إدارة وتربية مواسم ومجتمع

بيتي…دار ومعهد!

Print Friendly, PDF & Email

بيتي…دار ومعهد!

ماذا لو اضطر المرء للعيش مع أسرته بعيدًا عن بلاده المسلمة وليس حوله معاهد فيها دروس مرتبطة بدين المسلم وثقافته وحضارته؟ وكيف يتصرف الأب والأم لو كانت المناهج في بلادهم لا تفي بالقدر الكافي والصحيح من المواد الدراسية الشرعية واللغوية والتاريخية؟ وبأيّ طريقة استطاع المسلمون الحفاظ على دينهم تحت حكم شيوعي أو وثني أو لاديني غاشم يمنع الصلاة والآذان والحرف العربي والكتاب والخطبة وأيّ مظهر يرتبط بدين الأمة وأمجادها؟ وينطبق هذا التساؤل على الأقليات الذين استطاعوا حفظ معتقدهم والثبات عليه وهم في وسط مخالف تمامًا لمذاهبهم، ويجري على الأفكار التي لم تندثر منذ بزوغها مع كثرة السهام المصوبة نحوها، والأمثلة كثيرة والشاهد هو كيف وكيف؟

إنه سؤال مهم وواقعي، فثمت سوابق تجعل من المحال النظر إليه على أنه مجرد افتراض أو مران ذهني، خاصة مع وجود الأسباب الداعية إلى مثيلاتها، وكثرة المسوغات التي تساق لتفسير مستحدثات تزعم التجديد والتطوير والتنقية، وهي معاني مطلوبة إن كانت حقيقية وليست تعبيرات ذات جاذبية ورنين فقط، أو مقدمات تستعجل نتائج بعينها، والله غالب على أمره، فهو يعلم السر وأخفى، ويدبر الأمر، وأمر الله فيه خير معتبر.

وللإجابة عن هذا السؤال لا مناص من حصر حدود الجواب في مستويين: الأول منهما يخصّ الأبوين والأسرة، والثاني ينصرف نحو المجتمع والمؤثرين فيه من مؤسسات وشخصيات. أما الأبوين والأسرة فبعد إيمانهم بوجود المشكلة وخطورتها في الدنيا والآخرة؛ وأثرها السيء على الفرد والأسرة والمجتمع والوطن، يجب عليهم الاستعداد والمدافعة والعلاج والتحصين، وعليه يمكنهم فعل ما يلي:

  1. بناء النفس في العلم والإيمان والوعي قدر المستطاع ولو تأخر صنيعهم هذا، ولا عذر للجهل والغفلة وضيق الأوقات في زمن معلوماته مجانية متاحة بأكثر من سبيل.
  2. تحصين الأبناء والبنات بثقافة شرعية ولغوية وتاريخية تخالط القلب والعقل بلا فرض ولا عسف.
  3. تكوين مكتبة منزلية تحتوي على كتب مختصرة سهلة الفهم، تغني في الأصول الأساسية.
  4. وضع برنامج أسري مرئي ومسموع ومقروء لأهل البيت وللأسرة، وتنشيطه بالنقاش والسؤال والاستذكار والمسابقات.
  5. التزام الأسرة الصغيرة بجلسة يومية، والكبيرة بجلسة دورية متباعدة غير منقطعة لحماية العراقة، وتثبيت الجذور، ذلك أن الصلة والتواصل يحولان دون الشطط والميلان، والحوار مع المعايشة سبل ترتقي بالفهم والذائقة واللغة.
  6. تحريك الوعي ضمن الأحاديث العلمية والثقافية كي لا يكون التداول في حدود الحفظ فقط، ولأن تعليم التفكير منجاة من الزلل.
  7. الحرص على حفظ نصوص العزة وكريم الشيم من شعر ونثر وحكم، ذلك أن من وعى الحكمة كاد أن ينطق بها، ومن المؤكد أنها ستكون نهجًا له.
  8. سلوك كل ما من شأنه تربية النفس وإصلاح الباطن وتزكية الروح، لأن تربية المظهر والملبس دون ما يحويان خواء لا قيمة له في الغالب.
  9. ترسيخ علو قيمة الفرد الذي كرمه الله، وإيقافه على واجباته وحقوقه، وتعريفه بمقاصد الشريعة التي تتفوق على حقوق الإنسان.
  10. الحرص على حفظ الفطرة التي فطر الله الناس عليها، مثل الإيمان، والعبودية، والحرية المنضبطة، والمرجعية الشرعية، وأمثالها حفظًا نظريًا علميًا، وحفظًا عمليًا تطبيقيًا، حسب الوسع والطاقة.

هذا ما يخصّ الأب والأم، والأسرة الصغيرة والكبيرة، وإذا أردنا بحث ما يمكن للمجتمع والمؤثرين فيه من مؤسسات وشخصيات فعله؛ فيمكن الإشارة إلى هذه الأفكار العملية الإيجابية البعيدة عن المآخذ المشينة والمرهقة:

  1. إقناع الناس بأهمية الأمر، وإيقافهم على حقيقة الحال، وخطورة المآل.
  2. افتتاح مسارات تعليمية وتدريبية وتربوية في أوقات تناسب الأسر والناشئة، وتكون عن قرب أو عن بعد حسب الأنفع والأيسر.
  3. صناعة مناهج خاصة بالأبوين والأسرة لتغدو معينة لهم على التعليم والتربية وتزكية القلوب.
  4. إنتاج سلاسل متدرجة في العلوم الأساسية للأبناء والبنات تناسب واقعهم ومذاهبهم الفقهية وعوائد مجتمعاتهم المقبولة.
  5. استثمار وسائل الإعلام الحديثة والقديمة الثابتة والمتحركة مثل اليوتيوب، والبودكاست، وتطبيقات التراسل الفوري، والمنصات التعليمية، والكتب الإليكترونية، والكتب التفاعلية، والألعاب، والمسابقات، من أجل تجسير الهوة وردم الفراغ.
  6. تفعيل مؤسسات المجتمع التوجيهية والترويحية كي تكون رافدًا يساند الهوية والثقافة، وزيادة المجتمعات البديلة مثل الدوريات الأسرية، وملتقيات الأحياء، وجمعيات المهنيين، ومجتمعات الأصدقاء، والديوانيات الثقافية، وغيرها.
  7. اغتنام أوقات ما بعد الدوام والدراسة، وإجازات نهاية الأسبوع، وإجازات العام القصيرة والطويلة، في إقامة الدورات والبرامج دون إثقال على الأسر والناشئة، وبمراعاة التوازن والقيمة المضافة منعاً للسآمة والملل، واستجلابًا للمنافسة والحماسة.
  8. منح الأطفال عناية خاصة في التعليم الخالص، والتعليم الممزوج مع اللعب والمرح.
  9. أن يحمل أهل البلاد الإسلامية الذين لا يعانون من خسف وتسلط هموم إخوانهم الذين سُلط عليهم من لا يرقب فيهم قرابة ولا عهدًا، خصوصًا في عصر الانترنت إذ لم يعد التواصل مستحيلًا، وكم أفاد الناس من علماء وأساتذة وهم متباعدون مكانًا وزمانًا.
  10. المطالبة المستمرة بمناهج تعليمية متماشية مع الثوابت الدينية والمجتمعية والوطنية، بعد إعدادها بمهنية تضمن نفعها، وتسعى لإطالة أمد الاقتباس منها، كي تتخرج عليها أجيال بارعة مبدعة.

إنه يا قوم شأن يرتبط بدينكم وهويتكم وثقافتكم ودياركم ومجتمعكم، وإنها أنفسكم وهم أهليكم، وإنكم لمأمورون بوقايتهم من النار التي وقودها الناس والحجارة وحرسها ملائكة غلاظ شداد، فاستفرغوا الوسع للتثبيت والتحصين والحماية والمدافعة، ولو أن تحدثوا الأجيال عن صلاة الجماعة، وصوت الآذان، وبركات المساجد، وحجاب النساء، وحلقات الذكر، وغيرة الفضلاء، وحياء الخفرات، وابشروا ثمّ ابشروا فالمكر السيء يحيق بأهله، والزهوق مصير محتوم للباطل، ونور الله لا ينطفئ ولو تآزر عليه كل ملحد وكافر ومنافق.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الكويت

ahmalassaf@

الأحد 12 من شهرِ صفر عام 1443

19 من شهر سبتمبر عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)