إدارة وتربية عرض كتاب

إبطال فتنة الإبراهيمية

Print Friendly, PDF & Email

إبطال فتنة الإبراهيمية

لم يكن للشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد آل غيهب (1365-1429) ظهور علني كثيف، ولم تشتهر له دروس علمية مسجدية أو منزلية، أو دفعات متوالية من الطلاب في فنون كثيرة فتح الله عليه بها، لأنه صرم جلّ وقته في العلم والعبادة بين المكتبة والكتاب والمسجد، فأودع ثمار بصيرته النافذة، ولباب نصيحته الصادقة، ونتائج استشرافه المستقبلي، في كتبه كلّها خاصة ما كان عن فقه النوازل، وطلب العلم والتعالم والأخطار على المراجع العلمية، وحكم الانتماء، وخصائص جزيرة العرب، وحراسة الفضيلة، والمدارس العالمية، فلكأنه يقول بريشة قلمه المنير: اللهم قد بلّغت فاشهد.

ومن درر كتبه نصٌّ قصير، بيد أنه بالعلم غزير، وهو أشبه بصيحة نذير، وخشية خبير، وإعذار وتحذير، وأما عنوانه فهو: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، تأليف بكر بن عبدالله أبو زيد، صدرت الطبعة الثانية منه عام (1421) عن دار عالم الفوائد للنشر في مكة، ويقع في (141) صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمتين ثمّ ثلاث مقامات يعقبها ملاحق وفهارس، وعلى غلافه الأمامي كتبت الآية الكريمة “وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” (سورة البقرة: 42).

ذكر الشيخ في مقدمة الطبعة الثانية أن نازلة الدعوة إلى الخلط بين دين الإسلام وغيره باسم التقريب والتآخي، ووحدة الأديان، والملّة الإبراهيمية، وغيرها، من أبشع دعائم الأنظمة الدولية المظلمة التي تهدف إلى بثّ الكفر والإلحاد، ونشر الإباحية، وطمس معالم الإسلام، وتغيير الفطرة؛ ولأجل ذلك أفرد هذا الكتاب لكشف مخاطر هذه النازلة، وبيان بطلانها، وتحذير المسلمين منها، مشيرًا إلى أننا نُهينا عن هذه النظرية الإلحادية -وحدة الأديان- في سورة الفاتحة التي فرضها الله على المسلمين في جميع صلواتهم اليومية، وهذه الإشارة من جلائل المعاني المستظهرة في أم الكتاب.

ثمّ نقل في مقدمة الطبعة الأولى وصف الإمام ابن القيم (691-751) لليهود والنصارى وعبّاد الأوثان على اختلافهم، وهو وصف عالم مستقل لم يخضع لهوى دنيوي، ولم يخلد إلى الأرض، أو يركن لسلطة كافر، أو ينسلخ من آيات الله البينات، وخلاصة هذه الأوصاف التحذير من غشّ القوم وخداعهم وفسادهم في المعتقد والفعل والقول، وهو نصّ مليء بالعزة يحتاجه الناس في أزمنة الهوان والذل فضلًا عمّا فيه من حقٍّ واستدلال، والحمدلله أن أغنانا ربنا بشريعته شريعة الإسلام، وجعل الدعوة إليها، والدفاع عنها، من الجهاد الواجب، والأجر الباقي، علمًا أن الشيخ بكر من أعلم أهل عصرنا بالإمام ابن القيم، وبكتبه، وعلومه، وقد نهض مع فريق كريم بمشروع علمي ضخم لنشر تراث ابن قيم الجوزية محققًا بإتقان، مطبوعًا بجودة، معروضًا بسعر مناسب.

كما أوضح المؤلف أن دحض هذه الدعوة الخبيثة، والجواب عن شبهاتها، باب عظيم من أبواب مجاهدة الكافرين، ودفع شرورهم، ولذلك جعل جوابه على ثلاث مقامات سرد في أولها القصة التاريخية لهذه النظرية وجذورها القديمة، وصيّر المقام الثاني موضعًا للجواب على سبيل الإجمال، ثمّ عاد فنشره وفصلّه وبيّن الأصول العقدية التي ترفض هذه النظرية وتنابذها، وخصّص لهذا البيان الشافي المقام الثالث وهو أطول مقامات الكتاب.

ومما كرره الشيخ في كتابه التأكيد على نهي القرآن الكريم عن خلط اليهودية والنصرانية مع الإسلام بقوله تعالى: “وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ” (البقرة: 42)، وأرشد القارئ إلى لفتة مهمة خلاصتها أن الدين عند الله هو الإسلام، وهو دين سماوي واحد وإن اختلفت شرائع الأنبياء المتعاقبين، وأحال مريد الفائدة إلى مقالة باذخة كتبها شيخ العربية محمود محمّد شاكر (1327-1418) في كتابه اللذيذ المهم “أباطيل وأسمار” عن لفظ الدين والملة، وهي مقالة كرّر الشيخ الإشادة بها لبعض جلّاسه وهم يناقشون هذه المسألة في بيته كما أخبرني أحدهم.

ثمّ تحسّر المؤلف الغيور على حضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة لمؤتمرات الإبراهيمية وصلواتها التي يؤم فيها “البابا” أشتاتًا مختلفين في المعتقد والقبلة وطريقة الصلاة وهي سابقة غير معهودة في التاريخ! ولم يترك التنبيه إلى أن أكثر المتعاونين مع هذه الدعوة الداحضة ممن ينتسبون للإسلام وهم من فرق القاديانية والبهائية والباطنية، وأن الاندفاع معها خطة تقع ضمن ألاعيب السياسة، واسترضاء الدول الكافرة القوية، ولله المشتكى.

ويرى بأن هذه الدعوة فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية، تبرز في لباس جديد، ومن أهدافها كسر حاجز النفرة بين المسلم والكافر، وإضعاف عقيدة الولاء والبراء، وتجريد الشخصية الإسلامية من هويتها، وحلّ الرابطة الإسلامية، ونسف أحكام الإسلام، والثأر من الأمة، وأن أصحابها لا يستندون فيها إلى شرع منزل مؤبد، وتلجمهم الحجة العقلية بسهولة؛ لأن اليهود والنصارى لا يؤمنون بالقرآن ولا بالرسول الخاتم محمّد صلّى الله عليه وسلّم كما يفعل المسلمون مع أنبياء أهل الكتاب، ومما لفت نظري أن النصوص ثابتة عن نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان وأنه سيتبع دين محمد عليه السلام، وأن موسى عليه السلام لو كان حيًا لما وسعه إلا أن يقتدي بالنبي الخاتم.

كذلك مما تنفضح به هذه الدعوة المريبة أن رموزها مرتبطة باليهودية والنصرانية والداروينية والماركسية، وتؤول أموال جمعياتها ومراكزها إلى الصليب الأحمر، وتغضّ طرفها عن حملات “التبشير النصراني” المتواصلة في أصقاع المسلمين وغيرهم، وفيها تحريف وانتحال وتأويل فاسد، والواجب يقتضي التعليم والبيان وصدّ العاديات عن الدين، ومن حذّر فهو مثل من بشّر؛ حتى لا يأتي يوم يجهل فيه أبناء المسلمين تمييز القرآن والمسجد وعلوم الشريعة عمّا لدى الملل الأخرى المحرفة أو البشرية.

أيضًا خلص المؤلف إلى قاعدة نهائية واضحة، وحكم أصيل خالٍ من التميع والهزيمة، وهو ألّا لقاء ولا وفاق بين أهل الإسلام وغيرهم من أتباع الملل الأخرى إلّا وفق الأصول الشرعية التي نصت عليها الآية القرآنية الكريمة القطعية كما قال جلّ شأنه: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” (آل عمران: 64).

وأخيرًا أضاف الشيخ إلى كتابه المختصر ثلاثة ملاحق فيها فتاوى من اللجنة الدائمة للإفتاء المنبثقة عن هيئة كبار العلماء في المملكة، صدرت الفتوى الأولى عام (1418) بشأن الدعوة إلى وحدة الأديان، والثانية بشأن حكم بناء المعابد الكفرية في جزيرة العرب صدرت عام (1421)، والثالثة بيان عام من اللجنة في التحذير من وسائل التنصير صادر عام (1418)، وعليها كلّها توقيعه لأنه عضو في اللجنة والهيئة آنذاك، وآثار قلمه وعلمه وثقافته ولغته واضحة في نصوصها، كما حمل بعضها توقيع العالم الحبر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (1330-1420).

ولربما يستعظم البعض التحذير من هذه الخديعة الكفرية، ومن نصب الأصنام في بلاد المسلمين، اتكاءً على قوة العقيدة والديانة وانتشار العلم، ولا بأس من تذكيرهم بأن الناس استكثروا على المصلحين الاسترابة من البثّ الفضائي الماجن، ولم يصدّقوا ما قيل عن آثارها المحتملة، حتى وجُد في أجيال المسلمين من لا يردعه حرام ولا حياء ولا حرج عن انحلال أو عري أو شذوذ، وعليه فلو سكت أهل العلم عن هذه المظاهر الكفرية فليس بكثير أن تنجم في أهل الإسلام ناشئة لا تميز بين القرآن وغيره من الكتب المحرفة، ولا تفرق بين مسجد وكنيسة، وتساوي بين شيخ وقسٍّ وحاخام، وحينها قد نرى في ديار المسلمين منصبًا بشموخ ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا! والله يحمينا بخلود كتابه وسنّة نبيه، وبحفظهما، وبمن ينصرهما من أهل التمكين، ولن تخلو الأرض من سلطان قائم لله بحجة كما قال إمام حجة.

فما أجدر الآباء والأمهات المشفقين على ذراريهم وبنيهم أن يتدارسوا هذا الكتاب وأمثاله لأن المناهج الدراسة في جلّ بلاد المسلمين تخلو منه، وهو موضوع خصب لخطب الجمعة والمواسم المشهودة، وما أحرى أهل العلم والبيان بأن يسلكوا المنهج الرشيد للشيخ بكر، فقد كان يكتب بعلم، وعزّة، واستقلالية، وجَلَد، ورجوع إلى الدليل، وغوص في بطون الكتب، ثمّ يعلن ما يعتقد أنه الحق دون أن يصادم، ببيان مشرق، وأسلوب فخم رفيع، واستعلاء واعتزاز، وما كان لله فسيبقى.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الجمعة 07 من شهرِ رجب عام 1442

19 من شهر فبراير عام 2021م  

Please follow and like us:

One Comment

  1. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته الله يجزاك خير يا استاذ احمد على هذه المقاله الجميله التي استقيت معلوماتها من كتاب الشيخ بكر ابو زيد رحمه الله وغفر له ولا شك ان الناس بحاجه ماسه الى تبصيرهم بهذه الخطط الكفريه الالحاديه وبيان الحق في هذه الخديعه التي ينشرون لها ويسوقون في وسائل الاعلام كفانا الله شرهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)