سير وأعلام عرض كتاب

بين القصيبي والسعد

بين القصيبي والسعد

فرغت من قراءة كتاب جمع اللطافة مع الفائدة والفرادة، عنوانه: مع د/غازي القصيبي: قصص وذكريات وأشعار ومراسلات تُكشف لأول مرة، تأليف: د.سعد بن محمد السعد، تقديم أ.د.عبدالله محمد الغذامي، وَ د.فهد بن إبراهيم البكر، ويتكون الكتاب من إهداء وتقديمين وتمهيد وتعريف بطرفي الكتاب، يتلوها فصلان أول وأخير فالخاتمة وقائمة بالمصادر والمراجع، ويقع في (200) صفحة طبقًا لطبعته الأولى الصادرة عام (1441=2020م).

أهدى المؤلف كتابه إلى روح أبي سهيل وأسرته ومحبيه وعامة القراء، ووصف أ.د.الغذامي الكتاب في تقديمه بأنه من تمر المدينة حسب تعبير غازي المجازي بيد أنه لا يفطر الصائم الذي تناوله في ضحوة رمضانية، ولبّ الكتاب ليس من القول المعاد المكرور كما يرى د.البكر. ثمّ ذكر المؤلف أنه نشر هذه الذكريات اعتزازًا بها، ولأنها مثل الأمانة التي يؤديها للأجيال فليست ملكًا له وحده، واللافت في الأمر أن هذه المراسلات لم تكن معدّة للنشر حين كتبت، وهذا أدعى للتلقائية، وأقرب للصدق.

التقى المؤلف مع القصيبي في البحرين عام (1410) وكان الثاني سفيرًا والأول مديرًا لمكتب الدعوة فيها، وهذا هو اللقاء الثاني بعد سابق له قصير وطريف إبان عمل د.غازي وزيرًا للصناعة والكهرباء، فاستمرت العلاقة بينهما عقدين من الزمن مع تباعد الأمكنة، وتوالى التراسل الكتابي والتواصل الهاتفي في سجال أخوي عفوي، ومن نتائجه ما نشره المؤلف هنا وإن لم يعرض جميع مالديه -انتظارًا للوقت المناسب كما أشار- وليته حشد فيه محفوظاته كلها كي يكون المرجع واحدًا لمن شاء الكتابة أو التحليل، ويبقى في النهاية أن تقدير د.سعد هو الأصوب لإحاطته بما لم نحط به.

ومن هذه الصلة اكتشف أبو عمر خفة روح أبي يارا، ووفائه، وثقته بنفسه دون صلف، ومهاراته الفائقة في التواصل والاتصال، مع جمال في الخط ورشاقة في الأسلوب، ويختم وصف صديقه بالثناء على شخصيته المشعة، وأريحية الرجل وإنسانيته، ولك أن تتخيل رهافة شعور القصيبي حين يرد على الرسالة الخطية برسالة خطية مشابهة، ويجيب عن الرسالة المطبوعة بمطبوعة مثلها، وتسري هذه المحاكاة السامية النبيلة في نوع المكاتبة نثرًا أو شعرًا.

لذلك يحفظ الكتاب إحدى عشرة قصيدة بين طرفي الكتاب وألطفها تعليق د.القصيبي على زواج د.السعد للمرة الثانية، وإحجام القصيبي الموحد عن حضور حفلة العرس التي تقترب من الانتحار لديه مبديًا رحمته لمعددٍ يصير فريسة بين زوجتين وهو بينهما لا يكف عن اللهاث، وأجابه د.السعد بتأكيد إصراره على قراره طلبًا لمرضاة الله، ومكررًا الدعوة التي يأمل منها حضور المدعو لا إرسال الأشعار بالأعذار.

كما يحفظ كتابنا أربعة عشر رسالة بين الرجلين الأديبين، وفيها عرْض القصيبي على السعد أن ينقله معه للسفارة في لندن، وتحرُّج د.غازي من الغلاظ الشداد في مكتب د.سعد، وشيء من أخبار تمور المدينة المجازية، وثلوثية المنامة، ونقاشات فقهية وسياسية وأدبية، ومن ألطفها أن معالي السفير أقام حفل استقبال لفضيلة الشيخ في البحرين وأعلمه بأن الحفل سيخلو من الخطب والكلمات كي لا تؤثر على الشهية، وكم تصيب بعض هذه الكلمات سامعيها بالقرحة أو تجلب لهم حالًا تشبه الغثيان.

وفي الكتاب شهادات وروايات ونقولات وفوائد أخرى أتركها لمتعة القارئ، ومن مزاياه النصوص الخطية بقلم القصيبي والسعد، وخطهما جميل وجمال الخط أحد الفصاحتين كما قالت العرب، وإن مبادرة د.السعد لطباعة هذا الإرث الثقافي بعد التنسيق مع أسرة الراحل لأمر يُحمد له ولهم، ذلك أن هذا الكتاب البعيد عن التكلّف يصوّر أبا نفيس من زوايا نفيسة ربما تغيب عمن لا يجيد البحث عن الزوايا في كلّ الزوايا.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الأحد 11 من شهرِ محرم عام 1442

30 من شهر أغسطس عام 2020م 

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)