سياسة واقتصاد عرض كتاب

نظرة في تاريخ ابن عيسى

Print Friendly, PDF & Email

نظرة في تاريخ ابن عيسى

هذه نظرة إجلال إلى عمل صالح رشيد جاء في كتاب عنوانه: تاريخ ابن عيسى 850-1341، للشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270-1343)، دراسة وتحقيق د.أحمد بن عبدالعزيز المحمد البسام، الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة القصيم. ويتكون هذا الكتاب من ثلاثة أجزاء كما سيأتي. وهو عبارة عن جمع كتابين للمؤرخ ابن عيسى أولهما عنوانه: “تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ووفيات بعض الأعيان وأنسابهم”، وعنوان الثاني: “عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر”، وللكتابين طبعات سابقة منفردة.

يتحدث الكتاب الأول-تاريخ بعض الحوادث- عن مدة طويلة تقع بين عامي (850-1341)، بينما يقتصر الكتاب الآخر-عقد الدرر- على المدة الكائنة بين عامي (1268-1340)، وهو أشبه ما يكون بإكمال لتاريخ ابن بشر بناء على طلب من الملك عبدالعزيز حسبما ورد في الكتاب خلال قصة ذات تفاصيل. وقد صدر هذا العمل الجديد في طبعته الأولى عام (1440=2019م) عن الناشر المتميز للطباعة والنشر بالرياض، ودار النصيحة بالمدينة، وهو ضمن سلسلة إصدارات الناشر المتميز ورقمه (111)، وكم أتمنى أن تحظى جميع كتبنا التاريخية الحديثة والقديمة بدراسة مستوعبة منصفة تخدم العلم والحقيقة قدر الإمكان، ولن يضرنا العلم بشيء في شيء.

يقع الجزء الأول في (416) صفحة، وهو خاص بدراسة شاملة عن المؤلف والكتاب مع مقدمة وبيان لطريقة تحقيق النص الذي اقتضى دمج الكتابين معًا بما أنهما يعتمدان على الحوليات، حتى يكمل أحدهما الآخر دون تكرار، وليصبح تراث المؤرخ المحلي الشهير مجموعًا في كتاب واحد يبين عنوانه الجديد وكيفية كتابة اسم المؤلف على غلافه أن المضمون كله لابن عيسى وإن لم يكن هو من جمعهما بهذه الطريقة التي هدي إليها د.البسام؛ إذ قدّم النص الأقدم حتى عام (1268) لأنه منفرد بهذه الحقبة الطويلة، وبعد ذلك جعل الاعتماد على الكتاب الثاني الأحدث، ويضاف له ما يكون في سابقه وليس فيه.

أما الجزء الثاني من هذا العمل المحكم فتبلغ صفحاته (367) صفحة، ويختص بالأوضاع في نجد قبل قيام الدولة السعودية الأولى مع الإلمام بتاريخ الدولة الأولى. ويستعرض هذا الجزء أحداث السنوات بداية من أحداث سنة (850) إلى وقائع عام (1239) الذي يسبق قيام الدولة السعودية الثانية. ثمّ نصل إلى الجزء الثالث عن الدولة السعودية الثانية والثالثة، وعدد صفحاته (488) صفحة تشتمل على أحداث قرن من الزمان بين عامي ( 1240-1341)، وفيه توثيق مهم لتاريخ الدولة الثانية وبداية تكوين الثالثة.

ويُعدّ كتابنا هذا من المصادر الأصلية لتاريخ نجد والجزيرة العربية، وفي الأحدث منه أخبار نصف قرن يُشار إلى المؤلف بأنه شاهد عيان على مجرياتها، ومراقب بصير لما يتوالى ويتتابع من تطورات خاصة أنه مطلع على ماكان فيما مضى، ولربما لو أن المؤلف لو أطلق لقلمه العنان لألمح إلى شيء مما يستشرفه بيد أنه لم يفعل؛ وكيف يستطيع أن يفعل وهو الذي خشي من انتقاد الناس لما كتبه من المحفوظ أو المشاهد، ولم يتشجع للمواصلة والنشر لولا التحفيز المعنوي والمادي من قبل الملك عبدالعزيز رحمة الله على الجميع؟ وهاهنا وقفتان عاجلتان أولاهما لذي العلم والمعرفة ألّا يحبس ما لديه وألّا يحفل بالناس كثيرًا او يجفل من نشاز الرأي، والثانية لذي الوجاهة والسلطة بأن يغنم الفرص للمؤازرة، ويبادر للمكرمات؛ فلربما خلُد العمل الذي كان هو وراءه وأحد مؤيديه، وله منه الأجر أو الذكر أو كلاهما.

ومما يحسن الإشارة إليه أن هذه الطبعة ضمت بعض الأحداث الفائتة على الطبعات السابقة بسبب سقوط أوراق، أو وجود خلل لا تسلم منه المخطوطات في العادة، وهذه فضيلة تجعل لهذه النسخة مزية، إضافة إلى ما فيها من تعليقات وتوضيحات من قبل المحقق المؤرخ، وبعضها جدير بأن يبرز قطعًا للقول الفطير أو منعًا للرأي النكير، ومن أهمها تبيانه للعلاقات الطيبة التجارية والأسرية والمجتمعية بين أسرتين عريقتين من أسر عنيزة هما أسرة الإمارة والحرب من آل سليم، وأسرة العلم والتجارة من آل بسام، وأنعم بهما وأكرم من أسر عريقة فيما مضى، وفيما هو قائم، وسوف يستمر بإذن الله.

كما يشتمل هذا التاريخ على حوادث كثيرة، منها القتال والحروب والصراعات وهي من ضرورات التأريخ السياسي، وشيء من أخبار تأسيس البلدان وهذا العلم البلداني التاريخي ماتع للغاية. وفيها وفيات علماء وأمراء ووجهاء وأعيان مع ترجمات طويلة أو مختصرة لبعضهم، ولربما أن بعضها غدا الأساس لما يورد في سيرهم وطبقتهم. ومنها بعض أنباء سنوات الرخاء والخصب، أو الجدب والقحط، وسنوات الأوبئة، والآفات الزراعية، والظواهر الكونية، وشؤون الحج تيسيرًا أو تعسيرًا، مع التركيز على علاقات بعض الأقاليم والقبائل مع نجد وأهلها.

إن التاريخ ليس قصة ماضية فقط، ولا حكاية ماتعة ليس إلّا، بل هو درس ماثل لمن يرى، وعبرة شاخصة للعيان، وأنموذج معروض للبصير الحصيف، وفيه تجلية لطبائع البشر والمجتمعات، وإظهار لسيرورة التاريخ والأيام، والسعيد من قرأ ثمّ تدبر وتفكر، وتجاوز مرحلة العلم إلى الادكار والاحتياط والحذر، ولأجل هذا يرد كثيرًا مع عناوين كتب التاريخ كلمات مثل الحوادث والعبر وأمثالهما؛ ذلك أن ما حصل فيه عبرة وعظة للموفق، وليس هذا فقط، فما مضى وغبَر يحمل قابلية شديدة لأن يُستدعى ويحدث من جديد بإرادة الله وتقديره، ولهذا تساءل بعضهم: أيعيد التاريخ نفسه؟!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

السبت 27 من شهرِ شوال عام 1443

28 من شهر مايو عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)