416)، بعد أن أمضى أزيد من عقد ونصف العقد في الهيئة العليا منذ أن كانت فكرة اقترحها الأمير –الملك- سلمان إبان إمارته للرياض في التسعينات الهجرية -السبعينات الميلادية- حتى أصبحت اليوم النموذج المحتذى في جلّ مناطق المملكة بعد تطوير الفكرة، علمًا أن الوزيرين م.عبداللطيف آل الشيخ، و م.إبراهيم السلطان، قد خلفا د.آل الشيخ في الهيئة، وفي العضوية المجلسية.
وقد رأس آل الشيخ آنذاك لجنة مصغرة لتنفيذ تلك الفكرة الرائدة بعد إقرارها من مجلس الوزراء الموقر، وكانت منجزاته مع فريقه أحد الأسباب المهمة وراء اختيار عميد كلية الهندسة السابق وزيرًا للبلديات التي كان يطلق عليها في بعض البلاد وزارة المنافع أو النافعة لتداخلها مع الشأن العام، والإدارة المجتمعية العامة، ومسائل التنمية. ولا يكاد د.محمد أن يذكر في مجالسه المحفوفة أو العامة عمله وعمل مساعديه وطواقمه في الهيئة العليا خاصة، وفي وزارة البلديات بعدها، إلّا ويثني على مساندة الأمير -الملك- سلمان له بالرأي، والتوجيه، وتسهيل التنفيذ، وتذليل العقبات، وإزالة الحواجز التي قد تعيق ذلكم المشروع الفريد جنسه، المبكر زمانه، إضافة إلى تشجيع الحاكم التاريخي لأي أسلوب رشيد يؤدي إلى النزاهة، والشفافية، ويئد الفساد في مهده، أو يجتثه إن استبان.
ثمّ بعد أربع سنوات قضاها د.محمد في وزارة البلديات أصبح وزير دولة وعضوًا في مجلس الوزراء (1416-1424) حتى استعفى من منصبه لأسباب خاصة. وخلال سنوات عمله في عضوية المجلس شارك الوزير في لجان متعددة؛ خاصة إبان تفرغه من حقيبة الوزارة التي حصرته داخل إطار البلديات؛ ليجد نفسه بعد تعيينه وزير دولة منفتحًا على الوزارات الاقتصادية، وشؤون الناس، والقضايا العامة، ومهام المجلس النظامية والشاملة، فاستمر عن قناعة راسخة حاملًا لواء الدفاع عن التنمية، ومصالح المجتمع، ورعاية تأمين الحد الأدنى من الخدمات، وغير ذلك مما لم يرق بعضه لقلة من الوزراء حتى تهامسوا بالقول: ما أصلبه! ما أشد صرامته! إنه مثل أبيه!
أما خلال عمله وزيرًا للبلديات فقد حرص على ضبط أعمالها المهمة خاصة في باب الأراضي والمنح، وجعل الموافقة على ما يخصّ هذه المسألة مركزيًا ضبطًا للعمل، وتحقيقًا للعدالة، ومنعًا لضعاف النفوس من استثمار البعد أو التدرع خلف أسماء بريئة لجني مكاسب غير مشروعة، ولأجل هذا ازداد التذمر من الوزارة ووزيرها بدعوى ينقصها البرهان مثل تعطيل الأعمال، وتأخير القرارات، والتعسف في استخدام السلطة، وكانت إمارة الرياض هي الأكثر إشادة بالوزير وأدائه ونزاهة العمل الذي بدأ يختط له منهجًا غير مسبوق، ولأجل هذه التزكية استمر وزيرًا لثمان سنوات حتى وإن ابتعد عن البلديات وصداعها.
من مواقف الوزير آل الشيخ أن أمرًا عاليًا ورده لاتخاذ إجراء معين إبان عمله وزيرًا للبلديات، فراجع الأمر مع الشؤون القانونية في الوزارة، وكتب عليه عرضًا يبين فيه بعض الجوانب التي لم تكن ظاهرة أو لم يخبر بها صاحب الأمر قبل توقيعه، وسلّم الرأي المكتوب لرئيس الديوان الملكي في تلك السنوات معالي الشيخ محمد النويصر في النهار، وأتاه الجواب قبيل صلاة العشاء من اليوم نفسه، وفيه أمر آخر بإبطال الأمر السابق، مع شكره على التوضيح والاجتهاد في البيان والنصح، وهذه القصة تؤكد أن المسؤول الأعلى يستجيب لمن يورد الحقائق بطرق رسمية بناء على ما يرعى من أحكام وأنظمة وتعاميم.
ومنها أنه تفرس في أحد الموظفين الأهلية للترقية بعد أن لاحظ فيه الاجتهاد والإنتاج، وأراد ترقيته لمرتبة أعلى، فقيل له إن المرتبة الرابعة عشرة لابد لها من موافقة تصدر عن مجلس الوزراء؛ فقال: إذا كنا سنرسل الطلب للمجلس فليكن على المرتبة الخامسة عشرة؛ لأن الموظف يستحق تلك المنزلة، علمًا أن د.محمد آل الشيخ امتاز بعنايته الفائقة باختيار من يعمل معه، وحسن التأهيل والتدريب والتقديم، ولأجل هذا فقد خلفه في مناصبه عدة مسؤولين ممن عملوا معه، وبعضهم أسندت إليه مناصب أخرى، وهذه الخصيصة تدل على نظرة واسعة صوب نفع المجتمع والحكومة بعيدًا عن ضيق الأطر والنفوس، وتنائيًا عمّا يبتلى به البعض من فئوية، أو شعور بالندرة الخانقة، وتشبث بالشح المطاع المؤذي.
كما يُروى عنه أنه تعمّد عقد اجتماع في إحدى المناطق التي لم يكن بها حينذاك أمانة، وحضر معه أمناء المناطق الأخرى التي لم تتجاوز أربعة مناطق فيما أذكر، وقال الوزير للأمناء: أردت أن نلتقي هنا كي تقفوا على الأعمال الموفقة الناجحة التي تنفذها بلدية هذه المنطقة! وهذا التصرف فيه تشجيع لمدير عام البلديات الذي سمع هذا الثناء، وفيه تحفيز لغيره، وحثّ من طرف ظاهر وخفي للأمناء الحاضرين بضرورة الابتكار والإنجاز؛ خاصة أن موازناتهم جيدة للغاية، وتكليفهم جاء بأمر ملكي له لوازمه التي تقتضي المزيد من التفكير والمزيد من العمل والتعب، ومما قاله الوزير للأمناء بعد أن اختصر بهم: لا يضيركم أن تتعلموا منه!
كذلك نجد في الطرق العملية التي اتبعها آل الشيخ سواء في الهيئة أو الوزارة أنه حريص على الوقوف بنفسه وفريقه على دقائق العمل، والبحث عن أنجع التجارب، وفتح الباب للخيارات الممكنة، وتوطين الخبرة بالابتعاث أو التدريب على رأس العمل، أو المشاركة في اللجان والمعايشة مع الخبراء، مع تغليب قضايا التنمية، والمصالح العليا للدولة حكومة ومجتمعًا، والاعتماد على الإدارة العامة الناجحة المرنة المبتكرة في المجالات العامة التي لا يناسب تخصيصها، ولأجل هذه المعاني الدقيقة يكثر أبو خالد من القراءة في الإدارة والاقتصاد والتنمية، ويبحث بحثًا جادًا متواصلًا في المصادر الشرعية والنظامية، كي تبرأ ذمته في رأيه وفي عمله، وعقب ذلك لا يتردد في المضاء بما استقر لديه، او بإبداء قناعاته شفاهة وكتابة بالسبل المناسبة المقبولة التي تنم عن حرص وإخلاص وولاء.
أشير أخيرًا إلى أن د.محمد بن عبدالعزيز آل الشيخ هو الوزير الوحيد حتى الآن -من غير الأمراء- الذي اجتمع مع شقيقه وزير الزراعة والمياه د.عبدالرحمن في عضوية مجلس الوزراء بين عامي (1412-1415)، وهو ثالث وزير -من غير الأمراء- يخلف والده في عضوية المجلس، كما أنه الوزير السادس في تاريخ المجلس من الوزراء المنتمين لأسرته العريقة. وهو من الوزراء المشهود لهم بالصرامة والدقة، والحرص على سيرورة الأعمال وإدارتها وفاق الأنظمة دون حيدة لأجل أي شيء كائنًا ماكان؛ لأن من صفات رجل الدولة الناصح الغيرة على المصالح العامة المرعية، والسعي لاستجلابها؛ فهي التي ترضي الله، وتكون سببًا أكيدًا في تحقيق السكينة والاستقرار، وهذا البعد الحصيف مطلوب محبوب من قبل أولي الأمر، ومن عقلاء الناس، أو ربما من الناس قاطبة.
الرياض- الثلاثاء 25 من شهرِ ربيع الأول عام 1445
10 من شهر أكتوبر عام 2023م
2 Comments
مدونة رائعه وجدتها تعكس الحقيقة بصورة مركزة ومختصرة .
وفقك الله واعانك
السلام عليكم أستاذ أحمد .
ما دونته عن الدكتور محمد حقيقه كتبها رجل أمين ومطلع جزى الله خيرا الدكتور محمد كل خير وجعل ما عمله في موازين حسنات أعماله .
وفقك الله وسدد خطاك وجزاك الله كل خير أخي أحمد .