قراءة وكتابة

مطاردات لذيذة خلف الكتب (8)!

مطاردات لذيذة خلف الكتب (8)!

كلمة واحدة أطلقها الصديق الحبيب عماد كوارع في إحدى صحاري العُلا قبل سنوات فانبجس على إثرها مقالات هذه الثامنة منها حسب التسلسل وربما “أتوسِع”! وما كنت أحسب أن أتجاوز الواحدة أول الأمر، بيد أن الأقدار بيد الله يصرفها كيفما يشاء بحكمة منه سبحانه وفضل. وما أجمل الخلوات بالرفقة بين آونة وأخرى، خصوصًا مع اطراح التكلّف، وتقديم العذر، والسعي بين الصحبة بالمفيد الماتع من مستطرف الأخبار، ونفيس الحكايا، ورفيع المرويات؛ فاللهم احفظ أولئك الإخوة وزدهم من كل خير في دينهم ودنياهم، وسخر لهم مَنْ وما حولهم، وهيئ لهم من أمرهم رشدًا.

أعود إلى الكتب وأنبائها، بالوقوف عند خبر حصولي على بعض الكتب، وهل أجمل من الحديث عن الكتب والقراءة وما يتداخل معهما؟! أما عني فأقول إن المنافسين للقراءة وما يخصها قلة تزداد ندرتها، وتضعف مقاومتها أمام بهجة الكتاب وعلو شأنه. ومن لطيف ما أشير إليه أن الكتب التي أتمنى الحصول عليها تتيسر لي دون تخطيط مني -أحيانًا-؛ فتصلني بطريق أو آخر، ولهذا الموضوع حديث آخر، والحمد لله على نعمائه.

مَعْلَمَةٌ أحسن من دروع ودريهمات!:

قدمت برنامجًا تدريبيًا من يوم واحد في مؤسسة حكومية ضخمة قبل خمسة عشر عامًا أو أزيد، وبعد نهاية برنامجهم تواصلوا معي للتكريم والاتفاق على تصميم الدرع، فقلت لهم: لا أحب الدروع وأضيق بما لديّ منها- جمع درع وليس شيئًا آخر- واقترحت أن يكون البديل مجموعة من الكتب، فوافقوا على أن نؤدي حركة إيهام على المنصة وكأني أتسلّم درعًا، وتأتيني الكتب لاحقًا، وهو ما كان ولا أذكر من تلك الكتب الآن إلّا “المصنّف” للحافظ عبدالرزاق الصنعاني، وهو أنفع من كلّ دروع الأرض.

كما كتبت مقالًا لمجلة تصدر عن مؤسسة غير ربحية قبل ربع قرن تقريبًا، فقال الزميل المنسق: هل نحول لك بضع مئات من الريالات؟ فقلت له: إن كان ولا بدّ فدعوني أتجول في المكتبة التابعة لكم وانتقي منها ما أشاء؛ فظفرت بكتب منها “الأنساب” للسمعاني، وهو عندي وأمام ناظري الآن، ولو أخذت ذلكم المال لطار من ساعته.

وثائق بومباي:

حين صدر كتاب “مختارات من وثائق حكومة بومباي”، تأليف: هجيز طوماس، ترجمة البروفيسور عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم، حاولت الظفر بنسخة منه في معرض القاهرة فلم أنجح، وكدت أن أصل إلى مرحلة اليأس. ومن فضل الله عليّ أن تواصل معي قارئ قديم كريم اسمه عبدالرحمن المري يدرس إذ ذاك في بريطانيا، فأرسل لي الكتاب الضخم الغالي، وتحمل تكلفة الإرسال الباهظة، والله يتولى مجازاته على مبادرته وإحسانه.

مواسم تائهة بين الشمس والقمر:

قد لا يعرف بعض القراء أن للدكتور غازي القصيبي سيرة ذاتية مغرقة في الشأن الأسري، ونحت مكنون النفس، فحين تُذكر السير الذاتية القصيبية يتبادر للذهن حياة في الإدارة ثمّ الوزير المرافق وربما سيرة شعرية، بيد أن لأبي يارا كتاب سيرة بديع مغفول عنه عنوانه “المواسم”. ولأني كنت أتحرى عنه أفادني خبير بالكتب عن وجود نسختين منه في مكتبة تبيع آخر محتوياتها، وتفضل بإحضارهما لي، ولم أنتظر إذ تسلمت النسختين ليلًا أو ساعة ضحى، وأهديت واحدة لعزيز شُغف بها حبًا وتعب في تطلّبها، وبعد أن قرأت نسختي كتبت عنها.

فراس وبيت من الكتب:

لا أدري هل يعيش الشيخ فراس الغنام في بيت أم في مكتبة! والمهم أن زائره لن يخرج من عنده بعد كرم الضيافة إلّا محملًا بالكتب. وأذكر أنه مرة أهداني مجموعة من الكتب منها سير غيرية لي عناية بأصحابها، وحين فرغت من قراءة أحدها كتبت عنه مقالة فقال لي صديق من أقارب تلك الشخصية الشهيرة الراحلة إن نجله الأبرز قال له ما معناه: مقال صاحبكم أحسن من الكتاب كله!

الرموز المظلومة:

لدواعي دراسة شخصية الوزير الشيخ عبدالله السعد القبلان وحياته وأفكاره، سألت عن نسخة من كتابه “رموز على اللوحة” حتى أتحقق بنفسي مما أشيع عن الكتاب من تفسيرات إبان صدوره، وهو كتاب غير متوافر ولا توجد نسخ منه للبيع فيما أعلم. وبعدما رأيت نسخة منه، وقلبتها ونظرت في محتوياتها نظرة فحص، تأكد لي أن جلّ ما قيل لا يعدو كونه أحكامًا مستعجلة، أو آراء أزّها الهوى، والله يعين جمهرة الكتّاب على قارئ يقدّم سوء الظن وأشين توجيه للكلام، دون نظر للعواقب، وبعضها تصل إلى شر مستطير، وفساد عريض.

كتاب في المنفى:

ذهب زميلان -كل واحد على حدة- إلى لندن من أجل عمل أو سياحة، وزاروا المكتبات العربية وبادروا بتصوير مقاطع فديو لمحتويات المكتبات العربية هناك؛ فلم يرق لي إلّا كتاب واحد عنوانه: “في نفي المنفى: حوار مع عزمي بشارة” لصقر أبو فخر، وهو صحفي عربي عميق في إدارة الحوارات، وكنت أتمنى التعرف عن قرب على فكر الرجل الذي أثار حينها زوبعة كبيرة، بيد أني خرجت إلى السلامة، وبقي الكتاب في المنفى!

وبعد؛ فليس ألذّ من القراءة، ومن الحوار حول الكتب، إلّا مطاردة كتاب عصيٍ صعب المنال، فهو صنيع يشبه ملاحقة غزال رشيق القوام شارد بخفة مغرية ورشاقة لافتة تحثّ على الصيد، أو متابعة طير ذي لحم ناعم طيب المذاق وريش يستحق التمسيد بعد القنص، وإن أهل هذا الشأن ليعلمون حقيقة هذا الوصف. ويالها من ساعة لا تُنسى حين تحتضن بين يديك مطلوبك الأحب والأحلى، وتمكنّه من نفسك، ويمكنّك من معانيه وكنوزه، في خلوة لمثلها تُساق نفائس الأموال.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرّياض

ahmalassaf@

الخميس 10 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1443

13 من شهر يناير عام 2022م

Please follow and like us:

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)