خلاصات من وزراء الصحة والأطباء
لو عمد القادرون إلى استخلاص أبرز ما قاله أو كتبه أهل عمل واحد لكان في ذلك خير كبير، خاصة إن تولى التلخيص ذو معرفة علمية وخبرة عملية، وهو ما يصدق على هذا الكتاب ذي العنوان الطويل: قضايا-تحديات-خيارات تعكسها مذكرات ستة وزراء للصحة وثلاثة أطباء استشاريين، تأليف عثمان عبدالعزيز الربيعة، الذي صدرت الطبعة الأولى منه في يناير عام (2021م)، عن جداول للنشر والترجمة والتوزيع.
يقع الكتاب في (223) صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من المقدمة وثلاثة أجزاء في أولها خمسة فصول، أما الثاني ففيه عشرة فصول، بينما احتوى آخر جزء على أربعة فصول، ثمّ خاتمة فتعريف مختصر بالمؤلف، وهو طبيب ولد في المجمعة سنة (1361)، ودرس في ألمانيا، ثمّ تدرج في العمل إلى أن أصبح وكيل وزارة الصحة للتخطيط والتطوير، فمستشارًا للوزير بعد التقاعد (1425-1430).
ضمّ الجزء الأول من الكتاب ملخصًا لأهم ماورد في مذكرات الوزراء الخمسة حسب تاريخ وزارتهم التي تفاوتت طولًا وقصرًا. وهؤلاء الوزراء هم الشيخ جميل الحجيلان (1390-1394=1970-1974م)، والدكتور حسين الجزائري (1395-1402=1975-1982م)، والدكتور غازي القصيبي (1403-1404=1983-1984م)، والبروفيسور أسامة شبكشي (1416-1424=1995-2003م)، والدكتور حمد المانع (1424-1430=2003-2009م)، والملاحظ أن ثلاثة منهم أطباء.
ثمّ قسّم الجزء الثاني على موضوعات جمع المؤلف فيها آراء الوزراء وأعمالهم في ثمانية فصول، مع تخصيص الفصل التاسع لبيان المختلف والمؤتلف في مذكرات الوزراء، وآخر فصل ضمن هذا الجزء يسير مع تطور التوجه نحو إستراتيجية صحية في زمن كل وزير. ويعرض الجزء الثالث خلاصات لما ورد في مذكرات الأطباء الثلاثة، وهم البروفيسور فالح الفالح، والدكتور محمد المفرح، والدكتور محمد أبو ملحة، مع عرض مراحل مسيرتهم المهنية، وجاء ختام الكتاب القصير مع شأن الصحة في مذكرات وزيرها الدكتور عبدالعزيز الخويطر (1394-1395=1974-1975م).
ذكر د.الربيعة في المقدمة أن هذه المذكرات صدرت بين عامي (1430-1442=2009-2020م)، وهي سير ذاتية لستّة وزراء للصحة تولوا شؤون الوزارة خلال أربعين عامًا بين عامي (1390-1430=1970-2009م) في عهود أربعة ملوك، إضافة لمذكرات ثلاثة أطباء استشاريين تخرجوا بين عامي (1397-1400=1977-1980م)، وهم يمارسون الطبّ حتى الوقت الحاضر. ومن التحديث بنعمة الله أني كتبت عن الصادر من هذه المذكرات جميعها باستثناء واحدة وهي على الطريق بإذن الله، وحتى الآن لم تصدر مذكرات الشيخ الحجيلان، ويبدو أن نقل المؤلف عن نسخة خاصة، أو من اللقاءات الصحفية والتلفزيونية، وهو ما أرجحه.
وجد د.عثمان في هذا المخزون فرصة سانحة للتتبع والخروج بما له علاقة بالنظام الصحي بعيدًا عن السيرة الشخصية، وألمح لثغرات في هذا العمل المجهد؛ فالكتب في غالبها مبنية على ذاكرة كتّابها، هذا غير اختفاء أيّ أثر كتابي لحقبة الوزير الشيخ فيصل الحجيلان (1404-1416=1984-1995م)، والصعوبة التي ترافقت مع نبش وسم د.الخويطر لالتقاط ما دونه خلال وزارته القصيرة. ولم يفت على الكاتب التأكيد على أن التحليل والاستنتاج من آرائه الشخصية، وللقارئ الحقُّ في الحكم، وأما المنقولات فهي من الكتب دون إخلال.
ناقش الكتاب جهود كلّ وزير حسبما ورد في مذكراته، مع تعريج على بعض ما اعترضهم من عوائق، وما لهم من آراء. ومما ورد فيه حكاية بعض الأوبئة ومبادرة الوزراء في التعامل معها سواء توافقت مع موسم الحج أو وقعت في غيره، وأيًا كانت داخلية أو وافدة من الخارج. كما عدّد المؤلف الأنظمة الصحية التي صدرت أو طورت أو ألغيت في الحقب الوزارية، مع سرد المجالس والأجهزة المستحدثة، والأفكار الجديدة مثل عمليات الشراء الموحدة خليجيًا.
ونقل عن أكثر الوزراء تفضيل جولاتهم الميدانية التي تفوق في كشف الحقيقة التقارير المكتوبة، ونظرة بعضهم إلى أن الرعاية الصحية الأولية أساس في العمل، وأن النهضة الصحية مرتبطة بالطب الوقائي أكثر من غيره. كذلك أشار إلى الحساسية تجاه القطاعات الصحية الحكومية الأخرى ذات الموازنات المرتفعة، ومثلها نحو القطاع الخاص أو الطب البديل، وهي على التحقيق تتكامل مع المنظومة الصحية وتخفف الأعباء الملقاة على عاتق الوزارة. ووقف مع الحزم الإداري والمالي من قبل الوزراء، مع بيان آثاره على الخدمة الصحية.
بينما تجتمع هموم الوزارة الثقيلة في الموضوعات التي جعلها د.عثمان في الجزء الثاني، وهي الرعاية الأولية والطب الوقائي، والقوى العاملة، والعلاقة بالقطاعات الصحية الأخرى، والتعامل مع الإعلام، والمهمة السامية في الحج، والرؤى الإستراتيجية. ويتفق الوزراء على وجود القصور، وضرورة الاهتمام بالرعاية الأولية، وزيادة الاعتماد المالي، ومساندة القوى العاملة وتحفيزها، ودعم القطاع الخاص، والاحتفاظ بأصل المركزية الإدارية مع التفويض، ويبقى سر النجاح الإداري في طرق صناعة القرار، واتخاذه، وتنفيذه، ومتابعته، وتقييمه، وتعديله أو تعديل آثاره ومعالجة مضاعفاته.
أما الأطباء من غير الوزراء، فجميعهم درسوا في زمن متقارب، وابتعثوا إلى ألمانيا، وعملوا في القطاع الحكومي عقودًا سواء في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة أو الجامعة أو وزارة الدفاع، ومنهم من مارس العمل الأكاديمي والشوري. ثمّ تحولوا جميعًا إلى القطاع الخاص، ولهم نظرة مشتركة عن المريض السعودي، وملحوظات حول مخاشنة بعض الأجهزة الرسمية للقطاع الصحي الخاص أحيانًا. ولكلّ واحد منهم منجزات عملية وعلمية وإدارية يفاخر بها، والأجر من الله الكريم المتعال. ومن الموافقات المشتركة أنهم أفادوا من قرار التفرغ الذي أصدره الملك فيصل عام (1392=1972م).
من حسنات هذا الكتاب أنه يصلح مادة مركزة لمن شاء في وزارة الصحة، ومنها استدراك المؤلف لمنجزات لم يتحدث عنها الوزراء في مذكراتهم، مع إضافات وتفسيرات، وتحديث لبعض المعلومات. ويوضع معها في كفة الحسنات نقل آراء أطباء وأكاديميين، عملوا في الحكومة ثمّ تفرغوا للقطاع الخاص. وسوف يكون الكتاب أكمل لو تعرض لمستوى الإدارة الصحية لدى الأطباء، والفوارق الهائلة في المزايا بين فئات وظائف القطاع الصحي، ومن أهم المسائل التي ستزين الكتاب تفعيل الوقف الصحي؛ فهذا القطاع أن استولى عليه التجار أحالوا الإنسان إلى سلعة يُدفع بها من عيادة لمختبر لصيدلية دون حاجة في بعض الأحيان، مما يفقد هذا العمل السامي مكانته وقداسته، والوقف الطبي يعدّل الميزان كما في دول عديدة.
وأخيرًا اختتم الكتاب بإطلالة على مذكرات شيخ الوزراء د.عبدالعزيز الخويطر، وأطولهم عضوية في مجلس الوزراء من غير الأمراء، الذي رأى نفسه بعد تسميته وزيرًا للصحة يخدم جمهورًا يجمع بينه وبينهم المرض، والحاجة الملحة للعلاج. والحقيقة أن مثل هذا الكتاب استلّ الجانب العملي الأكثر مساسًا بقطاع حيوي يدخل إلى كلّ منزل، ويتفاعل مع أيّ إنسان من مرحلة ما قبل المهد إلى اللحد، في الوقت الذي يتناقص مستوى الرضا عنه في أكثر بلدان العالم، والله يوفق العاملين فيه من أولهم إلى آخرهم، فكلّهم كبار كرام عظماء أمام عيوننا، وفي قلوبنا.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
ليلة الأربعاء 09 من شهرِ رمضان عام 1442
21 من شهر أبريل عام 2021م
