سياسة واقتصاد عرض كتاب

صراع السلطة يغتال التنمية والحقوق في عمان

Print Friendly, PDF & Email

صراع السلطة يغتال التنمية والحقوق في عمان

بين يدي كتاب عنوانه: الدولة والمجتمع في عُمان “منذ النباهنة حتى العصر الحديث”(1154-2012م) من الصراع على السلطة إلى التنمية وأزماتها، تأليف منصور ناصر المحرزي، وصدرت الطبعة الأولى منه عام (2014م) عن منتدى المعارف في (272) صفحة على ورق نباتي مريح للعين، وبعد نهاية القراءة سيتبين أننا لو حذفنا “عُمان” من العنوان؛ ووضعنا اسم أي دولة عربية فلن يختلف الأمر غالباً.

ويتكون الكتاب من تقديم وتنويه، ثم أحد عشر فصلاً، وبعدها قائمة بالمراجع، وعنوان الكتاب طويل جداً؛ ويمكن اختصاره بما يؤدي الغرض منه، فضلاً عن أن لغة المؤلف صحفية صرفة، وشابها أخطاء نحوية وطباعية قمين به إصلاحها في الطبعات القادمة، ويوجد انقطاع في الصلة أحياناً بين بعض الفقرات، وهو أمر يعود إلى خلل في التحرير والترتيب؛ ولو أن الباحث دفع كتابه إلى محرر محترف فسوف يتجاوز هذه الإشكالات؛ ومع ذلك فللكتاب قيمة مهمة؛ خاصة لمن يهتم بالشأن العماني والخليجي.

وقد ذكر أ.منصور المحرزي في التقديم أن كتابه يحوي نقداً موضوعياً من أجل فهم أسباب أزمة بناء الدولة والمجتمع في عمان وباقي دول الخليج-من باب التشابه- على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ من خلال تحليل الأحداث خلال أربع فترات هي: الاحتلال البرتغالي، والغزو الفارسي فالتدخل “الوهابي”، ثم الهيمنة البريطانية بالتحالف مع آل بوسعيد، وأخيراً التحول من دولة ريعية إلى دولة تسلطية وهو النموذج القائم الآن.

وتحدث الفصل الأول عن نظام الإمامة كأول تجربة سياسية للعمانيين استمرت إثني عشر قرناً تقريباً، تخللها بعض الانقطاع والمشكلات، وقد حكم الأئمة عمان خلال الفترة (793-1154م)، وبعد ذلك حكم ملوك بني نبهان على فترتين، الأولى (1154-1426م)، والثانية (1556-1626م)، وفي أيامهم ظهر بجلاء الاستبداد والاعتماد المفرط على القبائل الموالية، وكانت بهلا عاصمة لمملكة النباهنة، وكثرت في أيامهم النزاعات السياسية، حتى أن البيعة عُقدت ست عشرة مرة في عام واحد! واستغاث أحد أطراف النزاع بقوة خارجية؛ ليصبح هذا السلوك المشين سمة أساسية في تاريخ عمان السياسي حتى يومنا!

ثم انتقل المؤلف إلى الدولة اليعربية (1624-1744م)، فبعد انتهاء دولة النباهنة تعاقب على عمان أئمة لم يتمكنوا من الحصول على إجماع أهل الحل والعقد؛ فصارت عمان مقسمة بين خمسة عشر حاكماً منهم الفرس والبرتغاليون الذين كانوا يفرضون ضريبة على العمانيين قبل أن يلغيها الإمام ناصر بن مرشد اليعربي بقوة الجهاد والمقاومة.

وقد خلفه على الحكم قائده العسكري سلطان بن سيف اليعربي الذي ورَّث السلطة لابنه بلعرب بعد محاباة “مجلس العلماء” له دون أن يجدوا مسوغاً مقنعاً لهذا الاختيار الذي خرق دستور الإمامة، وبعد بلعرب تناوب سبعة “أئمة” من الأسرة نفسها، ضمن عملية تحويل قسرية من الإمامة إلى الاستبداد، وكانت مهمة علماء السلطان وقضاته تتلخص في “شرعنة” عملية التواطؤ السياسي، وانتهى الأمر إلى حرب شرسة بين الإمامية والقبلية السياسية، ومن نتائجها صلبُ قاضي السلطان، وسقوط أكثر من أربعين ألف قتيل خلال عامين، وكانت المحصلة الأخيرة تشبث المجتمع بمؤسسته التقليدية: القبيلة.

وفي خضم هذا الصراع دخل “الفرس” كطرف منقذ مستغاث به؛ ثم تحولوا إلى محتل بغيض، ولم يستطع أحد من الولاة طردهم إلا بعد سنوات من الاحتلال وجولات من الحروب، وكان خروجهم نهائياً على يد والي صحار أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي أنهكهم عسكرياً واقتصادياً، مما دفعهم إلى تسليم المدينة صلحاً؛ فأقام لهم البوسعيدي مأدبة وداع في بركا، وأعقب المأدبة بمذبحة برية، ثم حشر الناجين في سفن متجهة لفارس؛ وما إن انطلقت في عرض البحر حتى أشعل فيها النار؛ ليفر الناجون من الحريق إلى ديارهم سباحة، وبذلك ينتهي الوجود الفارسي في عمان عام (1741م).

وجعل الباحث الفصل الثاني عن دولة البوسعيد، حيث صار أحمد بن سعيد البوسعيدي إماماً على عمان بموافقة عالمين أباضيين غير معترف بهما من مجلس العلماء، ونظراً لموقفه الممانع من الخضوع للمستعمر، ورفضه إقامة مركز لشركة الهند الشرقية في مسقط، فقد تقلصت معارضة علماء الأباضية لتنصيبه، وبذلك بدأت مرحلة من التساهل العلمي في دعم الحاكم مهما شابه من قصور. وقد بدا واضحاً ظهور أثر طبقة التجار، والقبلية السياسية؛ مما مكن الإمام أحمد من تجهيز أولاده لخلافته ومنحهم لقب السادة، وبعد أن دبَّ الخلاف بين هؤلاء الأخوة تدخلت “بريطانيا” كوسيط بين الأخوة-الأعداء، وبدأت مسألة الإمامة في الضمور، وظهرت هوية جديدة لعمان الساحل أكثر انفتاحاً من هوية عمان الداخل.

وللخلاص من تغول الإنجليز وافق سلطان بن أحمد على افتتاح قنصلية فرنسية في مسقط عام (1796م)؛ وبمعاونتهم احتل جزر البحرين، وقاتل الدولة السعودية حتى لقي حتفه في البحر عام (1804م)، بيد أن الإنجليز كانوا أمكر منه-وطبعاً القوة لهم- فأجبروه على توقيع اتفاقية حماية في 12 أكتوبر (1798م) للحفاظ على مصالح بريطانيا وصد هجمات”الوهابيين”، ولم تفتتح بريطانيا قنصليتها في مسقط إلا عام (1867م) معترفة بسالم بن ثويني سلطاناً لعمان-وكان قد قتل والده وهو نائم؛ ولبريطانيا ولع بالزعماء قتلة الآباء والأشقاء!-.

ومن الطريف أن بريطانيا عينت الطبيب بوغل وكيلاً سياسياً لها في مسقط؛ وهو الطبيب الخاص لسلطان بن أحمد في ذات الوقت، ويبدو أن الوثوق بالأجنبي والبحث عن شرعية خارج الحدود قد غدت سمة راسخة لدى السلاطين؛ فهاهو سعيد بن سلطان يسير على خطا والده بالانكباب على الفرنسيين، ويتخذ من الرحالة الإيطالي فينزبنزو طبيباً خاصاً، وقائداً لجيشه بعد أن سماه السلطان بالشيخ منصور- ولهذا الشيخ كتاب مطبوع عن تاريخ سعيد وسيرته-.

ومن خزايا سعيد مشاركته في حرب الإبادة التي شنها الإنجليز على رأس الخيمة حتى هدموها تماماً؛ وأنهوا سلطة القواسم عام (1819م)، وأصبح ساحل عمان والخليج ملكاً خالصاً لبريطانيا، حتى أن شيوخ هذه البلدان لايبتون في أمر دون الرجوع إلى مقيم أو وكيل أو مبعوث إنجليزي، وقد كان لهذه المشاركة العمانية أثرها في عداء قبائل الداخل لأسرة البوسعيد التي أعانت الكافر على أخوة الدين- باستثناء نظرتهم للإمام عزان بن قيس البوسعيدي الذي كان بمثابة “المطهر” الديني وسط أسرته-. وزاد من حنق العمانيين توقيع السلطان سعيد اتفاقية مع الإنجليز عام (1822م) اعتبرت تجارة الرقيق عملاً من أعمال القرصنة. وقد قسَّمت بريطانيا في عام (1861م) عمان إلى قسمين: أفريقي غني في زنجبار، وآسيوي فقير في عمان، ورفضت مراراً إعادة توحيدهما.

ونقل المؤرخ السالمي عن الكابتن إكليز-قائد قوات السلطان- كلمة خطيرة توضح نظرة الاستعمار لحكم عمان، ومختصر كلمته أن أسرة آل بوسعيد كادت أن تندثر لولا معاهدة الحماية الموقعة مع بريطانيا عام (1891م) والتي لم تحدد وقتاً لنهايتها، ومع أن السلطان الحالي-فيصل بن تركي بن سعيد- يستحق الاحترام إلا أنه ضعيف وأفراد عائلته فاسدون ومنحلون، ويمكن أن يوجد في بعض الفروع البعيدة رجال أقوياء لم تنهكهم الرفاهية، لكن العائلة بجملتها أضعف من أن تواجه موجة من الرأي العام الشعبي؛ خاصة أن مبدأ الوراثة المعمول به غريب على الشعور الأباضي، وتزداد غرابته عندما تفرضه قوة أجنبية كافرة.

وقد تضررت التجارة العمانية وأسطولها البحري بعد الاتفاقية مع الإنجليز، وعم السخط والتذمر حتى أن عدداً من العلماء قدموا مطالب إصلاحية للسلطان فيصل فرفضها بحجة أن تطبيقها سيجعل الناس لا يقبلون به سلطاناً كما أسر إلى أحد الناصحين بعد أن ألح عليه! وكان البريطانيون يمثلون السلطان في أي مفاوضات مع الإمامة أو مع دول مجاورة، وأي خير فيمن يحركه الأجنبي يميناً وشمالاً؟ ومن ضعف منصب السلطان وهوانه أن تيمور هرب للهند عام (1919م) تاركاً شؤون عمان للوزير البريطاني الكابتن ماك كولوم، وكانت بريطانيا تأخذ مصلحتها في المقام الأول، حتى أنها حملت السلاطين على تطبيق تدابير غير شعبية كما قال وينغت في تقريره عام (1920م)، وفي عام (1931م) تنازل تيمور من مكانه في الهند لابنه سعيد الذي كان يعاني ضعفاً في لغته العربية بسبب دراسته في الهند، ومن خبر السلطان سعيد بن تيمور أنه لم يعترف بالجامعة العربية، وأيد العدوان الثلاثي على مصر!

والفصل الثالث عنوانه طويل عن تقييم أداء الحكم السياسي في عمان والأحداث المفصلية في الصراع الداخلي (لغاية عام1970م)، وفيه أشار الكاتب إلى اغتيال الإمام سالم الخروصي في يوليو (1919م)، وإغفال البريطانيين تفاصيل الاغتيال في وثائقهم التي أفرج عنها، ثم نقل عن مؤرخ السياسة العمانية السالمي تفريقاً جميلاً بين الإمامة والسلطنة، حيث الأولى شورية، والأخرى استبدادية، والصراع بينهما كالصراع بين الملكية والجمهورية في أوروبا. وذكر المؤلف أن الإمامة-مع مايشوبها من ضيق أفق وخلل إداري- هي المكون الأساسي في عمان حسب اعتراف الإنجليز في معاهدة السيب الموقعة في سبتمبر (1920م)، وهي المعاهدة التي حرصت بريطانيا على حجبها عن المجتمع الدولي وعن لجان التحكيم. وقد كانت الإمامة مدعومة من السعودية إلى أن وقع الأمير فيصل-الملك لاحقاً- اتفاقية مع عمان في أكتوبر (1953م)، والمثير أن السفير البريطاني في جدة وقعها ممثلاً عن عمان، بعد وساطة قام بها ريمونهير السفير الأمريكي للمنطقة.

ويرى المؤلف أن الإمامة لم تصمد في نزاعها مع السلطنة لأسباب هي:
1- افتقاد الإمام غالب لصفات القيادة.
2- ركونه إلى القبلية السياسية خاسراً قوة حضور العلماء وأثر تأييدهم.
3- هروبه السريع للسعودية، وعجزه عن إدارة تحالفه معها بمهارة وكفاءة.
4- تعاون الأسر الحاكمة في الخليج على تصفية حركات المعارضة في الداخل.
5- ضعف كفاية الأطر التنظيمية للإمامة.
6- تفاهة مطالب الإمام في اجتماع بيروت للتنازل عن مقعد عمان في الجامعة العربية لصالح السلطان قابوس( طلب، وما أتفه ما طلب، وكالة بيبسي كولا-وكيلها شبيب بن تيمور-، ووكالة منتجات شل- وكيلها ثويني بن شهاب-)، وقد صُدم الداعمون للإمامة من هذه المطالب التي لم تتحقق؛ وفوقها خسر المقعد!
7- انضمام السلطنة رسمياً للجامعة العربية في سبتمبر(1971م) بموافقة (14)دولة، وتحفظ السعودية-لوجود غالب على أراضيها- ومعارضة اليمن الجنوبي، وقد عُقد لقاء أخير في بيروت بين غالب وقابوس برعاية سعودية، وطالب غالب بالمشاركة في القرار السياسي مع قابوس الذي لم يكمل الاجتماع اعتراضاً على مناداة غالب له بالشيخ وليس بالسلطان!-حاول قابوس لاحقاً تحويل السلطنة لمملكة لكن الإنجليز منعوه-، وبعد الاجتماع نقل كمال أدهم للسلطان أن الملك فيصل يعتبر مسألة الإمامة قد انتهت الآن.

ثم تحدث المؤلف بإسهاب عن الانقلاب البريطاني ضد السلطان سعيد بن تيمور يوم الخميس 23 يوليو(1970م) لصالح ابنه قابوس، ونقل عن مسؤول بريطاني قوله: إننا نحتاج إلى عماني مثل زايد بدلاً من سعيد الذي هو صورة لشخبوط حاكم أبو ظبي السابق. وكان السلطان المعزول سعيد قد أغمض عينيه عن كل خلل، وصم أذنيه عن أي نقد، وأكبر همه كتم الفضائح والسرقات والفساد في الداخلية والجمارك، وعدم إشتهار خبر إدمان شهاب على الكحول، وسلوك ثويني التحرري، وولع عباس بصغار الصبيان!

وعمدت بريطانيا قبل ثلاثة أشهر من الانقلاب إلى إقالة المستشار العسكري للسلطان وقائد قواته-وهما إنجليزيان-، وعينت مكانهما آخرين أقل ارتباطاً بالسلطان، وأقرب إلى لندن، وهذه التغييرات من المعتاد حدوثها قبل أي عملية انقلاب أبيض. وتمت عملية الانقلاب بهدوء داخل قصر السلطان بعد مقاومة يسيرة وإطلاق رصاص وقنابل مسيلة للدموع، وأصر السلطان المخلوع أن يكون استسلامه لقائد حرسه الكولونيل تيدي إدوارد تورنيل الذي جعل السلطان يوقع على وثيقة التنازل لابنه وهو على باب الطائرة العسكرية التي أقلته إلى البحرين ثم لندن؛ حيث وافاه الأجل يوم الخميس 19 أكتوبر عام (1972م) عن عمر يناهز الثانية والستين عاماً، ودفن في مقبرة لندنية بحضور إخوته طارق وفهر وشبيب، ومن عجائب الإنجليز أنهم ينفون صلتهم بالانقلاب بحجة أن بريطانيا لا تتحمل تصرفات مواطنيها المشاركين في الانقلاب، خاصة أن أهمهم يحمل الجنسية العمانية، مع أن التقارير تشير إلى تزكية الإنجليز لاختيار قابوس للمنصب لأنه لن يقاوم التوجيهات؛ فضلاً عن خبراته وقدراته المحدودة-طبعاً ذلك الوقت والأكيد أنه تعلم خلال (44)سنة الشيء الكثير!-.

والفصل الرابع عن الدولة العمانية الجديدة، حيث ذكر المؤلف أن دائرة توريث السلطة قد قلصت وحصرت بالنسب المتصل من صلب تركي بن سعيد بن سلطان لإخراج السلالة المنحدرة من حكام زنجبار( حكم سعيد بن سلطان مسقط وزنجبار خلال خمسين عاماً من 1806-1856م). وبعد الانقلاب صار في عمان أربع قوى رئيسة هي: السلطان، والإنجليز(الضباط وشركة النفط)، والقبلية السياسية، وطبقة التجار-قرأت في مراجع أخرى أن تجارة عمان بيد اليهود والشيعة والهنود البانيان-، وقد صنعت هذه القوى لقاحاً مشحوناً بالمفاهيم التي تخدمها، وحقنته في العقل السياسي العماني، فيوم ميلاد قابوس في 18 نوفمبر عام (1940م) يروج له إعلامياً بأنه اليوم الوطني لعمان، وذكرى الانقلاب تسمى يوم النهضة المباركة 23 يوليو (1970م)! وأستغربُ من ثناء المؤلف على رئيس الوزراء طارق بن تيمور مع جرائمه الشنيعة قتلاً وحرقاً واستباحة للأعراض، وتملصه من الالتزامات الدينية، وقد استقال طارق من الرئاسة على إثر خلاف مع قابوس ابن أخيه في ديسمبر عام (1971م)، وتوفي بعد ذلك بعشر سنوات.

والفصل الخامس عن ثورة ظفار (1964-1976م) التي كانت تقاوم الاستعمار وأتباعه، وحظيت بدعم متنوع من اليمن الجنوبي والعراق وسوريا ومصر والبحرين والكويت، وقد قاتل الإنجليز ثوار ظفار معتبرين خلو المنطقة من المدنيين- وهذه إنسانية المحتل الكافر- وعاونتهم في حربهم قوات أمريكية وإيرانية وأردنية، ومولت دول الخليج هذه الحرب، ودعمت الأردن مقابل مجهودها الحربي، وتنازلت عمان لإيران عن جزيرة أم الغنم الاستراتيجية، وقد سمم الجيش البريطاني الآبار، وحرق القرى، وأضرم النار بالمحاصيل ومخازن الطعام، وأطلق النار على المواشي؛ وكم في حروبهم لعالمنا من عنف وغلٍّ لا يعلمه كثير من الناس.

ولأن الشارع العربي يبغض الصهيونية، وثوار ظفار لهم ارتباط بالشيوعية؛ فقد قال قابوس في مؤتمر صحفي مطلع يونيو عام (1974م) إن الصهيونية والشيوعية وجهان لشيء واحد لا فرق بينهما! وهذا درس لنا فالسلطان المطيع جداً للإنجليز؛ الذين منحوا الصهاينة وجوداً على أرض فلسطين، لا يجد بأساً في تعاونه مع أصدقاء الصهاينة؛ لكنه يصم مناوئيه بالتقارب -دون دليل- مع الصهاينة ليدغدغ عواطف عامة الناس، وعلى هذا المنوال ينسج الطغاة ووسائلهم الأكاذيب ضد المعارضة خاصة الإسلامية، وللقارئ أن يضحك ملء أشداقه حين يدعي المتأمركون بأن الجماعة الفلانية تنسق مع البيت الأبيض!

وختم المؤلف هذا الفصل بوصف ماآلت إليه حكومة عمان بعد تصفية معارضة ظفار؛ حيث أصبحت دولة تسلطية تتسم بما يلي:
1- احتكار القوة والسلطة والمناصب والمال والفوائض في يد الطبقة الحاكمة.
2- توسيع القطاع العام لتحقيق هيمنة “الدولة” على كل شيء.
3- الانفاق المبالغ فيه على الجيش وأجهزة القمع الأمنية، وعلى الهبات والعطايا السلطانية.
4- استخدام العنف لتثبيت شرعية النظام كما في استخدام الجيش لضبط الأمن.
5- غياب الانتخابات الحقيقية، وانعدام مؤسسات المجتمع المستقلة.
6- الارتباط بقوى أجنبية لضمان توريث السلطة.
7- تجميد حقوق المواطنين أو إلغاؤها.

واختص الفصل السادس بتاريخ تأسيس المكتب السلطاني، فبعد أن لاحظ الضابط الإنجليزي جيمس تيومثي لاندن-وهو قريب جداً من السلطان- أن الأوضاع حرجة، فالحكومة ضعيفة الأثر بسبب الخلافات، والثورة ضد السلطة تجمعت في كيان واحد، ولا يوجد عدد من القبائل حول السلطان تلتزم بحمايته مقابل الأموال التي تنالها، فضلاً عن ضعف خبرة السلطان الجديد في الإدارة والحكم، ولذلك قرر الإنجليزي تأسيس وزارة مكتب القصر التي عرفت لاحقاً بالمكتب السلطاني، وتولى لاندن نفسه إدارتها، وقد تغول هذا المكتب في رسم السياسات الداخلية والخارجية ثم تنفيذها، وكان للمكتب كلمة الفصل في التعيينات المدنية والعسكرية المهمة التي توصف أحياناً بأنها غريبة، وهيمن المكتب السلطاني على كل شيء، وما اجتماعات مجلس الوزراء إلا لتحسين الصورة فقط، وأما خيوط اللعبة والقرار فبأيدي نخبة النخبة دون غيرهم، وقد أثرى لاندن هذا بطريقة مدهشة، وبلغت ثروته نصف مليار جنيه إسترليني مما جعل الصحافة البريطانية تلقبه بالسلطان الأبيض.

وبحرقة مواطن لم تستفد بلاده ولا مواطنوه من خيرات أرضهم بطريقة صحيحة أو عادلة، روى المؤلف قصة التنقيب عن النفط، واكتشافه ثم استخراجه بعد صعوبات إثر النزاع بين الإمامة والسلطنة، ثم ما جرى على أمواله من نهب وتقاسم امتلأت منها الجيوب والحسابات دون أن يكون لها الأثر المأمول من نصفها أو حتى أقل! ومن سرية بعض الاتفاقيات أنها محجوبة حتى عن وزير النفط والغاز؛ وأما الباحثون فتحجب عنهم الاتفاقيات والأرقام، لدرجة أن المؤلف تعب في الوصول إلى أرقام تقريبية.

وذكر الباحث باختصار أن المال تدفق بسهولة على عمان من مصدر قابل للنضوب، ولم يستخدم الريع في إيجاد مصادر دخل بديلة، ولم يخدم الاقتصاد الطبيعي لعمان، وإنما اكتفى بواجهات لمشاريع عملاقة؛ وعند التحقيق ففائدتها ضئيلة وقد شابها ما يكدرها من فساد وسرقات، وأشار إلى تجربة النرويج في استثمار نفطها، وحري بدول النفط أن تستفيد منها؛ إذا كانت قياداتها تفكر كما يفكر ولاة الأمر في النرويج.

ثم عرج الكاتب على الإنفاق العسكري الذي يستهلك (40%) من العائدات، ويذهب جزء كبير منه كأجور للبريطانيين في الجيش العماني الذين يتقاضون أضعاف ما يحصل عليه أمثالهم من المواطنين، وأشار إلى أن صفقات السلاح يراد منها غالباً استرضاء الدول الكبرى مقابل الحماية وغض الطرف عن الانتهاكات، وقد استخدمت أمريكا تسهيلات عمانية واسعة في حربها الصليبية ضد أفغانستان؛ وإن أكثر أهل عمان لكارهون غاضبون.

وعنوان الفصل السابع محاولات التنمية والتغيير في عمان، ومن أعجب ما نقله المؤلف أن السلطان قابوس يسيطر على رئاسة الوزراء ووزارات الخارجية والدفاع والمالية؛ ومع ذلك فقد استهل حكمه بعد الانقلاب برحلة ترفيهية لمدة شهرين طاف خلالها خمس دول أوروبية، ولا بأس عليه فبلاده في أيد إنجليزية (أمينة)! ويرفض السلطان إعلان تفاصيل الموازنة بحجة أنها مسألة فنية لا تفهمهما غالب الرعية الذين ينتشر فيهم الجهل، وكأنه حاصل على شهادات في الاقتصاد والإدارة المالية والمحاسبة والتمويل!

ثم تحدث المؤلف عن عشوائية القرارات الخاصة بالزراعة-وعمان بهرت الرحالة الأجانب بمحاصيلها قياساً لباقي بلدان شبه الجزيرة- حيث تسببت هذه السياسات في إنخفاض المساحات الزراعية، وزيادة ملوحة مياه الآبار الجوفية، وفي الوقت الذي تتقدم فيه الإمارات المجاورة في إنتاج التمور مثلاً تتراجع عمان في التمور والفواكه والحمضيات، والعجيب أن بعض الحكومات العربية تقف من الزراعة موقفاً عدائياً غير مفسر؛ مع أن الحقول أفضل من الأبراج الشاهقة.

وانتقل المحرزي للحديث عن القروض البنكية؛ وكيف فُتح الباب على مصراعيه للبنوك والتجار كي يستنزفوا مدخرات المواطن الذي تحول بفعل الآلة الإعلامية إلى كائن استهلاكي باحث عن الترفيه، وقد أحدثت هذه السياسات مشكلات اجتماعية وأسرية، وأعقب ذلك بالحديث عن أزمة السكن والعقار مشيراً إلى مفارقة مؤلمة، حيث تنزع ملكية حديقة عامة يتنزه بها الفقراء ومن يحوم حول الفقر، ثم يقام مكانها مشروع عقاري يصب في جيوب الأثرياء؛ وقلما يستفيد منه عامة الشعب.

وحام الفصل الثامن حول المشاركة السياسية في اتخاذ القرار، وقد تحدث فيه عن نظام الجمعيات، ومجلس الشورى، ومجلس الدولة، ونظام الانتخابات، ومتابعة أعمال الوزارات، ونظام التوريث داخل أسرة واحدة، والعجيب أن المؤلف ذكر أشياء قديمة وحديثة، ولكنه لم يتطرق إلى صيغة انتقال الحكم بعد السلطان الحالي الذي ليس له ولد كما يقال، وهي طريقة ابتدعها السلطان قابوس وأعلنها قبل سنوات، ولست أثق في كونها عملية؛ أو أن الأسرة الحاكمة سترجع إليها بعد وفاة السلطان، والله يؤمن بلاده وعباده ويختار لهم الأصلح.

والفصل التاسع عن التنمية في عمان، والمؤلف يرى أن حديث الحكومة عن التنمية زيف يروج له الإعلام، وعند التأمل يكون لا شيء! وطالب بتنمية مستدامة متسقة في جميع النواحي-حتى السياسية منها- وذات وجه إنساني، بحيث تستثمر عوائد النفط بدلاً من مجرد استهلاكها، وتحافظ في مشوارها التنموي على هويتها العربية والإسلامية في إشارة واضحة إلى الخوف من كثرة الأجانب.

ودعا لتنويع الصادرات حتى تنخفض مشاركة مبيعات النفط في تمويل الخزينة العامة بأربعة أخماس موجوداتها، ونبه الباحث إلى وجود (56) شركة تمتلكها الحكومة جزئياً أو كلياً؛ بيد أن إيراداتها تحاط بسرية وسياج من الكتمان أتعب الباحث في الحصول على معلومة عنها، وختم فصله بنتيجة مرعبة ملخصها أن عمان حسب المؤشرات الدولية دولة فاشلة، ومتأخرة جداً في الديمقراطية، وفي التنمية البشرية؛ مع أن دخلها المادي يخولها أن تفعل شيئاً ذا أثر، وهي متقدمة في مؤشر الفساد بما لا يسر الناظرين، حيث كانت في المرتبة (26) عام (2003م)، وقفزت خلال عشر سنوات إلى المرتبة (61) وبئس القفزة!

ولم يكتف الكاتب بالنقل والنقد بل اقترح حلولاً لا أخالها تخفى على المسؤولين؛ وإنما السؤال ما الذي يمنعهم من العمل؟ أو كيف يجبرهم الشعب على تحري الأنفع وتنفيذه؟ ثم أنهى المؤلف هذا الفصل بالحديث عن الجامعات والبحث العلمي والأقسام الأكاديمية، ومن أعجب ماذكره-وأكثره عجيب محزن- أن سلطات الأمن الجامعي صادرت أوراقاً وملفات تخص بحثاً أجراه أساتذة علم الاجتماع عن السحر والشعوذة في عمان، والأعجب أن هذه المصادرة جاءت بعد زيارة السلطان للجامعة المسماة باسمه؛ وإطلاقه كلمته الشهيرة: لا، لمصادرة الفكر! وما أسهل الكلام!!

وعنوان الفصل العاشر المثقفون والسلطة(المجابهة والصراع)، حيث احتلت عمان المرتبة (141) في حرية الصحافة عام (2013م) حسب منظمة مراسلون بلا حدود، وهذا ما جعل الكاتب يؤكد على واجب المثقفين في مواجهة التضليل الإعلامي، وإفقاد المجتمع وعيه وحسه؛ حتى غدا آلة تقديسية طيعة، تذهب يميناً وشمالاً مع توجهات الحكومة؛ دون تمحيص أو وقوف على الحقيقة أو رعاية للصالح العام، ليصبح المواطن المسكين إما منقاداً أو مطبلاً.

وأشار إلى أن الاستخبارات العمانية تخشى من وعي الشباب الذين تصنفهم تحت خانة التهديد الجديد! وهم شباب متعلم متفتح، وناقم على تجاوز ثوابته الشرعية وإهمال مصالح مجتمعة، وما احتجاجات (2011م) إلا مؤشر على تنامي الوعي لدى الشباب؛ مع أن المؤلف-وهذا أمر مستغرب- لم يسهب في دراسة هذه الاحتجاجات. وقد ودع المؤلف قارئ كتابه بالفصل الحادي عشر وجعل عنوانه الخروج من المأزق؛ وضمنه بعض الرؤى آملاً أن تؤثر وتعيها أذن واعية، وبعد ذلك سرد مراجعه باللغتين العربية والإنجليزية، ومن ضمنها موسوعة عمان الوثائق السرية التي طبعت في (06) مجلدات، وأصدرها مركز دراسات الوحدة، وكم في الوثائق من دلالات.

ولعل هذا الكتاب وأمثاله أن يكون نافذة لأهل المنطقة كي يطلوا على إخوانهم في عمان، ويعيشوا معهم الآمال والآلام، وأن يمكن المهتمين من دراسة تاريخها السياسي حتى لا نعجب من ظهور مواقف عمانية رسمية منفردة باتجاه إيران أو الغرب، فما الحاضر والمستقبل إلا سلسلة من حلقات مرتبطة بالماضي.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الثلاثاء 26 من شهرِ شعبان عام 1435

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)